تقارير وإضاءات

بذكرى وفاته.. السلطان عبد الحميد وسكة الحجاز التي فجرها الاحتلال البريطاني

بذكرى وفاته.. السلطان عبد الحميد وسكة الحجاز التي فجرها الاحتلال البريطاني

إعداد إبراهيم هايل

توافق اليوم الأربعاء 10 شباط/فبراير، الذكرى الـ 103، لوفاة السلطان العثماني عبد الحميد الثاني.

ولعلّ أكثر ما يتبادر إلى الأذهان في ذكرى وفاة أهم وأبرز سلاطين الدولة العثمانية، سياسته المميزة في بعث حلم الوحدة الإسلامية من جديد، ولمّ شمل أرجاء الدولة العثمانية المترامية الأطراف وتوحيد شعوبها من ترك وعرب وغيرهم، ومنعها من التفكك عبر ربطها بأحد أهم مشاريع النقل البري في العصر الحديث.

ففي خضم المؤامرات والاضطرابات الداخلية التي لحقت بالدولة العثمانية، فضلا عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة وخلوّ الخزانة العامة من السيولة، كان للسلطان عبد الحميد حلمٌ يتمثل بربط الحجاز وغيرها من الولايات العربية بمدينة إسطنبول، فأصدر قراراً عام 1908، بإنشاء خط سكة حديد من دمشق إلى المدينة المنورة مروراً بالعديد من المدن العربية، على أن يمتد الخط إلى مكة.

مبررات المشروع وأهدافه

عمل السلطان عبد الحميد الثاني على أن يكون مشروع سكة حديد الحجاز بأموال إسلامية خالصة فلم يلجأ للاقتراض، وشكل هيئة عليا من خيرة رجال الدولة على مختلف تخصصاتهم، وتجسدت أهداف المشروع في 4 نقاط رئيسية هي:

  • العمل على بعث روح الوحدة الإسلامية للصمود أمام التحديات الخارجية، وربط الولايات العربية المتباعدة، والحفاظ على الوحدة الطبيعية لتلك الولايات، فضلا عن تعزيز سلطته كخليفة للمسلمين في تلك المناطق.
  • تسهيل سبل وصول الحجاج والمعتمرين إلى مكة المكرمة، حيث كانت رحلة الحج تستغرق أكثر من شهرين، في ظل ظروف جوية قاسية، واختصار المسافة إلى 3 أيام فقط، فتضاعف عدد الزائرين للأراضي المقدسة من 80 ألفا إلى 300 ألف زائر سنويا.
  • سرعة نقل القوات العثمانية إلى الجبهات وتوزيعها، وتسهيل مهمة الدفاع عن الدولة العثمانية في أي جبهة تتعرض للاعتداء.
  • تعزيز سلطة الدولة وسيطرتها في منطقة غربي الحجاز، ودفع تلك الولايات وغيرها إلى الامتثال للقوانين العسكرية العثمانية التي تقضي بالدفاع المشترك عن دولة الخلافة.

إنشاء المشروع وموقف الدول الاستعمارية منه

وجّه السلطان عبد الحميد نداء للعالم الإسلامي بأسره للتبرع من أجل هذا المشروع، واتخذ عدة إجراءات لسد النقص في الخزينة العامة للدولة حتى لا يلجأ للاقتراض من الدول الأجنبية.

كما بادر هو بنفسه بالتبرع من ماله الخاص بمبلغ خمسين ألف ليرة عثمانية، إلى جانب كبار رجال الدولة العثمانية، وعمل على تخصيص جزء من رواتب الموظفين لهذا الغرض، فضلا عن مشاركة آلاف المسلمين من مختلف الولايات بالتبرعات.

وفي ظل الحماس الإسلامي تجاه هذا المشروع، إلا أنه شكّل كابوسا لكل من بريطانيا وفرنسا الاستعماريتين، فقد عملت بريطانيا على إفشاله عبر بثّ الدعايات المغرضة أن الدولة العثمانية غير قادرة على إتمام مثل هكذا مشروع، وأن الأمر برمته ليس إلا دعاية من قبل عبد الحميد لتنهب بها الدولة العثمانية أموال المسلمين المتبرعين، فضلا عن قيامها بإعاقة ومنع وصول التبرعات من مختلف الولايات العثمانية.

أما فرنسا فعارضت بشدة إنشاء خط سكة حديدية في فلسطين وسوريا للحفاظ على نفوذها في تلك المناطق، فعملت على تأليب المسلمين آنذاك ضد المشروع وثنيهم عن التبرع لصالحه.

التشغيل والاعتراضات

جرى افتتاح المشروع عام 1908، لحظة وصل آخر خطوطه بالمدينة المنورة، إلا أنه رأى النور قبل ذلك منذ عام 1900، حيث جرى تشغيل العديد من الخطوط بين دمشق ودرعا في سوريا، في حين قدرت المدن والمراكز السكنية الواقعة على مساره بنحو 50 مدينة ومركز.

كما تم تشييد وإلحاق العديد من المرافق الحيوية بسكة حديد الحجاز، مثل محطات استراحة للركاب، وأنفاق وجسور، وإنشاء فروع ومكاتب للبريد على طول مسار الخط.

وعلى الرغم من ذلك، إلا أن مشروع سكة حديد الحجاز، لاقى اعتراضات من قِبل شريف مكة وبعض سكان البادية الحجازية، بحجة أن المشروع سيقضي على تجارتهم التي كانت تقوم على نقل الحجاج على الرواحل.

الاحتلال البريطاني يدمر سكة حديد الحجاز

عقب تحقيق المشروع لغالبية أهدافه، شعرت بريطانيا بالخطر والخوف على مصالحها في منطقة بلاد الشام والحجاز، فرفع السفير البريطاني في إسطنبول، تقريراً إلى الحكومة البريطانية قال فيه “بين حوادث السنوات العشر الأخيرة عناصر بارزة في الموقف السياسي العام، أهمها خطة السلطان الماهرة التي استطاع أن يظهر بها أمام 300 مليون من المسلمين في ثوب الخليفة الذي هو الرئيس الروحي للمسلمين، وأن يقيم لهم البرهان على قوة شعوره الديني، ببناء سكة حديد الحجاز”.

عقب ذلك، عمل الاحتلال البريطاني على تأليب جزء من الحجاز عبر عميلها ذو الزي العربي البدوي “لورانس”، لتدمير المشروع والوقوف بوجه الدولة العثمانية، فحرض الاحتلال رؤساء بعض القبائل هناك على الدولة العثمانية، واعدا إياهم بالحكم والملك حال القضاء على الدولة العثمانية، فقامت تلك القبائل عام 1916، بزعامة الشريف حسين “شريف مكة”، وبتوجيه من جواسيس وضباط بريطانيين، بشن هجمات على خط سكة حديد الحجاز، وتدميره.

سعى الاحتلال البريطاني المستفيد الأول من تدمير الخط، لمنع نقل الجنود العثمانيين إلى أراض الحجاز خلال الحرب العالمية الأولى، لينتهي مع تدمير هذه السكة إحدى أعظم إنجازات السلطان عبد الحميد الثاني، في حين بقيت بعض من شواهده حتى يومنا هذا تذكّرنا بمآثر عبد الحميد الثاني وحلمه بتوحيد المسلمين تحت راية واحدة.

(المصدر: وكالة أنباء تركيا)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى