كتب وبحوث

ثمانون مسألة فقهية وتربوية من أحكام يوم عاشوراء

ثمانون مسألة فقهية وتربوية من أحكام يوم عاشوراء

إعداد عقيل بن سالم الشمري

الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا أجمعين ، وبعد ،،،
فسيظلنا يوم من أعظم الأيام عند الله ، وهو عاشوراء ، وكنت جمعت فيه بعض الوقفات التربوية ، فرأيت من المناسب أن أجمع معها الأحكام الفقهية ، والمسائل الهامة عن هذا اليوم العظيم تحقيقاً لمنزلته عند الله .
وقد يسر الله فجمعت فيه خمسين مسألة فقهية ، وثلاثين مسألة تربوية ، سائلا الله أن يجعلها في ميزان حسناتي وحسنات والدي يرحمه الله ، وأن ينفع بها ، فإلي المسائل :

المسألة الأولى :
 التسمية
عاشوراء وتاسوعاء : اسمان ممدودان ، وحُكي قصرهما ، والأفصح والأشهر المد .

المسألة الثانية :
 تعيين عاشوراء وتاسوعاء
عاشورا : هو اليوم العاشر من المحرم .
وتاسوعاء : هو التاسع منه ، وعلى هذا جماهير أهل العلم .
ونسب إلى ابن عباس بأنه يرى أن عاشوراء : هو اليوم التاسع من محرم فقد ثبت في صحيح مسلم أن الحكم بن الأعرج قال : ” انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه فقلت : أخبرني عن يوم عاشوراء ، قال : إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما ، قلت أهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه ؟ قال نعم ” .
ولأن العرب تسمى اليوم الخامس من أيام ورد الإبل رِبعاً بكسر الراء وكذا تسمي باقي الأيام على هذه النسبة فيكون التاسع على هذا عِشراً بكسر العين .
ويحتمل أنه ليس مراد ابن عباس رضي الله عنهما أن عاشوراء هي تاسوعاء ، وإنما مراده الإخبار بصيام التاسع والعاشر ، فذكر التاسع لأنه لم يكن معروفاً عندهم ، ولم يذكر العاشر لأنه كان معروفاً عندهم ، بدليل حديثه الصحيح الآخر مرفوعاً : ” لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع فمات النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك ” .
والصحيح قول الجمهور من أن تاسوعاء : هو التاسع ، وعاشواء : هو اليوم العاشر .

المسألة الثالثة :
 تأريخ يوم عاشوراء
يوم عاشوراء يوم عظيم لأمة الإسلام التي اتحدت في عقيدتها وعبوديتها لله من غير تحريف المحرفين ، ويأتي تاريخه مما يلي :
1ـ هو اليوم الذي أنجى الله فيه موسى عليه السلام من الغرق :
فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل اليهود عن هذا اليوم الذي يصومونه فقالوا : هذا اليوم الذي نجَّى الله فيه موسى وقومه من فرعون فصامه موسى شكراً فنحن نصومه .
2ـ كان أهل الجاهلية يصومون هذا اليوم :
فقد ثبت في الصحيح من طريق عائشة رضي الله عنها أن أهل الجاهلية كانوا يصومون عاشوراء .
واختلف في سبب صوم وتعظيم أهل الجاهلية له :
فقيل : إن ذلك من بقايا دين إبراهيم عليه السلام ، وعلى هذا يكون مما اتفق عليه الأنبياء عليهم السلام ، ولا مانع من ذلك وإن كان موسى عليه السلام في القرون الأخيرة ويكون سبب ابتداء الصيام ليس في عهد موسى وإنما تجدد لموسى عليه السلام نعمة النجاة من الغرق ، والله أعلم .
وقيل : كما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله (11 / 149) : ” ثم وجدت في بعض الأخبار أنهم كانوا أصابهم قحط ثم رفع عنهم فصاموه شكراً ” أ.هـ .
وقيل : كما ذكره ابن حجر (6/282) : ” ثم رأيت في المجلس الثالث من جالس الباغندي الكبير عن عكرمة أنه سئل عن ذلك فقال : أذنبت قريش ذنبا في الجاهلية فعظم في صدورهم فقيل لهم : صوموا عاشوراء يكفر ذلك ، هذا أو معناه .أ.هـ .
3ـ كان أهل الجاهلية يعظمون الكعبة :
فقد ثبت في الصحيح من طريق عائشة رضي الله عنها أنه يوم تستر فيه الكعبة ، أي : يوضع عليها الستور والكسوة احتفاء بذلك اليوم .
وذكر الواقدي بإسناده عن أبي جعفر الباقر أن الأمر استمر على ذلك في زمانهم ، وقد تغير ذلك بعد فصارت تكسى في يوم النحر ، وصاروا يعمدون إليه في ذي القعدة فيعلقون كسوته إلى نحو نصفه ، ثم صاروا يقطعونها فيصير البيت كهيئة المحرم ، فإذا حل الناس يوم النحر كسوه الكسوة الجديدة .
4ـ هو اليوم الذي أنجى الله فيه نوحاً من الغرق :
فقد جاء في مسند أحمد من طريق أبي هريرة قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود قد صاموا يوم عاشوراء ، فقال : ما هذا من الصوم ؟ قالوا : هذا اليوم الذي نجى الله موسى وبني إسرائيل من الغرق وغرق فيه فرعون ، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح وموسى شكراً لله تعالى فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنا أحق بموسى وأحق بصوم هذا اليوم فأمر أصحابه بالصوم ، وفيه جهالة كما ذكره الهيثمي في المجمع .

وهنا تنبيه :

ينفي بعض المستشرقين صيام قريش لعاشوراء ، ويرون ذلك محاولة لإرجاع عقيدة عاشورءا اليهودية الأصل إلى الحنيفية ملة إبراهيم !! .
بينما يقال في ذلك :
ما كان موسى عليه السلام إلا حنيفياً على ملة إبراهيم عليه السلام ، وقد ثبت في السنة صيام قريش لعاشوراء وكسوتهم فيها الكعبة ويبعد أن يكون هذا مما أخذته قريش عن اليهود لأن قريشاً كانت تفعل ذلك في العاشر من محرم ، أي على الأصل ، بينما اليهود حرفت التاريخ الشهري إلى التقويم الشمسي فأصبح عاشوراء في ربيع الأول ، ولو كانت قريشاً أخذته عن اليهود لجعلته في نفس يومهم ، والله أعلم .

المسألة الرابعة :
 هل يستدل بصيام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء بجواز اتخاذ أيام تخصص للصيام لحدوث أحداث فيها ؟
لا يستدل بذلك لأمور :
1ـ لأن صيام عاشوراء توقفي عن النبي صلى الله عليه وسلم .
2ـ تخصيص أيام سيجعلها أعياداً وهذا منهي عنه في الشريعة .
3ـ يجاب عن عاشوراء وصيام يوم الاثنين الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه صيامه مأمور به في الشريعة وبأن هاتين المناسبتين حدث فيها نعم كثيرة وليس لأنهما عيد .

المسألة الخامسة :
 هل عاشوراء اسم إسلامي أم جاهلي ؟
قال الحافظ (6/280) : ” وزعم ابن دريد أنه اسم إسلامي وأنه لا يعرف في الجاهلية ، ورد ذلك عليه ابن دحية بأن ابن الأعرابي حكي أنه سمع في كلامهم خابوراء ” أ.هـ .
وخابوراء :اسم مكان ، ومراد ابن دريد أن (فاعولا)ليس من أوزان العرب في كلامها.

المسألة السادسة : 
معنى صيغة عاشوراء ” فاعولا ” :
قال القرطبي رحمه الله : عاشوراء : معدولٌ عن عاشرة للمبالغة والتعظيم ، وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد واليوم مضاف إليها ، فإن قيل يوم عاشوراء فكأنه قيل يوم الليلة العاشرة ، إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليه الاسمية فاستغنوا عن الموصوف فحذفوا الليلة فصار هذا اللفظ علماً على اليوم العاشر .

المسألة السابعة : 
وزن ” فاعولا “
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (6/280) : ” وذكر أبو منصور الجواليقي أنه لم يسمع فاعولاء إلا هذا ، وضاروراء ، وساروراء ، ودالولاء ، من الضار والسار والدال ” .
وعلى هذا فالصيغة تدل على قلة في استعمل العرب لها ،إلا على وجه التعظيم للشيء .

المسألة الثامنة : 
النبي صلى الله عليه وسلم صامه قبل الهجرة
ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم صامه في مكة قبل الهجرة ، فلما قدم المدينة وجد اليهود يصومونه .
ويفيد قوله ” ما هذا اليوم لذي تصومونه ؟ ” أنه لم يكن صيامه قبل الهجرة لأجل نجاة موسى عليه السلام من الغرق وإنما لأمر آخر الله أعلم به ، وهذا يؤيد أن صيام عاشوراء كان من بقايا دين إبراهيم عليه السلام .

المسألة التاسعة : 
متى كانت اليهود تصوم عاشوراء ؟
ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وجد اليهود يصومون ، ومعلوم أن قدومه كان في ربيع الأول ، فهذا يدل على أن اليهود حين اعتمدوا على التاريخ الشمسي وتركوا ميراث النبوة في التقويم الهلالي صار بهم الحال إلى أن تأخرت الأيام في حقهم حتى أصبح عاشوراء في ربيع الأول حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، ويؤيد ذلك ما جاء عند الطبراني : ” أنهم وكانوا يأتون فلانا اليهودي – يعني ليحسب لهم – فلما مات أتوا زيد ابن ثابت فسألوه ” قال الحافظ في الفتح (6/284) : وسنده حسن .
والمراد أن الحساب بالتقويم الشمسي لا يعرفه كل أحد لأنه يقتضي الحساب والكتابة ، وظاهر الرواية يفيد أن التقويم الشمسي من تحريف الأحبار ليستأثروا به ويكون بيدهم الأمر دون الناس ، وهذا من العلو في الأرض وابتغاء العلم لغير الله تعالى .

المسألة العاشرة : 
الرافضة وصيام عاشوراء
هناك فئتان ضالتان في صيام عاشوراء ، وهما :
1ـ الرافضة :
حيث يقيمون المآتم والحزن ويقومون بضرب الخدود وشق الجيوب وضرب أجسادهم ليخرج الدم ، وذلك حزناً على مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه ، بينما في حقيقة الأمر أن مقتله كان على يد شيعته الذين أغروه بالخروج وراسلوه ليأتي من المدينة إلى الكوفة وزوروا الأسماء والتواقيع ، فلما خرج ووصل إليهم خذلوه .
وفعلهم في هذا اليوم باطل لوجوه كثيرة ،منها :
– النهي عن ضرب الخدود وشق الجيوب .
– النهي عن الدعاء بالويل والثبور .
– الدم نجس ولا يتعبد لله بإخراجه .
– بشاعة المنظر الذي يدل على فقد الوعي الإنساني في الزمن الذي ارتقى فيه العلم .
– النهي عن البكاء عن الميت .
– ينافي الصبر والاحتساب .
– ليس لفعلهم أصل في السنة ولا الصحابة ولا التابعين ولا السلف الصالح .
2ـ جهلة السنة :
الذين يقيمون الاحتفالات ويوسعون على أهلهم ويظهرون الزينة والفرح ويروون الأحاديث المكذوبة الموضوعة مضادة للرافضة ، وكلا الطائفتين مخالفة للسنة النبوية .
وفعلهم باطل لوجوه :
– أن افتراء الأحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم كبيرة من كبائر الذنوب .
– بدعة الرافضة لا ترد ببدعة أخرى ، وإنما ترد بالحجة والبرهان ودعوتهم إلى السنة .
– فاتهم فضل الصيام في ذلك اليوم .
ومع ذلك فالبدع بعضها أعظم من بعض ، وبدعة الرافضة أعظم من بدعة هؤلاء . والذي ورد في السنة النبوية أن يصام عاشوراء لأنه اليوم الذي أنجى الله فيه موسى من الغرق ، وهذه الأمة أولى بالأنبياء لأنهم دعوا إلى توحيد الله .

المسألة الحادية عشرة : 
حكم صيام عاشوراء
اختلف العلماء في يوم عاشوراء , هل كان صومه واجبا , أو تطوعا ؟ على أقوال :
1ـ أنه كان واجبا ثم نسخ : وهذا قول أبي حنيفة , وروي عن أحمد .
2ـ أنه لم يكن واجباً : وقال به أصحاب الشافعي ، وإنما كان تطوعا واختاره القاضي أبو يعلى .
3ـ أنه مازال واجباً نقله القاضي عياض عن بعض السلف .
4ـ كراهة تقصده بالصيام ،نسبه ابن عبد البر لابن عمر رضي الله عنهما ويستدل له :
– بأن النسخ لم يكن للوجوب فحسب وإنما للاستحباب .
وقد انقرض القول ببقاء فرضيته ، كما انقرض القول بكراهة قصد صومه بدليل صيام النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن مات ، وبقي القولان الأول والثاني .
والراجح أنه كان واجباً ثم نسخ وجوبه لما فُرض رمضان ، ويدل لذلك ما يلي :
1ـ ما خرجاه في الصحيحين عن عائشة قالت ” كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه . فلما هاجر إلى المدينة صامه , وأمر بصيامه . فلما فرض شهر رمضان قال : من شاء صامه , ومن شاء تركه ” وفي صحيح البخاري عن ابن عمر قال ” صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه , فلما فرض رمضان تركه ومعلوم أن الذي ترك هو وجوب صومه لا استحبابه .
2ـ ما جاء في الصحيحين ” أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كان أكل بأن يمسك بقية يومه ” وهذا صريح في الوجوب , فإن صوم التطوع لا يتصور فيه إمساك بعد الفطر .

المسألة الثانية عشرة : 
متى تكون نية صيام عاشوراء ؟
اختلف أهل العلم في ذلك على قولين بناءً على مسألة أخرى ، وهي :
متى تكون نية النفل المعين ؟ على قولين :
1ـ قول الجمهور : أن نية النوافل المعينة لا بد أن تكون من الليل ليصدق على من صام اليوم كاملاً انه صام يوم عاشوراء وليس بعضه .
2ـ قول الحنفية : أن نية النفل عموماً معيناً كان أم مطلقاً يصح أن تكون من منتصف النهار قبل الزوال ، ورجحه ابن عثيمين رحمه الله .
وعلى هذا فلا بد من تبييت النية لصيام عاشوراء لأنه نفل معين لا يصدق على من نوى بعضه أنه صام يوم عاشوراء كاملاً .

المسألة الثالثة عشرة : 
صيام عاشوراء للمسافر .
المسافر لا يخلو من حالتين :
1ـ إن ترتب عليه مشقة : فالفطر أفضل ، وقد يجب الفطر في حال زيادة المشقة .
2ـ إن لم تترتب مشقة : فقيل أنه يصوم عاشوراء ، وهو الأولى ؛ لأن فضلها يفوت ، وعليه عمل الزهري رحمه الله كما أخرج البيهقي في الشعب من رواية ابن أخي الزهري قال : كان الزهري يصوم يوم عاشوراء في السفر ، فقيل له أنت تفطر في رمضان إذا كنت مسافراً ، فقال : إن الله تعالى قال في رمضان ( فعدة من أيام أخر ) وليس ذلك لعاشوراء .

المسألة الرابعة عشرة : 
هل يصوم عاشوراء من كان عليه قضاء ؟
اختلف العلماء فيمن كان عليه قضاءٌ من رمضان هل يصح له أن يصوم التطوع ، على أقوال في ذلك :
1ـ عدم الجواز : لأن القضاء مقدم لانشغال الذمة به .
2ـ الجواز مع الكراهة : لما يلزم من تأخير القضاء .
3ـ الجواز من غير كراهة : وهو الراجح لعدم الدليل المانع ، ولأن القضاء على التراخي وليس على الفور ، ولأن عائشة رضي الله عنها كانت تقضي رمضان في شعبان ، واللائق بحالها أنها لا تفرط في النوافل مطلقاً طوال عام كامل .
وعلى هذا يجوز لمن كان عليه قضاء من رمضان أن يصوم عاشوراء ، خاصةً أن عاشوراء تختلف عن الست من شوال لأن صيام الست يتعلق برمضان بخلاف عاشوراء لا يتعلق به شيء .
، وعلى هذا :

المسألة الخامسة عشرة : هل يجوز أن ينوي بصيام عاشوراء قضاء الأيام التي عليه من رمضان ؟
الصحيح في هذه المسألة : أنه يجوز أن ينوي بعاشوراء صيام القضاء الذي عليه ، ويكون قضاؤه صحيحاً لأن قضاء رمضان لا يشترط له يوم معين ، وإنما يتعلق بأدائه في أي يوم كان .

المسألة السادسة عشرة :
 أيهما أفضل لمن كان عليه قضاء من رمضان : أن يفرد نية عاشوراء للنافلة ثم يقضي ما فاته من رمضان بعد ذلك لأجل أن يحصل على أجر عاشوراء ، أم يجعلها قضاء عما فاته في رمضان ؟
اختلف العلماء في ذلك على اتجاهين :
الأول : أن الأفضل أن يفرد عاشوراء بالنية فلا يجمع معها نية قضاء رمضان أو غيره ، ثم يقضي بعد ذلك ، والتعليل في ذلك :
أن الفضل الوارد في عاشوراء مخصوص بمن يصوم عاشوراء نافلة فهو فضل معين لا يخلط معه غيره .
الثاني : أن الأفضل أن يصوم عاشوراء بنية القضاء فيكون اجتمع له فضل عاشوراء وفضل تبرئة الذمة عن القضاء ، والتعليل في ذلك :
أن تقديم القضاء أفضل من تقديم النافلة ، والأولى والله أعلم أن يفرد عاشوراء بالنية .

المسألة السابعة عشرة : 
مراتب صيام عاشوراء .
ذكر ابن القيم رحمه الله أن مراتب صيام عاشوراء كما يلي :
1ـ أن يصوم عاشوراء ويماً قبله ويوماً بعده ، وهي أفضل المراتب لأنها تجمع عبادات أكثر من غيرها .
2ـ أن يصوم عاشوراء ويوماً قبله أو بعده لحصول الصيام مع المخالفة .
3ـ أن يصوم عاشوراء لوحده ، لحصول الصيام .

المسألة الثامنة عشرة : 
هل تحصل مخالفة أهل الكتاب بصيام يوم قبله كل سنة أو تكفي مرة واحدة ؟
هذه المسألة تنبني على مسألة أصولية وهي :
هل الأمر يلزم منه التكرار أم لا ؟
والصحيح أن الأمر إذا لم تحتف به قرائن توجب التكرار فالأصل أنه لا يلزم منه التكرار ، وعلى هذا فيكفي لحصول مخالفة اليهود والنصارى أن يصوم يوماً قبله أو بعده مرة واحدة ، ولا شك بأن الأفضل أن يخالفهم كل سنة .

المسألة التاسعة عشرة : 
فضل صوم يوم عاشوراء
ثبت في الصحيح من طريق ابن عباس رضي الله عنهما قال: “ما رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء وهذا الشهر يعني شهر رمضان “.
وثبت في صحيح مسلم من طريق جابر بن سمرة رضى الله عنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا بصيام يوم عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده ” .
وثبت في صحيح مسلم من طريق أبي قتادة مرفوعاً قوله : ” وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التى قبله ” .

المسألة العشرون : 
من فاته صيام يوم عاشوراء ناسياً أو لعذر
الذي يظهر والله أعلم أنه لا يقضي هذا اليوم لأن الأجر متعلق بعاشوراء وقد فاته ، وكل ما عُلق على سبب فإنه يفوت بفوات سببه .

المسألة الحادية والعشرون : 
لو حصل خطأ في بداية دخول الشهر .
لا يخلو من حالتين :
1ـ من صام عاشوراء ويوماً قبله أوبعده ، فقد أصاب عاشوراء .
2ـ من صام عاشوراء لوحدها وتبين خطأ دخول الشهر : فلا شيء عليه والأحاديث العامة الدالة على سعة كرم الله وفضله تدل على أن الله يكتب له أجر عاشوراء لأن الصيام يوم يصوم الناس ، وهذه الأمة أمة مرحومة في حال اجتماعها ، والله أعلم .

المسألة الثانية والعشرون : 
صيام الأطفال ليوم عاشوراء .
ثبت في الصحيح من طريق الربيع بنت معوذ رضي الله عنها : قالت: أرسل النبي صلى الله عليه و سلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار :”من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم” . قالت فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار .
قال النووي (8/14) : ” وفي هذا الحديث تمرين الصبيان على الطاعات وتعويدهم العبادات ” .
قال ابن حجر (6/225) : ” وأبلغ من ذلك ما جاء في حديث رزينة بفتح الراء وكسر الزاي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر مرضعاته في عاشوراء ورضعاء فاطمة فيتفل في أفواههم ، ويأمر أمهاتهم أن لا يرضعن إلى الليل ” أخرجه ابن خزيمة وتوقف في صحته ، وإسناده لا بأس به ” .

المسألة الثالثة والعشرون : 
حكمة صيام يوم قبله أو بعده
سنة ، لأن الأصل وهو صيام عاشوراء سنة فيتبعه في الحكم ما كان تابعاً له ، وفعل السنن يرغب فيها خاصة إن كانت المسألة تتعلق بمخالفة اليهود والنصارى .

المسألة الرابعة والعشرون :
 أيهما أفضل يوم عاشوراء أم عرفة ؟
الأكثر من أهل العلم على أن عرفة أفضل لأمور :
1ـ لأنها تكفر سنتين إن تقبلها الله .
2ـ لأنها في عشر ذي الحجة وهي أفضل من عشر المحرم .
3ـ ولأن عرفة يختص بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم بينما عاشوراء لموسى عليه السلام ، ومحمد أفضل من جميع الأنبياء عليهم السلام أجمعين .
4ـ وقال بعضهم بان عرفة هي الحج الأكبر ، وهذا وإن كان مرجوحا إلا أن العلماء لم اتفقوا على عدم هذه الميزة لعاشوراء .

المسألة الخامسة والعشرون :
 ما حكم الحناء والكحل والاغتسال والمصافحة والطبخ وإظهار الفرح والسرور وإقامة الحفلات والتوسعة على الأهل في يوم عاشوراء ؟ وهل ورد في ذلك أثر صحيح ؟
لم يرد في ذلك أثر صحيح في السنن ولا المسانيد ولا غيرها ، ولهذا فكل ما يفعل في ذلك اليوم على وجه العبادة فبدعة ، ولعل من فَعَلَه من جهلة السنة كان يقصد مضادة الرافضة في حزنهم ومأتمهم فقابل البدعة ببدعة ، وليس هذا من سبيل أهل السنة .
وقال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (1/194) : ” وأعلى ما عندهم وغاية ما ورد : ما جاء عن إبراهيم بن محمد عن أبيه المتنشر : بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته ، قال سفيان بن عيينة : جربناه منذ ستين عاماً فوجدناه صحيحاً ، وإبراهيم بن محمد : كان من أهل الكوفة ، ولم يذكر ممن سمع هذا ولا عمن بلغه فلعل الذي قال هذا من أهل البدع الذين يبغضون علياً وأصحابه ويريدون أن يقابلوا الرافضة بالكذب .
وقال الإمام أحمد عن الأثر الوارد : لا أصل له ، وكفى بذلك بطلاناً له .

المسألة السادسة والعشرون : 
تكفير يوم عاشوراء للسيئات هل يشمل الكبائر ؟
ثبت في الصحيح أن صيام يوم عاشوراء يكفر سنة ، ولكن إطلاق هذا التكفير لا يوجب تكفير السيئات حتى الكبائر لأنها مخصوصة بأدلة أخرى ، فلا بد للكبائر من توبة ، وإذا كانت الصلاة وهي أعظم من صيام عاشوراء تكفر السيئات إذا اجتنبت الكبائر فعاشوراء أقل شأنا من الصلاة المفروضة التي ثبت فيها قوله صلى الله عليه وسلم:” الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر ” .

المسألة السابعة والعشرون :
 إشكال وجوابه .
الإشكال : ثبت في السنة أن الصلاة تكفر السيئات ، وأن صيام عرفة يكفر سنتين ، وأن صيام عاشوراء يكفر سنة ، وأن الجمعة إلى الجمعة يكفر ما بينهما .
فإذا كُفِّر عن الإنسان بصيام يوم عرفة والصلوات والجمعة ثم صام عاشوراء فماذا يكفر عنه وقد كفرت سيئاته بأعماله الأخرى ؟
الجواب :
قيل في ذلك جوابان :
الأول : أن الصيام إذا لم يكن عند الإنسان سيئات فإنه يرفع له به درجات .
الثاني : أن الصيام الذي يكفر السيئات هو الصيام المتقبل عند الله ، وكذلك الحال بالنسبة للصلاة فإنها لا تكفر السيئات إلا إن كانت مقبولة عند الله ، وقد ثبت في الصحيح أن الرجل ينصرف من صلاته ولم يكتب له إلا نصفها ، وينصرف الرجل من صلاته ولم يكتب له شيئ .
لأن الأعمال تتفاضل ليس بصورتها وكثرتها وإنما بما يقم في قلب صاحبها من الإخلاص لله والمتابعة وما فيه من أعمال قلبية يقوم عليها دينه .
فليس بالضرورة أن يكون العمل متقبلاً كله ، فقد يقبل بعضه ، وقد يقبل الأقل منه ، وقد يقبل الجزء اليسير فيكفر عما يقابله من السيئات ، فالصيام يكفر جزءً ، والصلاة جزءً ، وعرفة جزءً ، وعاشوراء جزءً ، فكيف إذا كان الإنسان مصراً على الذنوب ، كثير الغفلة ، يسهو في الفرائض ، وينتقص أركانها ، ويهمل سننها !! فيكف إذا اجتمع مع ذلك محبطات للأعمال !! .
وبهذا نعلم حاجة الإنسان إلى استغلال أوقات الفضائل وأن يكون عمله خالصاً صواباً ليتقبله الله ، فيؤدي ذلك العمل ثمرته من التكفير .

المسألة الثامنة والعشرون : 
لِم كان صيام عرفة يكفر سنتين بينما صيام عاشوراء يكفر سنة ؟
ذكر ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد (5/315) حكمتين :
الأولى:أن يوم عرفة في شهر حرام وقبله شهر حرام وبعده شهر حرام بخلاف عاشوراء.
الثانية: أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا بخلاف عاشوراء فمن شريعة موسى عليه السلام ، فضوعفت عرفة ببركات المصطفى صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم .
وقيل في ذلك أيضا :
أنه جاء في الحديث الصحيح مرفوعاً : ” عملت اليهود من الصبح إلى الظهر فأعطاهم الله عزّ وجل قيراطا، وعملت النصارى من الظهر إلى العصر فأعطاهم الله عزّ وجل قيراطا، وعملت أمة محمد صلى الله عليه وسلم من العصر إلى المغرب فأعطاهم الله قيراطين ” .
فدل ذلك على أن هذه الأمة تعطى ضعف أجر اليهود والنصارى ، وهذا محتمل ولا يُجزم به لأنه منخرم في أعمال كثيرة ليس لنا ضعف ما لهم فقد يزيد وقد ينقص ، وهذا فضل الله يؤتيه الله من يشاء .

المسألة التاسعة والعشرون : 
هل صام موسى عليه السلام يوم عاشوراء ؟
ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأل أهل الكتاب عن صوم يوم عاشوراء فقالوا : يوم نجى الله فيه موسى وقومه من الغرق فصامه موسى شكراً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نحن أحق بموسى منكم .
فإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم على هذه الجملة وعدم معارضتهم دليل على صدقهم فيها ، ويضاف لذلك ما كانت قريش تفعله بالكعبة من تعظيم وكسوة فدل على أن هذا يوم تعظيمه له أصل ، والله أعلم .

المسألة الثلاثون : هل فضل تكفير السيئات بصيام عاشوراء ينال من صام العاشر لوحده ؟ أم لا بد من حصول مخالفة اليهود والنصارى فيشترط يوماً قبله ؟
لا يشترط ذلك ، فالفضل يحصل لمن صام عاشوراء ، ومن خالف اليهود فصام يوماً قبله حصل على أجر المخالفة مع أجر الصيام ، وجمع فضلاً إلى فضل ، وذلك لأن الفضل معلق بيوم عاشوراء وهو اليوم العاشر .
المسألة الثلاثون : إذا وافق يوم عاشوراء يوم الجمعة فهل يفرد بالصيام ؟
إذا وافق يوم عاشوراء الجمعة فلا يخلو من حالتين :
الأولى : أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده : فلا حرج في ذلك ، ولا يدخل في النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصيام ، لأنه أضاف مع الجمعة يوماً آخر .
الثانية : أن يفرد الجمعة بالصيام : فلا حرج في ذلك ؛ لوجود السبب المقتضي لذلك وهو يوم عاشوراء ، فيكون مخصصاً للنهي الوارد عن إفراد يوم الجمعة بالصيام .

المسألة الحادية والثلاثون :
 إذا غم أول شهر محرم بغيم أو قتر فما يفعل المسلم ؟
لا يخلو المر من حالتين :
الأولى : أن يصوم ثلاثة أيام ، وهي : يوم عاشوراء ويوماً قبله ويوماً بعده ، فيكون مصيباً ليوم عاشوراء بإذن الله .
الثانية : أن تكمل عدة شهر ذي الحجة ثلاثون ، ثم يصام اليوم العاشر ، كما يفعل في حال وجود غيم أو قتر في دخول رمضان .

المسألة الثانية والثلاثون :
 إذا وافق يوم عاشوراء يوم السبت فما حكم الصيام ؟
اختلف العلماء في حكم يوم السبت على قولين :
الصحيح منهما الجواز ، لفعله صلى الله عليه وسلم ، وحديث الصمَّاء الوارد في النهي لا يصح وهو قوله : ” لاَ تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ، إِلاَّ فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلاَّ لحاء عنبٍ، أو عود شجرة، فليمضغها ” أنكره مالك وقال أبو داود بنسخه .
ولو ثبت الحديث لكان مخصوصاً بوجود السبب وهو عاشوراء فكيف والحديث غير صحيح ، فعلى هذا يصح صيام يوم عاشوراء إذا وافق يوم السبت ولا كراهة في هذا .

المسألة الثالثة والثلاثون :
 إذا وافق يوم عاشوراء يوم الاثنين أو الخميس فهل يقع عن صيام الاثنين أوالخميس وعاشوراء بنية واحدة ؟
هذه المسألة تنبني على مسألة أخرى ، وهي : تداخل العبادات ، والصحيح فيها هنا :
أنه يصح أن ينوي الإنسان عاشوراء وصيام الاثنين أو الخميس بنية واحدة ، وفضل الله واسع ، والله أكرم الأكرمين سبحانه وتعالى .

المسألة الرابعة والثلاثون :
 لماذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود عن صيام عاشوراء مع أن صيامه كان معروفاً في الجاهلية وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه
قيل في ذلك عدة أجوبة ، منها :
1ـ أن سؤاله لم يكن لأجل الاستفهام ، وإنما لأجل تأكيد أهميته وتعظيمه ، ولا يمتنع أن يخرج السؤال عن الاستفهام إلى أغراض أخرى .
2ـ أن سؤاله لأنهم أهل كتاب ، وكان في بداية الأمر يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه لما عندهم من إرث نبوة .
3ـ لأنه رأى التوافق بين المشركين وأهل الجاهلية وأهل الكتاب فأحب أن يسأل عن ذلك .
4ـ لأنه لاحظ أن اليهود تصوم في ربيع الأول حين مقدمه ، بينما عاشوراء حسب السائد عند الجاهلية كان في محرم فسأل عن صيامهم في ربيع الأول .

المسألة الخامسة والثلاثون: 
المراحل التي مر بها صيام يوم عاشوراء في الشريعة الإسلامية.
مر يوم عاشوراء بعدة مراحل ذكرها ابن رجب رحمه الله من خلال الأحاديث التي وردت ، وهي كالتالي :
1ـ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه في مكة ، وكانت قريش تصومه .
2ـ لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تصومه فأمر بصيامه وأرسل بالأمر بالصيام وأن يمسك الناس عن الأكل بقية اليوم .
3ـ لما فُرض صيام رمضان نسخ وجوب عاشوراء وبقي استحبابه .
4ـ في آخر عام عاشه النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه في العام القادم سيصوم التاسع مع العاشر مخالفة لليهود .

المسألة السادسة والثلاثون :
 لو صام يوم عاشوراء ويوماً قبله ويوماً بعده ونوى به صيام ثلاثة أيام من الشهر فهل يجزئ عنه ؟
الصحيح في ذلك أنه يجزئ كما مر في تداخل العبادة ، وفضل الله واسع ، نسأل الله الكريم من واسع فضله .

المسألة السابعة والثلاثون : 
الأحاديث التي لا تصح في يوم عاشوراء .
ورد كثير من الأحاديث لا تصح في هذا اليوم جمعتها من كلام أهل العلم فرحمهم الله رحمةً واسعة ، ومن ذلك :
1ـ حديث : ” إن الله خلق السماوات والأرض يوم عاشوراء ” . موضوع
2ـ حديث : ” من اكتحل يوم عاشوراء بالإثمد لم ترمد عينه أبداً ” رواه الحاكم وقال: إنه منكر وأورده ابن الجوزي في الموضوعات .
3ـ حديث : “من صام يوم عاشوراء كتب الله له عبادة ستين سنة ” باطل ويرويه حبيب بن أبي حبيب قال الهيثمي : متروك كذاب .
4ـ حديث : ” من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه في سنته كلها ” تفرد به الهيثم بن شداخ وهو ضعيف باتفاق أهل العلم ، وقال أحمد : لا أصل له ، وقال ابن رجب : لا يصح إسناده وأورده ابن الجوزي في الموضوع .
5ـ حديث : ” إن آدم تاب الله عليه يوم عاشوراء ، ونوحاً نجاه الله يوم عاشوراء وإبراهيم نجاه الله من النار يوم عاشوراء ويونس أخرجه الله من بطن الحوت يوم عاشوراء ويعقوب اجتمع بيوسف يوم عاشوراء والتوراة نزلت يوم عاشوراء ” .
وما أشبه ذلك من الأخلاط فكله كذب ولا أصل له ، ولم يصح إلا نجاة موسى وقومه من الغرق .
6ـ حديث : ” أن أعرابيًّا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء، فقال: يوم عاشوراء يكفر العام الذي قبله والذي بعده، ويوم عرفة يكفر العام الذي قبله “.
رواه أبويعلى الموصلِى بسند ضعيف لجهالة التابعي، ومع ضعفه مخالف لما رواه مسلم في صحيحه ، وهذا مما انقلب على الراوي .
7ـ أحاديث صلاة عاشوراء كلها لا تصح ، ومنها :
– حديث أبي هريرة : ” من صلى يوم عاشوراء ما بين الظهر والعصر أربعين ركعة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي عشر مرات وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة والمعوذتين خمس مرات فإذا سلم استغفر سبعين مرة أعطاه الله في الفردوس قبة بيضاء فيها بيت من زمردة خضراء سعة ذلك البيت مثل الدنيا ثلاث مرات وفي ذلك البيت سرير من نور قوائم السرير من العنبر الأشهب على ذلك السرير ألف فراش من الزعفران ” .
– أخرجه ابن الجوزي بسنده وقال : ذكر حديثا طويلاً من هذا الجنس وهو موضوع ورواته مجاهيل . أ.هـ
– حديث : ” صلاة ليلة عاشوراء مائة ركعة في كل ركعة يقرأ بعد الفاتحة سورة الإخلاص ثلاث مرات ” .
– وحديث : ” صلاة وقت السحر من ليلة عاشوراء وهي أربع ركعات في كل ركعة بعد الفاتحة يقرأ آية الكرسي ثلاث مرات وسورة الإخلاص إحدى عشر مرة وبعد الفراغ يقرأ سورة الإخلاص مائة مرة ” .
– وحديث : ” صلاة يوم عاشوراء عند الإشراق يصلي ركعتين في الأولى بعد الفاتحة آية الكرسي وفي الثانية (لو أنزلنا هذا القرآن) إلى آخر سورة الحشر ويقول بعد السلام يا أول الأولين ويا آخر الآخرين لا إله إلا أنت خلقت أول ما خلقت في هذا اليوم وتخلق آخر ما تخلق في هذا اليوم أعطني فيه خير ما أوليت فيه أنبيائك وأصفيائك من ثواب البلايا وأسهم لنا ما أعطيتهم فيه من الكرامة بحق محمد عليه الصلاة والسلام ” .
– وحديث :” صلاة يوم عاشوراء ست ركعات في الأولى بعد الفاتحة سورة الشمس وفي الثانية إنا أنزلناه وفي الثالثة إذا زلزلت وفي الرابعة سورة الإخلاص وفي الخامسة سورة الفلق وفي السادسة سورة الناس ويسجد بعد السلام ويقرأ فيها قل يا أيها الكافرون سبع مرات ويسأل الله حاجته ” .
وكل حديث ورد في فضل تخصيص صلاة ليوم عاشوراء فموضوع .
8ـ حديث : ” من صام يوم عاشوراء أعطى ثواب عشرة آلاف ملك ومن صام يوم عاشوراء أعطى ثواب عشرة آلاف شهيد ومن صام يوم عاشوراء كتب الله له أجر سبع سماوات ومن أفطر عنده مؤمن في يوم عاشوراء فكأنما أطعم جميع فقراء أمة محمد وأشبع بطونهم ومن مسح على رأس يتيم رفعت له بكل شعرة على رأسه درجة في الجنة فقال عمر يا رسول الله لقد فضل الله يوم عاشوراء قال نعم خلق الله السماوات يوم عاشوراء والأرض كمثله وخلق القلم يوم عاشوراء واللوح مثله وخلق جبريل يوم عاشوراء وملائكته يوم عاشوراء وخلق آدم يوم عاشوراء وغفر ذنب داود يوم عاشوراء …الخ ” موضوع .
9ـ حديث : ” ومن أشبع أهل بيت مساكين يوم عاشوراء مر على الصراط كالبرق الخاطف ومن تصدق بصدقة فكأنما لم يرد سائلا قط ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض إلا مرض الموت ” موضوع .
10 ـ حديث :” من صام يوم عاشوراء أعطى ثواب عشرة آلاف ملك ” . موضوع.
11ـ حديث : ” إن الصرد أول طير صام عاشوراء ” . رواه الخطيب عن أبي غليط مرفوعا ولا يعرف في الصحابة من له هذا الاسم وفي إسناده عبد الله بن معاوية منكر الحديث ، كما قاله الشوكاني رحمه الله .
12ـ حديث : ” ما من عبد يبكي يوم قتل الحسين يعني يوم عاشوراء إلا كان يوم القيامة مع أولي العزم من الرسل ” . موضوع .
– وكذا ما روى من أن البكاء يوم عاشوراء نور تام يوم القيامة ” موضوع وضعته الرافضة .
13ـ كل حديث ورد في فضل زيارة القبور يوم عاشوراء فلا أصل له .
14ـ حديث : ” لئن بقيت لأمرن بصيام يوم قبله أو يوم بعده ” قال الألباني رحمه الله : منكر بهذه الزيادة .
15ـ حديث : ” صمتم يومكم هذا ؟ قالوا : لا قال : فأتموا بقية يومكم واقضوه . يعني : يوم عاشوراء ” قال الألباني : منكر بهذه الزيادة .

المسألة الثامنة والثلاثون :
 البدع المحدثة في عاشوراء .
كل ما خلف السنة فبدعة ، وفي يوم عاشوراء تفعل البعض بدعاً منها :
1ـ تحصيص قراءة قصة موسى وفرعون في صلاة الفجر .
2ـ التوسعة على الأهل في ذلك اليوم .
3ـ النياحة وشق الجيوب ولطم الخدود والدعاء بدعوى الجاهلية .
4ـ لبس السواد في عاشوراء ، ومثله تخصيص أي لباس خاص بعاشوراء .
5ـ إحياء ليلتها بقيام مخصوص لأجلها .
6ـ تخصيص يومها بأذكار وأوراد مخصوصة .
7ـ المراشة وهي : أن تجتمع مجموعة من النساء في بيت من البيوت ثم يأتين بكمية من الماء ثم ترش كل واحدة منهن الأخرى باعتقاد معين .
8ـ تخصيصه بعبادة معينة كزيارة المرضى أو الصدقة لأجل هذا اليوم .

المسألة التاسعة والثلاثون : 
ما حكم من فاته صيام عاشوراء ؟
من فاته صيام يوم عاشوراء فقد فاته فضلٌ كبير ، ولا إثم عليه في ترك الصيام ولو كان متعمداً لأن صيامه من باب التطوع ، والتطوع غير واجب .

المسألة الأربعون : 
هل يشرع قضاء عاشوراء لمن فاته الصيام ؟
لا يشرع قضاء عاشوراء لعدم ثبوت ذلك ، ولأن الفضل معلق باليوم العاشر فمن فاته فلا يقضي ، وعلى الإنسان أن يكثر من النوافل بعد ذلك .

المسألة الحادية والأربعون :
 هل يجوز قطع الصيام في يوم عاشوراء ؟
صيام التطوعات عموماً لا حرج في قطعها لأن المتطوع أمير نفسه فإن شاء صام وإن شاء ترك ، فإن كان قطعه بعذر فالمؤمل بإذن الله أن الله يكتب له الأجر استدلالاً بعمومات الأحاديث التي تدل على أن الله يكتب الأجر لمن سافر أو مرض .

المسألة الثانية والأربعون :
 من جامع زوجته وهو صائم عاشوراء هل عليه صيام شهرين متتابعين ؟
صيام عاشوراء من باب التطوعات ، وباب التطوعات لا يلزم من جامع زوجته أن يصوم الكفارة المغلظة ، لأن الصيام في حقه غير واجب ، وعلى هذا فليس فمن جامع زوجته وهو صائم عاشوراء فإنه يكون مفطراً وينقطع صومه بذلك ، وليس عليه كفارة .

المسألة الثالثة والأربعون : 
المفطرات في صيام عاشوراء
المفطرات فيه كالمفطرات في صيام رمضان وهي :
الأكل والشرب والجماع بالاتفاق ، وهناك ماهو مختلف فيه كالحجامة والقيء وغيرها.
وعلى هذا لا تفطر الإبر غير المغذية كإبرة ” الأنسولين ” وغيرها مما لا يعتبر مغذياً .

المسألة الرابعة والأربعون : 
هل يثبت لعاشوراء من المستحبات ما يثبت لرمضان ؟
الأصل أن ما ثبت من السنن في رمضان :
كالسحور والإفطار على الرطب وتعجيل الفطر وتأخير السحور والسواك وغير ذلك أنه يثبت لجميع أنواع الصيام في العام كالست من شوال وعرفة وعاشوراء وغيرها ، ولا يود دليل على تخصيص ذلك برمضان لوحده ، وعلى هذا فما يستحب في رمضان يستحب في عاشوراء ، والله أعلم .

المسألة الخامسة والأربعون : 
هل يجمع بين نية صيام كفارة اليمين ونية صيام عاشوراء لمن لم يكن قادراً على الإطعام ؟
اختلف أهل العلم في ذلك بناء على اختلافهم في التداخل بين السنة والواجب ، فصيام عاشوراء نافلة وصيام الكفارة واجب ، على قولين :
1ـ يجمع بينهما : لأنه يصدق على من صام الكفارة في يوم عاشوراء أنه صائم عاشوراء ، وقد علق الفضل على صيام ذلك اليوم ، وقد حصل .
2ـ لا يجمع بينهما : لأن الواجب لا يتداخل مع السنة ، فلا بد من إفراد الواجب بنية مستقلة عن النافلة .
والراجح والله أعلم أنه : لا يجمع بين نية صيام النافلة والصيام الواجب ، فإن صام بنية الكفارة فاته نصيبه من فضل صيام عاشوراء ، والمسألة محتملة والله أعلم .

المسألة السادسة والأربعون :
 المرأة الحائض هل يشرع لها قضاء عاشوراء ؟
قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما ملخصه :
أن النوافل على نوعين ، منها :
– لها سبب : فهذه تفوت بفوات سببها ، وذلك مثل يوم عرفة وعاشوراء ، فلا يشرع قضاؤها . أ. هـ .
ولعل الله أن يأجرها بنيتها على إرادة الصيام ، وعلى هذا فلا يشرع لها القضاء .

المسألة السابعة والأربعون: 
أيهما أفضل أن يصوم التاسع أو الحادي عشر مع عاشوراء ؟
الأفضل أن يصوم التاسع لأنه الذي ثبت في صحيح مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم : ” لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ” .
بينما صيام الحادي عشر ورد في المسند في قوله ” يوماً قبله أو يوماً بعده ” وقد اختلف أهل العلم في تصحيح هذا الحديث وتضعيفه .
وما ورد في صحيح مسلم أولى بالأخذ ، ومن فاته التاسع فيصوم الحادي عشر .

المسألة الثامنة والأربعون: 
مالحكمة في صيام تاسوعاء مع عاشوراء ؟
قيل في ذلك جملة من الحِكم ، منها :
1ـ أن المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر .
2ـ أن المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم كما نهى أن يصوما يوم الجمعة وحده .
3ـ الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع غلط فيكون التاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر .
والصحيح من الحِكم ما ورد به الدليل وهو مخالفة اليهود والنصارى ، والباقي ليس عليه دليل ، وأضعفها القول بالاحتياط لأن الشريعة لا تأتي بذلك ، فقد نُهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين .

المسألة التاسعة والأربعون : 
كيفية صيام اليهود وأهل الجاهلية لعاشوراء ؟
لم يرد في بيان ذلك شيء في السنة ولا في السيرة ، إلا أن الذي يظهر أنهم يمسكون عن الأكل والشرب ، وقد يختلفون في فترة الصيام ، ويدل لذلك :
أن أهل الجاهلية يصومون عاشوراء فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى قرى الأنصار يأمرهم بالصيام مما يدل على أن معنى الصيام كان معروفاً عندهم .
وقال جواد علي العراقي في كتابه المفصل في تاريخ العرب 9/250: ” ويقصدون بصوم اليهود يوم عاشوراء، ما يقال له “يوم الكفارة”، وهو يوم صوم وانقطاع، ويقع قبل عيد المظال بخمسة أيام، أي في يوم “10 تشرى” وهو يوم “الكبور” Kipor. ويكون الصوم فيه من غروب الشمس إلى غروبها في اليوم التالي، وله حرمة كحرمة السبت، وفيه يدخل الكاهن الأعظم قدس الأقداس لأداء الفروض الدينية المفروضة في ذلك اليوم ” .
ويسمى كذلك في العبرية ” Ashura عشورا ” .
ولعل تسميتهم له بـ” الكبور” مأخوذة من الكبير ” أي اليوم الكبير ، والله أعلم .

المسألة الخمسون : 
هل اليهود الآن يصومون عاشوراء ؟
شيء بدهي أنهم يقيمون الأعياد فيه ، فإذا كانوا يتخذونه عيدا زمن النبي صلى الله عليه وسلم فمن المؤكد أن أعيادهم زادت على ما كانوا عليه لأن أحبارهم يتولون تحريف دينهم ، وكلما هلك حبر خلف حبر في التحريف بعده .
وقد راسلت بعض المختصين في علم العقيدة ، والمهتمين بالفرق والأديان ولم أجد الجواب الشافي ، وهذه وإن لم تكن فائدة بحد ذاتها لكن لعلها تجلب لنا فائدة من غيرنا

المسائل التربوية


هذه ثلاثون مسألة تربوية جمعتها من الأحاديث الواردة في هذا اليوم العظيم ، وهي كالتالي :

المسألة الأولى :
يوم عاشوراء حدث تأريخي في حياة البشرية، ونقطة تحول في حرب الإيمان مع الكفر، ولذلك كانت حتى الأمة الجاهلية تصومه، كما قالت عائشة رضي الله عنها: “أن قريشاً كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية” متفق عليه .
بل حتى الأمة الكتابية كانت تصوم هذا اليوم، وتتخذه عيداً كما ثبت في الصحيحين.

المسألة الثانية :

يوم عاشوراء ربطٌ بين أهل الإيمان بعضهم البعض ولو اختلفت الأنساب واللغات بل والأزمنة، فأصله ارتبط بموسى ومن معه من المؤمنين ، وقيل قبل ذلك ، ثم امتد لكل من شاركهم في الإيمان ، وهذا يعزز رابطة الأخوة الإيمانية وقوة العقيدة .

المسألة الثالثة :

يربي في قلوب المؤمنين المحبة بينهم ووحدة الهم، فبصيامه يتذكر الإنسان ذلك الحدث التأريخي الذي مر على إخوانه في الدين مع موسى _عليه السلام_ من محاربة لهم وإيذاء على أيدي أهل الكفر.

المسألة الرابعة :

يوم عاشوراء يدل على أن الأنبياء بعضهم أولى ببعض كما في رواية “أنا أولى بموسى منكم”.وهذه الولاية لاتحادهم في الدين والرسالة.

المسألة الخامسة :

صيام يوم عاشوراء يدل أن هذه الأمة أولى بأنبياء الأمم السابقة من قومهم الذين كذبوهم، ويدل لذلك رواية الصحيحين “أنتم أحق بموسى منهم”.
وهذا من مميزات الأمة المحمدية عند الله، ولذلك يكونون شهداء على تبليغ الأنبياء دينهم يوم القيامة.

المسألة السادسة :

يوم عاشوراء يربي المسلم على أخوة الدين فقط، ولذلك قال _صلى الله عليه وسلم_: “أنتم أحق بموسى منهم” وما ذلك إلا لرابطة الدين التي بيننا، و إلا فإن أهل الكتاب أقرب لموسى عليه السلام من حيث النسب.

المسألة السابعة :

يوم عاشوراء تذكير لأهل الأرض عامة بنصرة الله لأوليائه، وهذا يجدد في النفس كل سنة البحث عن هذه النصرة وأسبابها ، ومن أسبابها :
نصرة دين الله ، وإقامة تعاليم الإسلام في النفس ، وتطبيق شرع الله في الأرض .

المسألة الثامنة :

يوم عاشوراء تذكير لأهل الأرض عامة بهزيمة الله لأعدائه، وهذا يجدد في النفس الأمل ويبعث التفاؤل ، فكل عدو مهما بلغت قوته فالله أقوى وأعز وأجل ، فيحاربه المؤمن بالعقيدة الثابتة ، واليقين الراسخ ، والإرادة القوية ، فمثل هذا من يستطيع هزيمته ؟! .

المسألة التاسعة :

يوم عاشوراء دليل على تنوع النصر بالنسبة للمسلمين، فقد لا يكون النصر على الأعداء بهزيمتهم والغنيمة منهم، بل أحياناً يكون النصر عليهم بهلاكهم وكفاية المسلمين شرهم كما حدث مع موسى عليه السلام، وكما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم في الخندق ، وغيرها من المواقف التي مرت في تاريخ الأمة .

المسألة العاشرة :

يوم عاشوراء تأكيد على وجوب مخالفة هدي المشركين حتى في العبادة، ويدل لهذه المخالفة ما يلي:
أ ـ لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: “إن اليهود والنصارى اتخذوه عيداً، قال: صوموه أنتم”.
ب ـ أمر النبي صلى الله عليه وسلم “أن يصام يوم قبله أو يوم بعده” رواه أحمد في المسند وفيه مقال.
فتتربى فيه الأمة على الشخصية الخاصة التي تليق بها ، تستمدها من قرآنها وسنة نبيها ، وتقاليدها الخاصة بها ، ولهذا لا تجد الشخصية المسلمة سريعة الذوبان في غيرها من القيم التي تعاصرها ، ولا تتنازل عن شيء مما يخصها ، وهذا سر بقائها .

المسألة الحادية عشرة :

من تأمل الأحاديث في يوم عاشوراء تبين له أن أصل مخالفة المسلمين للمشركين أمر متقرر عند الصحابة، ويدل لذلك أنهم لما علموا صيام أهل الكتاب مع صيامهم مباشرة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: “إن اليهود والنصارى يصومون هذا اليوم” فكأنهم قالوا: أنت يا رسول الله علمتنا مخالفة اليهود والنصارى، وهم الآن يصومون، فكيف نخالفهم؟.
وهذا ما تحتاج الأمة اليوم إلى التأكيد عليه ، مراجعة الكثير من قضايا التقليد التي دخلت عليها وأفسدت معيشتها ، فجعلتها في حيرة بين اتباعها لماضيها أو تطورها في حاضرها ، بينما هي في حقيقة الأمر تأخرت حين نظرت إلى ماضيها نظرة الريبة .

المسألة الثانية عشرة :

يوم عاشوراء دليل على أن اتخاذ المناسبات أعياداً عادة لليهود خاصة منذ القديم، ولذلك اتخذوا يوم عاشوراء عيداً كما في حديث أبي موسى _رضي الله عنه_ قال: “كان أهل خيبر يصومون عاشوراء ويتخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم” رواه مسلم .
وأما هذه الأمة فجعل الله لها عيدين لا ثالث لهما ، ولهذا تكون كل صور الأعياد التي دخلت على الأمة اليوم هي من واقع التشبه بالغير .

المسألة الثالثة عشرة :

يوم عاشوراء دليل على التناقض في حياة اليهود والنصارى، حيث كانوا يحرصون على صيام عاشوراء وهو ليس بواجب حتى في ملتهم، وإنما إقتداء بموسى عليه السلام وتركوا مع ذلك أهم المهمات فيما يتعلق بأصل الدين وعبادة الله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذا ديدن الأمة التي تضيع أصولها وتتمسك بالفرعيات تعيش حالات تناقض عام حتى في أخص خصائصها الدينية .

المسألة الرابعة عشرة :

يوم عاشوراء دليل على أن الواجبات في الشريعة لا يعدلها شيء من حيث الفضل والمنزلة، ولذلك لما شرع الله لهذه الأمة صيام رمضان جعل الأمر في يوم عاشوراء اختيارياً، ولذلك قال _صلى الله عليه وسلم_ في الحديث القدسي “وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه” متفق عليه.

المسألة الخامسة عشرة :

يوم عاشوراء دليل على أن النوافل بعضها فوق بعض، وبيان ذلك:
أن من صام عرفة كفر عنه سنة قبله وسنة بعده ، ومن صام يوم عاشوراء كفر عنه سنة قبله ، فالمؤمن يسعى للأفضل والأكمل.
وهذا يفتح باب التنافس بين المؤمنين في باب ليس له حد هو باب النوافل ، وهذا من فضل الله يفتح الله على قلب من يشاء من عباده ، ويوفق من يشاء للقيام بطاعته

المسألة السادسة عشرة :

صيام يوم عاشوراء دليل على يسر الشريعة، ولذلك قال _صلى الله عليه وسلم_: ” فمن شاء أن يصومه فليصمه، ومن شاء أن يترك فليتركه ” متفق عليه.

المسألة السابعة عشرة :

صيام يوم عاشوراء دليل على عظم كرم الله _سبحانه_، وأنه يعطي الجزاء الأوفى على العمل القليل فتكفير سنة كاملة بصيام يوم واحد.

المسألة الثامنة عشرة :

صيام يوم عاشوراء دليل على إثبات النسخ في شريعة هذه الأمة المحمدية قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأنه كان واجباً ثم نسخ إلى الاستحباب.
وفقه النسخ يمكن للداعية أن يستفيد منه في باب التدرج بالمدعوين وأن يتعلم فنون ذلك ، وكيف أن الشريعة كانت تفرض أمراً تكون الأنفس البشرية في حالة تأهب له ، ثم تغيره لأن النفوس لم تعد مريدة له ، إما لأن الأنفس البشرية زاد وارتقت وارتفعت عن وضعها الأول أو لأن المصلحة من وراء ذلك الأمر لم تعد تحقق ما تحققه المصلحة في حالها الأول .

المسألة التاسعة عشرة :

إثبات النسخ في صيام يوم عاشوراء أو غيره من الأحكام دليل على حكمة الله سبحانه وتعالى، وأنه سبحانه يمحو ما يشاء ويثبت، ويخلق ما يشاء ويختار.
وفاز بذلك أهل السنة والجماعة الذين يثبتون الحكمة لله ، وأن الله حكيم عليم يفعل ما يشاء لحكمة يعلمها سبحانه وهو العليم الحكيم .

المسألة العشرون :

صيام يوم عاشوراء دليل على أن الشكر يكون بالفعل كما هو بالقول حتى عند الأمم السابقة، فقد صامه موسى عليه السلام شكراً لربه سبحانه، وهذا منهج الأنبياء كما فعل داود عليه السلام وختاماً بالنبي صلى الله عليه وسلم في صلاته بالليل، فلما سئل عنها قال: أفلا أكون عبداً شكوراً ” متفق عليه.
فينبغي أن يكون شكرنا لله بالقول والعمل بالطاعة لله سبحانه وتعالى .

المسألة الحادية والعشرون :

من تأمل الأحاديث تبين له أنه لا ينكر على من تركه، فقد كان ابن عمر _رضي الله عنهما يترك صيامه إلا إن وافق عادته في الصيام” رواه البخاري.
ومع ذلك لم ينكر عليه بقية الصحابة _رضي الله عنهم_.

المسألة الثانية والعشرون :

صيام يوم عاشوراء تربية للناس على فتح باب المسابقة والتنافس في الخيرات، فقد دل النبي صلى الله عليه وسلم على فضل عاشوراء ثم ترك الأمر راجع إلى اختيار الشخص حتى يتبين المسابق للخيرات مع غيره.

المسألة الثالثة والعشرون :

صيام يوم عاشوراء تربية للناس على اختلاف الأفعال مع عدم إنكارهم على بعضهم البعض ما دام أن الأمر فيه مندوحة في الاختلاف، ولذلك كان بعض الصحابة يصومه والبعض لا يصومه، ولم ينقل تخطئة بعضهم البعض أو اتهام بنقص الإيمان أو غيره.
وهذا يجعلنا نجدد في أنفسنا فقه الاختلاف مع الغير ، ويعلمنا كيف نتعاون مع بعضنا البعض مع اختلاف في وجه النظر القابلة للاجتهاد ، وبه نعرف أن من خالف في الاجتهاد لا يعود ذلك على منزلته التي يستحقها شرعا بالإحباط والإبطال ، وفي كثير من الأحاديث كان الصحابة يقولون : ولم يعب الصائم منا على المفطر ، ولا المفطر على الصائم ، وقالوا : ولم يعب الملبي على المكبر و المكبر على الملبي .
ومن تأمل كثيراً من تنازع أفراد الأمة وجده يعود إلى أشياء لم تجعل لها الشريعة ميزانا في الاختلاف ، أو أن الأمر فيها واسع شرعاً .

المسألة الرابعة والعشرون :

صيام يوم عاشوراء فيه سرعة الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في الأوامر، فقد جاء في الصحيحين من حديث سلمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً ينادي في الناس يوم عاشوراء أن من أكل فليتم أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل”.
فاستجاب الناس لذلك ولم يستفصلوا أو يناقشوا وبادروا للعمل، وعلى هذا يجب أن يكون سلوك المسلم في تطبيقه أوامر الله.
وما أحوجنا اليوم إلى محاسبة أنفسنا في عمل القلب الهام وهو : الاستجابة لله ولرسوله ، ونحن في زمن كثر الكلام على الإقناع والجدال وتأصيل الحوار ، إلا أن هذا لا يمنع المسلم أبداً من سرعة الاستجابة لأمر الله ، وقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم في هذا الباب أمثلة عليا ، ومن ذلك :
حادثة تحويل القبلة ، وحداثة تحريم الخمر ، وحادثة فرض الحجاب ، ولئن كانت الأولى حادثة دينية إلا أن الخمر والحجاب حادثة اجتماعية ، ومع ذلك لم يتردد الصحابة الكرام في سرعة الاستجابة .
وكان السؤال الذي يفرضه الصحابة بينهم هو : هل ورد الأمر به أم لا ؟
بينما عند البعض اليوم يكون السؤال : لماذا ورد الأمر به ؟

المسألة الخامسة والعشرون :

كان الصحابة رضي الله عنهم يربون صبيانهم على صيامه كما في حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: “فكنا نصومه ونصوم صبياننا” متفق عليه.
وبهذا نعلم أهمية تربية النشء على التعاليم الدينية حتى يعتادها ، وما أن يبلغ الطفل إلا وقد تربى على الصيام فيضرب في حال بلوغه أروع الأمثلة في الرسوخ في هذا الباب .

المسألة السادسة والعشرون :

في تعويد الصحابة رضي الله عنهم صبيانهم على صيام يوم عاشوراء دليل على أنه ينبغي إظهار بعض شعائر الدين في المجتمع حتى عند غير المكلفين حتى يتربى لديهم الانتماء لهذا الدين وأهله .

المسألة السابعة والعشرون :

التربية الجادة على التحمل والصبر، ولذلك كان الصحابة _رضي الله عنهم_ يعودون صبيانهم على الصيام حتى قالت الربيع بنت معوذ _رضي الله عنها_: “فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه اللعبة من العهن” متفق عليه.
وليس من الغرابة أن نقول بأنهم غير مكلفين ولا مأمورين بالأوامر الشريعة ، لأن تعويدهم هنا لم يكن مقصوداً لذاته وإنما لترسيخ مفهوم الصبر حتى عند الوالدين ما دام الأمر يتعلق بالدين ، فليس من الهين على قلب الوالد أن يرى ابنه يتضور جوعاً ويبكي ثم يسكت ، بل انتقل الحال إلى أن الأب نفسه يمارس على ابنه عملية التصبر ، مما يجعل مفهوم الصبر راسخا عند الابن الصغير ، وعند الأب في عاطفته .

المسألة الثامنة والعشرون :

يوم عاشوراء دليل علة قبول خبر أهل الكتاب ما لم ينفه شرعنا، ويدل لذلك أن يوم عاشوراء يوم أنجى الله فيه موسى من الغرق إنما هو خبر أهل الكتاب، ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أوحي إليه يصدقهم، وفي ذلك من العدل حتى مع الأعداء ما لا يخفى.

المسألة التاسعة والعشرون :

نحن أحق بموسى عليه السلام من أهل الكتاب الذين كذبوه من عدة أوجه:
1 ـ أننا صدقنا به وآمنا به ولو لم نره، بخلاف من كذبه من قومه.
2ـ أنه دعا لتوحيد الله كما دعا إليه نبينا، بل لا يختلف عنه شيئاً من هذه الجهة.
3ـ أننا نشهد أنه بلغ دين الله وأدى حق الرسالة.
4ـ أننا لا نؤذيه عليه السلام بسب أو قدح، بخلاف من قال موسى آدر “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا” (الأحزاب: من الآية69).
5ـ أننا نشهد أنه لو كان حياً زمن النبي صلى الله عليه وسلم لما وسعه إلا إتباع النبي صلى الله عليه وسلم .
6 ـ أننا نؤمن بما جاء به عليه السلام في باب العقيدة ولو لم نقرؤه أو نطلع عليه.
7ـ أن نشهد أن كل من كان من أمته ولم يتبع النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى عليه السلام منه براء.
8ـ أن الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، والذي جاء به موسى عليه السلام يخرج من مشكاة واحدة كما قال النجاشي ” متفق عليه.

المسألة الثلاثون :

من تأمل فرض صوم عاشوراء ثم نسخه عرف أن الشريعة الإسلامية تقرر البدائل حتى في فرائضها ، فتأمر بشيء فإذا نسخته أوجدت بديلاً عنه ، وهذا مصداق قوله تعالى { ما ننسخ من آية أو أختها نأت بخير منها أو مثلها } .
وما أحوجنا اليوم إلى تعلم علم البدائل في حياتنا اليومية ، خاصة وأن أزمة كثير من الأمور ليست بأيدي الأمة المسلمة ، ولهذا يفرض عليها في كثير من الأحيان ما لا ترضاه ، أو ما يخالف دينها ، وأما ما يخالف عادتها فأكثر من أن يذكر .

هذه بعض الفوائد والوقفات أسأل الله أن ينفعنا بها، وأن يتولانا بحفظه، وأن ينصر دينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن يجعلها في ميزان حسناتي وحسنات والدي يرحمه الله وأن ينفع بها .

(المصدر: صيد الفوائد)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى