كتابات مختارة

المقايضة المحرَّمة

بقلم أمل عبدالله فرج

مَن منكم لم تطرُقْ مسامعه كلمة واسطة؟ فهي كلمة تعاد مرارًا وتكرارًا على ألسنة الكثير من المسلمين في مجتمعاتنا العربية؛ إذ لا دورَ لك ولا وجود ولا حتى رزق، إن لم تكن عندك واسطة، وهي أن تجعل بينك وبين أي مسؤول في أي مهنة وأي مكان تريد العمل به رجلًا وسيطًا ليُمهِّد لك الطريق وتسلكه لتصل إلى مبتغاك، ولكن بشرط، الذي يتوسط لك يضع لك شروطًا ليتم أمرك، ربما أنه لم تكن بينك وبينه صلة قرابة أو مصلحة مشتركة، فقد تكون مصلحته هي الأموال، إذ وصل الأمر في مجتمعاتنا العربية مع الأسف أنك لن تتحرك من مكانك إن لم تكن لديك واسطة، وأصبحت كما تكون واسطة نقل.

وتعدَّتِ الواسطة حدود السجون؛ إذ كم مجرمٍ غيِّب عن سلطة القانون وأخرج من السجن بالواسطة! وبهذه الحالة المجرم المدعوم من قبل مسؤول واسطة في أي مكان في الوطن العربي لا يبالي بأي جريمة يرتكبها، إن كانت جريمة قتل، أو جريمة اختطاف، أو سرقة، أو مخدِّرات، أو دهس… إلى آخره.

يا لها من حالة تعالت الناس فيها على بعضها البعض، وتغيَّرت موازين الحياة، وضاعت حقوق الناس، وتاه الفقير في متاهات المقايضة الملعونة؛ أي: الواسطة، وهي بمعنى أدق (الرِّشوة)، وهي دفع مبلغ من المال من قِبل الشخص الذي يريد تسهيل أمره إلى صاحب الواسطة، ولا يبالي أنه اتخذ هذا المبدأ المحرَّم والملعون من قِبل الله والرسول، وأكده حديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله الراشيَ والمرتشي))، إذ لم تقف اللعنة على المرتشي فقط، وإنما وصلت إلى الراشي؛ أي: الذي يريد مصلحته.

وبهذا الوضع أصبحت العملية مقايضة، أُفيد وأستفيد، ولكن بطرق ملعونة وغير مشروعة.

أتساءل وأقول: لِمَ كلُّ هذه الفوارق الطبقية؟ ولمَ هذا الانحطاط بالأفكار؟ إذ أنتم يا مسؤولي الواسطة تُميتون طاقات الشباب بعملكم هذا.

تعالوا معي لنرى من الذين تضرروا جراء هذه المقايضة!

أذكر أمثلة، كم شابٍّ درس وتعب وتشرد ليكمل دراسته وإذا أراد أن يتوظف ليعيل عائلته، وليحيط نفسه بجدار الحلال، وجَد له عوائق تعيق طريقه للوصول إلى هدفه.

كم فتاةٍ عانت ما عانت حتى أكملت دراستها الجامعية رغم كل الظروف الاقتصادية الصعبة، وإذا أرادت أن توظِّف طاقتها العلمية وتتجه الاتجاه الصحيح، لم تجد لها منفذًا؛ لأن حياتها بوضعٍ كهذا تسيرُ إلى طريقٍ مسدود.

وكذلك مَن هم أصحاب كفاءات، وأَكْفاء في علمهم وعملهم، ولم يوظَّفوا توظيفًا صحيحًا، وضاعت خبراتهم، وتقدمت بهم السن، وخسِرهم المجتمع كحجر أساس لبناء واقع علمي وخدمي رصين لحاضر الأبناء ومستقبل الأحفاد؛ أي: الأجيال القادمة.

وبعد كلِّ ما ذكرته مِن أمثلة عمَّن وقعوا ضحية الطمع والجشع من قِبل بعض المسلمين المرتشين، أقول: تريَّثوا يا مرتشين؛ فهيهات أن يرى الراحة نَهِمٌ طمَّاع!

وأوجه ندائي وعَتْبي إلى كل مسؤول استعمَل مبدأ المقايضة المحرمة (الواسطة)، وأقول: أعطُوا الشبابَ فُرَصهم في الحياة، دعُوهم ينشغلوا بالخيرِ والحلال، وظِّفوا طاقاتهم، حُدُّوا مِن ضياعهم وسَلْكهم طرقًا ملتوية.

وكذلك الفتيات، وظِّفوهن في عمل الخير للعلم والمعرفة؛ لأنه لا ترتقي الأمم إلا بالعلم والمعرفة.

فهم أمانة، وأمانة الله ثقيلة، لم تتحملها الجبالُ، وحملها الإنسان، وهي توضع على عاتق الجميع، والكل مسؤول عنها، والمسؤولية كما قال عنها الرسولُ الكريم صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه)).

أما حديثي عمَّن استفادوا من هذه المقايضة، إذ هناك من هم أقل كفاءة وخبرة ومفاهيمهم المكتسبة وأسسهم العلمية متدنية ولكنك تجدهم في مراكز مرموقة في المجتمع والدولة، وأكثرهم قريبون مِن الحكام، وكانوا بطانةَ شرٍّ وفساد لهم، وهم سبب لفشل الحكم في أكثر البلاد؛ لأنهم بنفس الطريقة التي علَوْا بها ووصلوا إلى هذه المراكز استخدموها لمقايضة الناس على وظائفهم بالأموال، ويوظفون الكثير في غير مواقعهم التي يستحقونها؛ لهذا يتدنى الواقعُ الحكومي والتربوي، وحتى الخدمي، في الكثير من الشعوب، وأخيرًا أقول لكل مسؤولي الواسطة: أنتم أشبه ما تكونون بطغاةِ عصرٍ، يستفحل على أيديكم الشرُّ والبلاء.

المصدر: شبكة الألوكة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى