كتابات

كيف نحرر مذهب ابن تيمية في حكم التشريع الوضعي؟

كيف نحرر مذهب ابن تيمية في حكم التشريع الوضعي؟ (دعوة للتأمل والمدارسة)

بقلم د. سلطان العميري.

يقول ابن تيمية :” والإنسان متى حلّل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه؛ كان كافراً مرتدّاً باتفاق الفقهاء، وفي مثل هذا نزل قوله تعالى –على أحد القولين – (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، أي: هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله” .

وتحليل الحرام وتحريم الحلال معنى أوسع من معنى الاستحلال القلبي , وفي بيان هذا المعنى يقول ابن تيمية عن المحلل في النكاح: “ولأنه حلل الحرام أي جعله يستحل كما يستحل الحلال، ومن أباح المحرمات وحللها بقوله أو فعله يقال محلل للحرام، وذلك”( )، والشاهد من كلامه هنا أنه فسر تحليل الحرام بمعنى أوسع من الاستحلال القلبي .

وقد اشتهر عن الدارسين الذين ينسبون إلى ابن تيمية التكفير بالتشريع الاعتماد على هذا التقرير، استنادا منهم إلى قوله :”أو بدل الشرع المجمع عليه” ففهموا من ذلك أن ابن تيمية يقصد به التشريع من دون الله .

وقد رد عليهم الذي يخالفونهم فهمهم هذا، وذكروا أن ابن تيمية لا يقصد بقوله ذلك مجرد التشريع، وإنما يقصد نسبة التشريع الوضعي إلى الشريعة، واستندوا إلى تفسير ابن تيمية نفسه لمعنى التبديل وأنه يعني نسبة الأقوال البشرية إلى دين الله، وذكروا في ذلك أقوالا له .

وإذا تأملنا في النص نجد أن كلا الفريقين مخطئ، فإن الشاهد في ذلك النص ليس في قوله: “أو بدل الشرع المجمع عليه” وإنما الشاهد في قوله: “متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه” فإن هذا القول لا يقصد منه ابن تيمية المعنى القلبي الذي هو الاستحلال، وإنما يقصد به معنى أوسع، وهو تغيير أحكام الشريعة ونقل قوانينها من حال إلى حال، سواء صاحبها اعتقاد قلبي بذلك أو لم يصاحبها .

فمن غير تحريم الزنا وجعله حلالا في دستوره الذي وضعه وألزم الناس به، فهو يعد عند ابن تيمية ممن حلل الحرام، ومن حرم شرب الماء البادر مثلا ووضع ذلك في دستوره وألزم الناس فهو يعد عند ابن تيمية ممن حرم الحلال .

فالشاهد الدال على حكم التشريع من دون الله إذن يكمن في قول ابن تيمية: “والإنسان متى حلّل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه” وليس في قوله “أو بدل الشرع المجمع عليه” .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى