تقارير وإضاءات

صنائع ماكرون .. هل تُقسّم “شرعة المبادئ” مسلمي فرنسا بعد أن قسّمت نخبها

صنائع ماكرون .. هل تُقسّم “شرعة المبادئ” مسلمي فرنسا بعد أن قسّمت نخبها

حينما أقر “المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية” رسمياً، يوم الأحد الماضي، ما يُسمى “ميثاق/شرعة مبادئ” للإسلام في فرنسا، بدا وكأن هناك إجماعاً في وسط الهيئات الممثلة لمسلمي فرنسا، حول هذه الوثيقة التي تندرج ضمن سعي إيمانويل ماكرون إلى ما يسميه “إعادة تنظيم” شؤون الإسلام في فرنسا وما يراه مسلمو فرنسا تضييقاً عليهم.

ويتكوّن “المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية” من 9 اتحادات منضوية تحته، خرجت 3 منها، الأربعاء، تعلن رفضها توقيع “ميثاق المبادئ” هذا، قائلة إنه “يُضعف أواصر الثقة بين مسلمي فرنسا والأمة”، ومُحتجّة على عدد من النقاط والصياغات الواردة فيه.

هذا الرفض يعمّق أزمة داخلية موجودة سلفاً داخل المجلس، ويبني على خلافات طويلة ظهرت بشكل واضح خلال الأسابيع الماضية التي نوقشت فيها ورقة المبادئ هذه، في الوقت الذي يرى فيه عدد من مسلمي فرنسا أن اتحادات وأشخاصاً بعينهم يبدون وكأنهم يخدمون الدولة ورغبة ماكرون.

السؤال الذي بات مطروحاً اليوم هو هل يقسم “ميثاق المبادئ” هذه مسلمي فرنسا بعد أن قسم نخبها؟ خصوصاً وأن كثيراً من الشخصيات السياسية والثقافية الفرنسية عارضت الميثاق، بدعوى أنه يعارض تماماً قانون العلمانية من حيث يريد حمايته، وأنه يخدم “أجندات مصطنعة” لماكرون من أجل التغطية على مشاكل البلاد.

هيئات رافضة وبوادر انقسام

يحتوي الميثاق على نقاط تشمل “توافق الإسلام مع قيم فرنسا، ورفض استغلال الإسلام لأغراض سياسية، وعدم تدخل الدول في ممارسة الدين في فرنسا، والمساواة بين الرجل والمرأة”، حسب محمد موسوي رئيس “المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية”.

رئيس المجلس، محمد موسوي (يسار) قال إن القانون يشمل “توافق الإسلام مع قيم فرنسا، ورفض استغلال الإسلام لأغراض سياسية” (AFP)

غير أن “اللجنة التنسيقية للمسلمين الأتراك في فرنسا”، و”اتحاد مللي غوروش” للمسلمين الأتراك في فرنسا، وحركة “إيمان وممارسة”، وهي ثلاثة هيئات منضوية تحت “المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية” أعلنت رفضها توقيع “ميثاق المبادئ” بصيغته الحالية، معتبرة أنّ بعض مندرجات هذا الميثاق “تُضعف أواصر الثقة بين مسلمي فرنسا والأمة”.

الهيئات الثلاث التي رفضت التوقيع اعتبرت أن “بعض العبارات (الواردة في الميثاق) تمسّ شرف المسلمين ولها طابع اتّهامي وتهميشي”، فيما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر مطلع لم تسمه قوله إنها تعترض خصوصاً على تعريفي “التدخّلات” الخارجية و”الإسلام السياسي”.

قبل ذلك، كانت النقاشات حول الميثاق قد أثارت انقسامات عميقة داخل المجلس وهو بمثابة الهيئة الممثلة للمسلمين، كما أن عميد مسجد باريس الكبير، شمس الدين حفيظ، انسحب من النقاشات حول الميثاق و”المجلس الوطني للأئمة” نهاية ديسمبر/كانون الأول، على خلفية وجود تأثير لجهات داخل المجلس حسب تعبيره.

هذا قانون انتهازي ودوغمائي وحكومة ماكرون تختلق أجندات مصطنعة من أجل التغطية على مشاكل البلاد

أوغو برناليسيس – سياسي فرنسي

مصدر قريب من المجلس تحدّث عن وجود انقسامات بين الاتحادات التسعة للمجلس، بخصوص مسائل الردة والإسلام السياسي بشكل أساسي، فيما أقر نائب رئيس المجلس إبراهيم ألسي بأنه “كانت هناك خلافات”، مؤكداً أنه جرى تجاوزها وأنه يجب “التقدم بحكمة من أجل تمثيل الجالية المسلمة في فرنسا”، حسب ما نقلته صحيفة لوموند الفرنسية.

وفي حوار خاص أجرته معه وكالة سبوتنيك، في نسختها الفرنسية، تحدّث المندوب العام للمجلس، عبد الله زكري، عن وجود خلافات داخل المجلس وبين قادة مسلمي فرنسا، قائلاً إنه على سبيل المثال “كان أئمة المساجد غائبين عن هذا النقاش وفي هذه المفاوضات -للأسف- على الرغم من أنهم أصحاب الشأن”.

وأضاف زكري أن “الرئيس إيمانويل ماكرون كانت لديه أجندته، وأراد تنفيذها سريعاً”، مشيراً إلى أن كثيرين يعترضون على تسمية “الإسلام الفرنسي” التي طرحها، قائلاً إنه لا يوجد إسلام فرنسي كما لا توجد ديانات فرنسية أخرى، باعتبار أن الأديان التوحيدية عالمية، محذراً من أن يؤدي ذلك كله إلى انقسام بين مسلمي فرنسا.

“أجندات مصطنعة”.. نُخب فرنسية معترضة

“ميثاق المبادئ” ليس إلا جزءاً مختصراً من مشروع قانون باسم “مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية”، والذي أخذ اسمه هذا بعد أن أدت احتجاجات معارضة له إلى تغييره من المسمى الأصلي الذي كان تحت عنوان “مكافحة الإسلام الانفصالي”.

ويرى مراقبون أن مشروع القانون هذا -أياً كانت تسميته- يُهمش المسلمين المقيمين في فرنسا، فبعيداً عن المسلمين أنفسهم، أعرب العديد من السياسيين والمثقفين في فرنسا، عن استيائهم من مشروع القانون، وتعالت أصوات معارضة منذ بدأ البرلمان الفرنسي بمناقشته يوم الاثنين.

موقع بوليتيكو، في نسخته الأوروبية، قال إن مشروع هذا القانون، بالإضافة إلى مشروع “قانون الأمن الشامل” المثير للجدل، جعل كثيراً من الناشطين يدينونه و”يدينون التمييز ضد المسلمين والأقليات العرقية من قبل قوات الأمن والمؤسسات الفرنسية”.

بدورها، قالت المؤرخة الفرنسية فالنتين زوبر، في تصريح لـموقع ميديابارت الفرنسي، إن مشروع القانون يتعارض تماماً مع قانون العلمانية الصادر عام 1905، مضيفة أنه يساهم في زيادة الاستقطاب الاجتماعي في البلاد.

وتابعت قائلة: “لا يمكن منع الرموز الدينية في الأماكن العامة، فهذا مخالف تماماً لجميع مواثيق حقوق الإنسان التي وقعنا عليها، ويتعارض مع حرية المعتقد والتعبير”، وأشارت إلى أن هذه العقلية هي “انعكاس لأيديولوجية علمانية تقوم على تحييد المجتمع وتتعارض مع الحريات كافة وليس فقط مع حرية الدين”.

من جانبه، قال السياسي الفرنسي أوغو برناليسيس، إن حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون “تختلق أجندات مصطنعة من أجل التغطية على مشاكل البلاد”، لافتاً إلى أنها “تسعى لشغل الرأي العام الفرنسي بمسائل تثيرها مجموعات صغيرة”.

وأكد برناليسيس، وهو نائب برلماني عن حزب “فرنسا الأبية” أن “أنماط حياة المجتمع الإسلامي لا تحتوي على أي شيء يهدد قيم المجتمع الفرنسي”، مشيراً إلى أن هذا القانون “انتهازي ودوغمائي”، حسب المصدر ذاته.

 

 

(المصدر: تي آر تي TRT العربية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى