تقارير وإضاءات

حي الشيخ جراح .. ما حكاية “خفافيش الظلام” وكيف يهجرون المقدسيين من منازلهم؟

حي الشيخ جراح .. ما حكاية “خفافيش الظلام” وكيف يهجرون المقدسيين من منازلهم؟

منتصف عام 2008، وفي ليلة ليلاءَ حجب الضباب نجومها، تسلل “خفافيش الظلام” كما يسمّيهم أهالي حي الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة، إلى منزل عائلة الحاجة مريم الغاوي، “فجّروا باب المنزل” وأجبروا كلّ من فيه بالقوة على الخروج دون حتى السماح لهم بلملمة أغراضهم؛ حتى خرج بعضهم يومها بملابس النوم.

“خفافيش الظلام” هو لقب يطلقه سكان الحي على المستوطنين، وتعود التسمية إلى تنفيذ المستوطنين الإسرائيليين زيارات ليلية استفزازية لمنازل العرب الفلسطينيين، ضمن مخطط للاستيلاء عليها وطردهم إلى العراء، وقد نجحت في أحيان كثيرة تلك السياسة بدعم قانوني وعسكري من الحكومة الإسرائيلية، إذ سيطر الاستيطان على منازل كثيرة بالحي، لا يزال سكانها العرب يقفون عند أبوابها في مشهد يثير كثيراً من الحزن ويعكس حقيقة التنكيل الإسرائيلي والاستبداد بالمقدسيين.

في منزل “آل الكرد” التقينا مريم الغاوي، وبينما كُنّا نجري حواراً مع نبيل الكُرد، صاحب منزل سيطر على نصفه المستوطنون وتهدده إسرائيل بالإخلاء خلال شهر واحد، كانت الغاوي تشارك في الحديث لتروي هي أيضاً فصولاً من معاناة امتدت على مدار 13 عاماً.

تقول مريم لـTRT عربي إنها كانت والعائلة التي تشمل مُسنّاً هو والد زوجها، وكثيراً من الأطفال، ينامون في منزلهم باطمئنان، حتى سمعوا صوت الباب “كأنه تَعرَّض للتفجير”، وتضيف: “جاء المستوطنون تحت حماية أمنية مشددة من الشرطة الإسرائيلية، قذفونا خارج المنزل، ثم بدؤوا رمي أغراضنا من الشباك”.

“ليست الأغراض وحدها التي قذفوها من الشباك، بل كان لا يزال في البيت طفل، لم يمهلونا حتى نصطحبه، لقد قذفوه لنا من شباك الطابق الثاني، بما يشبه الخيال الذي ما زلت حتى اليوم أفكر فيه”، تقول مريم الغاوي.

الغاوي: لمن تشكو والقاضي هو الغريم؟  (TRT Arabi)

ورابطت الغاوي وأهلها أمام المنزل لم يبرحوا الرصيف على امتداد ستة أشهر، “اعتصمنا بخيمة رفضاً لهذا الظلم، ضربَنا الشتاء بسوطه، وعانينا كثيراً جراء افتقارنا إلى الحاجات الأساسية، لكنهم كانوا يمزّقون خيامنا أيضاً ودفعونا إلى البحث عن أماكن أخرى نعيش فيها”.

وتشير إلى أنها رفعت القضية في أكثر من محكمة إسرائيلية، لكن “إلى من تشكو والقاضي هو الغريم؟”.

ولا تزال مريم الغاوي حتى اليوم، رغم مرور السنين وتَتابُعها، تزور منزلها باستمرار، “أقف أمام الباب لا أبالي بأحد، هذا منزلي الذي عشت فيه أجمل أيام حياتي، من حقي أن استعيده يوماً من هؤلاء الذين سرقوا كل شيء”.

ويتهدد خطر الإخلاء 28 منزلاً إضافياً في حي الشيخ جراح، بعضها أمهلت المحكمة الإسرائيلية سكانه لإخلائه مطلع شهر مايو/أيار المقبل، ومن ضمنها منازل عائلة الكرد والصباغ والسكافي.

السكافي: يسعون لطردنا لإقامة 240 وحدة استيطانية (TRT Arabi)

يقول عبد الفتاح السكافي، صاحب منزل مهدَّد بالإخلاء، إن “الاحتلال الإسرائيلي يسعى لطردهم من منازلهم من أجل إقامة 240 وحدة سكنية استيطانية محلها”.

ويضيف لـTRT عربي: “يحاربوننا بأوراق زوّروها من أجل سرقة الحي، ليس في أيديهم أي أوراق رسمية”.

ويوضح أن “السلطات الإسرائيلية تدعم المستوطنين الذين يحاولون الاستيلاء على منازلنا منذ أكثر من 40 سنة”، داعياً المؤسسات الدولية والسلطة الفلسطينية إلى التدخل من أجل إنقاذ الحي.

وما مصيركم إذا لم ينجح الضغط؟ يقول السكافي: “مصيرنا إلى الشارع”.

ويوضح أن السلطات الإسرائيلية تلاحق سكان الحي وتضايقهم، “أولادنا في السجون، وبعضنا مُلاحَق ومُبعَد، والهدف هو ترحيل سكان الحي، كي يزحف الاستيطان أكثر نحو البلدة القديمة في القدس المحتلة لعزلها تماماً من خلال المشاريع الاستيطانية”.

ويشير إلى أنّه يرعى “عائلة مكونة من 14 فرداً، مصيرهم التشريد في حال قررت المحكمة الإسرائيلية نهائياً طردهم من البيت”.

ويقول: “وإن طردونا، فسوف أعيش في خيمة مع عائلتي هنا في هذا الحي لا أبرحه أبداً”.

بينما يدور الحوار في ساحة منزل عائلة الكرد مع الأهالي المستهدفين، أطلّ ياعكوف، مستوطن إسرائيلي، حاملاً عصاه موجهاً تهديداً إلى صاحب المنزل نبيل الكرد بعد أن ساورته شكوك بأنه يريد كتابة شعارات الصمود على حائط المنزل الذي يمتلكه قبل أن يستولي عليه المستوطن.

يقول نبيل الكرد إن المستوطن ياعكوف، وهو يهودي أمريكي، جاء تحت جنح الظلام بحماية الشرطة الإسرائيلية، وفرض سيطرته على غرفتين من المنزل التابع لعائلة الكرد.

“لقد استولى على نصف منزلي، يعيش كأن المنزل ملكه منذ عشر سنوات، وكذلك يضايقنا بكثير من التصرفات السيئة، مثل الشتم والتعرِّي أمام النساء، مما اضطرني إلى وضع ساتر بيننا وبينه”.

ياعكوف استولى على نصف منزل عائلة الكرد عنوة (TRT Arabi)

ويقول الكرد لـTRT عربي: “هذا الإنسان سارق، استولى على بيتي ويقاسمني إياه، تدعمه السلطات الإسرائيلية التي تسعى لترحيلنا قسراً كي تحيل حياتنا إلى جحيم بوسائل مختلفة”.

ويشير إلى أنه وأفراد عائلته مهدَّدون بالطرد مطلع مايو/أيار القادم، “لا مكان نذهب إليه سوى الرصيف بعد ذلك”.

ويرى الكرد أن هدف السلطات الإسرائيلية من إجلائهم “هو السعي لتفريغ القدس المحتلة من سكانها العرب وتحويلها إلى القدس الكبرى اليهودية، إنهم لا يريدون أي عربي هنا إلا مَن يقدّم لهم الخدمات”.

وأطلق أهالي حي الشيخ جراح صرخة مدوية، داعين المؤسسات الدولية إلى إنقاذهم من التشريد والإبعاد، كما تفاعل نشطاء بالآلاف على وسم “#أنقذوا_حي_الشيخ_جراح” على مواقع التواصل الاجتماعي دعماً لأصحاب المنازل المهددة بالإخلاء.

(المصدر: تي آر تي TRT العربية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى