كتاباتكتابات مختارة

ذخيرة الإستبداد

بقلم خالد برية

{قال فرعونُ آمنتم به قبلَ أن آذنَ لكم} كلما قرأتُ هذه الآية؛ يستوقفني هذا المقطع من قصةِ موسى – عليه السلام- المشهودة مع فرعونَ وسحرته! آمنَ (السحرة) عندما وقعَ الحقُّ وبَـطلَ الإفك الذي روجوه لبقاءِ حكمِ فرعون ردحاً من الزمن.. في هذا المشهدِ المشهود؛ يخرُّ السحرةُ سُجَّداً إيماناً بربِّ موسى وهارون.. فيشتاطُ غضبُ الطاغية.. ويقولُ كلمةً ممعنةً في العجب والغرابة؛ {آمنتم به قبلَ أن آذنَ لكم} أي: آمنتم بإله موسى قبلَ أن آذنَ لكم بالإيمانِ والتصديقِ به!!! وهل يحتاجُ الإيمانُ إذا مسَّٰ شغافَ القلب إلى إذن؟! وهل كانَ فرعون لِيَأذنَ لهم، أو لغيرهم، أن يؤمنوا بالله وحدَه؛ وهو الذي صاحَ فيهم بكلِّ كبرٍ وجبروت: {أنا ربكمُ الأعلى} ؟! ثمَّٰ ما معنى أن يقولَ لهم فرعون ذلك في تلك اللحظة التي نُكِّست فيها أعلامُ الباطل، ورأى الهزيمة المنكرة في يوم الزينة العظيم الذي أراده يوماً مشهوداً لإذلال موسى وضربِ الدعوةِ التي يحملها…؟ ما حَمَله على قولِ ذلك؛ إلا داءُ الكبر، وذخيرةُ الإستبداد التي يملكها، وجنونُ العظمةِ الذي استبدَّ به..! طاشَ عقله في تلكَ اللحظةِ الفارقة، ولم يفكر – ابتداءً- إلا في فكرة الخروج عن أمره دونَ (إذنٍ منه).. [قبلَ أن آذنَ لكم]، وهي كلمة في حقيقتها لا معنى لها إلا تعزيةً لنفسه ببقاء قوته وسطوته، وإظهار القوةِ عليهم، وتملكهم، وتملك رقابهم؛ باعتبارهم عبيداً، لا حقُّ لهم الإيمان دونَ إذن الطاغيةِ العظيم! وقد أورثَ (الفرعونُ الأول) الفراعنةَ من بعده داء الكبرِ والطغيانِ والاستبداد.. وصاحوا كما صاحَ في نشوةٍ من البطر والغرورِ والنسيان.. {أنا ربكمُ الأعلى} ، و غضبوا على من أذعنَ للحق، وأسلمَ قلبه لدعوةِ النور.. كيفَ بكم أن تفعلوا ما فعلتم دونَ إذنٍ منا، وأنزَلوا بهم من العذابِ والظلمِ والضيم؛ ما أنزَله الفرعونُ بالسحرةِ الذينَ هدموا بنيانَ الطغيانِ من قلوبهم، وأسلموا للإلهِ الحق. {لأقطعنَّ أيديكم وأرجلكم من خلاف} . قالها مُهدِّداً، فـ جاءَ صوتُ الإيمانِ مدوياً؛ {اقضِ ما أنتَ قاض، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا} . عزة في الشعور، وتمكُّنٌ من الإيمان، ويقينٌ بلغَ ذروتَه في العلو.. واستسلامٌ لمن بيده الملكوت! ولا زالَ السائرونَ على دربِ السحرة المؤمنين.. يواصلونَ النضالَ والجهاد.. ويقفونَ في وجه الطغيان.. لا زالوا يصرخونَ في وجوههم:  {اقضِ ما أنت قاض، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا} .

(المصدر: طريق الإسلام)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى