كتب وبحوث

الصُّهيونيَّة المسيحيَّة: محرّك سياسات “ورثة كورش” تجاه العالم الإسلامي – 3 من 6

الصُّهيونيَّة المسيحيَّة: محرّك سياسات “ورثة كورش” تجاه العالم الإسلامي – 3 من 6

 

إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

 

دور التراث اليهودي-المسيحي في “الحرب على الإرهاب” بعد أحداث 11/9

شارك عدد من أبرز السياسيين الأمريكيين، على رأسهم جورج دابليو بوش وعدد من رؤساء أمريكا السابقين، في اجتمع ديني عُقد في الكاتدرائيَّة الوطنيَّة، إحياءً لذكرى ضحايا تفجير برجي التجارة في نيويورك في 11 سبتمبر من عام 2001 ميلاديًّا. حرص بوش خلال كلمته على الإشارة إلى الواجب الديني تجاه العالم بتخليصه من الأفكار المتشدِّدة، الناشرة للإرهاب، واختُتم الحدث الكبير بترتيل نشيد “The Battle Hymn of the Republic-ترتيلة الجمهوريَّة للحرب”. يعلِّق شعبان على ذلك بقوله أنَّ هذا النشيد وثيق الصلة بالتراث اليهودي-المسيحي في أمريكا؛ حيث أنَّ أبياته تردِّد المجيء الثاني للمسيح ليقهر الأمم الكافرة به، ويسحق قوى الشر (ص181).

يعني ذلك أنَّ الحرب على أفغانستان (2001)، الممهِّدة للحرب على العراق (2003)، انطلقت بدافع ديني من أعلى منبر الكاتدرائيَّة الوطنيَّة؛ برغم ما يشيعه السياسيُّون الأمريكيُّون عن فصل الدين عن السياسة، وقد دحض الدبلوماسي والمؤرِّخ الفرنسي ألكسيس دو توكفيل، في كتابه De La Démocratie en Amérique (1823)، أو عن الديموقراطيَّة في أمريكا، بقوله “ليس هنالك دولة في العالم يمارس فيها الدين المسيحي تأثيرًا ونفوذًا في نفوس الناس أكثر من أمريكا”، نقلًا عن شعبان (ص207). تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى موقف الرئيس الأسبق جون كينيدي، الذي اغتيل عام 1963 ميلاديًّا قبل إتمام فترته الرئاسيَّة الأولى، الرافض لإملاءات رجال الكنيسة الكاثوليكيَّة، التي كان يتبعها، على رئيس الولايات المتَّحدة، والرافض كذلك لتأثير قساوسة البروتستانتيَّة على آراء الناخبين. يتناقض هذا الموقف مع ما صرَّح به الرئيس الأسبق بيل كلينتون عام 1997 ميلاديًّا، خلال فترته الرئاسيَّة الثانية، عن انتهاء الفترة التي كان يخشى فيها الرؤساء والسياسيُّون التصريح بانتماءاتهم الدينيَّة، أو ممارسة شعائرهم في العلن.

يشير شعبان إلى أنَّ تأثير اليمين المسيحي في الحياة السياسيَّة قد تنامى في النصف الثاني من القرن العشرين، وسبق الإشارة إلى حرص رونالد ريجان، خلال حملته الرئاسيَّة لعام 1980، اللعب على وتر المشاعر الدينيَّة، مما شجَّع اليمين المسيحي وقتها على تأسيس لجنة باسم “مسيحيُّون من أجل ريجان”، بهدف جمع تبرُّعات لصالح حملته. جاء ذلك استجابةً لسعي منافسه والرئيس الحاكم وقتها، جيمي كارتر، إلى فصل السياسة عن الدين. ويقدِّم المبشِّر، والقس المعمداني، جيري فالويل نموذجًا لتدخُّل الكنيسة في السياسة، بدعم العلني لحملات المرشَّحين الجمهوريين، رونالد ريجان وجورج بوش (الأب) وجورج دابليو بوش، الذين وصفهم بأنَّهم “وسائل الله لإعادة بناء أمريكا”، نقلًا عن شعبان (ص210).

نشأة اليمين المسيحي

يأخذنا شعبان إلى مسألة في غاية الأهميَّة، وهي التحالف اليهودي مع الأصوليين المسيحيين في توجيه السياسة الأمريكيَّة لما يخدم عقيدة مجيء المخلِّص. صحيح أنَّ اليمين المسيحي، وهو أحد أحدث أفرع المسيحيَّة الأصوليَّة، قد نشأ حديثًا، في القرن الماضي، لكنَّه يدبُّ بجذوره، بلا شك، في عقيدة المهاجرين الأوائل، من الطهوريِّين. انبثقت العقيدة الطهوريَّة عن الكالفينيَّة، وهو مذهب بروتستانتي أشدُّ تطرُّفًا من المذهب الذي خرج به مارتن لوثر. بدأ نشاط اليمين المسيحي في العقد الثاني من القرن العشرين، ووصف نفسه بـ “الأصولي” (fundamental)؛ نظرًا لسعي أتباعه إلى العودة إلى أصول الدين، وتنقيته ممَّا اعتبروه “ليبراليَّة متزايدة” أحدثت “تشويهًا للدين الصحيح” (ص237). يفرِّق شعبان بين الأصوليَّة المسيحيَّة (Christian fundamentalism) والحركة الإنجيليَّة (Evangelicalism)، موضحًا أنَّ الأصوليَّة تمثِّل اليمين المتطرِّف للحركة الإنجيليَّة، التي تتَّسم بقدر من التسامح والليبراليَّة والقدرة على التعايش مع أصحاب المذاهب الأخرى، على عكس المذهب الأصولي. ومن أهم مبادئ اليمين المسيحي: 1-الإيمان بعدم تحريف الكتاب المقدَّس وعصمته، وبأنَّ كلَّ ما فيه وحي إلهي؛ و2-الإيمان بنبوءات الكتاب المقدَّس والاسترشاد بها؛ و3-الإيمان بوجود صراع بين قوى الشر والخير سيُحسم في معركة أرمجدون.  إضافة إلى تلك المبادئ، يؤمن اليمينيُّون بمبدأ أطلقوا عليه “Double Covenant-العهد المزدوج”، الذي يزعم وجود علاقة خاصَّة بين اليهود والربِّ، انطلاقًا من الآية 3 من إصحاح 12 في سفر التكوين، كما سبق الإشارة. لا يحتاج اليهود إلى الإيمان بيسوع الناصري مخلِّصًا لهم بفضل عهد الربِّ لأبرام، الذي أُثبت بطلانه، في تحدٍّ صريح لما جاء على لسان يسوع في إنجيل يوحنَّا، عن حتميَّة الإيمان به للوصول إلى الربِّ “أنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي” (إنجيل يوحنَّا: إصحاح 14، آية 6).

عُرفت الأصوليَّة المسيحيَّة بالصهيونيَّة المسيحيَّة بسبب دفاعها المستميت عن حقِّ اليهود في العودة إلى الأرض المقدَّسة، وتأسيس دولة لهم هناك، الذي يتزامن مع حدوث كوارث طبيعيَّة وحروب كونيَّة من شأنها تغيير خارطة العالم. ويمارس زعماء اليمين المتطرِّف ضغوطًا شديدة على الإدارة الأمريكيَّة لكيلا لا تمنح الفلسطينيين حقَّهم في السيادة على مساحة من الأرض المقدَّسة. ويشير شعبان إلى موقف القس جيري فالويل من زيارة بنيامين نتنياهو، إبَّان فترته الأولى رئيسًا لوزراء إسرائيل (1996-1999 ميلاديًّا)، للولايات المتَّحدة، لمَّا نظَّم فالويل اجتماعًا ضمَّ عددًا من زعماء الأصوليَّة المسيحيَّة، واتَّفقوا على السعي إلى دفع الرئيس الأمريكي حينها، بيل كلينتون، لعدم إجبار إسرائيل على منح الفلسطينيين سلطة على بعض الأراضي. ينقل شعبان عن فالويل قوله “لدينا أكثر من 200 ألف راعي كنيسة إنجيلي في أمريكا. وقد طلبنا منهم جميعًا الصعود على منابرهم واستعمال نفوذهم لدعم دولة إسرائيل ورئيس وزرائها” (ص247).

لا يدَّخر اليمين المسيحي جهدًا في دعم إسرائيل، ماليًّا وسياسيًّا، ولا يخفي زعماء هذه الحركة ولاءهم لإسرائيل؛ حيث يعتبرون أنَّ قضيَّة إسرائيل حيويَّة الطابع بالنسبة إلى أمريكا. تعليقًا على ذلك، يقول فؤاد شعبان “من الطبيعي أن يصبَّ قادة اليمين المسيحي جامَّ غضبهم على العرب والمسلمين، وأن يستثيروا كراهية العامَّة من الأمريكيين للإسلام والعرب بدعاياتهم المتواصلة عبر كلِّ وسيلة ممكنة” (ص254). يعيدنا هذه التعليق إلى موضوعنا الأساسي، وهو دور الصهيونيَّة في نشر رهاب الإسلام-الإسلاموفوبيا-وطبيعة مراميها ووسائلها في سبيل تحقيق تلك الغاية. ومن بين وسائل إثارة المشاعر السلبيَّة تجاه المسلمين، إبراز معاناة اليهود من “الإرهاب الفلسطيني”، الأمر الذي يستوجب الدعم الأمريكي. وتنشر وزارة الشؤون الخارجيَّة الإسرائيليَّة على موقعها https://mfa.gov.il تقريرًا تتناول فيه تاريخ “الإرهاب” الذي أطلقه الفلسطينيُّون ضدَّ المستوطنين اليهود، منذ تأسيس دولة إسرائيل، وحتَّى حرب الأيام الستَّة، تعنونه “أيُّهما بدأ قبل الآخر: الإرهاب أم الاحتلال؟”.

يعمل التقرير على دحض مزاعم قادة حركات المقاومة الفلسطينيَّة بأنَّ “الإرهاب الفلسطيني” ولَّده الاحتلال، وأنَّ “العنف” لن يتوقَّف إلَّا عند انتهاء الاحتلال. يسوق التقرير أدلَّة على أنَّ العمليَّات الإرهابيَّة الفلسطينيَّة، والمقصود عمليَّات المقاومة ورفض الاحتلال، قد بدأت قبل احتلال الضفَّة الغربيَّة وقطاع غزَّة في حرب 5 يونيو/حزيران 1967 ميلاديًّا.

عداء اليمين المسيحي للإسلام وراء نشر الإسلاموفوبيا

ينقلنا الحديث عن الإرهاب المنسوب إلى المسلمين، إلى تتبُّع أصل العداء من جهة اليمين المسيحي تجاه الإسلام، العداء الذي دفع اليمين المسيحي إلى تعمُّد الحط من قدر الإسلام ومعتقيه وإلصاق أبشع الصفات بهم. يرى شعبان أنَّ الإيمان بالحتميَّة القدريَّة والتدبيريَّة الإلهيَّة من أهم أسباب عداء اليمين المسيحي للإسلام، الذي يُرى باعتباره العنصر السلبي في المعادلة الكونيَّة، ولن ينتهي الشرُّ إلَّا بالقضاء عليه في معركة كونيَّة، هي مجيدو. لن ننسى أنَّ الحملات الصليبيَّة في الفترة ما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر للميلاد، استهدفت استعادة الأرض المقدَّسة من أيدي المسلمين؛ ولن ننسى كذلك أنَّ نفس الدافع كان وراء حملة كريستوفر كولومبوس الاستكشافيَّة أواخر القرن الخامس عشر. غير أنَّ العداء تجاه الإسلام اتَّخذ شكلًا متطوِّرًا في ظلِّ الإيمان بعقيدة ألفيَّة المسيح، التي تشكِّل شقًّا أساسيًّا في المذهب الأصولي. لإيمانهم بحُكم الألف عام بعد القضاء على كافَّة الأمم غير المؤمنة بالمسيح/المخلِّص، يعتقد اليمين المسيحي بأنَّ استئصال شأفة الإسلام سيعجِّل بمجيئه. إلى جانب رميه بالتشدُّد والانغلاق على الآخرين والميل إلى العنف ومعاداة اليهود والمسيحيين وكراهية المرأة، يُقرن الإسلام بالتأخُّر عن ركب الحضارة والعجز عن اللحاق بركب المدنيَّة.

دور الإيمان بالنبوءات المستقبليَّة في تشكيل واقع أمريكا

يأتي الإيمان بعقيدة ألفيَّة المسيح على رأس العقائد التي يؤمن بها اليمين المسيحي، والتي تتلخَّص في مجيء المسيح نهاية الألفيَّة السادسة، وفق التقويم اليهودي، ليحكم العالم ألف عام، ينعم فيها المؤمنون به بالسلام والأمن والرفاهية. وفق هذه العقيدة، يستأثر أتباع المسيح بالفضل كلِّه، ويظهرون على الأمم، التي يصير الباقون من أبنائها عبيدًا لهم. يُعزى التأثير الأكبر في نشر عقيدة الألفيَّة إلى ثلاثة من المفكِّرين الأمريكيين، هم سيروس سكوفيلد، وويليام بلاكستون، وجون نيلسون داربي؛ ولعلَّ كتاب Jesus is Coming-المسيح قادم (1878) لويليام بلاكستون من أشهر المؤلَّفات التي أحدثت صدى واسعًا في الأوساط الأدبيَّة، إلى جانب ما حققه من مبيعات هائلة.

 وفق رأي شعبان، كان لكتاب المسيح قادم عظيم الأثر في انتشار الدعوات إلى عودة اليهود إلى الأرض المقدَّسة لتأسيس مملكة الربِّ، كما كان لمواعظ مؤلِّفه الفضل الأكبر في إقناع العامَّة بضرورة مساندة قضيَّة تأسيس إسرائيل، إلى درجة أنَّ البعض يعتبره “أب الصهيونيَّة”، بأن سبقت جهوده جهود تيودور هرتزل. أسَّس بلاكستون عام 1887 ميلاديًّا إرساليَّة شيكاغو العبريَّة، وقطع رحلة إلى المشرق الإسلامي، زار فيها فلسطين، لتترك في نفسه أثرًا كبيرًا، خاصَّة مع وضعه نصب عينيه وعد سفر ارميا بإعادة بناء المدينة المقدَّسة-أورشليم-لتكن مملكة أبديَّة ” «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَتُبْنَى الْمَدِينَةُ لِلرَّبِّ مِنْ بُرْجِ حَنَنْئِيلَ إِلَى بَابِ الزَّاوِيَةِ. وَيَخْرُجُ بَعْدُ خَيْطُ الْقِيَاسِ مُقَابِلَهُ عَلَى أَكَمَةِ جَارِبَ، وَيَسْتَدِيرُ إِلَى جَوْعَةَ. وَيَكُونُ كُلُّ وَادِي الْجُثَثِ وَالرَّمَادِ، وَكُلُّ الْحُقُولِ إِلَى وَادِي قَدْرُونَ إِلَى زَاوِيَةِ بَابِ الْخَيْلِ شَرْقًا، قُدْسًا لِلرَّبِّلاَ تُقْلَعُ وَلاَ تُهْدَمُ إِلَى الأَبَدِ»” (سفر ارميا: إصحاح 31، آيات 38-40).

في دراسة تحت عنوان “The Father –of Zionism: William Blackstone-أب الصهيونيَّة: ويليام بلاكستون؟” (2010)، يستعرض جوناثان مورهيد إسهامات بلاكستون الفعَّالة في خدمة الصهيونيَّة الأمريكيَّة، وتعزيز العلاقات اليهوديَّة-المسيحيَّة، ولعلَّ أبرز ما يخوِّله لأن يستحق لقب “أب الصهيونيَّة”، أنَّه دعا إلى أوَّل مؤتمر صهيوني عام 1890 ميلاديًّا، عقب عودته من فلسطين، ليسبق بذلك مؤتمر الصهيونيَّة الأوَّل، الذي عقده هرتزل في أغسطس من عام 1897 ميلاديًّا. عَقَد بلاكستون مؤتمره يومي 24 و25 نوفمبر من عام 1890 في مقر الكنيسة الأسقفيَّة الميثوديَّة الأولى في شيكاغو، بمشاركة ربَّانيين وقساوسة، وكان أهم قرار اتُّخذ إبداء التعاطف تجاه قضيَّة اليهود في العالم، والدعوة إلى عقْد مؤتمر عالمي للنظر في أحوال اليهود، وفتح مجال الحديث عن إمكانيَّة استعادة فلسطين لتأسيس وطن قومي لليهود على أرضها.

تُضاف جهود ويليام بلاكستون إلى جهود سيروس سكوفيلد في نشر عقيدة الألفيَّة، والتي كان من أشهرها The Scofield Reference Bibleالكتاب المقدس المرجعي (1909)، وهو مؤلَّف يتناول شرح عقيدة التدبيريَّة الإلهيَّة، والنبوءات المستقبليَّة في الكتاب المقدَّس، والدور الذي تفرضه الحتميَّة القدريَّة على أمريكا في تأسيس مملكة الربِّ، دولة إسرائيل.

حرب كونيَّة في آخر الزمان تُظهر إسرائيل على سائر الأمم

من بين أهم العقائد التي تشكِّل الفكر الأمريكي المستقبلي الوعد بوقوع حرب كونيَّة، تدور رحاها على الأرض المقدَّسة، تهلك خلالها الأمم، عدا أتباع المسيح/المخلِّص، وهي معركة مجيدو. وإلى جانب ما ورد عن هذه المعركة في سفر رؤيا يوحنَّا اللاهوتي، يذكر سفر دانيال (إصحاح 9) بعض تفاصيل المرحلة التي تقع فيها المعركة، مشيرًا إلى وقوع اليهود وقتها تحت سيطرة ملك شرِّير، يُطلق عليه “ضدُّ المسيح”. سبقت الإشارة بالتفصيل، في الدراسة عن أصل عقيدة “المسيَّا المخلِّص” ما بين المصادر الإسلاميَّة والكتاب المقدَّس، إلى رؤيا السبعين أسبوعًا في سفر دانيال، والتي تفصِّل مستقبل بني إسرائيل منذ عودتهم من السبي البابلي وحتَّى ظهور المخلِّص، وتحدِّد سبعين أسبوعًا تفصل الفترتين. وبرغم تركيز الرؤيا على فترة وقعت بالفعل قبل ظهور المسيح يسوع بن يوسف، يعتقد اليهود والبروتستانت في انطباقها على الأحداث المصاحبة لظهور المخلِّص في آخر الأيَّام. في الأسبوع الأخير من تلك الفترة، يتسلَّط على اليهود فيها “ضدُّ المسيح” ويعمل على إهلاكهم، ولكن يظهر المخلِّص الحقيقي نهاية الأسبوع ليقضي عليه.

وتُعرف تلك الفترة بسنوات “المحنة الكبرى” (Tribulation Years)، وقد ورد ذكرها في العهد القديم، في سفر دانيال “وَشَعْبُ رَئِيسٍ آتٍ يُخْرِبُ الْمَدِينَةَ وَالْقُدْسَ، وَانْتِهَاؤُهُ بِغَمَارَةٍ، وَإِلَى النِّهَايَةِ حَرْبٌ وَخِرَبٌ قُضِيَ بِهَا. وَيُثَبِّتُ عَهْدًا مَعَ كَثِيرِينَ فِي أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ، وَفِي وَسَطِ الأُسْبُوعِ يُبَطِّلُ الذَّبِيحَةَ وَالتَّقْدِمَةَ، وَعَلَى جَنَاحِ الأَرْجَاسِ مُخَرَّبٌ حَتَّى يَتِمَّ وَيُصَبَّ الْمَقْضِيُّ عَلَى الْمُخَرِّبِ” (سفر دانيال: إصحاح 9، آيتان 26-27)؛ أمَّا في العهد الجديد، فقد ذُكرت تلك الفترة في إنجيل متَّى “يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ” (إنجيل متَّى: إصحاح 24، آية 21). أمَّا عن وصف “ضدِّ المسيح” وأفعاله، فقد ذُكر ذلك في رسالة بولس الرَّسول الثانية لأهل تسالونيكي “يُسْتَعْلَنْ إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَكِ. الْمُقَاوِمُ وَالْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلهًا أَوْ مَعْبُودًا، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ اللهِ كَإِلهٍ، مُظْهِرًا نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلهٌ” (رسالة تسالونيكي 2: إصحاح 2، آيتان 3-4)، مما يعني أنَّه مدَّعٍ للألوهيَّة، يدعو الناس لعبادته، وهذا ينطبق على الأعور الدجَّال. يأتي المخلِّص-المسيح بن يوسف عند المسيحيين والماشيح بن داود عن اليهود-ليقتل المسيح الكاذب، ويقهر قوى الشرِّ في معركة مجيدو، لتبدأ الألفيَّة الموعودة.

تفصِّل رؤيا يوحنَّا اللاهوتي هذه المرحلة، بدءًا بالاستعداد إلى معركة مجيدو “جَمَعَهُمْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُدْعَى بِالْعِبْرَانِيَّةِ «هَرْمَجَدُّونَ». ثُمَّ سَكَبَ الْمَلاَكُ السَّابعُ جَامَهُ عَلَى الْهَوَاءِ، فَخَرَجَ صَوْتٌ عَظِيمٌ مِنْ هَيْكَلِ السَّمَاءِ مِنَ الْعَرْشِ قَائِلًا: «قَدْ تَمَّ!». فَحَدَثَتْ أَصْوَاتٌ وَرُعُودٌ وَبُرُوقٌ. وَحَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ، لَمْ يَحْدُثْ مِثْلُهَا مُنْذُ صَارَ النَّاسُ عَلَى الأَرْضِ، زَلْزَلَةٌ بِمِقْدَارِهَا عَظِيمَةٌ هكَذَا” (رؤيا يوحنَّا: إصحاح 16، آيات 16-18)، ومرورً بمجيء المخلِّص ” ثُمَّ رَأَيْتُ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ يُدْعَى أَمِينًا وَصَادِقًا، وَبِالْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ. وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ تِيجَانٌ كَثِيرَةٌ، وَلَهُ اسْمٌ مَكْتُوبٌ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ إِّلاَ هُوَ. وَهُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ، وَيُدْعَى اسْمُهُ «كَلِمَةَ اللهِ»” (رؤيا يوحنَّا: إصحاح 19، آيات 11-13)، وانتهاءً بالقضاء على ضدِّ المسيح “فَقُبِضَ عَلَى الْوَحْشِ وَالنَّبِيِّ الْكَذَّابِ مَعَهُ، الصَّانِعِ قُدَّامَهُ الآيَاتِ الَّتِي بِهَا أَضَلَّ الَّذِينَ قَبِلُوا سِمَةَ الْوَحْشِ وَالَّذِينَ سَجَدُوا لِصُورَتِهِ. وَطُرِحَ الاثْنَانِ حَيَّيْنِ إِلَى بُحَيْرَةِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ بِالْكِبْرِيتِ” (رؤيا يوحنَّا: إصحاح 19، آية 20).

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى