تقارير وإضاءات

واجبنا تجاه مصاب فَقدِ علمائنا

أن تصاب الأمة بفقد أحد علمائها أو دعاتها هو بلا ريب مصاب جلل وخسارة فادحة , فكيف إذا أصيبت الأمة بموت ثلة من العلماء الكبار ومجموعة من الفقهاء والمحدثين والأصوليين و الدعاة و…. دفعة واحدة وخلال مدة قصيرة لم تتجاوز أسبوعين اثنين فقط !!

نعم…لقد فقدت الأمة الإسلامية خلال الأيام الماضية مجموعة من علمائها وثلة من  رموزها وأعلامها , و توالت أنباء وفاة بعض القامات العلمية والدعوية في مختلف بقاع الدول الإسلامية , الأمر الذي استوجب الوقوف على هذا الأمر بشيء من التأمل والتدبر .

فبالأمس ودعت محافظة الحديدة اليمنية الفقيه العلامة الشيخ “محمد حسين فقيرة” أحد كبار مشائخ الحنفية الذي يعد “مفتي الحنفية” في الحديدة وإمام جامع دحمان بحي سوق الهنود بالمدينة , والذي كانت حياته حافلة بالعطاء العلمي والتدريس والفتيا ومقام الدعوة والإرشاد بالمحافظة، وأسس من خلالها رباط أبي بكر الصديق وحلقة البخاري وغيرها من حلقات تعليم كتاب الله والسنة المطهرة والفقه الإسلامي.

وقبله شيّع أهالي عاصمة الأردن عمّان الداعية الشيخ محمد إبراهيم شقرة الذي وُلِد في قرية عين كارم من قُرى قضاء القدس، عام 1934م وفيها تَلَقَّى تعليمه الابتدائي , ثم درس في الأزهر الشريف لينتقل بعد ذلك إلى السعودية ويعمل فيها مدرسا ليعود بعدها إلى عمان، ويصبح مديرا للمسجد الأقصى بوزارة الأوقاف الأردنية، وإماما لمسجد صلاح الدين في عمان , والذي ترك قبل وفاته العديد من المؤلفات أبرزها : المجاز في اللغة، ومراحل العمل من أجل نهضة إسلامية معاصرة، وإرشاد الساري إلى عبادة الباري، وأين تقع لا إله إلا الله في دين المرجئة الجدد، وغيرها كثير.

وقبل وفاة الشيخ “شقرة” توفي في اليمن القاضي العلامة يحيى الشبامي عن عمر ناهز الــ85 عاما قضى جلها في تدريس العلم الشرعي والوعظ والإرشاد , وقد بعث وزير الأوقاف والإرشاد القاضي شرف القليصي برقية عزاء ومواساة في وفاة القاضي معبرا عن ألمه وتعازيه وعظيم مواساته إلى نجل الفقيد وإخوانه وأفراد أسرته وكافة آل الشبامي في اليمن بهذا المصاب , منوها بمناقب الراحل ودوره الدعوي والإرشادي وما قدمه من عطاء متميز في كافة المناصب التي شغلها في وزارة الأوقاف والإرشاد وكذلك إسهاماته في عمله بمجلسي النواب والشورى.

وقبل القاضي الشبامي ودعت بلاد الحرمين أحد أبرز علمائها الفقيه الفرضي عبد الكريم اللاحم مدير المعهد العالي للقضاء سابقا , وعميد كلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم , و الذي تناول الموقع ملخصا عن سيرته العلمية والدعوية والمهنية وأبرز شيوخه وتلامذته وكتبه ومؤلفاته .

وقبل العلامة “اللاحم” شيّعت جموع غفيرة وآلاف مؤلفة من مسلمي الهند الشيخ المحدث محمد يونس الجونفوري شيخ الحديث في جامعة مظاهر العلوم بسَهَارَنْفور بالهند، وشارح صحيح البخاري وغيره، بل أحد أبرز المتخصصين فيه منذ دهر .

الشيخ الراحل (رحمه الله) الذي وُلد سنة 1355هـ/ 1936م كان قد لازم الشيخ العلامة محمد زكريا الكاندهلوي (رحمه الله)، وأخذ عنه وسمع منه صحيح البخاري وغيره من الكتب والسُّنن، وأخذ العلم عن شيوخ آخرين من كبار علماء الهند، منهم الشيخ منظور أحمد، وأجازه الشيخ العلامة عبدالفتاح أبو غُدة (رحمهم الله أجمعين) , كما تتلمذ على يديه و درس عنده وقرأ عليه البخاري الشيخ حبيب الله قربان في الهند، والشيخ أحمد عاشور في الحجاز، والشيخ عبدالله التوم، وغيرهم كثير .

عُرف الشيخ بأنه من أكثر علماء الهند والعالم الإسلامي اختصاصًا وعنايةً بصحيح البخاري ومعرفةً بمنهجه وتفاصيله ومسائله، وعرف أيضًا بالتفرغ الكامل للعلم والتدريس المصحوب بمنهج الزهد والتقلل من الدنيا , وقد ترك للأمة الإسلامية عدة شروح وحواش على صحيح البخاري، ورسائل وفتاوى حديثية طُبعت في أربع مجلدات، واليواقيت الغالية في تحقيق وتخريج الأحاديث العالية من إفادات الشيخ محمد يونس الجونفوري، جمعها ورتبها بعض طلابه .

وقبل الشيخ المحدث “الجونفوري” فقدت الأمة الإسلامية المفكر الأصولي الشامي محمد أديب صالح أستاذ ورئيس قسم السنة وعلومها بجامعة الإمام محمد بن سعود سابقا الذي توفي في عاصمة بلاد الحرمين الرياض عن عمر ناهز الــ90 عاما كانت مليئة وحافلة بالتدريس في الجامعات والدعوة إلى الله وتأليف الكتب العلمية والفكرية والدعوية .

وقبل الشيخ الأصولي “صالح” وفي الــ12 من شهر شوال الحالي الموافق 6/يوليو الحالي توفي العلامة الصومالي الأصولي الشهير الشيخ شريف عبد النور شريف حسن آدم مقبول في مكة المكرمة بعد عُمْرٍ حافل من الدعوة والإفتاء والتدريس والنصح .

ونظرا لمكانة الشيخ الراحل ومنزلته وعلمه وأثره نعاه رئيس جمهورية الصومال محمد عبد الله فرماجو ووزير الأوقاف والشؤون الدينية في الحكومة الصومالية الفيدرالية وقدموا خالص العزاء لأهل الشيخ وأسرته وأقرباءه وأصدقاءه وطلابه ومحبيه .

اشتهر الشيخ شريف بقراءة متون الأمهات الستة في الحديث الشريف، وغيرها من المتون الحديثية، وكتب العقيدة والفقه، والإفتاء في عدد من القضايا المعاصرة , وكانت له حلقات دينية يدرس فيها الفقه والتفسير والحديث والنحو والصرف في المساجد المختلفة في العاصمة الصومالية مقديشو . وكان يعطى عناية خاصة بعلم الحديث الشريف , وقد قام بشرح معظم كتب الحديث كالصحيحين والسنن الأربعة إلى اللغة الصومالية مع التسجيل، وقد استفاد منها أجيال كثيرة من أبناء الدعوة .

وبعد …. فلا ينبغي أن يقتصر دور أبناء الأمة على العزاء أو الرثاء والتحسر على وفاة وفقدان هذه الكوكبة الكبيرة من علماء الأمة ودعاتها وأعلامها خلال هذه الفترة القصيرة جدا , بل لا بد من الاعتبار بموت هؤلاء الأفذاذ , وعقد العزم على اغتنام وجود وحياة البقية المتبقية من أمثالهم من الثقات , والاستفادة ما أمكن من علومهم وحكمتهم وفقههم قبل فوات الأوان .

إن أكثر ما يؤلم في وفاة عالم أو فقيه أو مفكر أو محدث أو ….هو عدم وجود خلف له أو بديل يحل محله ويسد الثلمة التي أحدثها موته في الأمة , فإذا أحسن أبناء الأمة الإفادة من علمائهم الموجودين الآن , واعتبروا بتوالي وفاة الكثير منهم في الآونة الأخيرة دونما استثمار أو اغتنام حقيقي , فإن ذلك قد يكون العزاء الحقيقي للعلماء الراحلين .

(المصدر: موقع المسلم)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى