كتابات مختارة

حقيقة الأوضاع في الفلوجة المحاصرة

بقلم د. محمد عياش الكبيسي

الفلوجة عنوان ثابت ومتألق وحاضر في كل نازلة أو منازلة، إنها تأبى أبدا أن تعيش على هامش الحياة، هكذا هي الفلوجة منذ أن عرفها التاريخ.

بعد تصديها للعدوان الأميركي في معركتين شاملتين مع شقيقاتها في المثلث أو المربع السني، تحملت الفلوجة العبء الأكبر، وتلقت وحدها الضربات الإجهاضية بالأسلحة غير التقليدية ومنها (الفسفور الأبيض)، والتي أسفرت عن تدمير المدينة وانتشار الأمراض والتشوهات الخلقية الغريبة.

وضعت الحرب أوزارها وتشكلت لجان لإعادة بناء المدينة وتعويض المساكن المهدمة والمتضررة، وبسرعة استثنائية تمكن أهالي الفلوجة من بناء مدينتهم وتشكيل حكومتهم المحلية التي ليس فيها غريب واحد، بكل مؤسساتها الأمنية والتربوية والخدمية.

في غفلة من الزمن، ونتيجة للفراغ الذي خلفته معارك الأسبوع الأول مع ميليشيات المالكي الذي أعلنها حربا بين (معسكر الحسين ومعسكر يزيد) تمكن تنظيم الدولة (داعش) من أن يجد لنفسه ثغرة للوصول إلى الفلوجة، وهناك مؤشرات كثيرة على ضلوع المالكي نفسه في فتح هذه الثغرة، وقصة هروب قادة التنظيم من سجن أبي غريب قبيل الأحداث لا تخفى على أحد!

داعش تدعي أنها حررت الفلوجة وطردت (الروافض)، والحقيقة أن الفلوجة لم يكن فيها (رافضي) واحد، فداعش اغتصبت الفلوجة من أهلها، وأسهمت في تهجير %80 منهم، والمفارقة هنا أن هؤلاء الناس لم يجدوا لهم ملجأ إلا على بوابات بغداد وحكومتها (الرافضية)، التي استغلتهم قهرا وإذلالا وانتقاما، ولا أدري بعد هذه الكارثة الظاهرة والصارخة كيف يستطيع قائل أن يقول: إن داعش يمكن أن توفر حماية لأهل السنة بوجه الميليشيات.

لقد كانت (العمائم البيضاء) وشيوخ القبائل الأجلاء يقودون لسنة كاملة جموع أهل السنة للمطالبة بحقوقهم، فأين ذهب هؤلاء جميعا؟ ومن الذي أجبرهم على ترك مدنهم؟ إن المالكي في كل تاريخه الأسود لم يتمكن من أن يفرغ هذه المدن من أهلها، لكن داعش التي غدرت بأهل السنة هي التي قدمت هذه الخدمة للمالكي ولمن وراء المالكي.

بعد أن أحكمت داعش قبضتها على الفلوجة اتخذت قرارا بمنع الأهالي من الخروج، وأجبرتهم على البقاء تحت سقف الجوع والخوف بنسائهم وأطفالهم، ليبدأ مسلسل جديد عنوانه (الفلوجة تموت جوعا).

حكومة بغداد مرتاحة جدا لهذا الوضع، ولا تبدو في عجلة من أمرها، فكل شيء في الفلوجة يجري على ما يرام!

على أرض الواقع ما زالت هناك طرق سالكة بين الفلوجة وامتدادها الريفي الذي تسيطر عليها العشائر الفلوجية، إلا أن داعش تمنع الأهالي من التواصل مع عشائرهم لحسابات معينة، والإعلام العربي لا يتناول هذه القضية، ويصور أن الميليشيات تحيط بالفلوجة من كل الجهات، ولا أعلم سبب هذا الإغفال أو التضليل.

من ناحية أخرى تحاول داعش أن تجر الفلوجة والمثلث السني معها في حرب مفتوحة ليس مع إيران، وإنما مع السعودية وتركيا والأردن ومصر وليبيا وتونس وبلجيكا ونيجيريا.. إلخ، وهنا تكمن خطورة الدعوات المشبوهة أو الغبية التي تتبنى سياسة إعلامية مدافعة عن داعش حتى في هذا الظرف الذي تحتاج فيه الفلوجة إلى عمقها العربي والإسلامي وخاصة دول الجوار كالسعودية والأردن وتركيا إضافة إلى إقليم كردستان.

المصدر: موقع الأمة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى