تقارير وإضاءات

هل تورط عدنان إبراهيم برسالته للدكتوراه؟

إعداد موقع المثقف الجديد

عدنان إبراهيم الذي يتفادى الدخول في مناظرة مع أصحاب الرأي الآخر، أنجز رسالته للدكتوراه عن حرية الاعتقاد في الإسلام، ولم يقرأها جلّ أنصاره ومعارضيه، وليسوا على دراية بما تنطوي عليه من عرض وبسط ومعلومات واستفسارات وتأويلات وتحليلات واستنتاجات، ولعلها تترجم موقفه الأدق من قضايا فقهية وعقدية، لا سيما أنه ناطق فضائي أكثر منه كاتباً ومؤلفاً، ولأنه لا يقبل بطرف آخر خصم يشاطره الأستديو ليقول ما شاء متى شاء و ولا يقاسمه الجدل إلا مذيع هزيل الثقافة، يباركه ويؤيد ما يقوله، ليبث انطباعاً أمام التابعين بأن عدنان فحل العلم الذي لا يجارى وفارسه الذي لا يباري، لذا انبرى الباحث يوسف سمرين إلى مناظرته في سوق الثقافة، بعد أن تلاشي الأمل بمقاسمته الأستديو ومنصة الحوار العلني.

كتاب (تناقضات منهجية) في نقد رسالة عدنان للدكتوراه في موضوعات: الذمة، والجزية، والقتال، وقتل المرتد، يأتي لكشف أخطاء وتناقضات سافرة، تشي ربما بضعف علمية عدنان أو ارتباكٍ في الموقف أو انحراف ممتع عاشه، ودافع عنه ونظّر له، وسوقه، ليكسب الكمّ من المتابعين على حساب الكيف العلمي، متوهماً أن الكمّ الهادر يحمي الكيف الهزيل.

ينزع عدنان – كما يذهب الكاتب – إلى تعريب الآراء الغربية وممارسة إسقاطات نظرية غريبة على نصوص دينية، على سبيل التجديد أو النفي أو إثارة أشكال أو شك. ويبدو أن تلك الآراء واقعاً كانت لهدف ثوري وتصادمي مرحلي، يسفر لاحقاً عن واقع فكري وإنساني جديد، غير أن تلك النظريات كانت محتجة على نسق نظري كلي، لا على نص مقدس، لأن الإنجيل مثلا ً لم يكن خياراً غريباً ملحاً وضرورياً للحياة، لا سيما بعد الثورة الفرنسية، إلا أن عدنان أخذ الأداة الثورية الناقدة عن ميشال فوكو، مثلاً ليذيبها في نص محكم، يؤلف مزجاً منسجماً ومتكاملاً، لذلك وقع في تناقضات، لأنه عمد إلى تأليف مركب من عناصر متنافرة في طبيعة مادتها، واستحال الأمر من حادثة تناقض إلى فلسفة تناقض، يدفع عنها بتناقض آخر أو بالإعراض عن التهمة، وإشغال متابعيه وصرفهم عن أصل المشكلة. تلك هي رسالة الدكتوراه التي سطرها تحت إشراف أكاديميين غفلوا أو تغافلوا عن ثغراتها لحاجة في أنفسهم، أو ربما ليمنحوه قوة واندفاعاً وجرأة، بعد أن تورط بشهادة علمية خلعتْ عليه لقباً فضفاضاً وزاهياً، فمضى يدافع عن أخطائه، لأنه حصل بها على درجة علمية، سمت به إلى منزلة وقامة عليا.

من بين هفواته العارية مراجع الدكتوراه التي اعتمدها، حيث كرّست الأزمة مع النص والتاريخ لعشوائيتها مثل كتاب (قصة الحضارة). يقول المؤلف يوسف سمرين: “أنه يعتمد جداً في النقل علي وِل ديوانت في كثير من تلك السطور…. “، ووصَفَها بأنها: “ليست مراجع أصلية في النقل الخارجي، إنما هي مراجع ثانوية تنقل عن مراجع أخرى، ولا ينكر ديورانت نفسه أنه وقع في أخطأ عديدة”

النص عند عدنان هو الطرف الأضعف في مسار التجديد – بحسبه –، فالنص صغير لا يكبر إلا بالتأويل والعسف في السياقات الملتوية وتوجيه مؤداه بالإكراه، وعليه فلا ضرر عنده ولا ضرار من تركيب النص على التأويل، وتركيب التأويل الصناعي على النص الطبيعي، بما يتفق في الجملة مع المعايير الدولية، فميثاق حقوق الإنسان العالمي هو المفسر الوحيد للنص، حيث يقوم مقام ابن كثير في تفسير القرآن وابن حجر في شرح البخاري.

كما يكشف المؤلف تناقضات تفصح عن اتهامات متبادلة بين عدنان ونفسه، لا سيما ما يتعلق بالإنسان والطبيعة، وكأنه يتهم نفسه الرجعية في إدانة عكسية كما في ص40؟

عدم إلمامه بعلم الأسانيد شكل ورطة فاضحة، فهو لا يكاد يحيط بشخصيات الرواية الحديثية، رغم دأبه الحثيث في إبراز نفسه، متخصصاً فيها، ولا يبدوا أنه مكثرت لهذا الأمر، لأنه يتوهم أنه الصوت الأقوى، أما نقاده فستذهب اعتراضاتهم أدراج الرياح، وكأنه لا يعلم أننا في عصر القرية الصغيرة، فمن يصل إليهم يصلون إليه.

عدنان يمارس خدعا ً تمويهية، ومن مظاهرها اللجوء الاضطراري إلى التأويل الباطني الذي ينقلب عليه لتهافت بنائه النظري. قال المؤلف: “الرجل يلزم إلزامات لا يرى ما وراءها “، كما في تأويله لقوله تعالى: فاقتلوا أنفسكم” وهذا اللون من الباطنية يغلب على التيار العلماني في مجملة، لأن التناول العفوي والطبيعي ينعكس سلباً على مشروعهم ككل، وهو مظهر من مظاهر الكسل البحثي، لذلك طرح سمرين سؤاله: “هل قرأ عدنان مراجع بحثه؟”

التناقض يبلغ أوجه في الانتقائية الفجة. يقول المؤلف: “ومرة يحتج في كلامه بحديث ولو كان مرسلاً، وتارة يرفض الآحاد في الحدود رأساً، وتارة يستدل بظواهر النصوص، وتارة يسارع إلى نقض ما بناه..”، ويقول: “ويبلغ الأمر بعدنان أن يسلم بانقطاع نسبة نتائجه إلى سلف الامة وعلمائها، وهو الأمر الذي لم يجرؤ عليه حتى الباطنية”.

هذا إطلاله سريعة على كتابٍ عرض لبعض تناقضات عدنان في رسالة الدكتوراه، وهل يمكن أن تكون رسالة محكمة وذات قدر أم أن البحث سُخّر لتطويع الدين لمبادئ حقوق الإنسان الوضعية، فكان عدنان هو الخاسر الوحيد في عشوائيته التي أضرت به وببحثه، ونالت من مقامه.

والسؤال: هل عدنان متورط برسالته للدكتوراه؟

(المصدر: موقع المثقف الجديد)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى