كتب وبحوث

جهود التجديد في علوم الحديث: دراسة تحليلية نقدية

جهود التجديد في علوم الحديث: دراسة تحليلية نقدية

إعداد د. محمد ناصيري

الملخّص

كثرت الدراسات التي تناولت مناهج المحدثين، وما اعتراها عبر الزمن، وعُقدت ندواتٌ ومؤتمراتٌ لمعرفة واقع علوم الحديث والتفكير في آفاقه. والكل يقرُّ بأن الحديث وعلومه يعرف مشكلاتٍ عدَّة، ترجع إلى مناهجه، أو مناهج دراسته. وأهمها مدى كفاية قواعده، وتشتُّتها، وتفرُّقها بين الفنون الحديثية، وطريقة عرضها، والمفارقة بين التنظير وواقع النقد بها، وحاجتها إلى قواعد علومٍ أخرى في بعض مراحل تطبيقها.

وتنازع في هذا تياران: تيار يريد لها الاحتفاظ بما هي عليه؛ لكونها تحتضن قواعد ما صحَّ وما رُدَّ من الأخبار، وأي عبثٍ بها يؤدي إلى انهيار بناءٍ قائمٍ. وتيار يرى ضرورة تقويم ما هو قائم، وإبداع ما يلزم إذا كان ضروريًّا للإجابة عن إشكالاتٍ دفع بها الزمان ظهرت على بعض ما صحَّ من الأخبار، أو ما ضعف منها. فأصبح النقاش يحتدُّ بين من يرى ضرورة التجديد في قواعد العلم، واستدعاء علومٍ أخرى خادمة، وبين من يرى التجديد فقط في عرض مضمونه، وهو أمر يتفق عليه الجميع. إن هذا النقاش الذي يسعى لحلِّ مشكلات علم الحديث يتطلب منَّا دراسةً علميةً لمادة مصطلح الحديث للوقوف على خصائصه، وتحديد ماهيته، وضبط مفاصله المنهجية، وكيف كانت علاقته بالعلوم الأخرى، وكيف وقع الانفصال إن كان هناك اتصال… ولا يكفل لنا هذا إلَّا الوقوف على جهود التجديد التي عرفها هذا العلم، وتحليلها ونقدها؛ لأن أي تجديدٍ لا بدَّ أن يعتبر بخصوصيَّة الموضوع، وبالقصور الذي اعترى القواعد القائمة، أو بالفراغ الذي يفسح المجال للخطأ بالوقوع، وقد لا يكون التقدير في ذلك صحيحًا، مما يعطي شرعية النقد وإعادة التطوير.

إذن، فما هي أهم الجهود التجديدية في علم الحديث؟ وما هي مميزاتها وآثارها على نتائج العلم؟ وما هي أهم الاستدراكات عليها؟ وكيف يمكن أن نجعل من علم الحديث منهجًا في التفكير؟

لقد بحث كثيرون هذه الجهود. لكن نظرًا لمنهج الدراسة وتصوُّر فكرة البحث، كانت عنايتهم تتجه للتحقيب أكثر، وكانت الخلاصات غالبًا تؤكِّد على أن التجديد في كل حقبةٍ اتَّجه إلى مواكبة ما جدَّ من قضايا تتعلَّق بنقل الحديث، فتُبتكر قواعد أو شروط تناسبها لحفظ الحديث من أي خلل! وهو ما كادت تجمع عليه أوراق ندوة الحديث المتعلِّقة بالموضوع، التي انعقدت في دبي بكلية الدراسات الإسلامية واللغة العربية بين الثامن والعاشر من أبريل 2003 . لكن غاب إلى الآن – في حدود علمي – أيُّ دراسة تتناول التحليل العلمي لكل جهدٍ تجديديٍّ، والعلاقة بينها، والآثار المترتبة عنها، لكشف ما ظهر بوصفه تجديدًا قاصرًا، وما هو تجديد اشتمل على فرصٍ لفتح الآفاق الرحبة، وكسر العزلة التي فُرضت على الدرس الحديثي. نعم، كانت للدراسات المذهبية إسهاماتٌ في الحفاظ على معالم من المنهج النقدي ما قبل تقرير الشافعي، يظهر فيها ذلك التكامل بين العلوم، وهو ما يفرض علينا في هذه الدراسة استدعاءها في إطار المقارنة والتفسير والتعليل.

تتكوَّن هذه الورقة من مدخلٍ ومحورين: الأول منهما يرصد هذه الجهود مع تحليل أهمها، وكشف ما تميزت به، وتعليلها وبيان أثرها، وبحث العلاقة بينها وقصورها، أو قصور من جاء بعدها في استثمار ما اشتملت عليه من إبداع. والثاني منهما أعرض فيه تصورًا لما أراه كفيلًا بأن يجعل هذا العلم منهجًا في التفكير، إذا تضافرت جهود الباحثين في سبيل ذلك، في المضمون وفي الشكل.


(المصدر: مركز نهوض للدراسات والنشر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى