كتابات مختارة

مسؤولية الكلمة وتبعاتها

بقلم د. إبراهيم التركاوي

الكلمة أمانة كبيرة ، ومسؤولية عظيمة ، ويترتب علي التلفط بها تبعات خطيرة .. ولا يعرف ذلك إلا مَن أدرك قيمة الكلمة ، ووعي أثرها في حياة الأفراد والأمم ، فالكلمة قد تحيي همة ، وتبني أمة ، وعلى النقيض ، فقد تَسقط بها قِمم ، وتهلك بها أمم .. !

ولذا ، عني الإسلام عناية كبيرة بالكلمة ، ووضع لها رقابة صارمة ، ويقظة واعية ، قبل التلفظ  بها ، لتكون بناءة لا هدامة ، منضبطة لا سائبة ..  كما جاء في قوله تعالى : { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } (ق: 18)

وربط النبي صلى الله عليه وسلم ، بين الإيمان والنطق بالكلمة ، لتخرج عن إيمان عميق ، وتفكّر دقيق.. عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت .. ” (رواه البخاري ومسلم).

وما قامت السموات والأرض إلا بكلمة الحق ، واستقام أمر الدنيا ، وانصلحت أحوال العباد ، إلا بتقوى الله ، والقول السديد ..

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } (الأحزاب: 70-71)

وما تسرّب الفساد ، وخُرِّبت البلاد ، إلا بعد أن استهان الناس بأمانة الكلمة ومسؤوليتها .. فكم من فتن قامت ، وكوارث حلّت ، وأحقاد انتشرت ، وخلافات استشرت ، بسبب غِرّ لا يعرف للكلمة قيمة ، ولا لتبعاتها من عواقب وخيمة..!

تُرى، كم دفع العالم عامة ، والعالم الإسلامي خاصة ،  ثمن حماقات راح ضحيتها مئات الآلاف من الضحايا، ناهيك عن تخريب البلاد ، وتشتيت مَن بقي من العباد ، من جرّاء كلمة غير مسؤولة ، ومعلومات مغلوطة..  ؟!

تأمّل ، ما اعترف به الرئيس الأمريكي الأسبق في مذكراته ، من خطأ غزوِهِ لدولة ( العراق ) ، وتبعه بالاعتراف بالخطأ حليفه في الحرب الغاشمة الظالمة ، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق !.

وما يموج اليوم في عالمنا الإسلامي ، من قتال ضاري راح ضحيته مئات الآلاف من الأبرياء ، غير المشردين في أنحاء البلاد ، تحت مسمّى شعارات مكذوبة ، ومسوّغات مفضوحة ، أصبحت لا تخفي علي أحد ..

حقا ، كم من أمم تفرّقت ، وحروب اشتعلت وما انطفأت .. بسبب كلمة ، وكم من شعوب اتّحدت ، وقلوب ائتلفت ، وصدور انشرحت ، بسبب كلمة !

وهل نُوّرت عقول ،  وسمت نفوس ، وتقدّمت شعوب ، إلا بكلمة مضيئة صادقة بناءة ؟!.. وهل عُميّت عقول ، وتسفّلت نفوس، وتخلّفت شعوب ، إلا بكلمة مظلِمة كاذبة هدّامة..؟!

فطوبى لمَن قال كلمة حق ، وأمسك عن كلمة باطل ، فربَّ كلمة حق ، رفعت صاحبها إلى أعلى الدرجات ، وربَّ كلمة باطل ، هوت بصاحبها إلي أسفل الدركات ..!

عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) (رواه البخاري).

المصدر: رابطة العلماء السوريين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى