كتابات

وقفات مع سرقات الإنتاج الفكري والبحثي

بقلم الهيثم زعفان

من ينعم الله عليه بنعمة البحث والتأليف يعلم جيدًا أن كل كلمة نافعة يكتبها إنما هي رزق من الله سبحانه وتعالى.

لذا فإن حالة البحث والتأليف هي حالة خاصة يستعين فيها الباحث بربه كي يعينه على إتمام بحثه ومؤلفه.

تعظم المتعة في البحث والتأليف عندما يكون للباحث هدف رباني في أبحاثه وكتاباته، وعندما يكون مدركًا يقينًا أنه لو رزقه الله الإخلاص، وبحث في مسألة تعود بالنفع على أمته، ورزقه الله قبول عمله، فإنه بذلك يستبشر ببشارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بأن أجر عمله موصول وهو في قبره.

أعلم ويعلم الجميع أن مهنة البحث والتأليف من أشرف المهن، إن لم تكن أشرفها على الإطلاق إن كانت في نطاق الدعوة إلى الله، ونفع الناس، لذا فهي محل نظر ورغبة وحسد من أناس كثيرين، لا يستطيعون بلوغ مبلغ الباحث الجاد في البحث والتأليف.

 ويعلم أهل العلم أنه حتى يصل الباحث المتميز إلى درجة المقدرة على البحث المثمر والتأليف الجاد، فإنه يمر بمراحل عديدة من الإعداد، القراءة، التعلم، الجلوس بين أقدام العلماء، الإنفاق، السهر، المدارسة، والاستغناء عن كثير من المباحات.

 وعندما يطبع للباحث كتاب جديد يشعر كأنه رزق بمولود جديد، شعور فعلي شعر به كل باحث سافَرَ وتنقَّل بين الأمصار، ومكث بالأيام والليالي في المكتبات وأمام شاشات الكمبيوتر، وبين أسطر الكتب والبحوث والدراسات والمقالات، يتدارس إشكالاته البحثية، ويبحث عن إجابات شافية لها، يقتطع من قوت يومه وبيته وأولاده كي ينفق على بحثه، يستشير ويستفهم ممن هم أكثر دراية منه في ميدان بحثه حول مسألة بحثية وقف أمامها.

 لو علم الباحث أن هناك بحثًا ما عالج جزئية ولو دقيقة في دراسته لم يهدأ له بال حتى يحصل على ذلك البحث، لينطلق من حيث انتهى.

 ويوم عيده الأول يوم انتهائه من بحثه النافع، ويوم عيده الثاني يوم ينشر بحثه، ويوم عيده الثالث عندما ينجح بحثه وتطبق نتائجه عمليًّا، ويوم عيده الرابع والأهم عندما يأتيه أجر عمله في قبره، والجائزة الكبرى والعيد الأكبر عندما يُقبل عمله البحثي من ربه، ويجزيه الله عنه خير الجزاء في الجنة.

 إنها رحلة طويلة للغاية وراء بحث جاد ونافع تصادفه في ميادين البحوث.

 من هنا كان مؤلمًا جدًّا أن يجد هذا الباحث الجاد جزءًا من عمله وبحثه الجاد يسرقه أحد اللصوص، مهما بلغت مكانة هذا اللص المزيفة في المجتمع، ذلك اللص الذي يحاول تحقيق مكاسب أدبية أو مادية من وراء سرقته هذه، أو يكتسب وجاهة مزيفة تعزز الموقع الذي يتبوأه.

 لي صديق باحث ومؤلف متخصص في أدب الأطفال، قام أحد المشهورين على الساحة الآن بسرقة إنتاجه البحثي، ثم قام السارق بنشر المادة المسروقة باسمه ودون إشارة لصديقي، وحصل من وراء السرقة على جائزة مالية ضخمة، وتبوأ مكانة مجتمعية جراء السرقة.

 صديقي هذا فكَّر في نشر اسم السارق، وقصة السرقة، حقيقة نصحته بالتروِّي وإعطاء السارق فرصة للتوبة، والأهم حتى لا يُفتتن المعجبون به، وينعكس ذلك على الدعوة الإسلامية.

 بعدها تناقشت حول مسألة السرقات الفكرية والبحثية مع أستاذ جامعي ويشغل في ذات الوقت منصبًا إعلاميًّا مرموقًا، فحكى لي أهوالاً عن السرقات البحثية، والدكتوراه المزيفة، وأخبرني بأن هناك باحثًا بصدد إعداد كتاب عن السرقات الأدبية.

 أعدت التفكير في الأمر مرة أخرى، ووجدت أن ظاهرة السرقات البحثية والفكرية بحاجة إلى وقفة فعلية من العلماء والدعاة، وضرورة تباحث العلماء الثقات في إيجاد آلية لمعالجة هذه الظاهرة المؤلمة، أعلم أن هناك فتاوى بتحريم السرقات الأدبية، لكن الأمر لا يعالج بفتوى كلية عن الظاهرة برمتها وفقط، ولكن لابد من معالجة كافة جوانب الظاهرة، لذا سأحاول أن أضع بين أيادي علماء الأمة الفضلاء جملة من الإشكالات التي بحاجة فعلية إلى معالجات شرعية دقيقة؛

  حيث تتمثل تلك الإشكالات في الآتي:

 1) هل نشر أسماء السارقين للبحوث يعد من الفضيحة المنهي عنها؟

 2) ما حكم مخاطبة رؤساء السارق بسرقته البحثية وبحيثيات السرقة حتى ولو كان السارق يشغل منصبًا مرموقًا وسيترتب على ذلك إقالته من منصبه؟

 3) ما هي الآليات والقنوات الشرعية التي ينبغي على من ظُلِم وسُرِق منه إنتاجه البحثي والفكري أن يتعامل مع السرقة البحثية في ضوئها؟

 4)    ما هو حكم المنافع سواء المالية أو المادية أو الأدبية التي يجنيها السارق جراء سرقته لبحوث غيره؟ وهل مطعم هذا السارق في ذلك الشأن يدخل في باب الحلال أم الشبهات أم الحرام؟

 5) ما هو حكم من يكلف بماله باحثين يبحثون وينتجون له منتجًا علميًّا ليستولي المموِّل على المنتج المعد من قبل غيره وينشره بحالته باسمه ودون أية إشارة للباحثين المعدين للبحث؟

 6) ما هو حكم من يكلف أحد الباحثين ببحث نظير أجر معين ثم يضع على البحث بعض الرتوش والكلمات ثم ينشره باسمه ودون إشارة للباحث الفعلي المعد للبحث؟

7) ما هو حكم المال الذي حصل عليه الباحث المعد للبحث في حالة بيع المنتج البحثي والفكري سواء تحت ضغط الاحتياج أو احتراف إعداد البحوث وبيعها كمهنة؟

8) لو كان هناك إثم في أموال الباحث الذي باع إنتاجه وبحثه خاصة في حالة البحوث التي سيجني من ورائها السارق مكانة كبحوث الماجستير والدكتوراه؛ هل لهذا الباحث المعد لبحوث الغير نظير أجر أن يتبرأ من هذه الأموال؟ وإن كان فكيف؟

9) ما هو حكم الوسطاء سواء كانوا أفرادًا أو مراكز وحكم عمولاتهم المالية في عمليات السرقات البحثية؟ هؤلاء الوسطاء الذين ييسرون السرقة البحثية بين السارق والباحث ويخرجون من السرقة بعمولة.

10) كيف يتوب ويتبرأ السارق من سرقاته البحثية؟ وكيف يرد للباحثين المسروقين حقوقهم الأدبية والمالية؟

11) كيف يمكن تعظيم جرم هذه السرقات البحثية والفكرية في المجتمع وفي نفوس طلاب العلم؟

إشكالات شرعية أتمنى أن تحظى باهتمام فقهاء وعلماء الأمة الثقات.

المصدر: صوت الأمة الحر.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى