كتابات

باحث قطري يبتكر معاملة مصرفية للحصول على النقد حلالاً

محمد صبرة

نجح الباحث القطري محمد بن سالم اليافعي، في ابتكار منتج مصرفي إسلامي جديد، سماه (التورق المصرفي الموازي للمرابحة) ليسد به آخر ثغرات القصور في عمل المصارف الإسلامية.

ويسهل المنتج للعملاء الحصول على النقد بصورة شرعية، دون اللجوء إلى البنوك التقليدية، لاقتراض ما يحتاجونه من نقد بعمليات ربوية، خاصة بعد قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي بعدم جواز التورق المصرفي، الذي تجريه المصارف الإسلامية حالياً.

وحصل الباحث على شهادة بحفظ الابتكار، من مكتب حماية حق المؤلف بوزارة الأعمال والتجارة. ونال تشجيع واعتماد عدد من العلماء المتخصصين في الاقتصاد الإسلامي، أبرزهم د.علي محيي الدين القرة داغي الخبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي.

وأوضح اليافعي أن التورق المصرفي الموازي للمرابحة هو منتج مصرفي إسلامي جديد يقوم على تعاون مصرفين إسلاميين (أ، ب) في تلبية الحاجات النقدية والسلعية لعملاء المصرفين، بأن يشتري المصرف (ب) من المتورق (عميل المصرف أ) السلعة مرابحة لصالح عميله (الآمر بالشراء).

أي أن المصرف (ب) سيشترى السلعة نقداً من المتورق (عميل المصرف الذي هدفه الحصول على النقود أصالة) والذي سبق (للمصرف أ) أن اشترى له نفس السلعة مرابحة، علماً أن المصرف (ب) سيشتري نفس السلعة لصالح عميله الذي يريد عين السلعة مرابحة.

أي أن البنك (ب) اشتراها نقداً من عميل المصرف (أ) وهو المتورق، وسيبيعها بالتقسيط (مرابحة) لصالح عميله الذي هدفه أصلا الحصول على عين السلعة وليس الحصول على النقود. وبذلك سيكون لكل عملية بيع مرابحة عملية تورق موازية لها ومحققة لشروط البيع الشرعية.

حلول شرعية

وردا على سؤال حول الدافع لابتكار وإعداد هذا المنتج أجاب اليافعي بأن الدافع لذلك أمران: الأول عقدي وهو الاعتقاد الجازم بأن الشريعة الإسلامية فيها الحلول المثلى لجميع حاجات الإنسان، وأن الله رفع عنا الحرج بقوله تعالى: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»، قال ابن عباس في قوله: (منْ حَرَجٍ) يعني من ضيق، وهل يوجد حرج أكثر من أن يتعامل المسلم بالربا مضطراً؟! ورفع الحرج يتطلب منا أن نجتهد في البحث عن الحلول الشرعية المناسبة لكل زمان ومكان.

والسبب الثاني هو كثرة مناشدة العلماء للباحثين بأن يبتكروا منتجات مصرفية إسلامية جديدة تحل من خلالها المعضلات التي تواجه الصيرفة الإسلامية الحديثة.

تورق مشروع

وذكر اليافعي أن أهمية هذا المنتج، تكمن في اليقين بأن في الإسلام حلا لجميع المشاكل الاقتصادية التي يتعرض لها الفرد والمجتمع بل والعالم بأسره. وقال: نظراً لتفشي المعاملات الربوية في هذا الزمان التي اتخذت طابعاً مؤسسياً أرهق كاهل الأفراد والمجتمعات بل الدول، ولما للسيولة النقدية من أهمية في حل المشاكل الاقتصادية خاصة مشاكل الأفراد محدودي الدخل، التي قد تلجئهم ظروفهم للاقتراض من البنوك الربوية لعدم وجود البديل الشرعي المناسب. لذلك نقترح صورة للتورق المصرفي تتحقق فيها ضوابط التورق الشرعي الذي أجازه المجمع الفقهي الإسلامي، وتكمن أهمية هذا البحث في تحقق جميع شروط التورق الشرعي التي وضعها المجمع عند إجازته التورق الفردي.

تعاون المصارف الإسلامية

وعن أهداف المنتج المصرفي الجديد قال اليافعي: إنه يهدف لإيجاد صورة شرعية للتورق المصرفي. ويساعد على تعاون المصارف الإسلامية لإيجاد منتج إسلامي يحل مشكلات المجتمع. ويزيد دور المصارف الإسلامية في خدمة المجتمع وذلك بتظاهر جهودها المشتركة لحل المشاكل الاقتصادية. ويضع دائرة للتكامل الاقتصادي بين أفراد المجتمع تديرها المصارف الإسلامية. ويفعل دور المراقبين الشرعيين في حث المصارف للتعاون فيما بينها لحل مشاكل أفراد المجتمع الاقتصادية.

خطوات التنفيذ

وشرح اليافعي آليات وخطوات التنفيذ قائلا: نفترض أن المتورق عميل المصرف (أ) والآمر بالشراء عميل المصرف (ب) فإن العملية تتم بالخطوات التالية:

– يقدم المتورق طلب الأمر بالشراء إلى المصرف (أ).

– إذا استوفى الطلب شروط المرابحة، يعرض المصرف (أ) على المتورق كشفاً بأسماء الأعيان التي يريد المصرف (ب) شراءها مرابحة لعملائه موضحا فيه أسعار ومواصفات ومكان وجودة تلك السلع.

– يختار المتورق العين المناسبة حسب المبلغ الذي يناسبه، ويتأكد من وجودها، ويتم إشعار المصرف (ب) بذلك.

– يقوم المصرف (أ) بشرائها من السوق مرابحة لصالح المتورق وينقلها إلى حوزته.

– يبيع المصرف (أ) السلعة إلى المتورق بالتقسيط.

– يشتري المصرف (ب) السلعة من المتورق مرابحة لصالح عميله (الآمر بالشراء) بالتقسيط.

وتتم العملية حسب المخطط التنظيمي المرفق مستوفية للشروط.

وتعقيبا على استفسار حول فوائد المنتج الجديد ذكر اليافعي أنه استوفى شروط التورق الشرعي الذي أجازه المجمع الفقهي الإسلامي، حيث يوفر البديل الشرعي الذي يحل مشاكل المسلمين الاقتصادية، ويبعدهم عن الوقوع في براثن البنوك الربوية. ويبعد شبهة بيع العينة نهائيا، لوجود طرف ثالث مستقل، يشتري العين من المتورق مباشرة، ويحقق القبض الصحيح، وإجراءات التسجيل، وما يترتب على ذلك من ضمان وغيره، لذلك انتفت العملية الصورية.

ويساعد المتورق على أن يتسلم القيمة نقداً من المشتري (المصرف الآخر) مباشرة وليس من المصرف الذي اشترى منه السلعة، وبذلك ينتفي قصد التمويل بفائدة من قبل المصرف الأول. ويبعد عن التعامل بالسلع الدولية، التي يرى بعض العلماء أنها سلع نقدية، لها صفات السلع الربوية، وينبغي أن تعامل معاملة السلع الربوية الواردة في تحريم ربا الفضل.

ويجنب المتورق الحاجة لتوكيل المصرف ببيع السلعة، لأن المصرف الآخر يشتريها منه مباشرة.

وأن الفرق بين الثمنين الآجل والحال لا يذهب إلى المصرف البائع، لذلك فهي عملية مرابحة للأمر بالشراء فقط بالنسبة للمصرف وهي مباحة شرعاً.

وأن العين مقصود شراؤها لذاتها، من قبل الآمر بالشراء، وإدخال المتورق طرفاً في المعاملة مساعدة له، نتيجة للتعاون بين المصرفين.

ويحد من التوسع في التورق لغير الضرورة، لأن وجوده مرتبط بالمرابحة.

ويوقف هجرة أموال الأمة إلى الأسواق الدولية، وتحويلها لحل مشاكل المسلمين الاقتصادية.

ويجعل المال يدور دورته الطبيعية، بأن تشمل جميع طبقات المجتمع، ولم يعد دولة بين الأغنياء فقط، وذلك لقيام المصارف بشراء السلع من الفقراء (المتورقين) بدلاً من شرائها من الأغنياء (الشركات الكبرى).

وجعل من تعاون المصارف الإسلامية بديلاً شرعياً يغني المسلمين عن الحاجة إلى البنوك الربوية: وذلك بجعل المصارف الإسلامية شريكاً مقتدراً، في تحقيق التكافل الاقتصادي بين أفراد المجتمع. وأوجد تعاوناً مصرفياً، في عملية التورق، وهو شراء كل مصرف العين نقداً بالسعر السائد من عميل المصرف الآخر (المتورق). وأعاد الروح الأخلاقية الإسلامية في تعامل المصارف مع الحالات الإنسانية.

ووجد المحتاج للمال في المصارف الإسلامية خير معين لتفريج كربته، عن طريق تقليل خسارة المتورق للأسباب التالية:

– وجود مشترٍ مقتدر لا يبخسه حقه (المصرف)، وقد لا توجد خسارة أصلاً إذا زادت قيمة العين مثلاً إذا كانت أسهماً وزاد سعرها.

– لا تدفع عمولات لأن عمليات البيع والشراء تكون مباشرة لا تحتاج إلى وسطاء.

– تقليل الجهد الذي يبذله المتورق في البحث عن مشتر لسلعته.

– انتفت جميع أسباب اللجوء إلى البنوك الربوية، بتعاون المصارف الإسلامية لتوفير حاجات الناس وفق الضوابط الشرعية.

11 فرقاً

وتوضيحا للفرق بينه وبين التورق المصرفي المحرم، عقد اليافعي مقارنة بين 11 فرقا تجعل التورق المصرفي المعاصر مختلفا عن التورق المصرفي الموازي للمرابحة.

الفرق الأول أوضح فيه أن التورق المصرفي المعاصر يحتوي على مجموعة من العقود والوعود بين المصرف والمتورق، (شبيهة بالعينة)، بينما يحتوي التورق المصرفي الموازي للمرابحة على عقدين منفصلين مع جهتين مختلفتين يشملان: عقد شراء مرابحة للأمر بالشراء مع المصرف (أ)، وعقد بيع نقداً بالسعر السائد مع المصرف (ب).

وفي الفرق الثاني ذكر أنه يطلق اسم التورق المصرفي المعاصر، على عملية يقوم بها المصرف، فهي نية من العميل وتنفيذها العملي من المصرف، فإن التورق الموازي، عبارة عن عمليتي مرابحة فقط: الأولى: قام بها المصرف (أ) لعميله، والثانية قام بها المصرف (ب) لعميله فقط، والرابط بينهما، أن المصرف (ب) بدلاً من شراء العين من غني (التاجر) ليزيد غناه، يشتريها من فقير (عميل المصرف «أ» المتورق) ليقلل من خسارته.

وذكر في الفرق الثالث أن العلم بنية المتورق الحصول على المال، يجعله مستضعفاً ومعرضاً للاستغلال (الذي هو علة الربا)، لعلم المتربصين باضطراره، لذلك تواطأ عليه (المصرف والتجار)، لجني الفوائد من مصيبته كما يلي:

أولاً: تكون للمصرف فائدتان: فائدة بيع المرابحة، وأجرة الوكالة ومقابل مراسلات.

ثانياً: فائدة (التاجر) المشتري الثاني من المتورق، حيث يشتري السلعة بأقل من سعر السوق عادة، ليبيعها هو بسعر السوق، ونلاحظ هنا تراكم الخسائر على المتورق نتيجة التواطؤ. وفي حال التورق المصرفي الموازي للمرابحة يكون العلم بنية المتورق، أثره عكس التواطؤ وهو التعاطف والتعاون، أي مساعدة وحماية المتورق من الوقوع في براثن التجار المستغلين لحاجته، لذلك انتفت علة الربا (الاستغلال)، ودخلت علة التعاون والمساعدة (الرحمة والشفقة)، فهنا العلم بنيته حقق له فوائد وتتمثل فيما يلي:

– يبيع سلعته بسعر السوق، لتعاون المشتري (المصرف الآخر)، لأنه لا يريد المتاجرة بها وإنما يشتريها لعميله الآمر بالشراء.

– لا يحتاج إلى توكيل أحد، فيوفر أجرة الوكيل.

– يوفر الجهد الذي يبذل لبيع السلعة في حالة التورق الفردي.

أما هناك عندما علموا بنيته تواطآ عليه فزادت خسائره التي ذكرناها. فمثلاً إذا علم اللص أن باب بيتك مفتوح، يستغل الظرف ويسرقه، أما إذا علم ذلك جارك المتقي فيسهر الليل ليحرسه، فشتان بين العلمين وآثارهما.

وفي الفرق الرابع ذكر أن التورق مطلق لا يحكمه الاضطرار، لعدم وجود قيود تمنع غير المضطر منه ولا المصارف والتجار من زيادة مكاسبهم. وفي التورق المصرفي الموازي للمرابحة ربط التورق بالمرابحة، ووضع حدوداً كثيرة تمنع التمادي فيه، منها:

أولاً: فيما يخص المتورق ما يلي:

– أن يأمر المصرف بشراء سلعة معينة من قبله.

– أن يقبض السلعة وتدخل حوزته.

– أن يبيعها بنفسه إلى طرف ثالث.

– ألا يوكل أحداً بالبيع.

ثانياً: فيما يخص المصرف ما يلي:

– أن يتوازى عنده التورق مع أمر بالشراء عند المصرف المتعاون.

– لا يشتري إلا السلعة المعينة المأمور بشرائها فقط.

– لا يشتري السلع الدولية إلا أن يتم استيرادها وتسليمها للمتورق.

– لا يجوز له قبول الوكالة ليبيع السلعة.

وأشار إلى أن الفارق الخامس هو عدم تحقق القبض الصحيح. وفي حال التورق المصرفي الموازي للمرابحة يتحقق القبض من خلال معارض الشركات التابعة للمصارف بالنسبة للأعيان المنقولة، وغير المنقولة حسب العرف السائد.

وقال إن الفارق السادس يتمثل في أن المتورق يتسلم المبلغ من نفس المصرف الذي اشترى منه السلعة. وفي التورق المصرفي الموازي للمرابحة لا يتسلم المبلغ من المصرف الذي باع له السلعة، وإنما يتسلمه من المشتري الثاني (المصرف الآخر) مباشرة.

وفي الفارق السابع أوضح اليافعي أن المصرف يأخذ جزءاً من الفرق بين الثمنين سعر السوق وسعر البيع (الخسارة التي لحقت بالمتورق نتيجة البيع) وهي أجرة الوكالة والمراسلات. بينما في التورق المصرفي الموازي للمرابحة لا يحصل المصرف على شيء، لذلك فهي عملية مرابحة للآمر بالشراء بالنسبة للمصرفين.

وفي الفارق الثامن أوضح اليافعي أن التورق المصرفي المعاصر يتسبب في هجرة أموال الأمة إلى السوق الدولية. بينما التورق المصرفي الموازي للمرابحة يحد من هجرة الأموال وذلك أن السلع المأمور بشرائها في الغالب تكون محلية.

وفي الفارق التاسع ذكر الباحث أن دوران المال يكون بين الأغنياء (المصارف والتجار) يجنون أرباحهم من حاجات الفقراء ومجهودهم، فهنا الرابح في عملية الأمر بالشراء هو المصرف، والرابح من بيع المتورق (المضطر) للسلعة بأقل من السعر السائد هو التاجر، لذلك فالأرباح دولة بين الأغنياء، والخسائر دولة بين الفقراء، بينما التورق المصرفي الموازي للمرابحة يكون استجابة لقوله تعالى: «كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم» فقد حددت هذه الصيغة من ذلك بما يلي:

– أن المتورق لم يبع لتاجر بسعر أقل ليستفيد من ورائه، وإنما باعها لمتعاون (المصرف الثاني) بسعر السوق.

– المستفيد من البيع الثاني ليس المصرف ولا التاجر، وإنما الآمر بالشراء من المصرف الآخر وهو فقير محتاج، لأن المصرف في بيع المرابحة يأخذ نسبة تقاس على القيمة.

وفي الفارق العاشر أوضح اليافعي أن السلعة ممكن أن تعود إلى بائعها الأول، لتباع أكثر من مرة. وفي التورق المصرفي الموازي للمرابحة لا يمكن ذلك لأنها تشترى لذاتها، أي يشتريها المصرف (ب) مرابحة لعميله الذي أراد الانتفاع باستعمالها.

وفي الفارق الحادي عشر والأخير في التورق المصرفي الموازي للمرابحة إذا طبق الشرط الاختياري، فإن العميل يعتبر شريكا في العملية ببحثه عن العين، فيتنازل له المصرف عن نسبة من الربح، بصفته دلالا على العين، قياسا على أجرة مكاتب العقارات التي تأخذ مبلغا من المال نظير دلالتها على الأعيان المؤجرة أو المشتراة.

موافقة العلماء

وردا على سؤال حول رأي علماء الاقتصاد الإسلامي وباحثين في عمل المصارف الإسلامية فيما توصل إليه، أجاب اليافعي قائلا: حصلت على التشجيع المباشر من أستاذي في جامعة اليرموك أ.د.كمال حطاب جزاه الله خيرا، ومن رئيس قسم الاقتصاد والمصارف الإسلامية الدكتور عماد بركات الذي قدم لهذا البحث وشخصه بأنه منتج مصرفي إسلامي جديد، واعتمدت آلية هذا المنتج من قبل فضيلة أ.د.علي القرة داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والخبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي، في دوراته التدريبية حيث ذكره كبديل شرعي للتورق المصرفي الذي حرمه المجمع الفقهي.

المصدر: العرب القطرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى