قاتل الله… (ببجي)! | د. محمد العوضي

قاتل الله… (ببجي)! | د. محمد العوضي

إذا أردت أن تزداد يقيناً بضعف الإنسان أمام شطارة الترويج والدعاية التي تتفنن بها الشركات الذكية في تسويق منتجاتها المسلية، فتأسر نفوس الناس وتعطل فاعلية عقولهم.
تأمل كيف تلتصق عيون بعض الذين يعيشون حالة من التحفز الشديد والتوتر المستمر، وهم متسمرون أمام جاذبية وسطوة لعبة (ببجي)!
فما هذا السحر الذي تنفثه هذه اللعبة في نفوس لاعبيها، بحيث تجعلهم يتخشبون لساعات طوال أمامها ومعها فيؤخرون واجبات وظيفية واجتماعية وتعليمية وعبادية، لأنهم لا يتحملون الانفصال عن (ببجي) أثناء اللعب مع مشاركيهم، كي لا يخرجون سريعاً من الشوط القتالي موتى أو مهزومين.
ليس التنافس هو العنصر الوحيد الجذاب فحسب، وإنما الصراع في التنافس، ثم ليس كون اللاعب يشجع طرفاً ضد آخر كما هو الحاصل في كثير من ألعاب المنافسات الرياضية الواقعية والإلكترونية، وإنما فوق ذلك فإن (ببجي) تجعل اللاعب فيها جزءاً من الحدث فيتماهى مع الأحداث ويتقمص شخصية البطل.
لذا تجد كثيراً ما يهمل لاعب الببجي الرد على الهاتف ولو كان الاتصال ضرورياً، والثاني لا يرد على حديث زوجته لأنه مشغول بالحبيبة (ببجي)، والثالث يتأخر في تلبية طلبات والدته لأن (ببجي) في قمة السخونة القتالية، والرابع يشتم الاتصال الهاتفي إن جاء أثناء التصاق العيون بـ«ببجي» وإن كان الاتصال من عزيز وغالٍ.
اليوم لم يعد الكلام كثيراً عن الآثار الصحية لإدمان الشباب لشاشات الأجهزة الإلكترونية، فكأن الناس ملت من تكرار ذلك أو تطبعت واستسلمت للواقع، وإنما الحديث عن هذا الإهدار للوقت والواجبات والتراحم وتراجع الآداب.
كيف يمكن للتخفيف من هذا السلوك الجمعي عن الشباب؟
نحتاج مختصين ودراسات… ولعل من المعالجات السريعة العامة لمحاصرة هذا الوباء، التعرف على الشخص المحفز للمجموعة التي تشترك في اللعبة، لأن في كل فريق يوجد قائد يلح ويتصل عليهم فرداً فرداً.
هذا المحرك يجب أن يضبط ويتم ترشيده بهدوء واطلاعه على ما يفعله بأصحابه من مشاكل.
نؤكد ان الولع لدرجة الإدمان لما هو مباح وسهل التداول، قد تسبب بميلاد مشكلات قد تكون موجودة لكنها ذات طابع خاص.
مثال: شخص ذهب لفرع صغير للجمعية التعاونية القريبة جداً من منزله، لجلب غرض ضروري لطفله الرضيع بطلب عاجل من زوجته، والمسافة والوقت لا يتعديان الدقائق الخمس، لكن الزوج تأخر ساعة كاملة، فانشغل بال زوجته عليه واتصلت به لتطمئن عليه، فانزعج لأنها قطعت عليه لعبة الببجي، وهو متخشب في السيارة بجوار الجمعية يكمل الشوط!
إحدى التعليقات في حسابي بتويتر سألتني أم: هل يجوز أن أدعو الله بالهلاك على من أنتج (ببجي) التي فيها وفيها وفيها… وهكذا نلقي باللائمة على الآخرين من شدة ما نعانيه، بينما نحن نختار بإرادتنا الحرة ما نشكو منه.
المطلوب منا أن ندعو لأنفسنا بتقوية الإرادة والاستزادة من كل ما يمكّن أرواحنا من الارتقاء، ونبذ كل ما يلهيها عن طاعة الله وأداء الواجبات، ثم تنبيه الآخرين من الغرق في طوفان الدعايات والاستسلام لمغريات التسويق مهما كانت فاتنة.
ومما تعجب له أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يعرف ما يضره ويقبل عليه باختياره الحر، ثم بعد ذلك يندم ولكن… بعد فوات الأوان بوقوع الفأس بالرأس والتلف في النفس!

(المصدر: صحيفة الراي الالكترونية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى