تقارير وإضاءات

خبايا المهمة الإيرانية للسيطرة على الشرق الأوسط

ضمّت إيران عشرات الآلاف من الشباب الشيعة إلى شبكة مسلحة تتحدى من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. وقد كانت إيران تهدف إلى أن تحولهم إلى آلة حرب تتفوق على الولايات المتحدة في ساحات المعارك، نظرا لأن سلطة طهران تفوق البيت الأبيض ذكاء ودهاء.

في الواقع، تتمثل مهمة هذه المليشيات في الدفاع عن نظام الأسد في سوريا، والسيطرة على الأراضي التي تقبع تحت رحمة تنظيم الدولة في العراق، فضلا عن السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء. وفي الوقت الراهن، تعتبر هذه الميليشيات الشيعية العابرة للحدود، التي لا تحمل اسما رسميا، القوة المهيمنة في المنطقة، علما وأنها ستمكن إيران من الاستفادة من غياب إستراتيجية متماسكة وواضحة لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الشرق الأوسط.

على مدى ستة أشهر، أجرى موقع “بازفيد نيوز” الأمريكي حوارات مع باحثين ومسؤولين ومليشيات، أكدوا صحة المعطيات بشأن البرنامج الإيراني الذي تُشرف عليه إحدى وحدات الحرس الثوري الإيراني، فيلق القدس، الذي يعمل تحت قيادة قاسم سليماني. وغالبا ما يظهر سليماني على جبهات القتال الأمامية في العراق وسوريا. وفي الأثناء، تطابقت جميع شهادات المقاتلين المنتمين لهذه الجماعات المسلحة مع المعلومات التي جمعها مسؤولون عسكريون فضلا عن المخابرات الأمريكية على الرغم من أنه قد تم جمعها بشكل مستقل.

وفي هذا الإطار، يستذكر أحد هؤلاء الجنود، الذي يُدعى مصطفى الفريداوي، باعتزاز أيامه الأولى على اعتباره عضوا في الميليشيات الإيرانية. وقد أكد الفريداوي أن تلك التجربة كانت مغامرة جديدة بالنسبة له وكان سعيدا بها. وأثناء جلوسه في مطعم صاخب، يقع شمال بغداد، في وقت سابق من هذه السنة، تحدث الفريداوي عن حيثيات تجنيده، حتى يكون جزءًا من قوة قتالية تهدف إلى تعزيز نفوذ إيران في الشرق الأوسط.

نشأ الفريداوي، في حي أور، الذي يقع في شمال بغداد، قبل أن يسير على خطى والده ويصبح سائق حافلة، إلا أن آفاق هذه المهنة لا تتسع لشاب كان يبحث عن معنى حقيقي لحياته. وخلال شهر حزيران/يونيو من سنة 2013، انضمّ الفريداوي إلى مليشيات شيعية يُطلق عليها اسم “عصائب أهل الحق”، التي تعرف بسمعتها السيئة على خلفية الهجمات التي شنتها ضد القوات الأمريكية، إلى جانب انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها في حق العديد من السكان السنّة في العراق.

وفي الأثناء، تلقى الفريداوي تدريباتٍ لمدة 10 أيام في قاعدةٍ عسكريةٍ عراقيةٍ تقع في بلدة أبو غريب، في غرب العاصمة بغداد، قبل أن يتم إرساله لمحاربة “المتمردين” السنة في العراق. ومن بين المهمات الأولى التي كُلّف بها، طلب من الفريداوي الانضمام إلى فريق يبحث عن ثلاثة جنود عراقيين مفقودين في بلدة الكرمة التي تقع شرق الفلوجة.

وفي خضم عملية البحث، اضطر الفريداوي ورفاقه للدخول في مواجهة نارية مروعة. وفي هذا السياق، أقر الفريداوي بأنه كان خائفا جدا، نظرا لأن الطرف المقابل كان يطلق عليهم النار بشكل جنوني. وأضاف الفريداوي، قائلا: “اعتقدوا أننا جُرحنا إلا أننا لم نصب بأي مكروه”.

على مدى الأشهر القليلة التالية، أظهر الفريداوي شجاعة جعلت قيادة المليشيات تستبشر به خيرا. ففي الحقيقة، كان المقاتل الذي خرج من منزله على اعتباره متطوعا يريد القيام بأمر جيد لصالح بلده المنهار(العراق)، يتطور بسرعة ليصبح فيما بعد مسلحا محترفا. ونظرا للمواهب القتالية التي يمتلكها الفريداوي في ساحة المعركة، أوصى به قادته ليحصل على برنامج تدريب عسكري وإيديولوجي لمدة 45 يوما في إيران. في الواقع، كانت هذه الخطوة بمثابة منعرج حاسم في مسيرة شاب يقاتل في سبيل القضية الشيعية.

خلال شهر كانون الثاني/يناير سنة 2014، وجد الفريداوي نفسه على متن حافلة مليئة بالمقاتلين الشيعة، الذين كانوا يتمتعون بروح معنوية عالية. سلكت هذه الحافلة الطرق السريعة ومن ثم الطرق الريفية التي تؤدي إلى خارج بغداد وتوجهت نحو الحدود الطويلة مع إيران. وأثناء تلك الرحلة، كان الشباب يغنون أغاني تنسب لزينب، شقيقة الإمام الشهيد، الإمام الحسين.

للمرة الأولى، يغادر هؤلاء الرجال العراق، مع العلم أن مئات الآلاف من العراقيين يزورون كل سنة جارتهم الأكثر ثراءً وهدوءًا بغية الحج إلى بقاعها المقدسة أو للحصول على الرعاية الصحية. وبدلا من الحصول على جوازات سفرهم مختومة عند عبورهم الحدود من خلال منفذ شلامجة، سلّم الرجال أوراق هويتهم الخاصة إلى السلطات الإيرانية وهواتفهم الخلوية. وبالتالي، لن يكون لهم أي أثر رسمي يثبت وجودهم في البلاد، على الرغم من أنهم دخلوا فعليا الأراضي الإيرانية.

في أعقاب ذلك، تم نقل هؤلاء العراقيون إلى مطار مدينة الأهواز، التي يبلغ عدد سكانها مليون شخص، والتي تقع في أقصى جنوب غرب إيران، حيث قاموا باستقلال طائرة، لا تحمل أي علامات تدل على من يمتلكها. وكان الفريداوي، الذي كان يبلغ من العمر 23 سنة آنذاك، متحمسا، نظرا لأنه لم يسبق أن ركب طائرة. وأثناء الرحلة، اتخذ الفريداوي مقعدا بجانب النافذة ما مكّنه من رؤية الجبال الثلجية من مسافة قريبة، وربما مشارف العاصمة الإيرانية، طهران. وتجدر الإشارة إلى أنه وإلى الآن، شدد الفريداوي على أنه ليس متأكدا تماما من المكان الذي أُخذ إليه، فقد حذرّه بعض الرجال من طرح العديد من الأسئلة.

وفور وصولهم، شرع هؤلاء الرجال في التدريبات العسكرية. وفي هذا السياق، صرح الفريداوي أنهم كانوا لا ينامون في حين كانوا مطالبين بالركض لمدة ساعتين كل يوم. وأضاف الفريداوي قائلا: “علمونا أن نكون قوي الشكيمة وصبورين للغاية… حيث لم نكن نَتناول سوى القليل من الغذاء والماء. كما منعونا من تدخين السجائر، وإجراء مكالمات هاتفية مع أصدقائنا وأقاربنا في الوطن”. ومع انتهاء الدورة التدريبية، كان الفريداوي مستعدًا لخوض غمار الخطوة التالية في مغامرته التي تتمثل في القتال من أجل الأسد في سوريا.

منذ سنة 1979، دخلت إيران في خلاف مع الغرب، أي منذ إطاحة الإسلاميين بالشاه الموالي للولايات المتحدة، محمد رضا بهلوى، وأقاموا دولة ثيوقراطية. وعلى مدى العقد الماضي، أثار البرنامج النووي الإيراني حالة من الذعر في واشنطن، حيث كافحت الإدارات الأمريكية المتعاقبة من أجل إرساء سياسة مناسبة مع إيران. وقد تُوجت هذه المساعي بالاتفاق النووي المثير للجدل الذي أبرمه باراك أوباما، سنة 2015، والذي لا يزال مفعوله ساريا في ظل إدارة ترامب الحالية.

وفي الوقت الذي كانت فيه المخاوف تجتاح واشنطن بشأن البرنامج النووي الإيراني، كان مسؤولي طهران يبذلون جهودا حثيثة من أجل بسط نفوذهم في الشرق الأوسط. ومنذ بداية الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003، نصبت إيران نفسها مدافعا عن جيرانها الشيعة خوفا من أن تقوم الولايات المتحدة بالاستيلاء على السلطة والتجارة والجيش. ولم تكن هذه الخطوة سوى جزءا من هدف إيران الأكبر؛ الذي يتمثل في بلوغ هيمنة إقليمية تمتد من خليج عدن إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط.

في الحقيقة، ينظر أعداء إيران إلى المليشيات الشيعية على أنهم مجرد مرتزقة. في المقابل، يؤمن كل من الفريداوي ورفاقه بقضيتهم الشيعية، فمن وجهة نظرهم، يشكل “المتطرفون” السنة في المنطقة، فضلا عن الولايات المتحدة وحلفائها، تهديدا حقيقيا. ولذلك، فهم يعتقدون بضرورة حمل السلاح للدفاع عن دولهم ومعتقداتهم.

في صيف سنة 2011، تجمّع المئات من الشباب السوريين واللبنانيين في الوقت الذي كانت فيه انتفاضات الربيع العربي تهز أنظمة الشرق الأوسط، في جبال البقاع في لبنان، من أجل تلقي تدريبات عسكرية على يد عسكريين وقادة ينتمون لحزب الله. وفي هذا السياق، سرد الصحفي اللبناني، فداء عيتاني، تفاصيل ما شاهده هناك، وتحدث عن طموح حزب الله وإيران في المنطقة.

في ذلك الحين، كان فداء عيتاني من مؤيدي حزب الله، حتى أنه تلقى تدريبات عسكرية من قبل هذا التنظيم، لكنه الآن بات من مناهضيه. وقد وافق عيتاني على التحدث عن تجربته وذكر رأيه فيما يتعلق ببرنامج التدريب. في ذلك اليوم من سنة 2011، وبعد أن شاهد بنفسه تلك التدريبات التي تُجرى في وادي البقاع، سأل عيتاني أحد الأشخاص في وحدة المخابرات التابعة لحزب الله: لماذا يتم تدريب عدد كبير من الرجال بكل هذا الحزم وهل أنهم يستعدون لحربٍ أخرى ضد إسرائيل؟ قيل لعيتاني، إن “حزب الله يقوم بإخضاع المقاتلين لتدريبات قاسية من أجل تعليمهم الدفاع عن أنفسهم، ودينهم، فضلا عن كيفية توظيف والتعاطي مع البنية التحتية للدولة، من كهرباء، ومياه، ودفاع مدني”.

وفي السياق ذاته، قال عيتاني: “فوجئت بمدى طموح حزب الله ومشروعه التوسعي الذي بدأ إبان الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان. فقد عمدت إيران، خلال تلك الحرب، إلى جمع الشباب من الشارع من أجل التصدي لقوة إسرائيل”. وأضاف أن عيتاني “حزب الله أصبح، على مدى العقد الماضي، أداة تتمتع بقوة كبيرة في يد السياسة الخارجية الإيرانية في الشرق الأوسط وأوروبا، وحتى أمريكا اللاتينية”.

تعزيز أهداف إيران الإستراتيجية عبر توسيع قدرات حلفائها والحفاظ على توازن القوى في المنطقة بشكل يصب في مصلحة إيران في الشرق الأوسط، فضلا عن مواجهة منافسيها على غرار الولايات المتحدة وإسرائيل.

وفي الوقت الراهن، يتم توجيه هؤلاء الشبان للقتال في سوريا، في حين يكافح السنة من أجل الإطاحة بنظام بشار الأسد المدعوم من إيران. وفي الإطار ذاته، أكد عيتاني أنه “في حال غادر الأسد، ستظفر مليشيات كل من حزب الله وإيران بجزء صغير من سوريا. أما إذا فاز الأسد، فستسيطر تلك الميليشيات حينها على كل سوريا”.

منذ بداية الربيع العربي، تمكنت إيران من استقطاب عشرات الآلاف من المقاتلين العراقيين واللبنانيين والأفغان للقتال في سوريا. وفي هذا الصدد، أوضح الباحث الإسرائيلي، إيلي كارمون، من المركز المتعدد المجالات في هرتسيليا، إسرائيل، أنّ هناك ما يتراوح بين 5 آلاف و7 آلاف مقاتل من ميليشيات حزب الله في سوريا. فضلا عن ذلك، تتكون “كتائب الفاطميون”، وهي وحدة من الحرس الثوري الإيراني من مقاتلين أفغان، يصل عددهم إلى 17 ألف مقاتل.

وفقا لتقديرات خبير أمني عراقي، يُدعى هشام الهاشمي، تلقى قرابة 65 ألف مقاتل من الميليشيات العراقية إما تدريبًا أو أسلحة أو تمويلًا من قبل إيران. من جانب آخر، أعرب مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون عن قلقهم الشديد إزاء الجسر البري الذي تنشئه مليشيات موالية لطهران، والذي يمتد من جبال زاغروس الإيرانية إلى حدود إسرائيل، ولكنّهم عاجزون عن وقف ذلك.

وفي الأثناء، يبدو أن إيران تستخدم هؤلاء الرجال بطرق أكثر إبداعا، في خضم الحرب الطائفية والجيوسياسية المستمرة التي تخوضها في المنطقة، والتي تحشد لها الدول والمنظمات الشيعية المؤيدة لها لمواجهة المعسكر السني الذي يحظى بدعم الولايات المتحدة.

من المحتمل أن يكون لعملية بناء شبكة متعددة الجنسيات من المقاتلين المدربين تدريبًا عاليًا وذوي خبرة عواقب طويلة الأمد على المنطقة التي تشهد بالفعل سباق تسلحٍ مستعر، فضلا عن التطرف والصراعات المتداخلة. وفي هذا السياق، تساءل إيلي كارمون عن مصير كل هؤلاء العراقيين والأفغان والباكستانيين الذين يقاتلون في سوريا عندما يعودون إلى ديارهم. وأضاف كارمون أن “500 أو 1000 مقاتل يعتبر عدد كافٍ لتنظيم شبكة إرهابية، التي ستتحول إثر ذلك إلى تهديد مستقبلي”.

وفقا لما ورد في تصريحات الكثير من المقاتلين، فقد تسارعت وتيرة التدريب الإيراني للميليشيات، نظرا لارتفاع عدد المجندين الجدد وبعثات التدريب إلى إيران هذه السنة. علاوة على ذلك، أشار بعض المجندين الجدد إلى أنهم تلقوا تدريبا حول كيفية استخدام عبوات ناسفة يمكنها اختراق دروع المركبات العسكرية، مع العلم أنها استُخدمت على نطاق واسع ضد القوات الأمريكية خلال غزو العراق قبل عقد من الزمان.

في واقع الأمر، يمتدّ الانتشار الإيراني إلى ما وراء سوريا وجاراتها. ويشتبه مسؤولون أمريكيون وغيرهم في أن التدريب الإيراني للمقاتلين في اليمن، حيث يسيطر حلفاء طهران من الحوثيين على العاصمة صنعاء، يقف وراء الهجمات الأخيرة التي تم شنّها على السفن قبالة سواحل اليمن. وقد أثار ذلك مخاوف البعض بشأن تعطل حركة الممرات البحرية المهمة.

علاوة على ذلك، تمثل محاربة مختلف الجماعات المسلحة المُنظمة، التي تتكون من رجال بإمكانهم التغلغل بسهولة بين السكان المحليين، تحديا كبيرا بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، وهو وضع لا يمكن أن تفي فيه الآليات التقليدية للحرب بالغرض. وفي هذا الصدد، أفاد العميد المتقاعد، الجنرال يوسي كوبرواسر، والمستشار السابق في وزارة الشؤون الإستراتيجية والرئيس السابق لقسم الأبحاث في فرع المخابرات العسكرية التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي، أن “الأمر يعد بمثابة تهديد كبير”. وأضاف كوبرواسر أن “امتلاكنا لطائرات مقاتلة من نوع أف-16 وأف-35 لا علاقة له بهذه المشكلة”.

وتجدر الإشارة إلى أن النخبة الحاكمة في إيران دائما ما يكتسيها الغموض. فضلا عن ذلك، نادرا ما تكشف الشخصيات من داخل جهاز الأمن في طهران عن أي تفاصيل بشأن برنامج التدريب الإيراني في حين لا يعلم أحد من خارج دائرة قادة الأمن الإيرانيين باسم هذا البرنامج. وفي هذا الصدد، صرّح أحد المطلعين على الأمن القومي الإيراني لموقع “بازفيد نيوز” أن البرنامج لم يُطلق عليه اسم رسمي.

تثير عظمة الرؤية الإيرانية دهشة منتقدي إيران، خاصة في ظل المزيج من القوة السياسية والعسكرية الذي تحظى به في كل من العراق واليمن ولبنان وسوريا، وبلدان أخرى من بينها البحرين والسعودية وحتى نيجيريا، حيث ينشط فرع غير مسلح لحزب الله.

أما في وسائل الإعلام، يصف المسؤولون الإيرانيون المقاتلين “بالمدافعين عن الأضرحة المقدسة”، في إشارة إلى دورهم في حماية المواقع الدينية الشيعية. وفي المناسبات النادرة التي يتحدث فيها المسؤولون الإيرانيون عن هذا البرنامج، يتم وصفه بعبارات مهيبة في حين يتم ربط أهدافه برغبة طهران في إقامة نظام عالمي عادل سيتشكل بالتزامن مع عودة المهدي المنتظر. وبعد المهدي المختفي الإمام الثاني عشر في أصول الدين عند الشيعة، الذي ستبشر عودته بقيام عصر جديد. من ناحية أخرى، ترى طهران في هذه المعركة أيضا طريقة لمواجهة النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط بشكل مباشر.

خلال كلمة ألقاها في مطلع هذه السنة للإشادة بدور “لواء فاطميون”، وهي مليشيا أفغانية تقاتل لخدمة أهداف إيرانية في سوريا، قال نائب قائد قوات فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاآني، إن “الأمريكيين أنفقوا ثلاثة تريليونات من الدولارات في حربهم في أفغانستان تحت ذريعة مكافحة تنظيم القاعدة إلا أنهم لا يزالون يتجولون في المنطقة. لا بد أن يضع الأمريكيون والإسرائيليون في الحسبان نموّ نفوذ “لواء فاطميون” وانتشار المقاومة في جميع أنحاء العالم. هذه ليست إلا البداية ويجب على أمريكا أن تأخذ حذرها”.

من جهته، طلب موقع “بازفيد نيوز” من عدة مسؤولين في وزارتي الخارجية والأمن الإيرانيتين التعليق على هذا الموضوع إلا أن جميع المسؤولين رفضوا الإدلاء بأي تصريح. وفي هذا الإطار، علّق علي عميدي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أصفهان بإيران، قائلا إن الأهداف الرئيسية لبرنامج المليشيات الإيرانية تتمحور حول الحفاظ على أمن إيران من خلال إضعاف الجماعات السنية المتطرفة أو القضاء عليها.

علاوة على ذلك، تتمثل الأهداف الأخرى في تعزيز أهداف إيران الإستراتيجية عبر توسيع قدرات حلفائها والحفاظ على توازن القوى في المنطقة بشكل يصب في مصلحة إيران في الشرق الأوسط، فضلا عن مواجهة منافسيها على غرار الولايات المتحدة وإسرائيل. في المقابل، شدد عميدي على أن الغموض لا يزال يكتنف هذا البرنامج، حيث أوضح أن “هذه المسائل تُصنّف على اعتبارها سرية، ولا توجد أية معلومات مُثبتة أو موثوقة بشأنها”.

عموما، تثير عظمة الرؤية الإيرانية دهشة منتقدي إيران، خاصة في ظل المزيج من القوة السياسية والعسكرية الذي تحظى به في كل من العراق واليمن ولبنان وسوريا، وبلدان أخرى من بينها البحرين والسعودية وحتى نيجيريا، حيث ينشط فرع غير مسلح لحزب الله. أما المسؤولون الأمريكيون، الذين يكافحون لتعزيز قدرات الحلفاء انطلاقا من البحر الأحمر وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط، فيعترفون على مضض بالتفوق الإيراني في هذا النمط الخاص من الحرب.

وفي هذا السياق، أفاد مسؤول أمريكي سابق، في حين يغلب عليه الإحباط، أن “المقاتلين في العراق وأفغانستان واليمن، وفي أي مكان قمنا فيه بإجراء تدريبات، لا يمكنهم إطلاق النار بشكل مستقيم. وحين يقوم الإيرانيون بتدريب هؤلاء الرجال، يصبحون على الفور مقاتلين جيدين”.

 تتألف الجماعات المسلحة الإيرانية من رجال أمثال، مصطفى الفريداوي، الذي تم تجنيده من الأحياء الفقيرة المتدينة في الشرق الأوسط. وفي جميع أنحاء المنطقة، تم تطوير أساليب العمل في إطار عمليات تجنيد هؤلاء الرجال على مرّ عقود من الزمن. في البداية، قامت خلايا صغيرة تابعة لحزب الله باستكشاف المناطق التي تقع فيها المظالم بغية استغلالها والبحث عن مجنّدين. وفي هذا الصدد، بين فداء عيتاني، وهو مؤيد سابق لحزب الله، أن “هذه الخلايا ترسل في وقت لاحق مستشارين خاصين للتواصل مع المواطنين، ودفع مال الإيجار أو شراء منازل لهم إن أمكن ذلك. فيما بعد، يقع إرسال رجال سياسة ودين لمحاولة إقناع هؤلاء الأشخاص ومن ثم تنطلق التدريبات حتى يصبحوا مقاتلين”.

من ناحية أخرى، تطرق مصطفى الفريداوي وستة آخرون، من بينهم مقاتلان من حزب الله في لبنان، إلى عملية التقدّم والفحص الشاقة لكل فرد يلتحق بصفوف المليشيات التي تدعمها إيران. في الواقع، يحرص المُجنِّدون على معرفة أبسط التفاصيل التيس تتعلق برجل المليشيا المحتمل على غرار معلومات عن عائلته وأصدقائه وعلاقاته البعيدة وآراءه السياسية وعاداته الدينية. فضلا عن ذلك، يبحث القادة عن نوع محدد من المُجنَّدين، أي شباب الأحياء الذين لا يمانعون اتباع التعليمات الدينية الشيعية واستخدام الأسلحة الروسية الصغيرة على حد سواء.

وفقا لتقرير صدر سنة 2008، عن مركز مكافحة الإرهاب، الذي تضمن شهادات أخذت في إطار مقابلات أجراها الجيش الأمريكي مع رجال من المليشيات الشيعية العراقية الذين وقع أسرهم، يبحث المُجنِّدون عن صفات تشمل “الانفتاح”، والجلادة الجسدية، والنضج، بالإضافة إلى المهارات التنظيمية “والمسؤولية”، في صفوف الأفراد المُنصاعين نسبيا والذين لا يطرحون الكثير من الأسئلة.

من جانب آخر، يقوم المُجنَّدون بدورهم في استدراج أفراد آخرين ضمن دائرتهم. فعلى سبيل المثال، كان تأثير قرار الفريداوي في الالتحاق بالمليشيات كبيرا لدرجة أنه دفع آخرين في حيه إلى الانضمام أيضا. وقد قدّم الفريداوي أحد هؤلاء على أنه صديقه المقرب، الذي يُدعى محمد جبار كاظم، والذي وقع على عقد الانضمام بعد مرور سنة على موالاة الفريداوي لهذه الميليشيات.

كان الرجلان يتبادلان أطراف الحديث خلال اجتماع صباحي في المطعم المزدحم الذي يعتبر مكان التقائهما المعتاد. وقد أفاد كاظم أنه كان عامل بناء في شمال بغداد، إلا أنه كان عاطلا عن العمل معظم الوقت، لذلك قرر أن يتبع مسار الفريداوي. وبعد قضائه عدة أشهر مع المليشيات كمتطوع، انظم كاظم رسميا إلى المجموعة في أيار/مايو سنة 2014، وقد حصل على 150 دولارا علاوة مقابل توقيعه العقد. في البداية، كان هذا المبلغ يقدّم بين الفينة والأخرى.

بالإضافة إلى ذلك، أكد الرجلان أنهما شعرا بمدى الاهتمام الذي توليه المجموعة بهما، حيث أورد الرجلان: “كُنّا نُسأل، ‘هل تحتاج إلى راتب؟ هل لديك أطفال أو هل تُعيل أحدا ما؟'”. بعد تلقيه تدريبا لمدة 10 أيام في مدينة أبو غريب العراقية، سرعان ما وجد كاظم نفسه على جبهة المعركة، حيث قاتل جنبا إلى جنب مع رجال المليشيات الأخرى ضد المتمردين بالقرب من مدينة كركوك. وفيما بعد، تم تكليفه بمهمة أخرى في محافظة ديالى حيث قتل ثلاثة من رفاقه في عملية انتحارية.

في الأثناء، أثار كاظم إعجاب قادته، لذلك أُوصي به للالتحاق بدورة هندسية لمدة خمسة أيام في قاعدة “ليج سبرينغ” التي تقع على بعد 30 ميلا جنوب بغداد، والتي استخدمها صدام حسين قبل عقود لإعداد الفلسطينيين لمحاربة إسرائيل. وفي هذه القاعدة، تعلم كاظم كيفية زرع القنابل على جانب الطريق وإزالتها واستخدام الحيل ذاتها التي يستخدمها تنظيم الدولة بما في ذلك الثلاجات المخففة والأسلحة المُعلّقة على أسلاك التعثّر المتفجرة ضد الجهاديين. كما أشار كاظم إلى أنه تعلم كيفية صنع العبوات الناسفة الخارقة للدروع.

في الواقع، لم يكن المُدربون يتحدثون اللغة العربية بطلاقة، بالتالي اشتبه كاظم في أنهم إيرانيون، إلا أنه لم يكن متأكدا من ذلك. وفي هذا الإطار، قال كاظم: “لم نسأل بشأن هذا الأمر مطلقا ظنّا منا أن ذلك قد يخلق بعض المشاكل بالنسبة لنا”. مقابل ولائهم، يتلقى المقاتلون رواتب تعتبر سخية وفقا للمعايير المحلية. وفي هذا الصدد، أورد الفريداوي أنه يتلقى حوالي خمسة ملايين دينار عراقي (أي ما يعادل 4100 دولار) سنويا، إلا أنه يأمل أن يتضاعف هذا المبلغ نظرا للقواعد الجديدة التي تضم المليشيات رسميا تحت سلطة الدولة العراقية.

من جانبهم، يتلقّى مقاتلو حزب الله اللبنانيون تعليما خاصا وذو جودة عالية نسبيا ضمن شبكة المدارس التابعة للتنظيم والممولة من قبل إيران. وبمجرد تجنيدهم في صلب المليشيات التي تدعمها إيران، ينبغي على الرجال الالتزام بمجموعة صارمة من القواعد في حين يتم إخضاعهم لمراقبة مستمرة. وفي هذا الإطار، أكد مقاتلون عراقيون ولبنانيون أنهم مُنعوا من السفر إلى أي بلد خارج إيران أو سوريا أو العراق أو لبنان دون الحصول على إذن من قادتهم.

في واقع الأمر، كان ثمن عصيان هذه الأوامر باهظا. ففي حال عدم تنفيذها يتم إقصاء المنتسب إلى الأبد ليمضي بقية حياته متوجسا مخافة تلقّي رصاصة قاتل. فعلى سبيل المثال، يعيش فداء عيتاني، في الوقت الراهن، في منزل مستأجر على قمة جبل في مكان قاحل على بعد 40 ميلا خارج بيروت. وفي الأثناء، تتكفل كلاب الحراسة وكاميرات تلفزيونية ذات دائرة مغلقة قام بتركيبها حول محيط إقامته بحمايته، حيث يخشى أن يقتله مقاتلو حزب الله الذين ظنهم ذات مرة يشاركونه الأفكار والتوجهات ذاتها.

على العموم، لا يتوجّه المجنَّدون إلى إيران إلا حين يُوصى بهم للخضوع إلى تدريبات متقدمة. وإثر وصولهم إلى مركز التدريب بالقرب من طهران، تم تعيين الفريداوي ورفاقه لتجهيز الأسرة في صالات النوم المشتركة. والجدير بالذكر أن المرافق كانت نظيفة إلا أنها كانت أكثر برودة مقارنة بالأماكن التي أقاموا فيها سابقا، حيث كانت الثلوج تغطي الوادي المحيط بالقاعدة.

أظهر المدربون الإيرانيون للمقاتلين كيفية استخدام الرشاشات والأسلحة متحدة المحور من عيار 14.5 ملم و23 ملم. أما الدورات فسُميّت تيمنا بأبطال يُطلقون عليهم اسم “محور المقاومة” ضد إسرائيل والغرب. ومن بين هذه الأسماء؛ مصطفى تشمران، مقاتل العصابات الإيراني الذي ساعد على تدريب المقاتلين الشيعة في لبنان وتوفي أثناء قيادته لمعركة ضد القوات العراقية، وعماد مغنية، قائد حزب الله سيء السمعة الذي تم اغتياله في دمشق. بالإضافة إلى فتحي الشقاقي، مؤسس حركة الجهاد الإسلامي وهي الجماعة الفلسطينية المسلحة.

عموما، ركّز القائمون على المعسكر على تدريب المشاة وقوات الكوماندوز وعمليات الاستجابة السريعة. وخلال إحدى الدورات التدريبية، تم إرسال المقاتلين إلى البرية، حيث يتوجب عليهم البقاء على قيد الحياة لعدة أسابيع. وتشمل التدريبات الخاصة إطلاق صواريخ متوسطة المدى واختبار المركبات العسكرية. وفي هذا السياق، أوضح أحد مقاتلي حزب الله أن طياري حزب الله المدربين من قبل الإيرانيين كانوا يستخدمون الطائرات في سوريا. ووصف مقاتل آخر التدريبات على كيفية استخدام صواريخ “بركان” وصواريخ “زلزال” الإيرانية التي استخدمها مقاتلو حزب الله في كثير من الأحيان ضد إسرائيل.

من جهتهم، صرّح قدامى برنامج التدريب أنهم هم أو زملائهم قد تدربوا جنبا إلى جنب مع الباكستانيين والأفغان واليمنيين. وعلى الرغم من النظام العسكري الصارم والقواعد القاسية، قال الفريداوي إنه كان مُعجبا بما أبداه المضيفون الإيرانيون تجاههم من حسن معاملة، حيث “كانوا يعاملوننا بشكل جيد”. وأضاف الفريداوي قائلا: “تخيل أنهم كانوا ينظفون ملابسنا وجواربنا يدويا، كما كانوا يطلقون علينا “المجاهدين” وأنهم على استعداد لتقبيل أحذيتنا”.

في سبيل التغلب على حاجز اللغة، كان المقاتلون اللبنانيون المحنّكين يعملون أحيانا على اعتبارهم مدربين. كان “حيدر” على دراية بحيثيات العملية الكاملة للتجنيد والتدريب ونشر المقاتلين الموالين لإيران. ويعد “حيدر” أحد قادة حزب الله الذي قبل إجراء مقابلة مع موقع “بازفيد نيوز”، في مطلع هذه السنة جنوب بيروت. وقد طلب عدم الكشف عن هويته كاملة وتفاصيل خاصة أخرى خوفا من القصاص.

في أوائل التسعينات، انضم “حيدر” إلى حزب الله وقد حارب مرارا وتكرار ضد إسرائيل بما في ذلك حرب صيف 2006 التي مثلت آخر صراع رئيسي بين الطرفين. وقدّر “حيدر” أنه قد تم نشر حوالي 2000 من رفاقه في العراق لتدريب رجال المليشيات وقال أن مدربي حزب الله قد تم إرسالهم إلى اليمن لإعداد المقاتلين الحوثيين المتحالفين مع إيران قبيل استيلائهم على العاصمة صنعاء سنة 2015. وقد ساعد “حيدر” بنفسه في إعداد المقاتلين في سوريا والعراق.

في هذا الإطار، أفاد “حيدر” “قمنا بتدريبهم على استخدام جميع أنواع أسلحة الشوارع. أولا وقبل كل شيء، نقوم بإعطائهم درسا جيدا في حرب العصابات، حيث نأخذهم إلى الميدان كما نعطيهم دروسا في قاعات الدرس. علاوة على ذلك، نتطرق إلى الخسائر السابقة ونناقش الأخطاء التي ارتكبوها”. وبالنسبة للذين يتمتعون باللياقة البدينة فقد يتم تعيينهم في المراكز القتالية، فيما يتم تكليف الرجال الأكبر سنا أو الأضعف بوظائف تتعلق بالاتصالات أو يتم تعليمهم الإسعافات الأولية أو لغة ما بما في دلك العبرية أو الفارسية.

على مر العقود، تم تبسيط النظام بأكمله ليتحول إلى آلة للإنتاج المتزايد للمقاتلين المدربين بشكل جيد والمُندفعين المخلصين لإيران. وفي تعليقه على برنامج التدريب، أورد “حيدر” “أشعر بالسعادة لتواجد دولة مسلمة شقيقة التي تسمح لنا بالقيام بهذا التدريب. في الواقع، طبّقنا ما تعلّمناه على أرض المعركة [في جنوب لبنان] ضد الإسرائيليين سنة 2006 وفي حلب سنة 2015 ونأمل تطبيقه قريبا في منطقة الجليل يوما ما”، في إشارة إلى الجزء الشمالي من إسرائيل ودون ذكر أي معلومة بشأن الهدف الأسمى وراء هذه المساعي.

في إحدى أيام شهر كانون الثاني/ يناير، رافق مدربون أمريكيون يركبون مركبات “هامفي” مجموعة من الجنود العراقيين في تمارين تدريبية حتى بلغوا نقطة تفتيش منتصبة في مدخل جبل حمرين شمال بغداد. كان من المتوقع أن يمروا مرور الكرام ولكن استوقفهم مقاتلو حركة نجباء حزب الله، المتمركزة في المكان. فأجبرت القوات الأمريكية والعراقية على الانسحاب والعودة إلى مخيمها، وفق ما ذكره مسئولين أمريكيين وبعض الصحف المحلية.

في رواية غير دقيقة وردت في الإعلام النظام العراقي والإيراني فإن قوات متطوعة عراقية أغلقت الطريق في وجه القوات الأمريكية المارة إلى جبل صلاح الدين وطردتهم من المنطقة مرة أخرى. وقد تكرر مثل هذا الحادث عديد المرات يثبت الدعم الذي تقدمه إيران للميليشيات الشيعية التي تستعرض عضلاتها في المنطقة وتمنع الولايات المتحدة الأمريكية من تحقيق أهدافها.

في العراق وفي حربه ضد تنظيم الدولة تحولت القوات شبه العسكرية إلى قوة عسكرية وسياسية لا يستهان بها وبلغ عدد جنودها قرابة 172 ألف جندي. فالميليشيات الشيعية الآن لديها محطاتها التلفزيونية وشركات البناء خاصة بها، بل وحتى نوادي كرة قدم تحت رعايتها. كما يسيطرون على شبكات المحسوبية، التي يمسك بزمامها شباب عراقي أهلكه الفقر، وتتلقى الدعم من القيادات السياسية في بغداد.

خلال السنة المنصرمة، أعلن رئيس وزرائهم العراقي حيدر العبادي مخططا للاعتراف بالمجموعات شبه العسكرية والتي تعرف رسميا باسم “وحدات التعبئة الشعبية”، وخضوعا عند تنامي قوتها، كجزء من القوات المسلحة. وقد سيطرت ميليشيا “أصحاب الحق” المدعومة من إيران على المواقع المتاخمة لمدينة تلعفر، ما زاد في تعقيد مخطط الولايات المتحدة الأمريكية وحكومة العبادي الهادف للتقليل من استخدام القوات العراقية المثيرة للجدل في مهمة استرجاع المدينة من قبضة تنظيم الدولة.

يشعر حلفاء إيران في كامل المنطقة أنهم في خطر، فقد وقف أخيرا دونالد ترامب إلى جانب رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وطلب منه محاربة حزب الله

من جانبه، صرح حيدر العبادي يوم السبت الماضي أن الميليشيات العراقية التي تحتوي على مجموعات قبلية سنية ومقاتلين شيعة تستعد لخوض معركة استرجاع تلعفر، وهو ما يثير مخاوف نشوب صراع طائفي جديد. أما في اليمن، فيسيطر المقاتلون الحوثيون الذين تدعمهم إيران على العاصمة صنعاء وطردوا القوات الموالية للأمم المتحدة الداعمة للحكومة.

وقد صُدم المسؤولون الأمريكيون عند اكتشافهم أن الحوثيون بدؤوا باستخدام قوارب تحكم عن بعد تطلق صورايخ أرض جو على المراكب في مضيق باب المندب، وهو نقطة رئيسية في مسار تزود العالم بالطاقة. وقد استخدمت هذه الصواريخ من قَبل من قِبل حزب الله للتصدي للقوارب الإسرائيلية في حرب 2006 على لبنان.

وقد قال مايكل كونل، وهو مسئول سابق في الجيش الأمريكي ويرأس البرنامج الإيراني في مركز التحاليل البحري، وهي مؤسسة فكرية ممولة اتحاديا: “للحوثيين قوارب تحمل صواريخ مضادة للسفن، وهم على درجة عالية من التدريب”، وأضاف: “هذه المعدات ليست سهلة الاستخدام، أو يمكن استخدامها بمجرد أن تقرأ دليل الاستخدام. يجب أن يكون المستخدم مدربا جيدا. وقد يستغرق هذا أشهرا من التدريب”.

ما يثير القلق لدى البعض هو توظيف تلك الميليشيا للقوة من أجل أغراض سياسية طويلة الأمد. للذكر لا للحصر فإن التدخل الإيراني ساعد في تحول الحوثيين في اليمن من حراك قبلي ثائر في وجه الحكومة في صنعاء إلى حركة طائفية تتبنى شعارات طهران وحزب الله المعادية لإسرائيل والغرب. وقد قال إلي كارمون: “ما يثير القلق حول الحوثيون ليس تلقيهم للدعم العسكري الإيراني، ولكن أنهم أصبحوا جزءا من المحور الإيديولوجي”.

يشعر حلفاء إيران في كامل المنطقة أنهم في خطر، فقد وقف أخيرا دونالد ترامب إلى جانب رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وطلب منه محاربة حزب الله، لكن على ما يبدو أنه غير مدرك الأخير يدير حكومة بها قيادات منتمية للحزب. وقد قال حودر القيادي في حزب الله: “نحن الفائزون، انظر من يدير لبنان، انظر إلى من يتحكم في صنعاء وبغداد”.

في سوريا تزخر الروايات عن عائلات شيعية جاءت من العراق ولبنان واستوطنت في المناطق السنية التي هرب منها أهلها جراء الحرب. كما بدا واضحا رغبة حلفاء إيران في تأسيس مواقع انتقال مفصلية قريبة من الحدود العراقية وبالقرب من الحدود الإسرائيلية ومرتفعات هضبة الجولان.

كما بدأ الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وخلفاء إيران داخل سوريا. وفق تصريح صادر عن البنتاغون تابع مسئولون أمريكيون في 18 أيار/ مايو بشغف مجموعة من المغاوير الأمريكية وهم بالقرب من قاعدة معزولة في جنوب سوريا يترصدون قافلة مؤلفة من 20 سيارة تسير نحوهم، 13 سيارة منها توغلت بعمق داخل منطقة حظر نشوب النزاعات.

أرسلت الولايات المتحدة طائرتين “كاستعراض قوة” بهدف منع تقدم ما تبين لاحقا أنه قافلة لميليشيات تدعمها إيران. إلا أن القافلة لم تتوقف، فغارت عليها الطائرات الأمريكية فدمرت على الأقل سيارتين في الموكب.

وقد تحدث المسئولون الأمريكيون عن تنامي وكلاء إيران في المنطقة، وهم يعملون على وضع إستراتيجية لمجابهتهم. وقد قال وزير الدفاع الأمريكي جايمس ماتيس في زيارة له للسعودية في نيسان/ أبريل: “نراقب تأثير إيران في المنطقة من خلال الميليشيات التي تدعمها”. وأضاف: “لدى إيران جيشها الخاص في سوريا ويواصل مساندة بقاء الأسد في السلطة. أينما نظرت وحيثما كانت هناك اضطرابات تجد إيران موجودة”.

وجنّد حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة مواردهم لمراقبة الميليشيات الإيرانية، وهم يستخدمون في هذه المهمة كلا من أدوات المراقبة الإلكترونية وشبكة المخابرات المنتشرة في المنطقة. وقد قال كوبرواسر، الجنرال العميد المتقاعد ورئيس سابق في وحدة البحث: “تعلم إسرائيل ما تبنيه إيران، ومع من تعمل، ونوعية التدريبات ومكانها. ونحن نبحث عن طريقة للتخفيض من عددها فعندما تبدأ الحرب الكبيرة سيكونون الأقل قدرة”.

بينما يرى خبراء آخرون ضرورة إتباع مقاربة مختلفة أكثر تدرجا في مواجهة الفيلق الإيراني الأجنبي، وتتضمن العمل وفق البعد الإيديولوجي والعسكري. لأن أية جهود مثمرة في مواجهة إيران لا بد أن يسبقها إعداد أصوات سياسية معارضة لتحركات طهران.

ففي الدول العربية ودول آسيا الجنوبية حيث يزدهر استقطاب الميليشيات الشيعية، يثير المشروع الإيراني جدلا واسعا. فقد أغلقت باكستان منظمة خيرية يشتبه في استقطابها للشباب الشيعي للقتال مع لواء زينبيون في سوريا. في الأثناء حذّر المسئولون الأفغان من عودة قرابة 18 ألف مقاتل من سوريا، وما قد يسببونه من فوضى وفساد.

ويختلف الشعب الإيراني حول دعم الحكومة لتلك الميليشيات. فوفق استطلاع للرأي أجراه “إيران بول” والمركز الدولي للدراسات الأمنية في ماريلاند يوم 28 تموز/ يوليو، فإن 39 بالمائة من الإيرانيين مستعدين لبتر دعم النظام لحزب الله ونظام الأسد بشرط تخفيف العقوبات الأمريكية، بينما يعارض هذا المسار 58 بالمائة. هناك داخل إيران نواة شعبية غير مسبوقة معارضة لمشروعها التوسعي.

في نيسان/ أبريل من هذا العام شن طالب إيراني في مدينة تبريز هجوما ضد الدعم الإيراني للمجموعات المسلحة في المنطقة. وقد قال في فيديو مسجل مخاطبا حسان عباسي الذي يترأس مركز الدراسات التابع للحرس الثوري الإيراني : “نظريتك نظرية رعب وإرهاب، وتصدير للأسلحة والحرب. تتمثل نظريتك في دعم الدكتاتور والسفاح بشار الأسد”.

بعد أسبوع تحدث عمدة طهران السابق غلام حسين كرباشي في منتدى عام متسائلا عن سبب بعث إيران لمقاتلين في المختلف الدول في المنطقة فقال: “نريد سلاما في سوريا، ولبنان، واليمن، وندعم المضطهدين ونساند الشيعة، ولكن لن يتحقق هذا بمجرد تقديم المال وبيع الأسلحة والقتل والصراع”.

بدأ إطلاق النار في وقت مبكر هذه الصباح، وتواصل حتى غروب الشمس. ثم استهدفت قذائف الهاون والصواريخ هضاب دمشق حيث يقبع فريداوي والمقاتلين الذين معه الذين انتدبوا في وقت مبكر من سنة 2014 لدرأ تقدم المعارضة السورية. كانت المعارك مرعبة وقاسية، تعجز كل التدريبات في العالم عن إعدادك لمثلها.

قال فريداوي “تم نقلنا إلى إحدى المواقع وأمرنا بمنع العدو من الدخول. فنشبت معارك شوارع. وقد كانت الأيام الخمسة الأولى الأصعب، خسرنا الكثير من الرجال، وجرح الكثيرون”. وكانت هناك رحمة مؤجلة لهم. فبعد أن منعوا من التدخين ومن استعمال الهواتف الجوالة في تلك الأسابيع التي قضوها في إيران، أصبح فريداوي قادرا على التدخين والاتصال بأهله مرة أخرى. وقد كان كبار المقاتلين معجبين بشجاعة فريداوي حتى لقبوه “شبل الأسد”.

بعد مرور ثلاثة أسابيع من المعارك ارتاحت النفوس بقدوم مقاتلين من حزب الله لدعمهم في شن هجوم مضاد. ارتفعت المعنويات لأنهم أصبحوا قادرين على مواجهة الثوار مرة أخرى. ومع ذوبان ثلج شباط/ فبراير خفت حدة المعارك بالتحاق مقاتلين من الجوار السوري مدربين في إيران. ومثّل المقاتلون المدربون في إيران قيمة ثمينة في سوريا والعراق واليمن في دعم حلفاء دولة ولاية الفقيه. وقد مثلّت سوريا مدرسة تخرج منها عتاة المقاتلين، إذ أصبحت مكانا يصقل فيه المقاتلون مهاراتهم في معارك حقيقية، ربما في حرب هي الأعقد والأكثر تطرفا عاشها جيل الآن.

وقد قال مقاتل عراقي شارك بشكل متكرر في معارك في الضاحية الغربية لدمشق، تخللها خوضه لدورات تدريبية أسبوعية مطولة في إيران: “لم يمر يوم في سوريا من دون أن تستهدفني رصاصة قنّاص. في العراق نحرر 50 كيلومترا في يوم واحد، أما في سوريا فنقاتل 15 يوما من أجل تحرير 50 مترا”.

وفي صيف سنة 2015 انتدب كاظم صديق فريداوي للقتال في جنوب حلب. استقل الطائرة من منطقة الأحواز في إيران نحو دمشق ثم نقل عبر الحافلة للمساعدة في كسر حصار الفوعة وكفريا، وهما مدينتين شيعيتين يحاصرهما مقاتلو المعارضة. فعيّن في نقطة عبور وأمر بحمايتها. ومن ثم تحول ذلك الصيف إلى جحيم. كانت المعارك ضارية وكان لدى المعارضة قذائف كورنيت وصواريخ كاتيوشا. وقد قال واصفا المشهد: “لم تكن المعارك كما في العراق”، التي شارك فيها في معارك عدة ضد تنظيم الدولة وأنصاره.

خلال إحدى المعارك جذبهم العدو إلى وادي أعد فيه كمين لهم، وكانوا قليلي العدد والعدة، فركضوا ببطء نحو الأنفاق حيث تم قنصهم وقتلهم. وقد قال كاظم وهو يتذكر ما حصل: “قدمنا 40 شهيدا. ولكن كان الإيرانيون مساندين لنا، وكانوا يقودوننا وكانوا بحاجة لنا لنحمي أظهرهم”. وفي الوقت الذي يتشكك فيه بعض مقاتلي حزب الله أو “أصحاب الحق” من دور تلك الميليشيات، فإن غالبيتهم تعتبر أنها تقوم بعمل ذو قيمة. فهم أبطال في مجتمعاتهم، خاطروا بحياتهم لحماية شعبهم.

وقد قال كونل، من مركز التحاليل البحرية: “هناك التزام إيديولوجي، فليس المصلحة الشخصية وحدها من يجذب الناس للقتال، بل هو الإيمان بما يقومون به”. وخلال حوارات مطولة تحدث فيرداوي عن سلام أبو طيبة القيادي الشهير في فيلق “أصحاب الحق” والذي تدرب معه في إيران، وقاتل معه في سوريا والعراق قبل أن يقتل في إحدى المعارك ضد تنظيم الدولة السنة الماضية. والآن يرتدي فيرداوي سترة واقية من الرصاص تعود لسلام أبو طيبة.

وقد قال: “لم نتلقى الرواتب في الأيام الأولى، قاتلنا من أجل ما نؤمن به، من أجل الشيعة”. وفي كانون الثاني/ يناير عندما التقى هو وصديقه كاظم “بباز فيد” كان فيرداوي يستعد للعودة لإيران من أجل المشاركة في دورتين تدريبيتين مدة الواحدة منها 45 يوما. فقال إنه متشوق لخوض هذه التجربة على الرغم من أنه يعلم أنه سيمنع من تدخين الشيشة واستخدام الهاتف الجوال لفترة طويلة. ولكنه قال: “أشعر كأن إيران أمي”.

(المصدر: الإسلام اليوم)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى