تقارير وإضاءات

باحثون شرعيون: لهذا يعد قياس التطبيع على صلح الحديبية فاسدا

باحثون شرعيون: لهذا يعد قياس التطبيع على صلح الحديبية فاسدا

 

إعداد بسام ناصر

بعد تسارع وتيرة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة، الذي بدأته الإمارات ثم تبعتها البحرين، تصاعد الجدل من جديد حول الموقف الشرعي من التطبيع، ففي الوقت الذي يصر فيه جماهير علماء الأمة على تحريمه، بدأت بعض الأصوات بالدفاع عنه والمجاهرة بمشروعيته، وربطه بأحداث تاريخية إسلامية بطريقة أثارت تساؤلات عن صحتها.

ومن المثير في استدلالات المدافعين عن التطبيع قياسهم له على صلح الحديبية الذي عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مشركي قريش في السنة السادسة للهجرة، ما يعني أنه من عقود الصلح التي يتولى ولي الأمر تقديرها بوصفها أمرا مصلحيا خوله الشرع حق تقدير المصلحة فيها، ومن ثم إنفاذ ما يترتب عليها من قرارات.

كما كان لافتا استدعاء بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي فتوى قديمة للشيخ عبد العزيز بن باز، مفتي السعودية السابق، أجاز فيها الصلح مع اليهود، معتبرين فتوى ابن باز في الصلح مع اليهود تنطبق على اتفاقات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

وتعليقا على ذلك، قال أستاذ التفسير والحديث في جامعة الكويت، الأمين العام لمؤتمر الأمة ورئيس حزب الأمة الكويتي، الدكتور حاكم المطيري: “سبق وأن فصلت القول في هذه القضية في دراسة فقهية بعنوان (الضوابط الشرعية لمعاهدات الصلح الدولية)، ونشرتها سنة 1995 في صحيفة الوطن الكويتية ردا على من حاول الاستدلال بفتوى الشيخ ابن باز رحمه الله”.

وأضاف لـ”عربي21“: “قياس التطبيع على صلح الحديبية قياس باطل الاعتبار، إذ إنه قياس في معارضة النص والإجماع، بل هو ضرب من التضليل للأمة، والتحريف للدين وأحكامه، وذلك من عدة وجوه”.

وتابع: “أول تلك الوجوه أن التطبيع ليس صلحا بالتعريف الفقهي الإسلامي، وهو وقف القتال لمصلحة، وإلى مدة أو دون تحديد، ما استقام العدو ولم ينقضه بعدوان أو غدر، كما ورد في قوله تعالى ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها﴾، بل إن التطبيع اليوم كما في بنود اتفاقياته موالاة صريحة للعدو، وموادة له، وتحالف معه، ويصل إلى حد تغيير المناهج التعليمية وتحريف النصوص الدينية من أجل تعزيزه”.

وقال: “أجمع الفقهاء على أن ذلك معاداة ظاهرة للأمة ودينها كما بدا جليا في إعلام الدول التي تطبع، واتباع لسبيل المجرمين وركون إليهم، ومظاهرة لهم على أهل فلسطين”، على حد قوله.

ولفت المطيري إلى أن “الله اشترط في الصلح ألا يكون فيه موالاة ومظاهرة للكافرين على المؤمنين، وإعانة لهم في عدوانهم عليهم: ﴿إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون﴾”.

وواصل الأكاديمي والباحث الكويتي، المطيري بيان وجوه فساد قياس التطبيع على صلح الحديبية، موضحا أن “التطبيع قائم أصلا على الاعتراف للعدو الصهيوني بأرض فلسطين، وتعزيز وجوده، ومده بأسباب القوة كالنفط والغاز، والتعاون معه على من يجاهده من أهلها”.

وقال: “أرض فلسطين دار إسلام موقوفة على المسلمين، وليس لأحد الحق في التنازل عنها للمحتل، فضلا عن التعاون معه على قتال أهلها الذين يجاهدونه”.

وبيّن أن “صلح الحديبية عقده الإمام العام للأمة آنذاك وهو النبي صلى الله عليه وسلم، وبوحي من الله كما قال لعمر حين اعترض عليه، فقال: (إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري)، وقال عن ناقته حين بركت (حبسها حابس الفيل)، فنزل قوله تعالى ﴿إنا فتحنا لك فتحا مبينا﴾، ولهذا لم يشاور النبي صلى الله عليه وسلم فيه الصحابة فلا يصلح القياس عليه أصلا”.

وأضاف: “لهذا قال كثير من أئمة التفسير بأنه منسوخ بالأحكام التي جاءت بعده، وقد كان الصلح على وقف القتال عشر سنين فقط، لا الاعتراف لهم، بينما التطبيع مؤبد على التنازل على أرض فلسطين التي ما زال أهلها يقاومون العدو المحتل”.

وشدد المطيري على أن “اتفاقيات التطبيع الحالية ليست عقدا للصلح، بل إعلان انسلاخ عن الأمة ودينها، وتول للعدو الصهيوني المحتل، وانحياز إليه، واصطفاف معه، وعلى فرض أنه عقد صلح فهو عقد باطل فاقد لأركان العقد وشروطه، لعدم أهلية العاقد الشرعية، ولعدم صحة التصرف في شؤون الأمة العامة، ولفقد كل شروط عقود الصلح في الفقه الإسلامي، فهو والعدم سواء”.

من جهته، استغرب الداعية والباحث الشرعي المغربي، حسن الكتاني “تلك الفتاوى التي تقيس التطبيع مع الاحتلال الصهيوني على صلح الحديبية”.

وتساءل: “ما الذي يدعو تلك الدول التي هرولت إلى التطبيع مع العدو الصهيوني للتصالح معه، وهم بعيدون عنه، وحدودهم لا تجاور حدوده، ولا يعانون من قتاله ومواجهته حتى يضطروا إلى ذلك؟”.

ولفت الكتاني إلى أن “الدول المهرولة باتجاه التطبيع لا يهمها أمر الفتوى أصلا، وهي لا تعبأ بها كثيرا، وربما أكثر من يفتي بذلك يتطوع من تلقاء نفسه لإصدار تلك الفتاوى”، منوها إلى أن “صلح الحديبية كان صلح عزة وفتح على المسلمين، الذي كان بوحي من الله، ومن الناحية الفقهية كان مقيدا بسنوات محددة، ولم يكن فيه اعتراف للعدو المغتصب بما اغتصبه من أرض المسلمين”.

وردا على سؤال “عربي21” حول الفروق الجوهرية بين التطبيع الحالي وصلح الحديبية، أكدّ الداعية المغربي الكتاني أنه “لا تصح المقارنة أصلا بينهما، فصلح الحديبية كانت فيه مصالح متحققة للمسلمين، أما التطبيع فلا مصلحة فيه البتة لأهل فلسطين ولقضيتهم، بل هو خذلان لهم وموالاة لعدوهم”.

وتابع: “كما أن صلح الحديبية كان محددا بعشر سنوات، وليس كالتطبيع الذي يعترف للكيان الصهيوني بحقه في فلسطين بصفة دائمة، ويتعامل معه وكأنه كيان طبيعي، لم يغتصب أرض فلسطين، ولم يهجر شعبها، ويسجن عشرات الألوف من أحرارها”.

وتساءل الكتاني: “كيف يغيب عن بال هؤلاء الذين يقيسون التطبيع على صلح الحديبية أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يصالح قريشا صلحا دائما، ولم يلق سلاحه، بل كان على أتم الاستعداد للجهاد والقتال إذا ما اقتضى الأمر ذلك، على عكس هؤلاء المطبعين الذين لا يفكرون يوما في مواجهة هذا العدو أو التصدي له، ويمتنعون عن مؤازرة إخوانهم أهل فلسطين، ودعم كفاحهم ضد المحتل الصهيوني”.

بدوره، رأى الأكاديمي والباحث الشرعي السوري، الدكتور أيمن هاروش، أن “فتاوى قياس التطبيع على صلح الحديبية هي مما يطلبه السلطان، ومكمن الخطأ في ذلك القياس يظهر حين تحدد من هم الأعداء الذين يعقد الصلح معهم”.

 

وقال: “فالرسول عليه الصلاة والسلام صالح مشركي قريش، وهذا أصل في جواز الصلح مع الأعداء”، متسائلا: “لكن من هم الأعداء الذين يمكن عقد الصلح معهم؟”، ليجيب: “بالتأكيد ليسوا المغتصبين للأرض، الناهبين لخيراتها، والمعتدين على حقوق أهلها كالعدو الصهيوني”.

وأضاف: “فمن المؤكد أن مشركي قريش –ومن كان مثلهم- لم يحتلوا أرضا للمسلمين، ولم يغتصبوا حقا من حقوق أهلها، ليكون صلح الحديبية من بعد ذلك تنازلا عن تلك الحقوق كلها، كما هو الحال في اتفاقيات التطبيع التي تعقد هذه الأيام، إذ إن الدول المطبعة تعاملت مع العدو الصهيوني ككيان طبيعي مع كونه عدوا مغتصبا ومجرما وقاتلا”.

وانتقد هاروش في حديثه لـ”عربي21” الذين أسماهم “أصحاب النظر الأعور، الذين يستدلون ببعض النصوص الدالة على أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم العالية في تعامله الكريم والرحيم مع اليهود وغيرهم، كزيارته لمريض يهودي، أو وقوفه لجنازة يهودي، أو تزوجه من ابنة يهودي (بعد إسلامها)، فهذا كله يتحدث عن المعاملة الإنسانية مع أهل الكتاب غير المحاربين للمسلمين، من غير أن ينظروا بالعين الأخرى للنصوص التي تأمر بقتال المعتدين المغتصبين للحقوق”.

وختم حديثه مشددا على أن “الصلح الذي أجازه العلماء مع أي عدو له عدة شروط، منها تحقيقه لمصلحة حقيقية للمسلمين، والتطبيع اليوم لا مصلحة للمسلمين فيه، بل كله مفاسد، لأنه في حقيقته تنازل عن حق الفلسطينين في أرضهم، والتنازل عن المقدسات والقدس، والتسليم لدولة الاحتلال في ما اغتصبته من أراضي فلسطين واستولت عليه من خيراتها وممتلكاتها”.

(المصدر: عربي21)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى