كتاباتكتابات مختارة

يا صوفية العالم.. أنقذوا التصوف المختطف!

يا صوفية العالم.. أنقذوا التصوف المختطف!

بقلم وائل البتيري

لو أردت أن تجري دراسة عن التصوف في بلدك؛ لتشعبت بك السبل، فكلما وقفت على طريق؛ أخذتك ذات اليمين وذات الشمال، وكلما دخلت طريقاً؛ وجدت الأزقة المتعددة، والانعطافات المتكاثرة يمنة ويسرة، فتاهت خطاك، وتعثرت قدماك؛ لكثرة ما في الصوفية من طرق تنشق عنها طرق، وتنشق أخرى عن المنشق!

ومع كثرة الطرق الصوفية، والانشقاقات التي تحصل فيها؛ فإنك تجد أن جميعها تدعي صفاء الطريق، وموافقة الكتاب والسنة وتراث أقطاب التصوف الأوائل، كالداراني والجنيد والتستري رحمهم الله تعالى. ولو أن الأمر توقف عند تزكية كل طريقة نفسها لهان الخطب، فمع أن التزكية في حد ذاتها كافية في الإيماء بالقدح في الطرق الأخرى؛ إلا أن التصريح بهذا القدح بات أمراً لازماً عند أكثرهم، إمعاناً منهم بالفرقة والتعصب من جهة، وبالفخر والعُجب والثناء على النفس من جهة أخرى.

ولا أدري؛ حينما تتجرأ طريقة صوفية على التشهير بأخرى وذمها على الملأ؛ ماذا يبقى لها من حقيقة التصوف؟ وأي تزكية للنفس هذه التي توصل إلى مثل هذه المسالك الذميمة؟

حينما تتجرأ طريقة صوفية على التشهير بأخرى وذمها على الملأ؛ ماذا يبقى لها من حقيقة التصوف؟ وأي تزكية للنفس هذه التي توصل إلى مثل هذه المسالك الذميمة؟

إن من نافلة القول أن ذم الصوفية في الجملة مناف للعدل، وميل عن الإنصاف والتجرد، فالصوفية كغيرها من الجماعات الإسلامية، فيها وفيها .. صحيحٌ أن بعض ما فيها وصل حداً وصفه كثير من العلماء بالكفر والشرك والعياذ بالله، إلا أن بعض العبارات التي فُهم منها هذا حمالة وجوه، وبعضها الآخر يبرأ منه كثير من أهل التصوف؛ فكيف نرميهم به؟!

وكذا الحال عند غير الصوفية من جماعات؛ فإنك تقف على بعض عبارات يُطلقها إسلاميون ظاهرهم الغيرة على دينهم، لو قلتَها كما فهمتها لخرجتَ عن الملة، إلا أن لقائلها قصداً قد خفي عليك، أو أن لسانه زلّ بها من غير وعي منه لمآلاتها.

ولماذا نذهب بعيداً؟ ففي رموز “السلفية الرسمية” التي ترمي “الصوفية” بالضلال وربما الكفر أحياناً، مَن ظاهر الكفار على المسلمين، ووالى أعداء الملة معادياً أنصارها ممن يخالفون أفكار هذه “السلفية”، ومع ذلك فإن الواجب يحتم ذم مَن سلك هذه الطرق المنحرفة، وتبرئة بقية التيارات السلفية منها، وهذا مقتضى العدل الذي حضّت عليه نصوص الكتاب والسنة.

ولسوء الحظ وحسنه معاً؛ أن أكثر صوفيي مصر، وأبرز سلفييها؛ ساروا معاً في ركب المنقلبين على شرعية الرئيس محمد مرسي، واجتمعوا في خندق واحد على نصرة من سفك دماء المسلمين في ميداني النهضة ورابعة.. بل إن صوفيين وسلفيين قبل الانقلاب؛ وقفوا مع “العلماني” أحمد شفيق ضد “الإسلامي” محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2012، فكانوا سبّاقين في هذا الانحراف الخسيس قبل الانقلاب.

لسوء الحظ وحسنه معاً؛ أن أكثر صوفيي مصر، وأبرز سلفييها؛ ساروا معاً في ركب المنقلبين على شرعية الرئيس محمد مرسي، واجتمعوا في خندق واحد على نصرة من سفك دماء المسلمين في ميداني النهضة ورابعة

ومما يُذم في صوفية زماننا؛ أن كثيراً من مشايخهم ورثوا الطريقة عن آبائهم، ولم يسلكوا طريقة الأقدمين على أصولها، فباتوا يُشار إليهم بالبَنان، وتُتداول كراماتهم في وسائل التواصل، ويغدق عليهم الأتباعُ والمريدون الأموال، وقلوبهم لم تتشرب حقيقة التصوف وأخلاق أهله، إذ يملؤها الكبر والحقد والحسد وحب الدنيا.

وقديماً قال أبو حمزة البغدادي الصوفي: “علامة الصوفي الصادق أن يفتقر بعد الغنى، ويذل بعد العز، ويخفى بعد الشهرة. وعلامة الصوفي الكاذب أن يستغني بعد الفقر، ويعزّ بعد الذل، ويشتهر بعد الخفاء ” (سير أعلام النبلاء: 13/166).

وأبو حمزة هذا من رؤوس التصوف في زمانه، قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمته في السير: “شيخ الشيوخ… جالس بشراً الحافي، والإمام أحمد… وكان بصيراً بالقراءات.. وكان كثير الرباط والغزو… ولأبي حمزة انحراف وشطحٌ له تأويل”، وكان يقول له الإمام أحمد بحسب ما روى عنه: “يا صوفي.. ما تقول في هذه المسألة؟”.

وفي صوفية اليوم من هو كثير الرباط والغزو أيضاً، كأتباع الطريقة النقشبندية في العراق إبان الاحتلال الأمريكي، وبعض الطرق في أفغانستان… ولكن أكثرهم من القعَدة، ككثير من الإسلاميين، والله المستعان.

ومما يغرقك في بحر من الغرابة؛ أن كثيراً من الصوفيين يفرحون أيما فرح؛ حينما تذم “السلفية الرسمية” لموالاتها أعداء الدعوة الإسلامية، فإذا ما عرّجت بالذم على بعض أقطابهم ممن يشك المرءُ في إسلامهم بسبب جرأتهم الصفيقة على موالاة أعداء الملة، وإباحة دماء المسلمين لإرضاء أولياء نعمتهم؛ انقلب فرحهم إلى تذمر، ورموك بالانحراف، وربما قال بعضهم: دعوا هذا السلفي ينضح؛ فإن القافلة تسير والكلاب تنبح!

يا قوم! الخسة هي الخسة، والانحراف هو الانحراف، سواء أقدم عليه صوفي أو سلفي ، وبدل أن تشغلوا أنفسكم بالتذمر من منتقديكم؛ قوموا وأنقذوا التصوف من اختطاف المنحرفين له، وجعله أداة بأيدي الأنظمة القمعية، وسوطاً تجلد به هذه الأنظمة ظهور المطالبين بالعدالة والحرية والكرامة.

ألا ترون أية حالة مزرية هذه التي وصل إليها التصوف في زماننا، وقد أصبح كثير من أقطابه بلا هيبة ولا وقار، وبات أتباعهم أبواقاً تسوّغ لهم وقوفهم في صف الطغاة، وتذكرنا بعبارة قميئة تقول: “إذا رأيت شيخك يزني فلا تقل زنى، وإنما قل عيني هي الزانية”!!

يا دراويش العالم.. البشرية الجافية متعطشة إلى أنداء عشقكم.. فأنقذوا التصوف المختطف، وأعيدوا له أمجاد العلماء العاملين، والأولياء المجاهدين ..

انبذوا شيوخ الرسوم، وأولياء الدينار والدولار، وأدوات الجبابرة والطغاة، واسلكوا طريقة عبدالله بن المبارك، وإبراهيم بن أدهم، وشفيق البلخي، وعمر المختار، وعبدالقادر الجزائري، وصلاح الدين الأيوبي، وعزالدين القسام.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى