كتابات مختارة

في النظام السياسي الاسلامي

بقلم د. عبدالله الصبيح

النظام السياسي الاسلامي نظام مفتوح يتسع لاجتهادات المسلمين في كل عصر وبلد ولاتوجد صيغة واحدة محددة له فهو نظام مرن متكيف مع قدرة الامة وفهمها في كل زمان ومكان.

و هناك قضايا اساسية يجب ان يتضمنها النظام السياسي حتى يعد اسلاميا واذا افتقدها فليس اسلاميا ومن هذه القضايا تحكيم الشريعة الإسلامية.

اما ادواته في التنفيذ وصوره فهي:

متعددة وكل اداة او صورة عملية مقبولة بثلاثة شروط

ا. ان لاتتناقض مع مقصد الحكم الاسلامي وهو اقامة الشريعة وتحقيق العدل.

ب. ان يوجد من المسلمين من يكون قادرا على تنفيذها

ج. ان تحظى بقبول عموم المسلمين.

وقد يتضمن النظام السياسي في عصر من العصور بعض القصور او الاخطاء في التطبيق وهذا لا يخرجه من صفة النظام الاسلامي اذا كان يسعى في تطبيق الشريعة الاسلامية. وكما ان الفرد المسلم يقع منه الخطأ والمعاصي بل والكبائر فلا يخرجه ذلك عن وصف الاسلام اذا كان معتقدا له مؤديا لشعائره فكذلك النظام السياسي. ومن هذا الباب انتقال النظام من الخلافة الى الحكم العضوض لايجعلنا نصفه بالجاهلي، ونرى انه لا زال نظاما اسلاميا، فالخلافة الاموية والعباسية والعثمانية كلها انظمة اسلامية على مافيها من قصور. وعلى مدار الف سنة من التطبيق حدثت بعض الصور في النظام السياسي ويمكن وصف بعضها بانها صور مريضة الجأت اليها الضرورة وخشية الفتنة فقبلها المسلمون ولم يصفوا النظام الحاكم ولا المنفذين بالردة والكفر.

وبسبب مايتصف به النظام السياسي في الاسلام من المرونة والسعة فيمكن ان ينشىء المسلمون في كل عصر وفي كل بلد نظاما اسلاميا يحقق مقاصد الحكم الاسلامي ويختاروا من صور النظام السياسي وادواته ما يناسب عصرهم ويحظى بقبول غالبيتهم.

والمسلمون في الخلافة العباسية استعاروا من نظام الحكم الفارسي، وبعض ماورد في كتاب الاحكام السلطانية للماوردي وصف للواقع المستعار من النظام الساساني.

وعلى هذا فالاستعارة من اي نظام سواء كان الديمقراطية او غيرها ليست خطأ ولا ينبغي ان نشعر بحساسية تجاهه بشرط ان لا يخالف مقصد الحكم وهو الحكم بالشريعة.

ولكن ماذا عن التسمية المزدوجة فنقول النظام الديمقراطي الاسلامي؟ الذي يبدو لي انه لايمكن ان نصوغ نظاما سياسيا اسلاميا ثم نسميه النظام الديمقراطي الاسلامي او النظام الاشتراكي الاسلامي ، لان للاسلام رؤيته واستقلاله. والاعتراض هنا هو في الاسم او العنوان، أما المحتوى فيشترط فيه الشروط الثلاثة السابقة. وهذا الرأي مبني على أن النظام السياسي في الاسلام يتكون من جزئين: جزء ورد النص عليه وهو تحكيم الشريعة وجزء آخر هو تجربة بشرية. فأي تجربة بشرية يمكن الاستفادة منها ولايوجد في الشريعة ما يمنع من ذلك. وعلى هذا يمكن الاستفادة من الديمقراطية وغيرها من التجارب السياسية.

ومن ينتقد الديمقراطية عليه ان يفصل بين ما يتعارض مع الشريعة وبين مالايتعارض معها، فيتجنب مايعارضها. والافهام تختلف فيما يحقق المصلحة فما قد يراه باحث محققا للمصلحة قد يخالفه فيه غيره.

وهذا موضع نظر واجتهاد ويختلف من عصر الى عصر ومن بلد الى بلد ولا ينبغي لاحد ان يعترض على من اختار اداة سياسية من نظام سياسي آخر ثبت انها حققت نفعا ولاتتعارض مع الشريعة. ومن هذه الادوات المجالس البرلمانية فهو من الوسائل الجيدة في تحقيق الشورى ومراقبة الحاكم ومحاسبته، ومنها نظام فصل السلطات وتقييدها، وقد ثبت عبر التاريخ ان السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، ومنها ان يختار الناس من يمثلهم في مجالس الشورى والولايات والبرلمانات . ومنها تقييد الولاية -الإمامة فمادونها – بزمن. ولكل اداة عدة صور وللناس ان يأخذوا بأي منها اذا حققت المقصد الاكبر من النظام السياسي والعدل بين الناس.

(الاسلام اليوم)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى