تقارير وإضاءات

تقرير | إسرائيل تستهدف رموز واستحكامات صلاح الدين في القدس

تقرير | إسرائيل تستهدف رموز واستحكامات صلاح الدين في القدس

 

إعداد عبد الرؤوف أرناؤوط

 

بعد فتحه للقدس عام 1187 ميلادية، كان باب الرحمة أحد 4 أبواب في البلدة القديمة من المدينة أغلقها صلاح الدين الأيوبي كإجراء أمني احترازي، خشية إقدام الصليبيين على إحداث اضطرابات في المدينة من خلالها.

ويؤدي باب الرحمة إلى المسجد الأقصى من ناحيته الشرقية، أما الأبواب المنفرد والمزدوج والثلاثي فتؤدي إليه من ناحيته الجنوبية.

وما زالت هذه الأبواب مغلقة حتى اليوم، وإن كانت مخاوف صلاح الدين تركزت آنذاك على احتمال وقوع اضطرابات محتملة من قبل الصليبيين، فإن مخاوف الفلسطينيين تتعاظم الآن من محاولة إسرائيل إيجاد موطئ قدم لها في الأقصى من خلال باب الرحمة، بعد أن أخفقت في تحقيق هذه الغاية قبل سنوات من خلال البابين المزدوج والثلاثي.

وعن ذلك، يقول المؤرخ والخبير في شؤون القدس والمسجد الأقصى جمال عمرو: “بعد تحريره للقدس، قام القائد صلاح الدين الأيوبي بعدد من الخطوات لتحصين المدينة والمسجد، شمل ذلك إغلاق 4 أبواب وهي المنفرد والمزدوج والثلاثي والرحمة كإجراء أمني احترازي”.

ويضيف للأناضول: “الإجراءات شملت أيضا تحصين سور المدينة، فوضع الحراس على أبوابها الأخرى المفتوحة وعددها 7، وأقام عددا من المدارس في محيط المسجد بما فيها المدرسة الصلاحية”.

وكان لتحرير صلاح الدين الأيوبي للقدس عدد من الشواهد والرموز ما زالت حاضرة، بينها منبر المسجد الأقصى الذي يعرف حتى اليوم باسم “منبر صلاح الدين”.

وعن قصة المنبر، يقول الشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى ورئيس الهيئة الإسلامية العليا، للأناضول: “جُلب المنبر من مدينة حلب في سوريا بعد أن كان نور الدين زنكي (مؤسس الدولة الزنكية) أعده قبل 17 عاما من فتح بيت المقدس، وما أن طيب الله فتح المدينة على يد صلاح الدين تم جلبه وسمي باسم منبر صلاح الدين”.

صلاح الدين الأيوبي حرر القدس بعد 88 عام من الاحتلال المتواصل من قبل الصليبيين، الذين يشير مؤرخون أنهم ارتكبوا الفظائع ضد المسلمين أثناء تلك الفترة.

لكن استنادا إلى عمرو وصبري، فإنه عرف عن صلاح الدين الأيوبي التسامح، لذلك عندما حرر القدس أبقى على عدد من الصليبيين في المدينة وعفى عنهم.

ويوضح الشيخ صبري في هذا الصدد أن “صلاح الدين كان يطبق مضمون العهدة العمرية التي صدرت عام 636 ميلادية من حيث التسامح مع أصحاب الديانات الأخرى، وفتح المجال للفرنجة الذين غزوا فلسطين أن يعودوا إلى بلادهم دون أن يقتلهم، في حين أن الفرنجة قتلوا 70 ألف مسلم في مدينة القدس”.

ويضيف: “كانت عقلية صلاح الدين أمنية فذة. كان قائدا عسكريا لكنه كان أيضا داعية إسلاميا، ويستعين بالقاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني المنسوب إلى مدينة بيسان في فلسطين، وكان يثني عليه لأدبه واتساع ثقافته”.

ويلفت الشيخ صبري إلى أن “صلاح الدين اهتم بالنواحي العلمية والثقافية، فهو من أسس المدرسة الصلاحية (شمال المسجد الأقصى) بنظام الساعات، وله بصمات عمرانية عديدة في مدينة القدس”.

من جانبه، يقول “عمرو” إن “صلاح الدين سمح لبعض الصليبيين بالبقاء في مدينة القدس، لكنه كان أيضا حذرا، لذلك اتخذ سلسلة من الإجراءات خشية إقدامهم على حركات غدر، فكان قرار إغلاق الأبواب والاستحكامات في محيط الأقصى”.

بقيت الإجرءات والاستحكامات على حالها إلى حين الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس الشرقية عام 1969، حيث بدأت إسرائيل باستهدافها الواحدة تلو الأخرى.

الشيخ صبري يروي ما حدث قائلا: “في عام 1969، أحرق المتطرف دينيس مايكل روهان منبر صلاح الدين في المسجد الأقصى وسط تواطؤ السلطات الإسرائيلية”.

ويضيف: “كان المنبر تحفة فنية، إذ كان مصنوعا من خشب الأبنوس ومزينا بالأربسك، وخلا من أي مسمار حيث صُنع من الأسافين المتداخلة، لكنه أيضا رمز لتحرير القدس لذلك تم استهدافه لضرب هذه الرمزية”.

ويلفت إلى أن والده الشيخ سعيد صبري “كان آخر من وقف على منبر صلاح الدين قبل إحراقه”.

وفي فبراير / شباط 2007، تم تثبيت منبر شبيه تمت صناعته في الأردن على نفقة العاهل الأردني.

ويلاحظ الفلسطينيون أن السلطات الإسرائيلية باتت تحاول منذ سنوات إيجاد موطئ قدم لها في المسجد الأقصى من خلال البوابات المغلقة، وكأنها تريد بعد كل هذه السنوات اختراقه من خلال كسر استحكامات صلاح اليدن.

الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، تنبه إلى محاولات إسرائيلية للوصول إلى المصلى المرواني من خلال البابين المزدوج والثلاثي عبر إعادة فتحهما.

ونجح الشيخ صلاح بالتعاون مع المصلين في ترميم المصلى المرواني عام 1996، وإعادة فتحه أمام المصلين.

واعتبرت الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني أن هذه الخطوة هي أحد أسباب النقمة الإسرائيلية ضد الشيخ صلاح، الذي ما زال منذ ذلك الحين ملاحقا من قبلهم بالسجن الفعلي والسجن المنزلي والإبعاد عن المسجد الأقصى والقدس.

من جهته، يقول الشيخ صبري: “خططت إسرائيل لتهويد القدس سابقا، لكنها ترى أن الظروف السياسية السائدة في العالم العربي والإسلامي منذ سنوات فرصة سانحة لتنفيذ هذه المخططات”.

ويضيف: “المصلون يتصدون بشكل دائم لهذه المخططات، ويعملون على قطع الطريق على هذه المحاولات الإسرائيلية، وهم يرابطون بالمسجد ويؤكدون أنه للمسلمين وحدهم”.

ويلفت الشيخ صبري إلى أنه إثر فشل السلطات الإسرائيلية بالوصول إلى المسجد الأقصى من خلال البوابات المغلقة في الناحية الجنوبية، فإنها تحاول الآن من خلال باب الرحمة في الجهة الشرقية.

ويقول: “لوحظ أن المستوطنين المقتحمين للأقصى يركزون تواجدهم في الناحية الشرقية له، في وقت ترفض فيه السلطات الإسرائيلية إعادة فتح مرافق باب الرحمة المغلقة بقرار منها منذ سنوات”.

ويضيف: “نعتقد أنهم يخططون لوضع يدهم على المنطقة الشرقية للمسجد، بما فيها باب الرحمة، اعتقادا منهم أن المسيح الذي يؤمن به اليهود سيدخل من باب الرحمة، وهذه بطبيعة الحال أوهام”.

ويتابع: “صعد الاحتلال الإسرائيلي من إجراءاته ضد القدس والمسجد الأقصى منذ 1967، ووتيرة هذا العدوان تزداد يوما بعد يوم، سواء من خلال بناء المستوطنات وهدم المنازل الفلسطينية وطرد السكان واستهداف المسجد الأقصى وحصار المدينة ومحاولة أسرلة مناهج التعليم وغيرها من الخطوات”.

ويشير الشيخ صبري إلى أن “الحكومة الإسرائيلية تستغل الانحياز الأمريكي الفاضح لها من أجل تنفيذ مخططاتها”.

وفي الكثير من خطب الجمعة بالمسجد الأقصى، يبتهل الإمام ومن خلفه المصلون أن يهيئ الله للأمة قائدا مثل صلاح الدين لتحرير المدينة ومسجدها.

وعن ذلك يقول “عمرو”: “الناس يؤمنون محقين أنه لن يحرر القدس إلا قائد مثل صلاح الدين، وما يجري في العالم العربي والإسلامي اليوم من تناحرات وخلافات يؤلم الفلسطينيين”.

أما الشيخ صبري فيرجع “استهداف إسرائيل لرموز صلاح الدين الأيوبي لسببين، الأول أننا دائما نذكره كرمز للتحرير ورمز للقيادة الحكيمة، والثاني أن الاحتلال يتعمد أن يشوه مسيرة صلاح الدين وحاول أن يزيل أي أثر لها كنوع من الانتقام”.

ويضيف خطيب المسجد الأقصى: “بالنسبة إلى المصلين فإن صلاح الدين هو رمز لتحرير القدس، كان وسيبقى كذلك، إلى أن يأتي قائد مثله”.

(المصدر: وكالة الأناضول)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى