كتابات مختارة

«المسلمون الأميركيون»… صورة غامضة


ليومين متتاليين، صومالية وصومالي في واجهة الأخبار الأميركية. الفتاة حليمة ايدين المولودة في كينيا والمهاجرة إلى الولايات المتحدة في السابعة من عمرها، تنافس في مسابقة ملكة جمال ولاية مينيسوتا مرتدية «البوركيني» باعتبارها مسلمة محجّبة، والشاب عبدالرزاق علي أرتان يقتحم بسيارته حرم جامعة في أوهايو فيصدم عدداً من الطلاب ثم يهاجمهم بساطور فيجرح 11 ثم يتبنّى «داعش» العملية. وكان أرتان كتب على «فايسبوك» قبل الجريمة مادحاً أنور العولقي و «منذراً» أميركا لتكفّ عن تدخُّلها في «أمة الإسلام».
الحقيقة أن المسلمين غير مستهدفين دينياً وثقافياً في أميركا بل أمنياً، منذ صدمة 11 سبتمبر، والمجتمع هناك، قبل الدولة وبعدها، يحترم الأقليات وعقائدها، ويستمر هذا الاحترام بعد جريمة تفجير البرجين في نيويورك فينتخب الأميركيون رئيساً أسود من أصول إسلامية، ونائباً عن مينيسوتا هو كيث أليسون الذي اعتنق الإسلام في التاسعة عشرة من عمره وأقسم اليمين في الكونغرس واضعاً يده على المصحف، وهو إلى الآن نائب عن الحزب الديموقراطي. لكن الإرهاب باسم الإسلام تجدّد بعد التغيرات في رأس «القاعدة» وولادة «داعش»، فارتُكبت جرائم في برناردينو وأورلاندو ومينيسوتا قبل جريمة أوهايو التي نفّذها الشاب الصومالي. وعلى رغم ذلك، لم يلحق بالمسلمين الأميركيين الأذى الذي لحق باليابانيين الأميركيين في الحرب العالمية الثانية بعد قصف طيران وطنهم الأصلي قاعدة بيرل هاربر حيث الأسطول الأميركي، واضطرت الحكومة آنذاك إلى إسكان هؤلاء في تجمّعات خاصة لئلا يتعرّضوا لمزيد من الغضب الشعبي.
الكلام على مسلمين أميركيين يبدو غامضاً حين يتجاوز الثقافة الوطنية للبلاد التي أتوا منها، وعلى رغم الجامع الديني ثمة فروق بين هؤلاء تتصل بالإرث الثقافي والتاريخي. وتقتضي الدقة بالمعنى السوسيولوجي أن لا نخلط بين المسلم المصري وذاك المغربي أو الإيراني أو الأفغاني أو التركي أو العراقي أو الروسي الخ… لكن البارز بعد 11 سبتمبر هو قراءة صورة المسلمين من خلال المساجد التي تجمعهم في الصلوات والأعياد، على رغم أن النظرة العابرة لا تخطئ تنوُّع هذه الصورة وألوانها في اللغات والوجوه والأزياء وحركات الجسد العفوية.
مع التصنيف الديني السائد هذه الأيام، تُطوى النظرة التقليدية إلى الجاليات بحسب أصولها الوطنية، وأبرز مثال هو الجالية المصرية التي تتفرّع عفوياً إلى مسلمين وأقباط، على رغم صلة الطرفين بالوطن الأم حكومة وشعباً، وهما لا يجتمعان إلاّ في المناسبات التي تحييها السفارة أو لدى زيارة مسؤول مصري واشنطن.

وعلى رغم التحفُّظ عن تعميم الصفة الدينية وإغفال الصفة الوطنية، فإن الجاليات الإسلامية في الولايات المتحدة تحاول مواجهة تهمة الإرهاب التي يرتكبها عدد من أبنائها، ويتم ذلك بقدر غير كافٍ أمام عِظَم التهمة والمهمات الناتجة منها، لذلك لا بد من إعادة الاعتبار للذاكرة الثقافية الجامعة كما كانت في الوطن الأم، والتنبُّه، في ما يخص المسلمين، إلى اختلاف النظرة الى الوطن الجديد، أميركا، بين الجيل الأول لهؤلاء والجيلين الثاني والثالث. والمشكلة هنا في الجيل الثاني الذي يهجس كثيراً بفكرة الهوية ويفرز نزعات انعزالية تؤدي أحياناً الى العدوانية، ويخرج من هذا الجيل معظم الإرهابيين الذين يحاولون تحطيم المجتمع الأميركي لمصلحة ما يظنونه هوية إسلامية عابرة للقوميات والدول، كما يروّج لها القادة المتخلّفون المستبدّون لـ «القاعدة» و «داعش» وما يماثلهما.
معالجة خلل الجيل الثاني مطلوبة من الجيل الأول الجامع بين الإيمان الإسلامي والانخراط في المجتمع الجديد، ومن الجيل الثالث الذي يلتفت بعطف إلى وطن المنشأ لكنه يفضّل وطنه الجديد وينتمي إليه قانونياً وقيمياً. ويضاف إلى واجبات الجيلين الأول والثالث تعزيز اهتمام المؤسسات الأميركية بالمواطنين المسلمين ليستطيعوا مواجهة ضغوط أوطانهم الأصلية الغارقة في حروب ونزاعات دينية عبثية تعطّل معاني الإيمان.
المصدر: صحيفة الحياة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى