كتابات

المؤسسة الدينية التركية والانقلاب العسكري

بقلم د. عصام تليمة

لا تخطئ عين الباحث والراصد للانقلاب العسكري التركي الذي لا يزال يتابع الناس أحداثه وآثاره، الدور الكبير الذي قامت به المساجد من حيث التكبير والتهليل، وحشد الناس للنزول ضد هذا الانقلاب، ربما لا يستغرب أي باحث للحركات الإسلامية أو المؤسسة الدينية أن يكون ذلك في بلاد عربية، عاشت فيها الحركة الإسلامية فترة ازدهار كبير، لكن أن يكون في تركيا، حيث المعروف عن نظام أتاتورك وحكمه الذي قام بالأساس على عزل المؤسسة الدينية عن الحياة العامة، فحتى الأئمة لا يسيرون في الطرقات بلباس الإمامة، بل يرتدون البذلة، أو القميص والبنطلون في الشوارع كبقية الناس، وعندما يريدون تأدية الصلاة يلبسون في غرفة الإمام الجبة والعمامة. وحتى المظهر العام للإمام ليس متوافرا في الطريق العام، كشأن كل البلاد العربية التي يتميز فيها الشيخ بلباسه وهديه الظاهري.

 المتابع لمسيرة المؤسسة الدينية منذ قيام مصطفى كمال أتاتورك بإسقاط الخلافة واستبدالها بالنظام العلماني، سيجد أن الخط المتبع هو تنحية الدين تماما عن الحياة، وكانت أي محاولة لإعادة شعيرة من شعائر الإسلام تكون بحيلة معينة، فعودة الأذان والمدارس الدينية (إمام وخطيب) المعروفة في تركيا حاليا، على عهد عدنان مندريس، كان لعودتها سبب غير مباشر، ليمر من نظام الحكم العلماني، فعندما كان عدنان مندريس في طائرة الرئاسة ومعه الوزراء، وأرادت الطائرة الهبوط، لم ينزل عجل الطائرة لتهبط، فاضطر قائد الطائرة للتحليق في الجو حتى يتهيأ له النزول، فدعا عدنان مندريس وتعاهد مع الوزراء معه: إن هبطنا بسلام، وكتب الله لنا النجاة، سنعيد الأذان بالعربية شكرا لله على نجاتنا، وقد كان، ولم يكن من مظاهر الدين إلا مراسم دفن الموتى، فاتخذ مندريس ذلك ذريعة لتدريس الدين، فغسل وتكفين ودفن الميت يتم بشكل ديني لا يحسنه إلا فئة معينة، ويحتاج ذلك إلى تدريسه، فتم تخصيص هذه المدارس لتعلم الناس الغسل والكفن والدفن، وكانت مدخلا للتوسع والتطوير لتصبح مدارس (إمام خطيب) المعروفة في تركيا بقوة تعليمها، وكل ذلك تم بعيدا عن المؤسسة الدينية، بل كان عن طريق سياسيين لهم توجه ديني.

 وعندما تفجرت قضية الحجاب في تركيا، وخاض غمار معركتها حزب العدالة والتنمية في تركيا، كان موقف المؤسسة الدينية الصمت، وعدم الاصطفاف مع العدالة والتنمية في قضية دينية مهمة كتلك، معتبرا أن نقاش البرلمان نقاش سياسي حزبي يخص الأحزاب، وألا تدخل طرفا فيه، فما الجديد هذه المرة في أداء المؤسسة الدينية؟

 باعتقادي أن الأمر يعود إلى من يقوم بأمر المؤسسة الدينية الآن، وهو الدكتور محمد كرموز، فالرجل وإن لم يكن له انتماء سياسي، إلا أنه يختلف عن سابقيه كثيرا، فالرجل على درجة من العلم، وفهم إسلامي معتدل ومتميز، وإلمام باللغة العربية يتحدثها بطلاقة، نظرا لدراسته في مصر، فتحولت في عهده المؤسسة الدينية كثيرا من حيث أداء دورها، والنهوض بأئمتها، وتواصله الدائم مع علماء الأقطار الإسلامية، ومحاولة الاستفادة من كل خبرة تؤدي إلى تطوير المؤسسة الدينية، ولعل آخر مؤتمر نظمته الشؤون الدينية في تركيا تدل على ذلك، وكان عن: توحيد الأهلة بين المسلمين، وهي قضية تثار كل عام من حيث صيام رمضان والعيد، جمع فيه عددا كبيرا من علماء المسلمين على مستوى العالم لهذا الغرض، فوجوده على رأس المؤسسة فرق كثيرا في أدائها والاهتمام بالمساجد شكلا ومضمونا، وهو ما تدعمه في ذلك الحكومة والرئيس أردوغان.

 العامل الأهم هنا إضافة للعامل السابق هو أن الانقلاب العسكري في تركيا هذه المرة اختلف اختلافا جذريا عن كل الانقلابات السابقة، ففي السابق كان الشعب التركي يستيقظ على انقلاب يقوم به العسكر، ويعزل الحاكم، أو الحكومة، ثم محاكمته، حتى وإن أدى لإعدام سياسيين، فلا يشعر المواطن التركي بخطورته أو المساس بحياته الخاصة، لكن في هذه المرة كان الانقلاب فجّا في خروجه، فلأول مرة يشاهد المواطن التركي دهس المواطنين في الشارع بالدبابات، ويشاهد قتل المواطنين في الشارع من الانقلابيين العسكر، وقصف مواقع للدولة، ومراكز خدمات للمواطنين، فكان ذلك حافزا للجميع، وبخاصة مؤسسات المجتمع القوية وعلى رأسها المساجد والأئمة للتعبير الصريح عن موقفها، دون خوف الاتهام بتوظيف الدين، فالانقلاب العسكري في حقيقته هو خيانة للمؤسسات الوطنية والوطن، فكان من المنطقي أن تخرج أهم مؤسسة (المساجد) عن صمتها، أو الحياد في وقت لا يقبل منها، فكان الهتاف والتكبير والحشد من المساجد لمواجهة الانقلاب العسكري في تركيا.

*المصدر : موقع عربي 12

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى