تقارير وإضاءات

باسويدان .. حضرمي يحكم كبرى العواصم الإسلامية

سياسي وأكاديمي إندونيسي مسلم، ينحدر من أصول عربية حضرمية، أصبح حاكما لأكبر عاصمة إسلامية بعد فوزه في انتخابات محلية أجريت في أبريل/نيسان 2017 على خصمه ومنافسه المسيحي ذي الأصول الصينية باسوكي تجاهاجا بورناما.

المولد والنشأة
ولد أنيس باسويدان يوم 7 مايو/أيار 1969 في بلدة كونينغان بغرب جزيرة جاوة الإندونيسية. وينحدر باسويدان من أصول يمنية حضرمية، ومن عائلة وصلت إلى إندونيسيا في القرن الثالث عشر الهجري، واستقرت بها ومارست فيها التجارة منذ بداية قدومها إلى هذه البلاد، بيد أنها اندمجت لاحقا في المجتمع الإندونيسي وانخرطت في الحياة السياسية والاجتماعية هناك.

وقد تشكلت شخصية باسويدان بميراث علمي وسياسي، فوالده رشيد كان نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية بجوقجاكرتا، ووالدته عالية النهدي أستاذة بجامعة حكومية أخرى، وقد ورّثاه حب التحصيل الأكاديمي، فأكمل دراسته قبل أن ينخرط في الحياة السياسية الإندونيسية.

تربى باسويدان في عائلة ذات اهتمامات علمية وسياسية، وذات حضور وطني عريق، فجده عبد الرحمن باسويدان (1908-1986) كان أول رئيس لحزب عرب إندونيسيا في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث تجمع ذوو الأصول العربية ليقسموا على النضال لتحقيق استقلال هذه البلاد، قبل كثير من القوميات الأخرى، وبعد الاستقلال صار عبد الرحمن برلمانيا ونائب وزير وعضوا في أول وفد دبلوماسي سعى لكسب الاعتراف بجمهورية إندونيسيا الوليدة.

الدراسة والتكوين
تلقى باسويدان تعليمه الأولي في مسقط رأسه، ثم تخرج في جامعة غادجا مادا بمدينة يوجياكارتا في جاوة بدرجة باكلوريوس في إدارة الأعمال.

وبعد أن تخرج عام 1997 حصل على منحة لمواصلة دراسته في أميركا في جامعة مبرلاند بارك، قبل الحصول على منحة فولبرايت التي تمنح عادة لمن تثبت جدارتهم الأكاديمية وإمكاناتهم القيادية، فأكمل الماجستير في الإدارة العامة من جامعة ماريلاند بضواحي العاصمة الأميركية واشنطن، والدكتوراه في العلوم السياسية والسياسات الاقتصادية والعامة من جامعة نورذرن إيلينوي بالولايات المتحدة الأميركية.

التوجه الفكري
يحرص باسويدان على وصف نفسه بالمسلم المعتدل، ولا ينتمي لأي توجه أيديولوجي أو فكري خاص.

وانتقد باسويدان -في مقابلة صحفية- ما يصفها بهيمنة التوجه الثقافي للخلافات بين المسلمين والغرب، ورأى أن النزاع لا تطلقه الهويات الثقافية أو الدينية أو الحضارية وإنما حسابات المصالح.

ويعتقد هذا السياسي الإندونيسي أن الخيار في الانخراط في العنف أو السلام ليس انعكاسا لأي عوامل عقائدية أو ثقافية أو دينية، وإنما لحسابات إستراتيجية أو حسابات مصالح، فحين تلجأ مجموعة ما إلى استخدام توجهات العنف أو الأساليب السلمية إنما تلجأ إلى ذلك بناء على حوافز أو مثبطات كل توجه. فمن الذي يعتبر عدوا وما هو الأسلوب الهجومي الذي سيستخدم هو أمر تقرره حسابات المصالح أكثر من العقيدة أو الدين أو الثقافة.

التجربة السياسية والأكاديمية
بعد أن أكمل دراسته في الولايات المتحدة الأميركية عاد لينخرط من جديد في المشهد السياسي والأكاديمي في بلاده، حيث أصبح رئيسا لجامعة بارامدينا بجاكرتا، ولكن بداية بروزه الفعلي كانت عندما اختير ليدير مناظرة لمرشحي الرئاسة عام 20099، ثم شارك لاحقا في انتخابات داخلية للحزب الديمقراطي الحاكم سابقا، ثم اختاره الرئيس جوكو ويدودو ليكون وزيرا للتعليم والثقافة أواخر عام 2014 لشهرة برنامج تطوعي لتعليم الأطفال كان قد أطلقه.

ويعد من أشد المدافعين عن تغيير نمط التعليم في البلاد، حيث سعى خلال توليه وزارة التعليم إلى إعطاء نفس جديد للتربية والتعليم بما يتلاءم مع التطور الحاصل في العالم. وقال باسويدان ذات مرة “يجب تغيير الصورة الحالية، فإندونيسيا لديها كنز ثمين يتمثل في امتلاكها عقولا تنشد التطور، وهذا ما سنعمل عليه”.

وبعد تعديل وزاري وخروجه من الحكومة، وقع نظر المعارضة عليه بعد تردد أسماء كثيرة لمنصب حاكم العاصمة رغم أنه ليس عضوا في أي من الأحزاب السياسية التي رشحته.

وقبل أن يفوز بمنصب حاكم جاكرتا، خاض باسويدان حملة مصيرية وساخنة مع منافسه باسوكي تجاهاجا بورناما الملقب بـ”أهوك”، وهو أول حاكم مسيحي لجاكرتا من أصل صيني، واتهم أكثر من مرة من منافسه بالسعي لاستمالة الإسلاميين.

ونشرت وسائل الإعلام على نطاق واسع صورا له أثناء لقائه زعيم جبهة المدافعين عن الإسلام حبيب رزيق، مما دفع منتقديه لاتهامه بـ”تشويه سمعته” بوصفه مسلما معتدلا.

وقال باسويدان في مقابلة أجريت معه في منزله بجاكرتا “أعتقد أن هناك تأطيرا غير عادل هنا”، وأضاف “إذا التقيت مع الطائفة الكاثوليكية فهل يعني ذلك أنني لم أعد مسلما؟ إذا التقيت مع الطائفة البوذية فهل يعني ذلك أيضا أنني لم أعد مسلما؟”.

وقال إن الإعلام يعطي انطباعا مشوها عن حملته التي شملت اجتماعات مع مجموعة من الجماعات الدينية. وأضاف “من بين كل المرات لم يشاهدوا سوى اجتماع واحد رغم أنني عقدت عشرات الاجتماعات الأخرى”.

وتسبب منافسه عام 2016 في موجة احتجاجات على خلفية تصريحات أثارت حفيظة المسلمين في إندونيسيا، ووصفت بأنها تدخل في إطار ازدراء الأديان.

وقد اعتذر أهوك عن تلك التصريحات، وقال إنه كان يشير إلى أولئك الذين يسيئون استخدام الدين لتحقيق مكاسب سياسية.

ويعد منصب حاكم جاكرتا خطوة لمنصب أعلى. فقد كان الرئيس الإندونيسي ويدودو حاكما لجاكرتا فيما سبق، وينظر لانتخابات حاكم العاصمة على أنها معركة تمهيدية لانتخابات الرئاسة عام 2019.

الأوسمة والجوائز
اختارت مجلة فورين بوليسي عام 20088 باسويدان في المرتبة الستين من بين أكثر مئة شخصية مؤثرة في العالم.

(المصدر: الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى