كتابات مختارة

شروط الرقية الشرعية

بقلم أبو حاتم سعيد القاضي

اشترط العلماء رحمهم الله لجواز الرقية شروطًا؛ ومن كلامهم في هذا:

  • قال ابن عبدالبر رحمه الله[1]: “لا أعلم خلافًا بين العُلماء في جواز الرُّقية من العين، أو الحُمة، وهي لدغةُ العقرب، وما كان مثلها، إذا كانت الرُّقية بأسماء الله عز وجل، ومما يجوزُ الرَّقْي به، وكان ذلك بعد نُزول الوجع والبلاء، وظُهور العلة والداء”.
  • وقال أبو الوليد الباجيُّ رحمه الله[2]: “وقد أجرى الله تبارك وتعالى العادةَ بأن يَبرَأ من ذلك بالاسترقاء، كما أجرى العادة بأن يَبرأ من الأدواء المخصوصة بأدويةٍ مخصوصةٍ… ولا خلاف في جواز ذلك بأسماء الله تعالى، وكتابه، وذكره”.
  • ونقل ابن الحاج عن القرطبي رحمه الله قال[3]: “هذا مذهبُ الجُمهور من العُلماء والأئمَّة من الفُقهاء في إباحة الدواء والاسترقاء وشُرب الدواء”.
  • وقال النوو رحمه الله[4]: “وقد نقلوا بالإجماع على جواز الرُّقى بالآيات وأذكار الله تعالى، قال المازريُ: جميعُ الرُّقى جائزةٌ إذا كانت بكتاب الله أو بذكره”.
  • وقال ابن حجر رحمه الله[5]: “وقد أجمع العُلماءُ على جواز الرُّقى عند اجتماع ثلاثة شُروطٍ:

1- أن يكون بكلام الله تعالى، أو بأسمائه وصفاته.

2- وباللسان العربي، أو بما يُعرفُ معناه من غيره.

3- وأن يُعتقد أن الرُّقية لا تُؤثِّر بذاتها؛ بل بذات الله تعالى.

واختلفوا في كونها شرطًا، والراجحُ أنَّه لا بُد من اعتبار الشُّروط المذكورة”.

قلت: قوله: أو بما يُعرفُ معناه من غيره، ليس عليه الإجماع؛ فإنَّ بعض العلماء لا يجيزون الرقية بالأعجمية؛ كما سيأتي.

  • وقال حافظ حكمي رحمه الله[6]: “الرُّقى لا تجوزُ إلا باجتماع ثلاثة شُروطٍ، فإذا اجتمعت فيها كانت رُقيةً شرعيةً، وإن اختلَّ منها شيءٌ كان بضد ذلك:

الأولُ: أن تكون من الكتاب والسُّنة، فلا تجوزُ من غيرهما.

الثاني: أن تكون باللغة العربية، محفوظةً ألفاظُها مفهومةً معانيها، فلا يجوزُ تغييرُها إلى لسانٍ آخر.

الثالثُ: أن يعتقد أنها سببٌ من الأسباب، لا تأثير لها إلا بإذن الله عزَّ وجل، فلا يعتقدُ النَّفع فيها لِذَاتها؛ بل فعلُ الراقي السَّببُ، والله هو المُسبِّبُ إذا شاء”.

  • ونقل ابن الحاج عن القُرطبي قال[7]: يجبُ على كل مُكلَّفٍ أن يعتقد أن لا شافي على الإطلاق إلا الله تعالى وحده، وقد بيَّن ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((لا شافي إلَّا أنت))، فيعتقد الشِّفاء له وبه ومنه، وأن الأدوية المُستعملة لا توجبُ شفاءً؛ وإنما هي أسبابٌ ووسائطُ.

قلت: فحاصل القول – والله أعلم – أن الرقية تجوز بشروط:

1- أن تكون الرقية بكتاب الله وأسمائه وذكره.

2- أن تكون باللسان العربي، أو بما يُعرف معناه من اللغات الأخرى، وهذا في الرقية بالذكر لا القرآن؛ إذ القرآن يُتعبد بتلاوة لفظه.

3- أن يعتقد أن الرُّقية لا تُؤثرُ بذاتها؛ وإنما هي سببٌ من الأسباب لا تأثير لها إلَّا بإذن الله عز وجل.

4- أن تخلو من الشِّرك، أو المُحرَّم، أو البدعة، أو ما يُفضي إلى ذلك.

وهل يشترط الرقية بالعربية، فلا تجوز بالعجمية؟

سبق ذكر اشتراط بعض أهل العلم لجواز الرُّقية أن تكون بالعربيَّة؛ فلا تجوز بالعجمية، وقد وقفتُ على نص كلام بعض العلماء على هذا؛ كمالِك، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وبعض المالكيَّة وبعض الحنابلة، وعند المالكية وجهٌ بالجواز إذا تكرَّر منه النفع.

  • قال ابن عابدين رحمه الله[8]: إنَّما تُكره العوذةُ إذا كانت بغير لسان العرب.
  • وقال ابن الحاج رحمه الله[9]: وقد قال مالكٌ رحمه الله في الرُّقى بغير العربية: وما يُدريك لعله كُفرٌ؟! فكُل ما حاك في صدر الإنسان من هذا وما أشبهه، فيتعينُ تجنُّبه.
  • وقال النووي رحمه الله[10]: قال أبو عُبيدٍ: وأما الرِّقاءُ والتمائمُ، فالمُرادُ بالنهي ما كان بغير لسان العربية، بما لا يُدرى ما هو.
  • وقال المازري رحمه الله: جميعُ الرُّقى جائزةٌ إذا كانت بكتاب الله أو بذكره، ومنهيٌّ عنها إذا كانت باللغة العَجمية أو بما لا يُدرى معناه؛ لجواز أن يكون فيه كُفرٌ[11].
  • وقال الحطاب رحمه الله[12]: إن كان يرقيه بالرُّقى العربيَّة جاز، وإن كان بالرُّقى العجمية لم يجُز؛ وفيه خلافٌ، وكان الشيخُ ابن عرفة يقولُ: إن تكرَّر منه النفعُ بذلك جاز.
  • وقال المرداوي رحمه الله[13]: ويُرقى من ذلك بقُرآنٍ، وما ورد فيه من دُعاءٍ وذكرٍ، ويُكره بغير العربية.
  • وقال أبو الحسن الهروي القاري رحمه الله[14]: ومن المحذور أن تَشتمل على كلامٍ غير عربي، أو عربي لا يُفهمُ معناه، ولم يرِد من طريقٍ صحيحٍ – فإنه يحرمُ؛ كما صرَّح به جماعةٌ من أئمة المذاهب الأربعة؛ لاحتمال اشتماله على كُفرٍ.

قلت: والذي أرى – والله أعلم – أن الرقية بغير العربية إذا كانت بدعاءٍ لا يعارض ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم، وكان مفهومًا معناه للحاضرين، ولم يكن فيه بدعٌ أو شِركٌ، فلا بأس به.

أمَّا الرقية بالقرآن الكريم مُترجمًا، فلا أرى جوازَها؛ إذ يُتعبَّد بتلاوة كتاب الله تعالى بلفظه العربي.

حكم الرقية بما لا يفهم معناه:

لو كان رجلٌ يرقي باللغة العربية وأدخل في الرقية كلامًا لا يَفهمه الحاضرون، فالرقية محرَّمة؛ لجواز أن يكون فيها شركٌ، والله أعلم.

  • قال النووي رحمه الله[15]: الرُّقى المجهولة، والتي بغير العربيَّة، وما لا يُعرفُ معناها – مذمومةٌ؛ لاحتمال أن معناها كُفرٌ، أو قريبٌ منه، أو مكروهٌ.
  • وقال ابن حجر رحمه الله[16]: وقال القُرطبي: الرُّقى ثلاثةُ أقسامٍ: أحدُها: ما كان يُرقى به في الجاهلية مما لا يُعقلُ معناه، فيجبُ اجتنابُه؛ لئلا يكون فيه شركٌ، أو يُؤدي إلى الشرك.
  • وقال أبو الحسن العدوي المالكي رحمه الله[17]: ما جُهل معناه، لا تجوزُ الرُّقيةُ به، ولو جرب وصح.

————————————-

 [1] “الاستذكار” (27/ 19).

[2] “المنتقى شرح الموطأ” (7/ 258).

[3] “المدخل” لابن الحاج (4/ 120).

[4] “شرح مسلم” (14/ 168).

[5] “فتح الباري” (10/ 195).

[6] “معارج القبول” (2/ 509) ط ابن القيم.

[7] “المدخل” (4/ 121).

[8] “حاشية رد المحتار على الدر المختار” (26/ 378).

[9] “المدخل” (4/ 91).

[10] “المجموع” (9/ 66) ط الفكر.

[11] “شرح مسلم” (14/ 168)، و”المدخل” لابن الحاج (4/ 121).

[12] “مواهب الجليل” (5/ 424) ط الفكر، و”بلغة السالك” (4/ 9) ط المعارف.

[13] “الفروع وتصحيح الفروع” (3/ 249).

[14] “مرقاة المفاتيح” (3/ 1125) ط الفكر.

[15] “شرح مسلم” (14/ 168).

[16] “فتح الباري” (10/ 196، 197).

[17] “حاشية العدوي” (2/ 492).

المصدر: شبكة الألوكة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى