كتابات

حقوق الإنسان بين الإسلام والغرب

بقلم د. سعيد عبد العظيم

العدل أساس الملك وبه قامت السموات والأرض: ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوَّامين لله شهداء يالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) [المائدة 8 ], ولا يخفى على أحد سَبْقُ الإسلام لكل النظم الأرضية الوضعية والهيئات الدولية في إقامة الحق والعدل ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )

الحقوق لا تقتصر على المسلمين:

وهذه الحقوق لا تقتصر على المسلم دون الكافر, والأصل فيها أن تستقى من كتاب الله وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -, وحينئذ سنتبين الحد الذي نقف عنده ولا نتعداه, وإلا لكنا دائرين مع الهوى ووساوس الشياطين, وفى الحديث ” من آذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة ” رواه مسلم. فلا يجوز أذيته في ماله أو دمه أو عرضه إن كان غير محارب, وأيضاً لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه – عز وجل -: ” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ” رواه مسلم.

الرحمة بالكافر:

لابد من رحمته بالرحمة العامة كإطعامه إن جاع، وسقيه إن عطش، ومداواته إن مرض، وإنقاذه من تهلكة وتجنيبه الأذى؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ” ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء “. ( رواه الطبراني والحاكم ).

والجزاء من جنس العمل ولقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ” في كل ذي كبد رطبة أجر” ( رواه أحمد وابن ماجه)

العدل معه:

عندما ذهب عبد الله بن رواحة ليخرص نخل يهود خيبر أرادوا رشوته فقال: يا أعداء الله تعلمونني السحت؟ فوالله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي، ولأنتم أبغض إلي من عدتكم ـ أي آباؤكم وأسلافكم ـ من القردة والخنازير، ولا يحملني حبي إياه وبغضي إياكم على ألا أعدل بينكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض.

الإسلام يسبق جمعيات الرفق بالحيوان:

من هذه المعاني ما لا يقصر على الإنسان دون الحيوان كإطعامها وسقيها ورحمتها والإشفاق عليها لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – لما رآهم قد اتخذوا حيواناً هدفاً يرمونه بالسهام: ” لعن الله من اتخذ شيئاً فيه روح غرضاً ” (متفق عليه). ولنهيه – صلى الله عليه وسلم – عن صبر البهائم أي حبسها للقتل ولقوله – صلى الله عليه وسلم -: ” من فجع هذه بولدها؟ ردوا عليها ولدها إليها ” قاله لما رأى الحمرة ـ طائر ـ تحوم تطلب أفراخها التي أخذت من العش. ومن ذلك إراحتها عند ذبحها أو قتلها لقوله – صلى الله عليه وسلم -: ” إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتل وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليرح أحدكم ذبيحته وليحد شفرته”. ولا يجوز تعذيبها بأي نوع من أنواع العذاب سواء كان بتجويعها أو ضربها أو بتحميلها ما لا تطيق أو بالمثلة بها أو حرقها بالنار وذلك لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ” دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار فلا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض” ( رواه البخاري ) وقد مر النبي – صلى الله عليه وسلم – بقرية النمل ـ موضع نمل – وقد أحرقت فقال: ” إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار ” ـ يعني الله عز وجل ـ ولما رأى حماراً موسوماً في وجهه قال ” لعن الله من وسم هذا في وجهه ” ( رواه البخاري) وقد حكى النبي – صلى الله عليه وسلم – لأمته قصة بغي بني إسرائيل التي دخلت الجنة بسبب كلب وجدته يلهث فسقته وغفر الله لها. وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ” بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال: لقد بلغ بهذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له” قالوا: يا رسول الله ،وإن لنا في البهائم أجراً؟ قال: في كل كبد رطبة أجر”.

أين حقوق المسلمين؟

وإذا كانت هذه حقوق الحيوان فكيف تكون حقوق الإنسان؟ وكيف تكون حقوق المسلمين؟

ولا يشفع لهذه المنظمات رفع الصوت للمطالبة بتطبيق حقوق الإنسان, إذ هؤلاء جميعاً يكيلون بمكيال واحد, وهو مكيال العداوة لهذه الأمة. وما حدث في البوسنة والهرسك والصومال وفلسطين وبورما، والجمهوريات الإسلامية بالاتحاد السوفيتي السابق، وكشمير، ومقارنة مواقفهم في هذه الأماكن بمواقفهم في تيمور الشرقية مثلاً خير شاهد على أن هؤلاء يقيمون الدنيا ولا يقعدونها إذا أضير من كان على شاكلتهم, بينما لا يحركون ساكناً إذا أبيد جميع المسلمين فأين حقوق الإنسان إذن؟ ثم محافظتهم لو حدثت فهي قاصرة على منع التعذيب والمحافظة على الأبدان.

الحقوق الغربية إضاعة للبلاد والعباد:

ولو أردنا أن نسمى الأشياء باسمها لقلنا: إن محافظتهم إضاعة للبلاد والعباد، وصورة مادية فجة للمحافظة على البدن مع تخريب الأرواح والقلوب والعقائد، فحقوق الإنسان على طريقة هؤلاء تعني نشر الإلحاد والزندقة والفلسفات المارقة تحت اسم حرية الفكر والرأي، ونشر العربدة والفسق والفجور والانحلال الخلقي تحت اسم حرية المرأة والحرية الشخصية، بل هم جعلوا من جملة هذه الحقوق ـ مؤخراً ـ حرية الشذوذ الجنسي (اللواط والسحاق )؟ فهل نستبعد بعد ذلك أن يحدث معنا إن استجبنا لهم مثل ما حدث مع قوم لوط: ( فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود. مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد)[ سورة هود الآية رقم (82،83)]

ولقد ورد عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قوله: “من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به “. وهل يقبل مسلم أن يعيش حياة القصور، ويحافظ له على جسده، ويسلم حتى من التعذيب، ويكون ذلك على حساب دينه وعقيدته، وتخريب روحه وقلبه بنشر الإلحاد والفسق والفجور التي يسمونها – زوراً وبهتاناً – حقوقاً؟ يا قوم إن أقل القليل من هذا الضياع كافٍ في استجلاب اللعنات، والنقم على البلاد والعباد ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) ـ سورة الشورى الآية رقم (30) ولما تساءل البعض بعد هزيمة أحد وقالوا: أنى هذا؟ كانت الإجابة: ( قل هو من عند أنفسكم ) ـ سورة آل عمران الآية رقم (165). ثم شرعت الآيات توضح الأسباب (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ) ـ سورة آل عمران الأية رقم (152). وقد قتل يومئذ سبعون، وجُرح النبي – صلى الله عليه وسلم – وكٌسرت رباعيته، ولا سبب لذلك إلا مخالفة البعض هدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.

إقامة النظام الإسلامي العالمي:

إننا بحاجة شديدة لإقامة النظام الإسلامي العالمي، والعودة لديننا في مواجهة النظام العالمي الواحد الذي يفرضه الغرب ويحاول أن يفرض معه حرية الكفر والردة والشذوذ والانحلال.

وإذا كان إبليس قد سمى الشجرة التي نهي آدم عن الأكل منها بشجرة الخلد؛ فكذلك أولياؤه من الغربيين والأوروبيين يسمون هذا الضياع باسم الحريات والحقوق؟ فليس لنا أن نقلد غيرنا في العمل بأسباب دماره وهلاكه فلا أسوة في الشر ولا يقلدن أحدكم دينه رجلاً إن آمن آمن وإن كفر كفر كما يقول ابن مسعود – رضي الله عنه -: ” لا يكونن أحدكم إمعة… ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم ” والحق هو ما دل عليه الكتاب والسنة، والعقول السليمة والفطر المستقيمة، وإن وافق من وافق وخالف من خالف.

حكم من كفر بالله وبارزه بالحرب:

فإذا كان من خالف دساتير البلاد تعلق له المشانق؛ فكيف بمن كفر بالله بعد إيمانه، وخرج يبارز الله بالحرب؟ فهل نقول له أنت حر؟ ونقنن لعربدته؟ لا شك أن هذا أضر من الحيوانات المؤذية التي أجاز الشرع قتلها كالحية والعقرب. وفي الحديث: “من بدل دينه فاقتلوه”.

مسائل تتعلق بالولاء والبراء:

وإذا كان يجوز لنا أن نبيع ونشتري من الكفار ونهادي أهل الكتاب ونأكل من ذبائحهم، ونتزوج من نسائهم ونرحمهم بالرحمة العامة، ونعدل معهم ونعودهم في مرضهم ـ فليس معنى ذلك أن نحبهم أو نواليهم أو نصادقهم، أو أن تكون هناك أخوة بيننا وبينهم، وبهذا وذاك وردت نصوص الشريعة( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) [البقرة الآية رقم (217)] (ولا ينبئك مثل خبير) [ فاطر الآية رقم(14)] فهو مثال بكل الأشكال وفي كل الساحات فالواجب علينا أن نحذر ( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ) سورة النساء الآية رقم (71).

الحذر من الشعارات البراقة:

لنحذر من الشعارات البراقة كالإنسانية والحرية والإخاء والمساواة.. وغيرها من الشعارات التي يروج لها بالمفهوم الغربي الضائع، فإن أبينا إلا نأخذ بها وبحقوق الإنسان عندهم فانتظروا الدمار، وإلا فالسنن لا تعرف المحاباة ولا المجاملة: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً) [الإسراء الآية رقم (16)] (وكأيِّن من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حساباً شديد وعذبناها عذاباً نُكْراً, فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسراً) [الطلاق الآية رقم (8،9)]، (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) [الأنعام (44،45)].

فيا قومنا:

احذروا طريق الدمار والهاوية وأن توردوا أنفسكم موارد الهلكة، وتسلكوا سبيل قوم قد ضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل.

*المصدر: رابطة علماء المسلمين

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى