كتاباتكتابات مختارة

حتى لا نكون ضحايا “موضة” التشكيك بالسنة

حتى لا نكون ضحايا “موضة” التشكيك بالسنة

بقلم د. أنس جراب

يقول الله عز وجل في محكم تنزيله: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} [النجم:3-4].

هذه الآية، جاءت في بدايات سورة النجم، التي تناولت غيبيات كثيرة، رآها النبي صلى الله عليه وسلم، وكما قال تعالى: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} [النجم:18]. لتؤكد أن ما أخبر به النبي ليس من صنع خياله أو هواه، وليس تأليفاً أو توهماً، إنما هو وحي من الله، أي أن ما يقوله صدق وحقيقة، وإن كانت العقول لا تدرك حقيقتها، ولا تستوعب أبعادها.

فالعقل المجرد لا يمكن أن يستوعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عُرج به إلى السماوات ورأى أموراً عظيمة، لا تتخيلها أذهاننا، ولا نتصورها، لكن لأنه وحي، ولأن الله أخبر بذلك، فالإيمان بذلك واجب، والتشكيك بذلك كفر بواح!

وتصريح الآية بأن ما يقوله عليه الصلاة هو وحي، يؤكد على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يقرّ أمراً تشريعياً، أو يتحدث في أمر غيبي من تلقاء نفسه، إنما هو وحي من الله، ولهذا قرن الله تعالى طاعته بطاعة نبيه، فقال: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول}. بل وأمرنا بالانقياد لحكمه، والتسليم بقضائه، فقال: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء:65].

تصريح الآية بأن ما يقوله عليه الصلاة هو وحي، يؤكد على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يقرّ أمراً تشريعياً، أو يتحدث في أمر غيبي من تلقاء نفسه، إنما هو وحي من الله، ولهذا قرن الله تعالى طاعته بطاعة نبيه

وعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى). قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: (من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) (رواه البخاري).

إن ما دفعني للحديث على هذا الأمر، وهو معلوم بداهة وفطرة، ما نواجهه اليوم من لوثات فكرية تستهدف أصول ديننا وثوابته، وما أسميها بموضة التشكيك بالسنة النبوية، وبصحة الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، سواء بإنكار السنة بشكل كامل، والطعن في صحة علم الرواية، وما يتفرع عنه من علوم. أو التشكيك ببعض الروايات الصحيحة، بزعم مخالفتها للقرآن –من وجهة نظرهم- دون أدنى امتلاك لفهم المراد من النصوص وحقيقة التعارض بينها. مما يعني فتح الباب لتحريف الدين، وإنكار أحكامه، واستهداف فلسفته وحكمته التشريعية التي أرادها الباري عز وجل.

فيأتي البعض ليقولوا نحن لا نؤمن بهذا الحديث، لأن عقلي لا يستوعبه، ولا أظن أن النبي قصد كذا وكذا، وما أدراني أن هذا الحديث صحيح، ويبني حكمه بناء على جهله بأصول العلم، والتمييز بين الحديث الصحيح وغيره.

ومما يزيد الطين بلة، تصدر البعض ممن يدعون التجديد، فإذا بهم يحرفون الكلم عن مواضعه، فيبيحون المحرمات والكبائر، ويجعلون ما افترضه الله على عباده أمراً اختيارياً، أو لا أهمية له، لكي لا يقوم الناس به، ولا ينتبهوا لأهميته.

و دعوى التشكيك بحجية السنة ليست وليدة أيامنا هذه، وإنما هي قديمة ولها من قالوا بها  ، بل وقد أشار لهم النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: “يوشك الرجل متكئا على أريكته، يحدّث بحديث من حديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرّمناه، ألا وإن ما حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرّم الله”. (رواه أحمد وأصحاب السنن)

استهداف شامل..

علينا أن ندرك جميعاً أن المسلمين ليسوا مستهدفين عسكرياً وسياسياً فحسب، بل إن الاستهداف يمس ثوابت دينهم، تحت مسمى الثقافة والعلم، ليكون المسلمون بلا إسلام، مما يسهل من استعبادهم، ويقتل هويتهم و أي روح نهضوية فيهم.

المسلمون ليسوا مستهدفين عسكرياً وسياسياً فحسب، بل إن الاستهداف يمس ثوابت دينهم، تحت مسمى الثقافة والعلم، ليكون المسلمون بلا إسلام، مما يسهل من استعبادهم، ويقتل هويتهم و أي روح نهضوية فيهم

وإنه مع بالغ الأسف، فقد بات بعض أبناء هذه الأمة، هم من ينخرون في جسدها، ويفتّون في عزمها وقوتها، تحت ستار تجديد الدين، والتنوير والثقاقة، وما هو إلا ضرب من ضروب التخريب والإلحاد. فلا تعارض بين الإسلام والعلم، ويكفينا شرفاً ان أول كلمة أنزلت في القرآن كانت “اقرأ” لكن الخطر كل الخطر في استخدام هذه الأمور للتشكيك في الدين، وإضعاف صلتنا به. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان” (رواه أحمد).

فالحذر الحذر من أولئك الذين يسعون لتشكيك الناس بدينهم، ونشر الإلحاد بين شبابنا وأبنائنا، وما أولئك إلا دمى تتحرك من قبل أيادٍ خفية، لتحقيق مصالحهم في تدمير أمتنا وشعبنا  .

حتى لا نكون نحن الضحية!!

في خضم هذا التحدي هناك أربعة أمور علينا أن نعيها في هذا الصدد، حتى لا نكون من ضحايا أولئك المغرضين.

أولاً: لا تعارض بين القرآن الكريم والسنة الصحيحة الثابت نسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم، وفي حال كان هناك تعارض ظاهري، فإن للعلماء مسالك في التعامل معه، ويرجع إليها في مظانها. وكذلك الحال لا تعارض بين السنة الصحيحة والعقل السليم الباحث عن الحق والمجرد عن الهوى، فالعقل الخاضع للهوى يكون عقلاً شيطانياً، ولا يمكن أن يكون مقياساً للحكم على صحة الحديث وموافقته للعلم  !

لا تعارض بين القرآن الكريم والسنة الصحيحة الثابت نسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم، وفي حال كان هناك تعارض ظاهري، فإن للعلماء مسالك في التعامل معه، ويرجع إليها في مظانها

ثانياً: علينا أن نقبل على كتاب ربنا وسنة نبينا ننهل من معينهما، ونتعلم منهما أمور ديننا، فلا قيمة ولا هوية لهذه الأمة إلا بالتمسك بما جاء في القرآن والسنة  ، وكم نعجب حينما نجد الآخرين يتغنون ويتفاخرون بأديانهم المحرفة، فهذا يتفاخر بيهوديته، وذلك بنصرانيته، وذلك ببوذيته، في حين نجد مسلمينا يشككون في أصول دينهم وثوابته.

ثالثاً: الحذر الحذر من تلك الدعوات التي تتسم بطابع التجديد، و الأصل في المسلم إن نابه شيء أو أشكل عليه أمر، أن يرجع إلى أهل العلم  ، سواء في هيئات الإفتاء، أو أهل العلم الثقات، أو يرجع إلى الكتب والمواقع الإلكترونية المتعلقة بهذا إن كان لديه علم بها. وإنني أجزم أن كل التساؤلات والاعتراضات التي يثيرها “المشككون” قد أجيب عنها، سواء في الكتب المختلفة، أو حتى من قبل العلماء والدعاة الثقات.

رابعاً: علينا أن نرسخ احترام القرآن والسنة بين أهلنا وأبنائنا، من خلال العمل بأحكامها، إذ ليس من المقبول أن ندعو للتمسك بهما ثم نخالف ما فيهما، وقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} [الصف: 2-3].

أسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه سميع مجيب.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى