ومات الرئيس مرسي… مغدورا مأجورا

ومات الرئيس مرسي… مغدورا مأجورا

بقلم راجي سلطاني

لم يكن الرئيس مرسي طبيعيا، ولم تكن فترة حكمه طبيعية.

لقد كنا نقول حين وجوده في سدة الحكم: يبدو أن الرئيس مرسي قد جاء في غير وقته، ولغير من يستحقون أن يكون فيهم.

فقد كان الرئيس مرسي صادقا جدا، بين من غرقت حياتهم في الكذب والتدليس، وكان مخلصا جدا بين أهل الرياء والمصانعة والمداراة والتقيّة، وكان نقيا جدا بين الملطخين بأدرانهم وأوساخهم.

لقد قال البعض عنه: هو لا يصلح للحكم!

ولقد صدقوا في بعض قولهم، فلم يكن الدكتور مرسي يصلح لحكم هؤلاء في هذا الزمن، فقد جاء في غير زمنه ولغير أهله.

ما تعرض له الدكتور مرسي في محنته منذ الانقلاب آية من آيات الظلم والطغيان والتآمر العالمي قلّ أن يكون لها نظير.

ما تعرض له الدكتور مرسي في محنته منذ الانقلاب آية من آيات الظلم والطغيان والتآمر العالمي قلّ أن يكون لها نظير

حبس انفرادي لستة أعوام، لم يقابل فيها أحدا من أسرته إلا مرة واحدة طيلة الستة أعوام، ولم يلتق أحدا من هيئة الدفاع عنه طيلتها إلا مرة واحدة كذلك.

وليتخيل القارئ رجلا يعيش في محبسه الانفرادي لستة أعوام، بدون رؤية أحد، وبدون الكلام مع أحد، وبدون أدنى رعاية صحية، وهو الرجل المريض بعدة أمراض مزمنة تحتاج لعناية دورية دائمة.

لقد قال أحد المتابعين يوما: إن الدكتور مرسي سيُجنّ في محبسه إن هو استمر في الحبس الانفرادي دون الحديث مع أحد، ودون رؤية أهله، ودون معرفة ما يحدث من حوله.

لكنّ الله كان أكثر رحمة به، فلم يُسلمه للجنون، واختاره إلى جواره شهيدا مأجورا، ليرتاح من هذا العناء المذهل الذي عاش فيه.

الفكرة الإسلامية عندما نادى بها الإمام حسن البنا، وقام بتأسيس حركتها في عام 1928م، دوّت في كل أرجاء الدنيا، وكان دويها قويا مزعجا للنظام العالمي المعادي، وللأنظمة الحاكمة المحلية.

ففكرة الحركة الإسلامية بكل وضوح، هي عودة الإسلام شريعة ودولة وحضارة، وهو ما تتآمر عليه الأنظمة العالمية العدوة والأنظمة الحاكمة المحلية الفاسدة التي تريد أن تتأبد في أماكنها وعلى كراسيها.

لقد اختار الإمام البنا المهمة الأكثر كلفة من مهام الإسلام، والثغر الأكثر تعرضا لضربات الأعداء من ثغور الإسلام.

لقد اختار الرجل الأكثر كلفة من أجل الأكثر أجرا، ولقد اختار المهمة التي لم يكن يقوم بها غيره، والتي لا يقوم بها الآن مثلُ حركته، والتي لولاها لأثمت الأمة جميعا لو أنها عاشت في هذا الزمن الحاضر ولا أحد فيها ينادي بعودة الإسلام دولة قائمة وشريعة حاكمة وحضارة منيرة.

إن الحركة الإسلامية التي أسسها الإمام البنا قد اختارت لنفسها مهمتها، ودفعت وما زالت كُلفتها، وهي كُلفة باهظة من أرواحها وحرياتها.

إن الحركة الإسلامية التي أسسها الإمام البنا قد اختارت لنفسها مهمتها، ودفعت وما زالت كُلفتها، وهي كُلفة باهظة من أرواحها وحرياتها

جهاد دائم اختاره الإخوان لأنفسهم، وحرب دائمة من الطواغيت عليهم.

يا أيها الإخوان يا سيفا أتى ليظل في نحر الغواية ضاربا

لا تجهدوا إن طال وقع حروبكم قدر المحارب أن يظل محاربا

لقد تعرض الدكتور مرسي للظلم ممن خانوه وانقلبوا عليه في انقلابهم العسكري في 2013م، وتعرض للظلم من كل قوى ثورة يناير عندما اختلفوا على الحالة حينها، فوقف بعضهم مخدوعا خلف الانقلاب العسكري، ثم ظُلم منهم مرة أخرى عندما اختلفوا ولم يتوحدوا مع إقراراهم من بعد بأن ما حدث كان انقلابا عسكريا.

وظُلم الدكتور مرسي كذلك من جماعته وحركته، عندما اختلفوا وانشقوا وتصارعوا، فذهبت ريحهم، وانتهت حركة معارضتهم للانقلاب، وخمدت ثورتهم عليه، واستقر الأمر للمنقلبين الغادرين.

ظُلم الدكتور مرسي كذلك من جماعته وحركته، عندما اختلفوا وانشقوا وتصارعوا، فذهبت ريحهم، وانتهت حركة معارضتهم للانقلاب، وخمدت ثورتهم عليه، واستقر الأمر للمنقلبين الغادرين

لن ينسى التاريخ للدكتور مرسي وقفته الشامخة ضد الظالمين والغادرين، وضد صانعيهم ومموليهم من الأنظمة العالمية الخرجية.

ولو أن الدكتور مرسي باع دينه ووطنه لهؤلاء لما انقلبوا عليه، ولكنه الرجل الذي باع كرسي الحكم وباع دنياه كلها من أجل دينه ووطنه.

وسيحكي التاريخ عنه أنه كان من رجال: لم يقبلوا الضيم، ولم ينزلوا على رأي الفسدة، ولم يعطوا الدنيّة من دينهم أو وطنهم.

ولن ينسى التاريخ له نصرته لإخوانه المستضعفين في غزة، والتي قال حين العدوان الإسرائيلي عليها في عهده: غزة لم تعد وحدها. وكانت كلمة قوية مذهلة في وجه إسرائيل، سارعت إسرائيل على أثرها بإنهاء الحرب، وذلك كما شهدت حماس بنفسها في نعيها للرجل.

من الممكن أن تكون وفاة الدكتور مرسي لحظة تاريخية لعودة الروح للثورة المصرية ضد الظلم والطغيان والجبروت، فقد كانت شرعية الدكتور مرسي والمطالبة بعودته نقطة خلاف بين القوى الوطنية الثورية، وها هو الرجل يموت شهيدا، وينهي الله حياته ومعها شرعيته الرئاسية لمن كان يطالب بها.

وتنتهي بذلك نقطة الخلاف الكبرى بين هذه القوى الشريكة في ثورة يناير.

وتكون اللحظة التاريخية، للعودة مرة أخرة، لُحمة واحدة، ضد الظلم والطغيان، ولتكون ثورة جديدة من أول السطر.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى