كتب وبحوث

من توصيات مؤسسة راند في تغريب المجتمعات الإسلامية

قراءة في كتاب (مؤسسة البحث والتطوير “راند” وموقفها من الدعوة الإسلامية)

قراءة أ. أسامة شحادة.

هذه مقتطفات مركّزة من رسالة الدكتوراه المتميزة المعنونة بـ “مؤسسة البحث والتطوير (راند) وموقفها من الدعوة الإسلامية” للدكتور عبدالله المديفر.

تمهيد:

مؤسسة راند هي مؤسسة أبحاث أمريكية تأسست سنة 1945 وتتبع للقوات الجوية الأمريكية، ثم استقلت سنة 1948، لكن لليوم يحتل العسكريون ربع مقاعد مجلس أمنائها! ونصف إنتاجها البحثي يقدّم لجهات عسكرية أمريكية! والباقي يقدم للمؤسسات السياسية الأمريكية، ومنها تنزلق للساسة في عالمنا العربي والإسلامي!

وتنبع خطورة هذه التوصيات مِن أنها “تحرص على تقديم خلاصة لنتائجها وتوصياتها للمستهدفين ومن وسائلها في ذلك: (عروض الإحاطة) للمجالس والوزارات وغيرها، وهذه العروض تعد وفق منهج عملي حديث، يهدف إلى الوصول إلى أقصى درجة من الكفاءة والتأثير والإقناع، ويعتمد على أسس مستمدة من علم النفس المعرفي وعلم اللغة”!!

ومن هنا يكون تأثير هذه التوصيات كبيرا على المسؤول الفارغ من وجهة نظر ذاتية!

لب طروحات راند:

أساس طرح وفكر مؤسسة راند لتغريب المجتمعات الإسلامية هو دعم وترسيخ وتمكين نفوذ (المسلمين المعتدلين) بين المسلمين، فمن هو المسلم المعتدل عند راند؟؟

هم 3 فئات: العلمانيون، المسلمون الليبراليون (التنويريون)، التقليديون المعتدلون مثل الصوفية والأحباش!

ولمعرفة المسلم المعتدل، هناك اختبار يكشف ذلك عند مؤسسة راند وهو:

أن يقبل بالديمقراطية!

والقبول بمصادر غير إسلامية في تشريع القوانين!

واحترام حقوق المرأة وحقوق الأقليات! طبعا بالمفهوم الغربي!

نبذ الإرهاب والعنف غير المشروع، وطبعا بالمفهوم الغربي الذي لا يشمل إرهاب اليهود ضد الفلسطينيين!

توصيات مؤسسة راند تجاه الشريعة الإسلامية:

لقد ساهمت مؤسسة راند في وضع دستور أفغانستان الجديد بعد إزاحة حكم طالبان، وعقدت مؤتمرا بعنوان “الديمقراطية والإسلام في الدستور الأفغاني الجديد”، ويرى الباحث المديفر أن توصيات المؤتمر لن تقف عند حدود أفغانستان بل ستتمدد عبر الحدود لبقية دول الإسلام مع الأيام!

فلا مانع من ذكر الإسلام في الدستور لكن بشرط أن تتساوى فيه مبادئ الإسلام ومبادئ الديمقراطية والتعددية والالتزامات الدولية!!! وعند التطبيق ستكون الأولوية للمبادئ غير الإسلامية عند التعارض كما هو حاصل منذ عقود طويلة في كثير من بلاد الإسلام!!

ولذلك تقترح راند أن ينصّ على الإسلام في الدستور بالصيغة التالية: “المبادئ الأساسية للإسلام هي التى تكون مصدر إلهام لكل التشريعات”، وذلك لفتح الباب لكل التفسيرات والتحريفات للإسلام بدلا من كون تفسير الإسلام من حق علماء الشريعة كما أن حق تفسير القانون للقانونيين وليس للأطباء والمهندسين!!

ولذلك ترفض توصيات مؤتمر راند السماح للقضاة المختصين (خاصة الشرعيين) بمهمة مراجعة توافق القوانين مع أحكام الإسلام طبقا للدستور ومرجعية الشريعة، بل أن يسند ذلك للنواب والوزراء غير المختصين والمؤهلين!!

ولم تكتفِ بذلك بل نصّت على تقليص عدد عضوية القضاة الشرعيين في البرلمان في دول مثل أفغانستان حتى لا يتمكنوا من تفعيل الشريعة في الدستور والقانون!!

وركزت دراسات راند على أهمية محاصرة مشاركة الأحزاب الإسلامية في الدستور والقانون وذلك تحت عنوان عدم استغلال الدين في السياسة!!

هكذا يعمل خصوم الإسلام على محاصرة الشريعة والإسلام في الدساتير والقوانين بالدستور والقانون نفسه!!

توصيات راند بخصوص حد الردة:

لحماية (المسلمين المعتدلين) عند راند، والذين هم من محرّفي الدين والمتلاعبين به فإن المؤسسة طالبت بالنص على الحرية الدينية في الدساتير حمايةً لهم من تهمة الردّة وإخضاعهم للمحاكمة والعقوبة! وهذا يكشف عن مخطط تغيير الدين وأحكام الإسلام الذي تسعى له راند وغيرها من المؤسسات.

توصيات راند بخصوص أحكام الزواج وتوابعه في الدستور والقوانين:

نصّ مؤتمر الديمقراطية والإسلام في الدستور الأفغاني الجديد على أن قانون الأحوال الشخصية يحدد الاتجاه الذي يسير فيه المجتمع، ومن هنا تنبع خطورة تلاعب توصيات راند ومثيلاتها نحو قوانين الأحوال الشخصية في بلاد الإسلام.

فبدايةً يسعون لنزع الصبغة الشرعية عن هذه القوانين والمحاكم ودمجها في القضاء المدني الوضعي!

ويدعون لعدم الاقتصار على مذهب فقهي محدد في قوانين الأحوال الشخصية لفتح الباب لمصادر مدنية/علمانية في هذه القوانين، والتي تعد البقية الباقية من أحكام الشريعة في القوانين السائدة!!

طبّق هذا في ماليزيا فوُضعت قيود على الطلاق من طرف واحد! واستحدث قانون ملكية (أكثر عدالة) وهذا يعني التلاعب بأحكام الميراث كما يطالَب به اليوم في المغرب!

توصي راند بضرورة الإكثار من عبارة (وفق الدستور) عند تعديل أحكام الزواج والطلاق والإرث، بعد أن تم تقييد الشريعة في الدستور، لتصبح علمنة هذه القوانين قانونية ودستورية ووفق الشريعة بحسبهم!

العلاقة بين الديمقراطية والقانون والشريعة الإسلامية:

الخلاصة لهذه الخطوات الديمقراطية والدستورية هي إعادة استعمار بلاد الإسلام بطريقة قانونية لا عسكرية، لتصبح القيم الغربية والاستعمارية هي الحاكمة على بلاد الإسلام، وعزل بقية القوانين الإسلامية عن دنيا المسلمين.

من هنا نفهم حرص الجهات الدولية على (تطوير) التشريعات والأنظمة القانونية في بلادنا.

إذًا؛ التلاعب بالقوانين لمصلحة الأعداء هو بوابة السيطرة والهيمنة المعاصرة، بحيث تشرعن كل خطوات السيطرة والهيمنة بالقانون وتجرّم كل خطوات المقاومة والممانعة والدفاع عن الحقوق والخيرات!!

توصيات راند بخصوص الجهاد في سبيل الله:

تنفي بعض دراسات راند استخدام القرآن الكريم لمفهوم الجهاد بمعنى القتال، وتقصره على معنى الصراع الداخلي! وتزعم أن تفسير الجهاد بالقتال تم لاحقا لتبرير الفتوحات الإسلامية!!

وطبعا هذا تحريف لمعاني القرآن الكريم بخصوص الجهاد، وتجاهلٌ لدلالة الأحاديث النبوية عن الجهاد، واعتماد للتفسير الماركسي المادي في تفسير التاريخ بجعل الفتوحات الإسلامية قد تمّت بغرض مادي اقتصادي، وأنه تم تبريرها دينيًا في وقت لاحق!!

تستغل دراسات راند انحرافات الغلاة وتطرفهم للطعن في كل مفهوم الجهاد الإسلامي بوصفه تمردا وإرهابا، برغم أن عدد من قام بعمليات إرهابية مضادة للجهاد وصحيح الدين لا يبلغ عدة آلاف من بين مليار وسبعمائة مليون مسلم!!

ووقوع انحراف من الغلاة لا يبطل جهاد المسلمين الصحيح دفاعًا عن أوطانهم وخيراتهم ضد المحتلين والغزاة كما تفعل غالب دراسات راند.

ومِن وسائل إبطال الجهاد توصي راند بالعمل على تشويه صورة الجهاد لفصل الحاضنة الشعبية عن التعاطف والدعم للمجاهدين، وإذا كان هذا يصح بحق الغلاة والمنحرفين إلا أن راند لا تفرّق في ذلك بين الغلاة وبين الجهاد الصحيح، وتخطو خطوة إضافية بالتوصية بضرورة التركيز على إبعاد طلبة المدارس الدينية عن تعظيم الجهاد والمجاهدين عموما وليس الغلاة فقط.

توصيات راند بخصوص المساجد:

تبدي دراسات وتقارير راند قلقها من انتشار المساجد في العالم بسبب تأثيرها في المسلمين، ولذلك تقترح توصياتها مراقبة المساجد، خاصة تلك التي يسيطر عليها شخصيات متشددة حتى لا تكون منبرا للإرهاب، رغم أن عادة الإرهاب اللجوء للسرية، أما المساجد فأماكن عامة لا تصلح للعمل الإرهابي السري.

أيضا تتعامل راند مع المساجد على أنها منبر إعلامي، لا يمكن لغير الإسلاميين اعتلاؤه! وكأن المنابر الإعلامية التابعة للعلمانيين من الصحف والفضائيات تفتح أحضانها للإسلاميين؟!

من هنا ترحب راند بسيطرة الحكومات على خطبة الجمعة ومحتواها بحجة محاربة الإرهاب والتشدد!

وهنا يجب على الخطباء ووزارات الأوفاف التعاون معًا للقيام بحق خطبة الجمعة لا أن تصبح منبرا للعنف أو التهاون أو تنفيذ أجندات سياسية للمعارضة أو السلطة.

وتعرب دراسات راند عن قلقها من دعم السعودية لبناء المساجد في العالم ونشرها للدعوة الوهابية وإقبال الشباب عليها، كما أنها منزعجة من اعتماد المساجد في أوروبا للأئمة من بلاد الإسلام لا من خلال معاهد في أوروبا مما يعرقل تطور (إسلام أوربي) وهو ما تم اتخاذ خطوات لإعداد الأئمة من خلال تعاليم ومواثيق أوروبية!!

ومَن يتابع خطوات بعض الدول العربية والإسلامية يشعر أن توصيات راند قد وصلتها وبدأت في اعتمادها!!

توصيات راند بخصوص التعليم الإسلامي:

اهتمت تقارير ودراسات راند بالمدارس الإسلامية بشكل لافت، وقد صرحت بشكل واضح في دراسةٍ عن التعليم الإسلامي في باكستان بانتفاء أي رابط أو علاقة للتعليم الإسلامي بالتجنيد لصالح التشدد، فالمدارس الدينية تعلّم مناهج معلنة ومعروفة وليست سرية أو متشددة.

لكن توصيات راند -في محاولة للقضاء على جهود مقاومة ومدافعة الغزو العسكري والفكري لبلاد الإسلام- تدعو للتأثير في التعليم الإسلامي، كما في دراستها عن التعليم الإسلامي في مصر وغيرها، من خلال:

– حذف مفهوم وأحكام الجهاد من مناهج التعليم، وكذلك عقيدة الولاء والبراء.

– التركيز على توجيه الجيل الجديد من الطلبة.

– استكتاب العلمانيين والحداثيين للمناهج التعليمية!

– التوسع في تعليم تاريخ ما قبل الإسلام، والحضارات القديمة والثقافات المنفصلة عن الإسلام لإحياء الوثنيات وربط الطلبة بها بدلا من الإسلام!

– التركيز على تعليم اللغة الإنجليزية لربط الطلبة بمصادر للمعرفة خارج إطار لغتهم وثقافتهم ودينهم!

وفي دراسة أخرى تقرر أن مستقبل (الإسلام السياسي) سيتحدد في المدارس، ولذلك سيركزون على تغيير المناهج التعليمية، من خلال تقليص الفجوة بين طلبة التعليم العلماني وطلبة التعليم الإسلامي من خلال التضييق على التعليم الإسلامى وتوسيع دائرة التعليم العلماني.

وتعترف دراسة (الحرب بوسائل أخرى) أن أمريكا لا تستطيع تغيير المناهج الدينية بنفسها، ولكن يمكن ذلك من خلال الشركاء كالمنظمات الدولية، وهو ما ترجم واقعيا في عدد من الدول العربية والإسلامية بوجود لجان استشارية خارجية لوضع المناهج!!

ولذلك تقدم أمريكا هِبات بمئات الملايين (لتحسين) التعليم في عدد من الدول!

الخلاصة: توصيات راند تقوم على تغيير التعليم الإسلامي والتوسع في التعليم البديل!

تنتقد دراسات راند دعم السعودية السابق للمدارس الإسلامية في العالم، والادّعاء أن ذلك يساهم في نشر التشدد والحركات الإسلامية والسلفية/ الوهابية، وتوصي بوقف هذا الدعم.

توصيات راند بخصوص القبيلة والعشيرة:

لاحَظ باحثو راند أن الإسلام عنده القدرة على تحويل ولاء القبائل إلى الولاء للإسلام، وأن ذلك يعيق إزاحة الإسلام عن قيادة المسلمين، ويجعل للمسلمين قوة من ترابط العشائر وترابط أبناء العشيرة الواحدة.

ولذلك ترصد إحدى دراسات راند لخطة اليهود بداية احتلالهم لفلسطين لبثّ الخلافات بين عشائر فلسطين مما سهّل لهم السيطرة على بقية فلسطين لاحقا سنة 67.

كما رصدت دراسات راند مركزية دور العشيرة والقبيلة في استقرار دول الخليج والأردن، لكنهم أيضا يزعمون أن ذلك يخلخل بناء الدولة الحديثة وتكوّن المجتمع المدني= العلماني!

وترى راند في القبلية حاجزا يمنع الديمقراطية من إيصال نخبة حداثية للبرلمان لأن العشائرية تميل للمحافظة والإسلامية.

وبذلك فإن أي عامل استقرار وقوة لبلادنا كالقبلية الرشيدة فإن راند توصي بإضعافها واستبدالها!!

(المصدر: موقع أ. أسامة شحادة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى