تقارير وإضاءات

زيارة البابا الأخيرة لأفريقيا .. الدوافع و الخلفيات

تشكل الزيارة الأخيرة التي أداها بابا الفاتيكان فرنسيس قبل أيام لكل من رواندا و الكامرون نقطة تحول جديدة في تعاطي الكنسية الكاثوليكية مع قضية التنصير بإفريقيا. فزيارة البابا هذه تأتي علي أقل من سنتين من زيارته الأولي لأفريقيا التي كانت في سبتمبر 2015.

سياقات الزيارة و محطتيها تؤكدان  أن ثمة توجه جديد لدي الفاتيكان للمصالحة من جهة مع بعض الدول التي تُحمل الكنيسة الكاثوليكية مسؤولية التورط في جرائم الكراهة و الإبادة و من جهة أخري محاولة من الفاتيكان لتحقيق اختراق في الدول التي بدأ دور الكنيسة الكاثوليكية ينحصر و يتراجع أتباعها لصالح الإسلام و بعض الكنائس البروتستانتية.

إقرار بالذنب وسعي للمصالحة

طلب البابا في رواندا الصفح من الخطايا التي ارتكبها أتباع الكنيسة الكاثوليكية و قساوستها أثناء الحرب الأهلية بالبلاد سنة 1994 و أودت بحياة أزيد من 800 ألف شخص، معربا عن تضامنه مع الضحايا الذين لا زالوا يعانون تبعات تلك الأحداث المؤلمة.

اعتذار البابا حتى و إن تحاشي فيه المسؤولية المباشرة للفاتيكان في هذه الأحداث يعتبر إقرارا ضمنيا بمسؤولية الفاتيكان عن هذه الحرب التي استهدفت قومية التوتسي، و اتُهم الفاتيكان خلالها بتأييد و مساندة نظام الهوتو المتطرف. كما تعتبر خطوة متقدمة للمصالحة مع الدولة الرواندية التي كانت تصر علي اعتذار علني من الفاتكان، و قد تؤسس هذه التصريحات لمرحلة جديدة بين الطرفين بعد أن كان البابا يوحنا بولس الثاني يفصل بين مسؤولية القساوسة الكاثوليك برواندا و موقف الفاتيكان، و بعد أن رفضت لجنة شكلها البابا الحالي قبل عدة أشهر مؤلفة من  تسعة أساقفة روانديين تقديم اعتذار باسم الفاتيكان.

فالحكومة الرواندية أعلنت في بيان صادر عن وزارة الخارجية ارتياحها لتصريحات البابا، إلا أنها جددت في المقابل تحميل الفاتيكان مسؤولية هذه المجازر، مشيرة إلا أن الكنيسة الكاثوليكية لعبت دورا حاسما في تلك الحرب الأهلية ببث الفرقة بين الروانديين و بتأسيس مبادئ ثقافية مغذية لأيديولوجية المجازر و الكراهية و التحريض و تأجيج مشاعر العنصرية.

الذي علينا أن نفهمه هو أن سعي البابا لإعادة الثقة بين الكنيسة و الروانديين يأتي بعد أن فقدت الكنيسة الكاثوليكية مصداقيتها في عيون الروانديين، اللذين بدؤوا يهجرون هذه الكنيسة لصالح الإسلام و الكنائس البروتستانتية.

مخاوف انتشار الإسلام

تدخل أيضا زيارة البابا للمنطقة في إطار أجندة الفاتيكان الساعية لوقف المد الإسلامي بإفريقيا، و مع أن مواقف البابا الرسمية و خطاباته لم تُصرح بهذه النقطة، إلا أن مراقبين غربيين يعتبرون أن تحدي الإسلام أصبح من التحديات الجوهرية التي باتت تقلق الكنائس بإفريقيا.

و يدعم هذا الطرح تصريحات سابقة للبابا في زيارته الأولي لإفريقيا في سبتمبر 2015،حين هاجم فيها بشكل مبطن الإسلام معتبرا أن بعض أتباعه باتوا يسيئون له من خلال القتل و زرع الفتنة و العنف.

لقد أصبح التوجس و الخوف من السرعة المذهلة لانتشار الإسلام يؤرق الدوائر الكنسية العالمية بإفريقيا رغم الأموال و الموارد الضخمة التي تنفقها الكنائس العالمية على حركة التنصير بإفريقيا. فوفق تقارير أشرفت عليها معاهد بحثية مسيحية فإن فرص  انتشار الإسلام بإفريقيا على مدار الأعوام و العقود المقبلة تبدو كبيرة جدا، إذ تتوقع  تقارير غربية أن يتضاعف عدد المسلمين 3 مرات بحلول عام 2050، في حين سيتضاعف عدد المسيحيين مرتين بحلول نفس الفترة.

وتشير ذات التقارير -التي يصفها رؤساء الجمعيات الإسلامية بإفريقيا بعدم المصداقية –  لوجود 517 مليون مسيحي بإفريقيا أي ما يمثل (60%) من سكان القارة السمراء منها 200 مليون كاثوليكي مقابل 284 مليون مسلم و هو ما يمثل (30%).

صراع الكنائس

على المستوي المسيحي تواجه الكنيسة الكاثوليكية صعوبات و تحديات ميدانية كبيرة في إفريقيا، لعل من ابرز مظاهرها تصاعد الكنائس البروتستانتية مقابل التراجع الملحوظ لأنشطة و أداء الكنائس الكاثوليكية ذات النفوذ التقليدي.

فقد كشف معهد وورد ووتش مونيتور المهتم بأبحاث التنصير أن من أسباب تراجع حضور الكنيسة الكاثوليكية في الحياة الدينية بإفريقيا عدم انسجامها مع المعتقدات و الثقافات المحلية الأفريقية، و ذلك على العكس من بعض الكنائس البروتستانتية التي تلقي قبولا من طرف بعض القوميات الإفريقية بحكم بساطة طقوسها.و لفت أن الدعم المالي الهائل الذي تتلقاه الكنائس البروتستانتية يعتبر عاملا إضافيا يُفسر سرعة انتشارها و تأثيرها.

(المصدر: إسلام أونلاين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى