تقارير وإضاءات

دعوات “تصحيح الخطاب الديني” بمصر.. شبح “العلمنة” يهدد بلد الأزهر الشريف

دعوات “تصحيح الخطاب الديني” بمصر.. شبح “العلمنة” يهدد بلد الأزهر الشريف

إعداد براء ماجد

تجددت دعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لتصحيح الخطاب الديني في منتدى شباب العالم في نسخته الثانية بمدينة شرم الشيخ، وسط حملات إعلامية موازية تتهم المؤسسات الدينية وخاصة الأزهر الشريف وشيخه د. أحمد الطيب بالخوف من تجديد الخطاب الديني.

دعوة الرئيس المصري الحالي ليست جديدة، فقد انطلق العديد من المرات بعد الأزمة السياسية في العام 2013م فور إطاحته بالدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد، ولكن طرحه الجديد مع التحركات السلبية الموازية، بحسب وصف البعض، أثار مزيداً من القلق لدى مراقبين ومعارضين من إفساح المجال لعلمنة مصر، وهو ما ترصده “المجتمع” في سياق هذا التقرير:

علمنة مصر

المستشار محمد سليمان، أحد “قضاة البيان” المعروفين بالدفاع عن استقلال القضاء، يرى، في تصريحات لـ”المجتمع”، أن تصريحات السيسي القصد منها النيل من ثوابت الدين الإسلامي وتهيئة المسلمين شيئاً فشيئاً إلى الابتعاد عن دينهم وصولاً لجعل مصر دولة علمانية.

ويدلل القاضي سليمان على ذلك بتصريح السيسي عن المطالبة بإلغاء الطلاق الشفوي، وتصريحه عن نصوص وأفكار من مئات السنين تعادي الدنيا كلها في إشارة إلى آيات الجهاد في سبيل الله؛ لأنه لا يوجد نصوص دينية من مئات السنين إلا القرآن والأحاديث النبوية، وحديثه عن أن الملحد لم يخرج من الإسلام، ثم حديثه عن حق المواطن “أن يعبد أو لا يعبد”، وإنكاره أن الكفار جزاؤهم جهنم عندما قال: “هذا يصبح صعباً جداً”! ثم قوله: “لا يعقل أن يقتل 1.6 مليار مسلم 7 مليارات كي يعيشوا” في تشويه للمسلمين وترديد للمزاعم الغربية.

ويشير القاضي سليمان إلى أن تكرار التلميح إلى تصحيح الخطاب الديني يأتي عند كل حادث إرهابي يعطي انطباعاً أن الإسلام مسؤول عن الإرهاب، والمقلق أن ذلك يجرى مع إطلاق العنان لأبواقه الإعلامية للحرب على الحجاب والنقاب، فضلاً عما يحدث من توحيد خطبة الجمعة وتسييسها وتحديد المساجد التي تقام فيها، وتقييد حق المصلين في البقاء بالمساجد إلا لدقائق معدودة بعد كل صلاة، وعلى النقيض؛ لم يتناول مطلقاً الحديث عن الخطاب الديني المسيحي الحالي وما يتضمنه من تحريض على الكراهية، ما يثبت أن المستهدف هو هدم ثوابت الدين الإسلامي لا تجديده.

مغازلة للغرب

النقابي المصري والناشط السياسي المهندس أحمد علي، من جانبه، يشير إلى أن تصريحات السيسي حول تصحيح الخطاب الديني ليست عشوائية، وليست دون أثر، فهو يهدف بهذا النوع من الخطابات أن يقوم بمغازلة الغرب أولاً كما يفعل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأن يبرر جرائمه بحق الإسلاميين المعتقلين بحجة أنهم متطرفون، وأنه هو صاحب الفكر الإسلامي الوسط.

ويضيف أنه على ما يبدو أن السيسي يعي ما يقول جيداً بالرغم من أن تصريحاته معظمها عن جهل أو ضعف بثوابت إسلامية يرغب في تصحيحها، فهجومه على الثوابت يثير الجدل ويدعمه في ذلك شيوخ السلطان.

ويرى علي أن النتائج التي حققها خطاب السيسي منذ العام 2013 حتى الآن فيما يخص تصحيح الخطاب الديني كانت نتائج سلبية، والدليل هو انتشار الانحطاط الأخلاقي وضعف الوازع الديني وتفشي الجرائم ليس فقط بين الطبقات الفقيرة وإنما في المتوسطة والعليا، بالتزامن مع انتشار الجرائم بين كبار ضباط الجيش والشرطة خصوصاً جرائم الرشوة وجرائم القتل والتعذيب على يد الضباط، وما ذلك إلا نتيجة للتغييب المتعمد للقيم الإنسانية الإسلامية في الخطاب الذي توجهه الشؤون المعنوية.

ويرى علي أن مشكلة تغيير الخطاب الديني غيرت أيضاً من ثوابت عقدية لدى كثير من الشباب، حيث تغيرت آراء كثير من الشباب وأصبحوا يتقبلون فكرة أن الكيان الصهيوني صديق وليس عدواً، وأن على الفلسطينيين أن يسلموا أراضيهم وخصوصاً القدس إلى إدارة الكيان.

ويؤكد أنه من ضمن التغييرات التي حدثت نتيجة تعديل الخطاب الديني في مصر هي أن ثقافة استباحة الدماء وتقبل إراقتها دون الاستنكار والاستهجان، وتقبل التنازل عن الحقوق للقوي دون مساءلة أصبحت أيضاً مستساغة ومقبولة لدى الكثيرين للأسف، بحسب ما يرى.

رسالة لليمين المتطرف

الناشط السياسي والقيادي الطلابي السابق أحمد البقري، يرى أن تصريح السيسي الدائم حول تجديد الخطاب الديني مغازلة لليمن المتطرف في “إسرائيل” والولايات المتحدة، بأنه يتفق معهم في معادة التيارات الإسلامية، لخدمة مشروع الثورة المضادة؛ وهو إجهاض الثورات الشعبية المتطلعة لحكم ديمقراطي، وضمان أمن الاحتلال الإسرائيلي، وإضعاف المقاومة الفلسطينية، وضمان بقائه لأطول فترة ممكنة في السلطة.

ويشير البقري إلى أن السيسي على المستوى الشعبي والاجتماعي معزول تماماً، وهو يدرك ذلك، فهو يعلم أن ضمان بقائه مرهون باستمرار اليمن المتطرف في الدعم له، لكن البقري في ذات الوقت يرى أن المخطط الذي يستهدف الدين لن يقبل الشعب المصري به، فالمصريون بطبيعتهم محافظون، والإسلام دين العدل والتسامح، وهو ما لا يتماشى مع المستبدين القتلة.

النيل من الأزهر

وفي المقابل، تناولت بكثافة العديد من المواقع والصحف الرسمية والمحسوب على النظام المصري ملف تصحيح الخطاب الديني في مصر، وهاجمت بعضها شيخ الأزهر د. أحمد الطيب متهمة الجامع الأزهر بالتأخر عن دعم دعوات الرئيس.

واستغلت الأصوات العلمانية المطالبة بتجديد الخطاب الديني جريمة المنيا الإرهابية، وقال الفنان حلمي التوني: بعد الحادث البشع.. هل سيظلون مترددين وخائفين من مواجه الطيب وجماعته الواقفين في طريق المواجهة الحقيقية والتعامل مع الجذور الفكرية والعقائدية لهذه الجرائم، أم سنبقى نتعامل فقط بالسلاح وكأنها مباراة في المصارعة؟!

ونقلت صحيفة “الوطن”، المحسوبة على النظام، عن النائب السابق جمال أسعد، أن إصرار الرئيس عبدالفتاح السيسي على تصحيح الفكر الديني منذ بداية ولايته، حتى الآن يعني قبول الآخر، وهو المبدأ الذي يرفضه المتطرفون.

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى