تقارير وإضاءات

مشاريع التطبيع .. من العداء لإسرائيل إلى العداء للفلسطينيين

مشاريع التطبيع .. من العداء لإسرائيل إلى العداء للفلسطينيين

يجري إحداث مقاربة جديدة تصور القضية الفلسطينية كعبء على العرب أو على دول الخليج خاصة، يجب التخلص منها، والنأي بالنفس عنها. هذه المقاربة تقابلها مقاربة التلاقي مع الإسرائيليين ليس على قاعدة السلام بين الأعداء بل على قاعدة التحالف بين الأصدقاء.

أصبح من الشائع مؤخراً إحداث نوع من المقارنات بين مشاريع السلام السابقة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي التي دشنتها مصر-السادات باتفاقية كامب ديفيد عام1978، ولحقتها كل من منظمة التحرير الفلسطينية باتفاقية أوسلو عام 1993، والأردن في اتفاقية وادي عربة عام1994.

ومن أبرز أوجه المقارنة هذه أن مشاريع السلام السابقة كانت بين فرقاء متحاربين، فقد خاضت كل من مصر والأردن وفصائل منظمة التحرير حروباً طاحنة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ قيام هذا الكيان على أراضي فلسطين التاريخية عام 1948. أما دول الخليج فلم تخض جيوشها حرباً واحدة مع إسرائيل قط.

مقارنة أخرى تتعلق بأن مشاريع التطبيع السابقة كانت تالية لاتفاقية السلام، في حين أن علاقات التطبيع الخليجية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي جاءت مقدَّمة على عملية توقيع اتفاقيات السلام. فالعلاقة بين الإمارات والبحرين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى ربما تمتد لعشرات السنوات، خصوصاً في الجوانب الأمنية والثقافية من قبيل المشاركة في الفعاليات الرياضية وغيرها.

هذا فضلاً عن أن مشاريع التطبيع السابقة كانت محصورة ضمن الإطار الرسمي، فقد كان هناك رفض شعبي عارم للتطبيع مع إسرائيل والتعامل معها كأنها كيان شرعي يحظى بحقوق الجوار. على عكس مشاريع التطبيع الحالية التي تسعى فيها الأنظمة إلى تكريس حالة من التطبيع المجتمعي من خلال الترويج للزيارات الشعبية، والفعاليات الثقافية والفنية، ليس فقط بين حكومات هذه الدول بل أيضاً بين شعوبها وبين الإسرائيليين، وهذا ما كان واضحاً في التصريحات المتكررة للعديد من الإعلاميين والمؤثرين على السوشيال ميديا الداعمين للتطبيع مع إسرائيل والمروجين له.

غير أن الاختلاف الأهم بين مشاريع التطبيع الخليجية الحالية وبين التي سبقتها ربما يكون في درجة العداء للفلسطينيين. فلم يسبق أن تعرض الفلسطينيون، أو القضية الفلسطينية، للشيطنة كما تتعرض له، ويتعرضون له الآن. فهناك إعادة تعريف للقضية الفلسطينية من جديد بطريقة مغايرة لكل التعريفات السابقة، وتقطع معها نهائياً. فبعد أن كانت القضية الفلسطينية قضية العرب الجامعة، تحولت في وقت لاحق إلى قضية تخص الفلسطينيين وحدهم، بل تخص منظمة التحرير على وجه الخصوص، ومن بعدها السلطة الفلسطينية.

غير أن عملية اختزال القضية الفلسطينية بمنظمة التحرير أو بالسلطة الفلسطينية لم تؤد مطلقاً إلى التخلي عن القضية أو معاداتها، فقد بقيت القضية تحظى بنوع من الإجماع العربي. فمبادرة السلام العربية التي أعلن عنها في الرياض عام 2002 أكدت أن أي تطبيع مع إسرائيل يجب أن يسبقه انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها عام1967، وقيام دولة فلسطينية مستقلة.

ما نشهده اليوم ليس مجرد عملية اختزال أخرى، أو قل عملية تعميق مسلسل عملية الاختزال السابقة، بل يجري إحداث مقاربة جديدة تصور القضية الفلسطينية كعبء على العرب أو على دول الخليج على الأخص، وبالتالي يجب التخلص منها، والنأي بالنفس عنها. إن مقاربة النأي عن الفلسطينيين هذه، تقابلها مقاربة التلاقي مع الإسرائيليين ليس على قاعدة السلام بين الأعداء بل على قاعدة التحالف بين الأصدقاء. فالإسرائيلي أصبح صديقاً وحليفاً، في حين أصبح الفلسطيني غريباً وعدواً. هذه مقاربة جديدة كلياً، وهي مقاربة لم نعهدها في اتفاقيات السلام السابقة، فعلى سبيل المثال، وبالرغم من اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل فإن عقيدة الجيش العربي بقيت ترى في دولة الاحتلال الإسرائيلي عدوها الأول.

موقف الجامعة العربية مؤخراً كان مؤشراً واضحاً على تغير المزاج العربي الرسمي تجاه القضية الفلسطينية. فعلى مدار عقود من عمر الجامعة العربية، ربما كانت القضية الفلسطينية هي القضية الوحيدة التي تحظى بنوع من الإجماع في داخل أروقتها. ولكن فشل إدانة مشاريع التطبيع مؤخراً في اجتماع وزراء الخارجية العرب، كان دليلاً على أن هذه الميزة التي حظيت بها القضية الفلسطينية قد بدأت تتلاشى.

ترافق هذا النكوص الرسمي العربي عن دعم القضية الفلسطينية مع حملة إلكترونية كبيرة تحت هاشتاغ فلسطين_ليست_قضيتي، والتغريدة التي أطلقها تركي الحمد وتبعه فيها جحافل الذباب الإلكتروني، في محاولة لتهيئة الرأي العام العربي لمقاربة النأي والتفريط بالقضية الفلسطينية، التي بدأت مع الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي على التطبيع.

ومن الجدير بالذكر أن التضييق على الفلسطينيين ومعاداتهم ليس بالأمر الجديد خصوصاً في الإمارات ومن ثم السعودية. فالإمارات ومنذ أكثر من عقد من الزمان تعمل على تصفية الوجود الفلسطيني على أراضيها، وأي شخص أو جهة تثبت عليه/عليها تقديم أي دعم لفلسطين سواء إعلامياً أو مالياً يتم ترحيله فوراً مع مصادرة جميع أمواله، هذا إذا لم يتم الزج به في السجون. وقد سارت السعودية على خطا الإمارات، وبدأت باستهداف الوجود الفلسطيني داخل أراضيها، وما اعتقال ممثل حماس الرسمي لدى المملكة الدكتور محمد الخضري البالغ من العمر 81 عاماً إلا مثال على ذلك.

وإذا كان تأييد محور الإمارات-السعودية-مصر لصفقة القرن هو إنهاء فعلي لحل الدولتين، ويمثل واحدة من أهم ركائز مقاربة النأي عن القضية الفلسطينية، فإن استهداف المقاومة الفلسطينية ممثلة بأهم فصيل فيها وهو حركة حماس يعد الركيزة الثانية في هذه المقاربة المشؤومة. فحركة المقاومة الوطنية حماس أصبحت في نظر العديد من هذه الأنظمة منظمة إرهابية، وليست حركة تحرر وطني تسعى إلى تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني.

وإذا كان مسلسل استهداف حركات المقاومة الفلسطينية من هذا المحور أوسع من مجرد معالجته في هذا المقال، فإنه يكفي النظر في الدلائل التي كشف عنها تحقيق الجزيرة الذي قام به تامر المسحال في برنامج ما خفي أعظم لأخذ صورة عن هذا الاستهداف. فقد قامت كل من مصر والإمارات، على سبيل المثال، بإنشاء قاعدة برنيس البحرية على البحر الأحمر من أجل منع تهريب السلاح للمقاومة الفلسطينية بقطاع غزة، هذا فضلاً عن عشرات الكيلومترات من الحواجز والأسوار فوق الأرض وتحت الأرض على حدود القطاع من أجل تدمير أنفاق التهريب، هذا فضلاً عن عملية تجريف الأرض في بعض مناطق سيناء واقتلاع أهلها وهدم بيوتها، من أجل الحد من هذه الأنفاق والقضاء عليها.

وفي التحقيق ذاته كشف عامي أيالون، الذي شغل سابقاً موقع رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي المعروف بالشاباك، عن المقاربة الإسرائيلية في احتواء المقاومة الفلسطينية، حيث اعترف بأن حماس هي أقوى اليوم ممَّا كانت عليه في السابق، ويعتقد أن إسرائيل إذا لم تخلق واقعاً سياسياً مختلفاً فإن حماس ستصبح “أقوى وأقوى”. وهذا الواقع السياسي المختلف الذي يقصده نراه يتجسد من خلال عمليات التطبيع الحالية، والسعي لتثبيت صفقة القرن كواقع سياسي جديد.

وتابع أيالون بأنه لا ينبغي لإسرائيل نزع سلاح غزة بنفسها، لأن ذلك سيكون كارثة على إسرائيل، وهو يقصد بذلك أن على إسرائيل أن تسعى إلى نزع سلاح غزة من خلال تحالف إقليمي تكون بعض الدول العربية مثل الإمارات والسعودية ومصر في صلبه، لأن ذلك من شأنه أن يخفف التبعات الدولية والأمنية على إسرائيل، وذلك من خلال توفير هذه الحاضنة العربية المعادية لمشاريع المقاومة الفلسطينية.

(المصدر: تي آر تي TRT العربية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى