متابعات

تركيا قبل أيام من الاستحقاق الدستوري

بقلم د. زياد الشامي – موقع المسلم

رغم الأحداث الساخنة التي تعج بها المنطقة , وتوجه الأنظار في الأيام القليلة الماضية إلى ما جرى في سورية من ارتكاب طاغية الشام لمجزرة خان شيخون الكيماوية , والضربة الأمريكية لمطار الشعيرات بحمص , ومن ثمّ التصريحات الأمريكية الغربية باقتراب موعد رحيل عائلة الطاغية عن الحكم , و وصف ترامب لطاغية الشام بالــ “حيوان” ……إلا أن ذلك لم يقلل من سخونة الحدث المرتقب الذي تنتظره تركيا بعد أيام , ألا وهو استحقاق التصويت على التعديلات الدستورية يوم الأحد المقبل 16 إبريل .

درجة الاستقطاب في تركيا وصلت إلى ذروتها قبل أيام من الاستحقاق الدستوري , وهو ما يمكن للمتجول في شوارع أي مدينة تركية أن يلحظه مع الحشود الضخمة واللافتات والمنشورات والحملات الإعلانية التي لا تهدأ في ليل أو نهار , أما التصريحات النارية بين زعماء الأحزاب المؤيدة للتعديلات والرافضة لها فقد بلغت مستوى لم تعهده من قبل , ما يضفي على هذا الاستحقاق المزيد من الأهمية , ويجعله استحقاقا مصيريا بكل المقاييس ليس على المستوى التركي فحسب , بل على الصعيد الإقليمي والدولي أيضا.

الطرف الرافض للتعديلات الدستورية ممثلا بالأحزاب العلمانية و”الكردية” في الداخل , وبدول القارة العجوز وكل الدول الرافضة للسماح لأردغان بالتخلي عن علمانية تركيا وتبعيتها للغرب منذ عهد أتاتورك وإسقاط الخلافة العثمانية , والمعادية لاستعادة تركيا لهويتها الإسلامية ……لم يوفر وسيلة أو طريقة لمنع تمرير هذه التعديلات .

أما دول القارة العجوز فقد ضربت بشعاراتها الديمقراطية عرض الحائط في سبيل منع الترويج الإيجابي لتلك التعديلات داخل أراضيها , وأظهرت من العنصرية والتمييز ضد التصويت لحملة “نعم” ما يكفي لفضح أكذوبة حيادهم المزعوم , ففي الوقت الذي منعت فيه وزراء ومسؤولين من الحزب الحاكم بتركيا من اللقاء بأنصارهم تحت ذرائع وحجج واهية , سمحت لممثلي حملة “لا” بلقاء أتباعهم في العواصم الغربية .

لم تكتف الدول الغربية بذلك , بل شنت صحفها حملة شعواء على حقيقة التعديلات الدستورية , وحاولت الترويج بأنها سبيل إلى الديكتاتورية وحكم الفرد الواحد , في محاولة واضحة للترويج بـ “لا” على تلك التعديلات .

من جانبها ركز خصوم أردغان والمعارضين للتعديلات الدستورية وعلى رأسهم حزب الشعب الجمهوري بزعامة كمال أوغلو على خطورة التصويت بنعم على التعديلات , محذرين من تحول البلاد إلى ديكتاتورية حسب زعمهم , ومروجين لهذه الدعاية بصورة ترمز لأردغان وقد اعتمر عمامة خلفاء الدولة العثمانية وقد ارتدى لباسا عصريا وفي وجهه شارب “هتلر” .

في المقابل لم تتوقف ماكينة الحملة المؤيدة بـ “نعم” للتعديلات الدستورية التي يقودها حزب العدالة والتنمية الحاكم , وقد تكثفت هذه الحملات قبل أيام من الاستحقاق الدستوري , وقد ركزت في المقام الأول على شرح ماهية وحقيقة التعديلات , ومن ثم الرد على ما تتهم به المعارضة أردغان وحزبه وماهية تلك التعديلات .

فبعد ترديد رئيس حزب الشعب الجمهوري “كمال أوغلو” مقولة أن التعديلات الدستورية ستتيح للرئيس “أردغان هنا” تعيين ما يريد من النواب دون تحديد عددهم , رد أردغان بأن هذا محض كذب وافتراء , وبأنه لا توجد أي مادة بالدستور تسمح للرئيس بتعيين 50 نائبا !!

كما كان رد أردغان على تشكيك زعيم المعارضة بالمحاولة الانقلابية الفاشلة التي هزت تركيا منتصف العام الماضي عنيفا وقاسيا , حيث ذكره بشريط الفيديو الذي بثته قناة A-HABER” الخاصة , ويظهر فيه “كيليتشدار أوغلو” وهو خارج من مطار أتاتورك بعد أن أفسحت دبابات الانقلابيين لموكبه خلال محاولة الانقلاب .

استطلاعات الرأي التي تنشط قبل التصويت بأيام تشير إلى رجحان كفة المؤيدين للتعديلات الدستورية , فقد أظهر استطلاعي رأي في تركيا اليوم أن أغلبية ما بين 51 و52 في المئة من الأتراك سيصوتون بنعم في الاستفتاء المقرر يوم الأحد المقبل .

فبحسب استطلاع أجرته شركة (ايه.ان.ايه.آر) عبر مقابلات مباشرة لأكثر من 4000 شخص في 26 إقليما في الفترة بين الخامس والعاشر من أبريل صوت 52 في المئة بنعم , بينما أظهر استطلاع أجرته شركة (كونسنساس) أن المؤيدين نسبتهم 51.2 في المئة بعد توزيع نسبة الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد , وشمل الاستطلاع 2000 شخص عبر مقابلات مباشرة في 41 إقليما في الفترة بين الثاني والثامن من أبريل .

أما الاستطلاع الذي أجرته شركة “إيفيم/ İVEM ” التركية فقد أكد ازدياد نسبة المؤيدين للتعديلات الدستورية لتتجاوز حاجز الـ 58 بالمئة , ووفقا لنتائج الاستطلاع فقد أعلن 58.2 بالمئة من المشاركين نيتهم التصويت بـ “نعم” في الاستفتاء الشعبي، في حين قال 41.8 بالمئة أنهم سيصوتون بـ “لا”.

زعيم المعارضة بتركيا “كيليتشدار أوغلو” اعترف للمرة الأولى بتقدّم الأصوات المؤيدة للتعديلات الدستورية على الأصوات المعارضة له قائلا : نقترب من موعد الاستفتاء ، وبحسب بعض مراكز استطلاعات الرأي الأصوات المؤيدة متقدّمة على الأصوات المعارضة ولكن أتوقع بأنّ الأصوات المعارضة للدستور هي التي “ستفوز” !!!

الأيام المتبقية على الاستحقاق الدستوري في تركيا قليلة , ولكنها ستكون بلا شك ساخنة وغير عادية , فتركيا ما بعد التعديلات الدستورية ستكون بلا شك غير تركيا ما قبلها , وبقدر أهمية هذه التعديلات سيكون حجم التحديات التي ينتظر هذا البلد المسلم حتى يوم الأحد القادم , والذي يوجب على الحكومة التركية أخذ كامل الحيطة والحذر مما قد يدبر لها خلال هذه الأيام .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى