تقارير وإضاءات

كيل بمكيالين.. تغاض رسمي عن الإساءة للأزهر ودفاع عن الكنيسة بمصر

كيل بمكيالين.. تغاض رسمي عن الإساءة للأزهر ودفاع عن الكنيسة بمصر

إعداد محمود سامي

أجبرت هيئة رسمية تدير شؤون العمل الصحفي في مصر قبل أيام، مجلةَ “روز اليوسف” (حكومية) على تغيير الصفحة الرئيسية للعدد الأخير، على خلفية صورة اعتبرتها الكنيسة الأرثوذكسية مسيئة لها، فضلا عن تحويل رئيس التحرير ومحرر الشؤون القبطية في المجلة إلى التحقيق.

وعقب الواقعة بأيام، تعرّض الأزهر الشريف وشيخه أحمد الطيب لهجوم على فضائية “أون تي في” (المقربة من النظام)، غير أن تنديد مشيخة الأزهر ومطالبتها بتدخل رسمي قابله تجاهل وصمت مطبق.

وأثار التفاعل العاجل من قبل هيئة الصحافة الرسمية مع واقعة الكنيسة والمجلة، في مقابل صمت المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (أعلى هيئة لإدارة شؤون الصحافة والإعلام) تجاه الهجوم على الأزهر؛ جدلا على منصات التواصل الاجتماعي.

وهو ما رأى فيه مراقبون أن السلطات المصرية تتعامل بـ”مكيالين” لصالح الكنيسة على حساب الأزهر الشريف.

بين الأنبا والإمام

وتفجرت أزمة كبيرة الجمعة قبل الماضي بين الكنيسة ومجلة روز اليوسف، إثر ظهور الأنبا رافائيل الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة والمرشح الباباوي السابق، في صورة إلى جانب مرشد جماعة الإخوان المسلمين محمد بديع على غلاف العدد الأخير للمجلة، وقد كُتبت عليه عبارة “الجهل المقدس.. القتل باسم الرب.. أساقفة يتحالفون مع كوفيد-19 ضد البابا”.

وفور نشر صورة الغلاف وقبل طباعة المجلة، أصدرت الكنيسة بيانا -بناءً على تعليمات من البابا تواضروس الثاني- اعتبرت فيه الغلاف “إساءة بالغة وتجاوزا يجب ألا يمر دون حساب”.

وبعد ساعات قليلة انتهت الأزمة، وذلك بقرارات سريعة وحاسمة من قبل هيئة الصحافة، بإحالة رئيس تحرير المجلة للتحقيق، ووقف المحرر المسؤول عن الملف القبطي إلى حين انتهاء التحقيقات، وتقديم اعتذار للكنيسة؛ وهو ما رحبت به الأخيرة لاحقا معربة عن شكرها للهيئة على تلك الإجراءات.

وفي المقابل، تصاعدت حدة الخلاف بين الأزهر وفضائية “أون تي في” -التي أسسها قبل سنوات رجل الأعمال القبطي نجيب ساويرس- بعد استضافة الأخيرة الكاتب الليبرالي طارق حجي الذي وصفته المشيخة بـ”أحد المتطاولين على الأزهر بصفة ممنهجة”، فضلا عن تشكيكه في وجود فساد مالي داخل المؤسسة الدينية.

وقال حجي في مداخلته الثلاثاء إن مؤسسة الأزهر تدعم جماعة الإخوان المسلمين، وإنه يجب تغيير طريقة إدارتها والقائمين عليها، لمساندتهم اعتصام رابعة العدوية والمناهضين لدولة 30 يونيو/حزيران (في إشارة إلى المظاهرات التي مهدت للانقلاب العسكري في مصر منتصف 2013).

واستنكر الأزهر -في بيان رسمي- ما سماه “الافتراءات والأكاذيب المضللة” التي أذاعها البرنامج، داعيا المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لاتخاذ موقف حاسم، دون أن تلقى دعوته استجابة رسمية حتى اليوم.

https://www.facebook.com/OfficialAzharEg/photos/a.981948061819287/3572748142739253/?type=3

تمييز ومحاباة

وتعليقا على واقعتي الأزهر والكنيسة، قال الكاتب الصحفي قطب العربي إن “هناك تمييزا ومحاباة واضحة في المعاملة من أجهزة الدولة لصالح الكنيسة، وفي نفس الوقت هناك تحريض أحيانا على مؤسسة الأزهر”.

وفي حديث للجزيرة نت، أوضح العربي أنه بالرغم من أن المؤسستين كانتا إلى جوار السيسي في مشهد 3 يوليو/تموز 2013، ممثلين في شيخ الأزهر وبابا الكنيسة، فإن الأخيرة ظلت على علاقة قوية بالسلطة، بينما أصبح للأزهر تحت قيادة أحمد الطيب بعض المواقف المستقلة عنها، مما أغضب النظام وجعله يصمت على النهش الإعلامي للأزهر.

وأشار إلى أن ما يحمي شيخ الأزهر حتى الآن هو وضعه الدستوري والقانوني، فهو غير قابل للعزل ومحصن مدى الحياة.

وحذر العربي من أن التمييز في المعاملة بين الكنيسة والأزهر من قبل النظام يمثل أرضية خصبة للفتن الطائفية، لأن الناس تقارن هذه المعاملة التي تكون دائما ضد الأزهر، داعيا إلى وأد أية إجراءات تمهد لفتن طائفية.

دولة داخل الدولة

واتهم النظام بأنه هو ما يصنع تلك الفتنة بمثل هذه التصرفات التي تمهد وتصنع فتنة يدفع الوطن كله ثمنها.

بدوره، اعتبر أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية وصفي أبو زيد أن الكنيسة دولة داخل الدولة، بل دولة فوق الدولة، ويسعى السيسي ومن حوله لاسترضائها.

وقال في حديث للجزيرة نت إن “الكنيسة تستطيع أن تفعل ما تشاء، وهذا ما لا يتوفر للأزهر ولا للإسلاميين، ولو توفر لهم لتسلطت عليهم حملات إعلامية شعواء، محليا وإقليميا وعالميا”.

صراع مكتوم

ومتفقا مع الطرح السابق، قال رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام مصطفى خضري إن “النظام المصري يكيل بمكيالين بين المؤسستين الدينيتين بشكل صارخ”.

وفي حديث للجزيرة نت، أشار إلى أن النظام لا يتعامل مع الكنيسة بصفتها إحدى مؤسسات الدولة، بل يتعامل معها بصفتها كيانا سياسيا مدعوما من الغرب ويمثل مصالحه.

أما عن أسباب  الهجوم الإعلامي على الأزهر دون تحرك رسمي يواجهه، في مقابل الدفاع عن الكنيسة ضد أية إساءة؛ فقد عزاها خضري إلى وجود صراع مكتوم بين السيسي والأزهر الشريف.

وأوضح أن السيسي لم ينسَ رفض علماء الأزهر وشيخه الأكبر لمذابح رابعة والنهضة وأخواتها، ولم ينسَ وقوفه ضده عندما حاول المساس بالشريعة الإسلامية في المواريث والطلاق وغيرها من ثوابت الدين.

في المقابل، رأى الباحث المصري أن السيسي يستخدم المسيحيين في مصر “ظهيرا شعبيا”، سواء في الاستحقاقات المحلية السابقة أو زياراته الخارجية، منذ الانقلاب العسكري عام 2013.

ودلل على ذلك بتقدير سابق أجراه المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام مطلع 2019 حول تعداد المسيحيين في مصر، والذي  بلغ 5.8 ملايين نسمة تقريبا، بينما بلغ حجم قوتهم التصويتية 3.2 ملايين صوت انتخابي.

ولفت إلى أن لدى السيسي “اعتقادا جازما” بأن الكنيسة المصرية لديها “صوت مسموع في دوائر صنع القرار الغربية”، لذلك “سعى منذ البداية إلى التزلف للقيادات الكنسية على عكس تجهمه في وجه القيادات الأزهرية، مطلقا تصريحات سلبية أحيانا ما تحتوي على عداء صريح لثوابت الدين الإسلامي”.

https://youtu.be/p4qgGtskGGw

هجوم متكرر

وعلى مدار 6 سنوات منذ تولي السيسي الحكم، دارت سجالات بين الطيب (الذي يتولى منصبه منذ مارس/آذار 2010) والسيسي، على خلفية قضية ما يعرف بـ”تجديد الخطاب الديني” التي يحمّل فيها الرئيس الإمامَ الأكبر مسؤولية الاستجابة لدعوته، فضلا عن مناوشات إعلامية مستمرة كان الأزهر ضيفا دائما على مائدتها.

ولطالما اشتكى الطيب من إغلاق القنوات التلفزيونية والصحف أبوابها أمام الأزهر ومشايخه، مشيرا في أواخر 2016 إلى أنه “كانت هناك حملة على الأزهر الشريف”، وأنها تصب في مصلحة تنظيم الدولة.

وآنذاك، اشتكى الطيب من حملةٍ وحصار إعلامي لمواقف الأزهر، وقال في لقاء مع فضائية المحور آنذاك “لو أردنا أن نرد بمقال على مقال يشتم الأزهر، فلا يسمح لهذا المقال بالنشر… إلا بعد عناء شديد”.

وسبق أن حمَّل إعلاميون مقربون من النظام الأزهرَ وشيخَه مسؤولية “العمليات الإرهابية”، وزعموا أن  مناهجه توفر “البيئة الحاضنة للإرهاب”، إضافة إلى تكرار الدعوة لإبعاد شيخ الأزهر عن منصبه، وذلك عبر منابر إعلامية وأحيانا برلمانية.

(المصدر: الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى