كتابات مختارة

هل الغلو مبررٌ للتغريب ؟

عندما تحدث أعمال إرهابية في دولة ما؛ ينبري دعاة لإدانتها لمخالفتها تعاليم الإسلام، وهذا حقٌ لا مرية فيه، لكن بعضهم لا يكتفي بتلك الإدانة بل يصرح بأن تلك الأعمال الإجرامية ستكون سبباً لمحاربة الدين والتدين في تلك الدولة، وهم بهذا يُعطون – بغير قصد- الحكومات مبرراً مسبقاً لفرض حزمة من الإجراءات لتجفيف منابع التدين ونشر الفساد، كما أنهم يهيئون المجتمع لقبول ذلك وأنها إجراءات طبيعة جزاء وفاقا. هذا فضلاً على أن في هذا التصريح موافقة ضمنية من أولئك الدعاة على أن منابع التدين هي أحد مغذيات الإرهاب.

وهنا تحدث معالجة خطأ بخطأ أفدح منه، معالجة خطأ أفراد بخطأ حكومات، وذلك عندما تتم محاربة الدين والتدين بسبب أعمال إجرامية ينسبها أصحابها إلى الدين.

حدث أن أخطأ بعض الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- فقتلوا مشركين في أحد الأشهر الحرم ظناً منهم أنه لم يدخل الشهر الحرام بعد، فاستغل المشركون وآلاتهم الإعلامية ذلك، وأصبحوا يُشَهِّرون وينالون من الإسلام وأهله.

فكيف تم التعامل مع هذا الخطأ؟

لقد تولّى الله جل جلاله الأمر كله؛ فأنزل من فوق سبع سماوات قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة ليكون منهجاً يؤخذ به، فقال سبحانه: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْل ) قال المفسرون: أي أنكم يا كفار قريش تستعظمون منّا القتال في الشهر الحرام، وما تفعلون أنتم: من الصدّ عن سبيل الله لمن أراد الإسلام، ومن كفركم بالله، وإخراجكم أهل المسجد منه كما فعلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أكبر جرماً عند الله مما فعلته السريّة  من القتال في الشهر الحرام.
وقد قال  عبد الله بن جحش رضي الله عنه هذه الأبيات على أثر هذه الحادثة:

تعدون قتلاً في الحـــــرام عظــــــــيمة       ***      وأعظم منها لو يرى الرشد راشد

صــــــــــدودكم عمّا يقـــــــــــول محمد       ***     وكفرٌ به والله راء  وشاهــــــــــــد

وإخراجكم من مسجد الله رحـــــــــــله      ***     لئلا يُــــــــرى  لله في البيت ساجد

تأمل – يا رعاك الله – ما قاله صاحب الظلال تعليقا على تلك الآية، يقول: ” هؤلاء قوم طغاة بغاة معتدون، لا يقيمون للمقدسات وزناً، ولا يتحرجون أمام الحرمات، ويدوسون كل ما تواضع المجتمع على احترامه من خلق ودين وعقيدة.

يقفون دون الحق فيصدون الناس عنه، ويفتنون المؤمنين ويؤذونهم أشد الإيذاء، ويُخرجونهم من البلد الحرام الذي يأمن فيه كل حي حتى الهوام ! .. ثم بعد ذلك كله يتسترون وراء الشهر الحرام، ويقيمون الدنيا ويقعدونها باسم الحرمات والمقدسات، ويرفعون أصواتهم: انظروا ها هو ذا محمد ومن معه ينتهكون حرمة الشهر الحرام !.

فكيف يواجههم الإسلام؟

يواجههم بحلول مثالية نظرية طائرة؟ إنه إن يفعل يُجرِّد المسلمين الأخيار من السلاح، بينما خصومهم البغاة الأشرار يستخدمون كل سلاح، ولا يتورعون عن سلاح.. !

كلّا ! إن الإسلام لا يصنع هذا، لأنه يريد مواجهة الواقع، لدفعه ورفعه.
يريد أن يزيل البغي والشر، وأن يُقلِّم أظافر الباطل والضلال…
ومن ثم لا يجعل الحرمات متاريس يقف خلفها المفسدون البغاة الطغاة ليرموا الطيبين الصالحين البناة، وهم في مأمن من رد الهجمات ومن نبل الرماة !
إن الإسلام يرعى حرمات من يرعون الحرمات، ويشدد في هذا المبدأ ويصونه.
ولكنه لا يسمح بأن تتخذ الحرمات متاريس لمن ينتهكون الحرمات، ويؤذون الطيبين، ويقتلون الصالحين، ويفتنون المؤمنين، ويرتكبون كل منكر وهم في منجاة من القصاص تحت ستار الحرمات التي يجب أن تصان ! “.

ولقد كان من فقه بعض علماء السلف أنهم لا يروون عند الولاة الظلمة أحاديث قد يتخذها الولاة ذريعة وحجة لتبرير بطشهم،

وختاماً، فإن أولى ما ينبغي على العلماء والدعاة الحديث عنه عند حدوث عمل إرهابي في بلد ما – بعد بيان حرمته – هو الحديث عن الأسباب التي أدّت إلى ذلك العمل، والدعوة إلى معالجتها، وذلك لتفادي إجراءات خاطئة تزيد الأمور سوءاً.

المصدر: الاسلام اليوم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى