كتابات مختارة

مفارقة!

ما أكثر مفارقات أولئك الذين أدمنوا وصم مجتمعاتهم بكل مفردة تحتمل معنى التطرف، والإقصاء، والدعشنة، والعنف، والعنصرية.. هكذا دون أن يكون معهم أي دليل استقرائي موضوعي؟! ولا عجب ! فمن كان الهوى قائده لم تُحصَ تناقضاته ومفارقاته!

اليوم ـ بعد فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية ـ عادوا لجلد مجتمعاتهم بلغة “كل قبيح في غيرك فهو فيك أشد وأكثر قبحاً” ، كعادة اللئام، فغاروا على المجتمع الأمريكي أن قيل عنه: فاز صوت العنصرية والأقصاء والتطرف. وضاقت بهذا الوصف صدورهم، فغرد أحدهم : “طبيعي أن يفوز ترامب (لأن البشرية تتجه للتطرف) لو كان عند العرب ديمقراطية لما فاز إلا البغدادي وحسن نصر اللات“!

هنا قلم يسيل بلغة الصغار والهوان وإدمان جلد الذات، فحين رأى أنه لا يمكن إنكار غلبة صوت التطرف والعنصرية في فوز ترامب الذي صوّت له نحوٌ من ستين مليون ناخب أمريكي أكثرهم من البيض، حاول أن يتلطف في وصف ذلك، فجعله مجرد استجابة لانجراف البشرية كلها للعنف والتطرف!

في حين أن هذه الأقلام المنهزمة كانت إذا ذُكرت ظاهرة العنف والتطرف في مجتمعاتنا جعلوها وصمة عار (تميزنا) عن العالم المتحضر، ونسوا أن البشرية كلها منجرفة نحو العنف والتطرف؛ كأنما التطرف ـ حينئذ ـ علامة فارقة لصورة العربي المسلم يُلحّون في إثباتها في صورته الذهنية.

ثم لم ينفك هذا القلم عن اللؤم، فعاد على العرب بوصم التطرف، وحَسَمَ النتيجة ـ بلا عدٍ ولا إحصاء ـ بأن الديمقراطية لن تفرز إلا رموز التطرف في مجتمعاتنا العربية المسلمة! ما الذي يجعله يضيق ذرعاً أن يوصم نحو من ستين مليون أمريكي بالتطرف والإقصاء والعنصرية حتى يعود على العرب بذكر السوء؟ وهل كان حديث الناس البارحة إلا عن السباق الرئاسي الأمريكي؟!

ومغرِّد آخر جعل من فوز ترامب دليلاً على حياة الشعب الامريكي وتفوقه وطموحه للتغيير! هكذا صار انتصار خطاب الكراهية والعنصرية دليلَ التفوق والطموح للتغير!

لا تعجب! فالهزيمة النفسية والتبعية للغرب تفعل بصاحبها أبعد من هذا.. حيث تحضر الموضوعية المزعومة، وتكون مجرد مطيةٍ تُركب لحسين صورة الغرب، فإذا غَلَب صوت العنصرية والتطرف وفاز رمزه الذي حشد الناس حوله بخطاب التطرف والعنصرية، قالوا: إنما هؤلاء بعض الشعب الأمريكي، وليس كله! يا للموضوعية الوضيعة ؛ أينها حين يُذكر المجتمع المسلم بسوء؟! إن ذلك ـ في نظرهم ـ لا يحتاج إلى إحصاء أو استقراء، فالمجتمع مدعش ، متطرف، إقصائي، إرهابي..

وإنه الهوى الذي يجعل من الشذوذ أو الظاهرة صبغة غالبة في المجتمع؛ كالطريقة نفسها التي ينتهجها أولئك الذين يكفّرون المجتمعات الإسلامية!

المصدر: الاسلام اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى