كتابات

جهالات علمانية

بقلم د. محمد عمارة

في حياتنا الفكرية كتابات جمع أصحابها بين “الجهالة” وبين “سوء النية” فبلغت هذه الكتابات ذروة “المأساة – الملهاة”!.

ومن نماذج هذه الكتابات ما نشرته كبرى الصحف المصرية يوم الخميس 30 أبريل 2015 نقدا للأزهر والإمام محمد عبده (1266 – 1323 هـ، 1849 – 1905م) والمذهب الأشعري – الذي هو مذهب 99 بالمئة من أهل السنة والجماعة – الذين يمثلون 90 بالمئة من المسلمين، ولقد جاء في هذا المقال: “أن الأشاعرة هم من حاربوا الاجتهادات العقلية منذ عصر الخليفة المأمون”.

وواضح أن كاتب هذا “الكلام” لا دراية له بالفكر الإسلامي ومذاهبه، ولا معرفة له بتاريخ الإسلام، فالخليفة المأمون قد توفي عام 218هـ، بينما ولد الإمام أبو الحسن الأشعري عام 260هـ، أي بعد وفاة المأمون بـ 4 عاما، ومعروف أن الأشعري بدأ حياته الفكرية معتزليا، وظل كذلك حتى سن الأربعين، ثم أسس المذهب الأشعري، أي أن الأشعرية لم تظهر إلى الوجود إلا بعد وفاة المأمون بما يقرب من قرن من الزمان!، فكيف – بالله – تكون الأشعرية قد حاربت الاجتهادات العقلية منذ عصر الخليفة المأمون؟! أي قبل ميلادها بقرابة مائة عام؟!.

ونموذج ثان من نماذج هذه “الجهالات العلمانية” – الجامعة بين “الجهالة” وبين “سوء النية” – ما سبق وكتبه الدكتور نصر أبو زيد (1943 – 2010 م) في كتابه “الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية – ص 16، 17 – عندما اتهم الإمام الشافعي “بأنه الفقيه الوحيد من فقهاء عصره الذي تعاون مع الأمويين مختارا راضيا، على عكس موقف أستاذه مالك بن أنس، الذي كان له موقف مشهور من الأمويين بسبب فتواه بفساد بيعة المكره وطلاقه، وموقف الإمام أبي حنيفة الرافض لأدنى صور التعاون معهم، رغم سجنه وتعذيبه، فلقد سعى الشافعي – على عكس سلفه أبي حنيفة وأستاذه مالك – إلى العمل مع الأمويين”!.

هكذا اتهم نصر أبو زيد -الذي يعتبره العلمانيون مجددا للإسلام- الإمام الشافعي بممالأة الأمويين” على الرغم من أنه قد ولد عام 150 هــ أي بعد زوال الدولة الأموية بنحو عشرين عاما!!.

كما وضعت هذه الجهالة فتوى مالك وموقف أبي حنيفة في العصر الأموي، بينما كانت هذه المواقف في عصر المنصور العباسي (136 – 158 هـ) – أي بعد زوال الدولة الأموية بما يقرب خمسة عشر عاما!.

ونموذج ثالث من نماذج هذه الجهالات العلمانية، ما جاء بكتاب المتحدث باسم الشيعة في مصر (بيت العنكبوت) من اتهام الإمامين البخاري ومسلم، بأن كتبهما قد مثلت الرواية الأموية للدين، وإن صحيحي البخاري ومسلم قد جاء كل منهما في إطار خلطة أموية هدفها إقصاء أئمة أهل البيت – ص 186، 187، 212، 213 – رغم أن الإمام البخاري ولد عام 194هـ – أي بعد زوال الدولة الأموية بأكثر من ستين عاما، وأن الإمام مسلم قد ولد عام 206هـ، أي بعد زوال الدولة الأموية بثلاثة أرباع القرن!!.

ولكنها الجهالة العلمانية التي جمعت بين “الجهل” وبين “سوء النية “فأثمرت هذا الذي بلغ في الجهالة ذروة “المأساة – الملهاة”.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى