كتاباتكتابات مختارة

مفهوم الحاكم ورئيس الدولة في السياسة الشرعية في الإسلام

مفهوم الحاكم ورئيس الدولة في السياسة الشرعية في الإسلام: هو فرد عادي من الأفراد؛ لا يمتاز على أحد منهم إلا بثقل المسؤولية وعظيم الالتزام بحفظ الحقوق و بأداء الواجبات تجاه الأمة.

 فلا حصانة ولا قدسية ولا ميزة تعلو به أو تخرجه عن كونه وكيلا عن الأمة في إقامة الشرائع والشعائر وإقامة العدل والقيام بالقسط؛ ولذا كان القضاة في صدر الإسلام يحكمون على الخلفاء، ويسوون بينهم وبين خصومهم في مجالس القضاء، وينفذون عليهم أحكام الله.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته).

وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم هذا في سيرته، وها هم الخلفاء الراشدون يشترطون لطاعة الناس لهم أن يطيعوا الله في سيرتهم  العامة؛ لأنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) .

وكان عمر رضي الله عنه يقول: (ألا وإني والله ما أرسل عمالي ليضربوا أبشاركم –أجسادكم- ولا ليأخذوا أموالكم. ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسننكم. فمن فعل به سوى ذلك فليرفعه إليً. فوالذي نفسي بيده إذن لأقصنه. فوثب عمرو بن العاص فقال:

يا أمير المؤمنين! أفرأيت إن كان رجل من المسلمين على رعيته، فأدًب بعض رعيته، إنك لمقصه منه؟؟

قال عمر: إي والذي نفس عمر بيده، إذن لأقصنه منه، إني لأقص منه. وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه.

ثم قال رضي الله عنه: ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم…).

فانظر كيف هي نظرة الخلفاء الراشدين للأمة، وانظر كيف كانت رعايتهم للمسلمين، وكيف كان حرصهم على صون كرامتهم.

وقد حدث أن ضرب ابن عمرو بن العاص في رجلا مصريا بسوطه وقال: خذها، خذها وأنا ابن الأكرمين.

فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فأرسل إلى عمرو بن العاص أن أقدم علي وابنك

فقال عمرو بن العاص لأبنه: أأحدثت حدثا، أو جنيت جناية؟

قال: لا

قال: فما بال عمر يكتب فيك؟

قال أنس بن مالك: فقدما على عمر، فوالله إنا لعند عمر بمنى، وإذ نحن بعمرو قد أقبل في إزار ورداء، فجعل عمر يلتفت، هل يرى ابن عمرو بن العاص؟ فإذا هو خلف أبيه.

فقال عمر: أين المصري؟

قال: ها أنذا.

قال: دونك الدَرة، واضرب ابن الأكرمين، اضرب ابن الأكرمين، اضرب ابن الأكرمين!

قال أنس: فضربه حتى أثخنه. ثم قال عمر: اضرب بها صلعة عمرو، فوالله ما ضربك إلا بفضل سلطانه!

فقال المصري: يا أمير المؤمنين لقد ضربت من ضربني.

فقال عمر: أما والله لو ضربته ما حلنا بينك وبينه، حتى تكون أنت الذي تدعه. ثم قال لعمرو: إيه يا عمرو! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟

ثم التفت إلى المصري، فقال: انصرف راشدا، فإن رابك ريب، فاكتب إليً).

 وكان يقول: (اجعلوا الناس عندكم في الحق سواء، قريبهم كبعيدهم، وبعيدهم كقريبهم! وإياكم والرشا، والحكم بالهوى، وأن تأخذوا الناس عند الغضب، وقوموا بالحق ولو ساعة من نهار…).

فهذه ترجمة عملية لما فهمه خير الناس بعد محمد صلى الله عليه وسلم؛ من أن الحاكم في الإسلام إنما هو شخص مسؤول بين يدي الله وبين الناس، وهو كالعامل عند الأمة يجب عليه رعاية المصالح العامة؛ فإن أحسن فله أجره، وإن أساء فعليه عقابه؛ فيقتص منه للقتل العمد، ويحتمل المغارم التي يلحقها بالناس، ويلزمه أن يرد ما اغتصبه من الأفراد. فالأمة هي صاحبة الولاية عليه، تقيم عليه الحدود وتنفذ عليه الأحكام. فالجور في الحكم، وأكل حقوق الناس بالباطل، وتقييد حرياتهم من أكبر المعاصي عند الله.

فانظروا إلى حال حكام المسلمين اليوم، وانظروا إلى أحوال المسلمين تحت حكمهم وسلطانهم اليوم!

فما عساك ياعمر أن تقول إذا رأيت ما يفعل بأمة محمد صلى الله عليه وسلم اليوم؟ ما عساك أن تقول لمن تحكًم في رقاب المسلمين فصار يسرق أموالهم، ويهتك أعراضهم، ويذلهم ويسجنهم ويجلدهم ويعذبهم، ويسفك دماءهم ؟

أم أنك يا عمر سوف تستدل لهؤلاء الحكام بنصوص السمع والطاعة لولي الأمر؟

فهل يُستدل بنصوص السمع والطاعة لمن ترك العمل بكتاب الله، وعطل الحكم بشريعة الله، ويديه ملطخة بدماء المسلمين، وبطنه امتلأت حتى التخمة من أكله لأموال المسلمين بالباطل؟!!

لا شك أنك ستقول يا عمر: بل أطيعوا ولي الأمر من المؤمنين الذين يتحقق فيهم شرط الإيمان، ويصدق عليهم حد الإسلام، أطيعوا من يفرد الله تعالى بحق التشريع، و أطيعوا ولي الأمر في المعروف؛ فالسمع والطاعة على المسلم واجب ما لم يؤمر بمعصية؛ فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة، فلا تكونوا كالقطيع من البهائم تزجر من هنا ومن هناك، ويعجبني من الرجل إذا سيم الخسف وضاق الضيم أن يقول بملء فيه: لا!!

وكأني بك يا عمر تقول: بل الواجب عليكم أيها المسلمون أن تركبوا كل صعب، وتوجدوا المؤسسات الشورية التي تقلم أظفار هؤلاء الحكام المستبدين المتسلطين إذا استبدوا وانحرفوا عن الشريعة وأحكامها، وظلموا وجاروا ولم يعدلوا فيكم.

ألم يقل لكم رسولكم صلى الله عليه وسلم: (سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر؛ فأمره ونهاه؛ فقتله)؟ ألم يقم رجل إلي فقال:

لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بحد السيف فما قتله أحد ولم ينكر عليه أحد!!! ألم أسمع لمن قال: اتق الله يا عمر، ثم قلت لمن أنكر ذلك: لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها!!

ثم إنه، ليس كل خروج على الحاكم ممنوع، فقد خرج سادة الناس وخيارهم وعلماؤهم على من ظلم وجار من الحكام ليقوموه، والتاريخ حافل وشاهد بتلك الوقائع.

فإن مما ابتليت به هذه الأمة اليوم أقوام جمدوا عند حروف النصوص الجزئية وغفلوا عن المقاصد الكلية، ولبسوا لباس العلماء وتسموا بكثير من الأسماء، فعموا وصموا، ثم عموا وصموا كثير منهم؛ فضلوا أضلوا!

 فها هم اليوم  يرون دماء المسلمين تسفك وأرواحهم تزهق على أيدي من تسلطوا واستولوا على المسلمين بالقوة، وهم مع كل ذلك، يستدلون لهم بالنصوص من الكتاب والسنة، ويلزمون الناس بطاعة ولي الأمر!!

ألا فليفق هؤلاء الملبس عليهم، ألا فليتقوا الله فيما يقولون، ألا فليخافوا الله تعالى وليتقوه في دماء المسلمين!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى