ماذا أعددنا لصفقة القرن؟!

ماذا أعددنا لصفقة القرن؟!

بقلم أحمد التلاوي

مع انتهاء شهر رمضان الكريم؛ ندخل في منعطف العد التنازلي لإعلان الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب، أحد أهم الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة، الداعمين للكيان الصهيوني، عما يُعرَف بـ”صفقة القرن”، أو صفقة تصفية القضية الفلسطينية.

ونقف بالفعل أمام إجراءات عملية بدأت في هذا الصدد، مثل إعلان واشنطن عن مؤتمر اقتصادي في البحرين في يونيو الجاري، من أجل بحث ترتيبات العمود الأهم في خطة ترامب، وهو “السلام الاقتصادي”.

وهو طرحٌ ليس بجديد، وكان أحد أهم أدوات خطة التطبيع بين العرب والكيان الصهيوني على إثر عملية أوسلو المشؤومة في التسعينيات الماضية.

وكان رئيس الحكومة الصهيونية الراحل، شيمون بيريز، أحد أهم عرَّابيها، وكان يرى أن المسار الاقتصادي، هو أقوى أداة يمكن بها تحقيق اختراق في القضية الفلسطينية.
ولقد عُقدت بالفعل أربع قمم اقتصادية بدءًا من الدار البيضاء المغربية، في العام 1994م، قبل أن تتوقف مسار المفاوضات الفلسطيني الصهيوني، بتولي بنيامين نتنياهو الحكم المرة الأولى، في العام 1996م، وكانت العاصمة البحرينية المنامة، أحد وجهاتها كذلك.

وتعيد الإدارة الأمريكية تسويق ذات النمط الذي حاوله بيريز، وكان من الخطورة بمكان لدرجة أن كثيرًا من المتعاطفين مع القضية الفلسطينية في الشارع العربي، دعوا الله تعالى بأن يفوز نتنياهو وحزبه، “الليكود” بانتخابات “الكنيست” التي جرت في العام 1996م، وليس بيريز؛ حيث وجه نتنياهو وحزبه شديد الوضوح في مستوى صهيونيته، وتطرفه، بينما وجه بيريز وحزب “العمل”؛ أشبه بالثعبان الأرقط جميل المُحيَّا، فيمكنه التسلل خلسه قبل أن يلدغ لدغته السامة.

وحتى يمكن القول إن الإجراءات التنفيذية لصفقة القرن بدأت قبل أكثر من عام، عندما أقر ترامب سيطرة الاحتلال الصهيوني على القدس، ونقل سفارة بلاده لدى الكيان الصهيوني إلى هناك، ثم أتبع ذلك بالاعتراف بالسيادة الصهيونية على هضبة الجولان السورية المحتلة.

وثمَّة نقاط هنا ينبغي التأكيد عليها قبل التطرق إلى نقطة ماذا أعددنا لما هو قادم. النقطة الأولى، أن خطة “صفقة القرن” فعلاً كانت تتضمن إجراءات في صدد موضوع “الوطن البديل”، والذي يتضمن أكثر من جانب. الأول، هو عدم وجود دولة فلسطينية متصلة جغرافيًّا، خلافًا حتى لما نصَّت عليه اتفاقيات “أوسلو” العقيمة.

وجانب ثانٍ قام على طرح إنشاء كيان أدنى من مستوى الدولة يضم قطاع غزة وبعض الأراضي من شمال شبه جزيرة سيناء مقابل حصول مصر على جزء من صحراء النقب في منطقة القطاع الأوسط للحدود المصرية الصهيونية، مع حصول فلسطينيي الضفة الغربية على حقوق في الضفة الشرقية التابعة للملكة الأردنية الهاشمية.

ولكن كان هناك رفضًا مصريًّا وأردنيًّا قاطعًا لهذا الأمر؛ لأن معنى قبول أيٍّ من الحكومتَيْن في هاتَيْن البلدَيْن لذلك؛ سقوط كليهما، في ظل وجود أوضاع استقرار هشة في مصر والأردن أصلاً بفعل تبعات ثورات ما يُعرَف بـ”الربيع العربي”.

كما أن التسريبات التي وردت في صحف أمريكية وصهيونية أكثر من مرة في هذا الاتجاه، وكانت بالونات اختبار؛ أكدت ردود الأفعال على صلابة إرادة الجماهير الفلسطينية والعربية في رفض هذا التصور الأمريكي.

وبالتالي؛ فإن الصيغة المرتقبة التي سوف يتم إعلانها لـ”صفقة القرن”، هي صيغة معدلة من الخطة الأصلية كانسحاب تكتيكي، ولكن موضوع “الوطن البديل” لم ينتهي أمره؛ حيث هو صلب استراتيجية الأمن القومي الصهيوني، وكان مطروحًا حتى قبل عدوان يونيو من العام 1967م.

الصيغة المرتقبة التي سوف يتم إعلانها لـ”صفقة القرن”، هي صيغة معدلة من الخطة الأصلية كانسحاب تكتيكي، ولكن موضوع “الوطن البديل” لم ينتهي أمره؛ حيث هو صلب استراتيجية الأمن القومي الصهيوني، وكان مطروحًا حتى قبل عدوان يونيو من العام 1967م

وبالتالي؛ فهذا يجب التحسُّب له. فالأوضاع – في ظل حالة الضعف والتشرذم العربي الحالية – سوف تنقضي – ما لم يتم بدء تحركات عاجلة فعلاً – سوف تتجه إلى مزيد من التقسيم للكيان الفلسطيني الجيوسياسي الضعيف أصلاً.

وبهذا؛ فإنه من المتوقع في ظل نتائج الخطوات الأمريكية التي تتماهى معها الحكومة الصهيونية اليمينية الحالية، وبعض الحكومات العربية؛ أن يزيد الحصار ومساعي فصل قطاع غزة عن أي سياق سياسي خارجه.

وبصريح العبارة؛ سوف تتزايد محاولات “الاستفراد” بالقطاع والمقاومة فيه، مما يفسح المجال أمام الكيان الصهيوني لتحقيق خطة قديمة قائمة، وهي شن عدوان موسَّع على القطاع، تنجم عنه موجات نزوح كبيرة إلى شمال سيناء، ثم السعي إلى ممارسة ضغوط على مصر “لاستضافة” الأعداد النازحة، وتقنين الأوضاع الاستثناء إلى أوضاع أكثر ديمومة.
وبالتالي؛ فإن الخطاب التقليدي الذي يردده البعض بحماسة غافلة، من أنه “فلسطين كلها محتلة”، وأن الإجراءات الأمريكية والصهيونية “كأن لم تكن، وفي حكم العدم”؛ باعتبار أنه من الأصل المشروع الوطني الفلسطيني الذي تدعمه المقاومة المسلحة حاليًا، يقوم على أساس السعي إلى تحرير فلسطين بالكامل؛ هذا خطاب غير مقبول الآن؛ حيث لابد من تحركات فعلية جادة وقوية على الأرض في اتجاهات شتى.

الخطاب التقليدي الذي يردده البعض بحماسة غافلة، من أنه “فلسطين كلها محتلة”، وأن الإجراءات الأمريكية والصهيونية “كأن لم تكن، وفي حكم العدم”؛ باعتبار أنه من الأصل المشروع الوطني الفلسطيني الذي تدعمه المقاومة المسلحة حاليًا، يقوم على أساس السعي إلى تحرير فلسطين بالكامل؛ هذا خطاب غير مقبول الآن؛ حيث لابد من تحركات فعلية جادة وقوية على الأرض في اتجاهات شتى

فهو للأسف منطق حماسة غير رشيد، وسمح للكيان الصهيوني بتمرير مراحل عديدة من مراحل المشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة العربية بالكامل، ولم تم تبني ذات النهج في الفترة المقبلة؛ قد لا نجد قطاع غزة ولا المقاومة فيه لا قدر الله، مستقبلاً.

هنا نحن أمام استحقاقات عديدة يجب أن تتم. أولها إشاعة خيار المقاومة ولو بحجر أو مفك أو سكين، على مستوى عموم الفلسطينيين فرادى؛ حيث لن يمكن للقوة العسكرية والأمنية الصهيونية التصدي للمقاومة الشعبية لو تم تعميم النموذج إلى مستوى “العمل الفردي” لـ”كل فلسطيني”.

وكما نعلم في الظواهر الإنسانية، بما في ذلك السياسة والحرب؛ فإن البدايات البسيطة، لابد وأنها سوف تتطور إلى صور أكثر تعقيدًا وانتشارًا، والمقاومة الفلسطينية المسلحة حاليًا التي باتت تخيف الكيان الصهيوني فعلاً؛ بدأت بحجر بسيط، تحول بعد ذلك إلى بندقية، قبل أن يصبح صاروخًا وطائرات من دون طيار!

وأهمية هذا تكمن في جزء شديد الأهمية في “صفقة القرن”، وهو قضم المزيد من الأراضي في الضفة الغربية، لصالح الكيان الصهيوني، وهي أراضٍ لها أهمية أمنية وسكانية ودينية كبيرة للكيان، مثل غور الأردن والمستوطنات الكبرى، والتي قسم كبير منها يخدم مشروع “القدس الكبرى” المعروف.

الجانب الآخر المطلوب، هو السعي إلى إبطال أي تحرك أمريكي صهيوني على مستوى قضيتَيْ الأرض واللاجئين، وعدم الركون لمنطق الحماسة السابق، بأن “فلسطين كلها محتلة”. إطلاقًا. يجب أن يكون هناك تحركات مكثفة في المحافل الدولية لإبطال أي إجراء أمريكي صهيوني قادم فيما يخص الأرض واللاجئين.

فالخبرة التاريخية في حالة الصراع العربي الصهيوني، تؤكد أن استراتيجية تثبيت الأمر الواقع، ثم تقنينه، وتحويله إلى “حقائق”، إنما هي استراتيجية ناجحة للغاية، ويكفي في هذا المقام، المقارنة بين خرائط فلسطين وأحوال القضية منذ بدايتها، وحتى الآن. سوف نجد أن تثبيت الأمر الواقع بسلاح الزمن، وإضعاف الجبهات الداخلية الفلسطينية والعربية؛ هو أمضى أداة استعملها المشروع الصهيوني في الوجود وتثبيت نفسه، منذ الهجرات اليهودية الأولى إلى فلسطين، وحتى ضم القدس والجولان.

تثبيت الأمر الواقع بسلاح الزمن، وإضعاف الجبهات الداخلية الفلسطينية والعربية؛ هو أمضى أداة استعملها المشروع الصهيوني في الوجود وتثبيت نفسه، منذ الهجرات اليهودية الأولى إلى فلسطين، وحتى ضم القدس والجولان

وهي من المفترض قانونًا أنها مهمة السلطة الفلسطينية، ولكن في ظل الحالة المعروفة للسلطة، وقيامها بالتنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، وارتهان اقتصادها الرسمي بقرار تل أبيب، بل وإن حركة قيادات السلطة رهينة بقبضة عساكر الأمن الصهاينة على المعابر؛ فإنه ينبغي على كل فصائل المقاومة النهوض بهذه المهمة، ومخاطبة الرأي العام الدولي فيها.

الجانب المهم كذلك أن يستمر، هو مسيرات العودة في قطاع غزة، بكل مستوياتها ومشتملاتها، حتى البالونات الحارقة، وضمان تواجد بشري مكثَّف دائم بالقرب من السياج الحدودي؛ حيث إن هذا، ووفق معلومات أكيدة من داخل المطبخ السياسي والعسكري الصهيوني، هو أكثر ما يقض مضطجع الحكومة الصهيونية الحالية، التي لأسباب كثيرة، ترغب في الهدوء، من بينها تصدير صورة جيدة للموقف لتمرير خطة أو صفقة القرن.

وفي الأخير؛ فإنه للأسف؛ أمام الفلسطينيين وحدهم معركة واسعة النطاق، وفيها تضحيات، في ظل انشغال الشعوب العربية بأزماتها الداخلية، ولكن يمكن القول إن الفلسطينيين لو حققوا اختراقات بمزيد من التضحيات الكبيرة؛ فإنه يمكن تصور أن “غول” الرأي العام العربي، يمكنه أن يصحو من جديد.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى