كتابات

الشيخ ونيس المبروك يوضح مفهوم “الأطعمة الحلال” خلال مؤتمر في اسطنبول

الشيخ ونيس المبروك يوضح مفهوم “الأطعمة الحلال” خلال مؤتمر في اسطنبول

ألقى الشيخ ونيس المبروك، عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين كلمة له في مؤتمر “مقاييس الأطعمة الحلال في اسطنبول”، والذي انعقد في مدينة اسطنبول التركية.

وأكد الشيخ المبروك أن “موضوع “الأطعمة الحلال” ليس أمراً هامشياً، أو موضوعاً يتعلق بترف الحديث أو كماليات الحياة، كما يظن بعض الناس، وانما هو عبادة لله تعالى بما تحمل هذه الكلمة من معنى عميق، وهي عبادة يومية يمارسها الإنسان بدافع الفطرة والغريزة، بل لعلها أول حدث يمر بسيدنا آدم عليه السلام وزوجه ، حيث دفعته غريزة الطعام إلى الإنصات لإغواء الشيطان، فقد كانت الخطيئة الأولى بسبب رغبة وتطلع إلى “الطعام” وهذا يظهر أو يشير لأهمية الطعام وتأثيره في سلوك الإنسان”.

وأضاف أن “أكل الحلال وطيب الطعام، قضية دينية قطعية لا اختلاف حولها ولا شك في ثبوتها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً”، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: (ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا)، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم)”.

الأكل الحلال

وحول السؤال المطروح: ما هو الأكل الحلال؟، بين الشيخ ونيس المبروك الاجابة بقوله:

إن الإسلام لم يجعل الجواب متروكاً لاجتهادات البشر، لأنه يعتبر هذه المسألة من مسائل الدين وعلامة من علامات التدين كما أسلفنا، ولهذا فإن القرآن والسنة بينا لنا ماهي أصناف الحلال، وكيفية ذبحها وشروط صحة الذبح وغير ذلك ،بل بين لنا كل ما يتعلق بذلك من آداب.

فبين الإسلام أولاً الأصناف التي لا يجوز أكلها … قال تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم، وما ذبح على النصب وأن تستقسمها بالأزلام، ذلكم فسق).

والميتة: هي ما مات حتف أنفه سواء موتاً عادياً أو بالشيخوخة أو بالاصابة بالأمراض أو بالذبح دون الإلتزام بالذكاة الشرعية.

الدم: هو الدم المسفوح، ما أهل لغير الله به: ماذبح لغير الله تعالى إو ذكر غير اسم الله، المنخنقة: هي التي تخنق فتموت، الموقوذة: هي التي ضربت بعصا أو بحجر فقتلت، المتردية: هي التي تردت من مكان عال فماتت، والنطيحة: هي التي تنطحها أخرى فتقتلها.

ثم بين لنا كيف يكون الذبح، بل سمى هذا العبادة “تذكية”، والتذكية تقابلها في اللغة الإنجليزية كلمة:slaughter ،  وهي تختلف عن معنى التذكية التي تعني تطييب من الدم الذي يفسد اللحم ويلوثه بالجراثيم، ويمكن تعريفها بأنها هي: ذبح الحيوان أو نحره بقطع حلقومه (مجرى النفس) أو مريئه (مجرى الطعام والشراب من الحلق)، وقد بينت كل الدراسات العلمية كيف أن دم الحيوان يحمل مركبات سامة وغازات، وأنه بيئة حاضنة وناقلة للجراثيم.

ولما كان الذبح “عبادة ” فإن الله تعالى أمرنا أن نذكر اسم الله عليه ، قال تعالى ( فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم إياه تعبدون)، ونهانا أن نأكل مما لم يذكر اسم الله عليه: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق )، هذا يؤكد على ارتباط هذه الشعيرة بمنظومة العقيدة والعبادة .

ثم بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم كل الآداب المتعلقة بهذا الأمر حتى يحقق مقاصد الشريعة من هذه الشعيرة، ويضعها في قالب حضاري رائع، ويحقق الرفق بهذا المخلوق، فأمرنا بأن نريح الذبيحة ونحد الشفرة، قال صلى الله عليه وسلم : “إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدم شفرته وليرح ذبيحته” رواه مسلم

ومن هذا الإحسان ما رواه ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تحد الشفار، وأن توارى عن البهائم وقال: “إذا ذبح أحدكم فليجهز” أي: فليتم، رواه ابن ماجة.

وعن ابن عباس أن رجلاً أضجع شاة وهو يحد شفرته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أتريد أن تميتها موتات؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها؟” رواه الحاكم .

ورأى عمر رجلا يسحب شاة برجلها ليذبحها، فقال له: “ويلك !! قدها إلى الموت قوداً جميلاً. وكان – رضي الله عنه – ينهى أن تُذْبَح الشَّاة عند الشَّاة”.

وهكذا نجد الفكرة العامة في هذا الباب هي الرفق بالحيوان الأعجم وإراحته من العذاب ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلا. وقد بينت الدراسات الحديثة أن إراحة الحيوان قبل الذبح تؤدي إلى الطعم المستساغ، لأن الجلايكوجين الموجود في العضلات يتحول بعد ذبح الحيوان إلى حامض اللاكتيك الذي يزيد من الحفاظ على اللحم وطراوته .

خلاصات وتوصيات

وفي نهاية كلمته.. قدم الشيخ المبروك مجموعة من الخلاصات والتوصيات المهمة حول الموضوع:

أولا: يجب علينا أن نبث الوعي لدى المسلمين قبل غيرهم، بأن هذا الموضوع ليس موضوع طعام مقبول أم غير مقبول، بل هي قضية عبادة ودين أولاً، ولكن يجب أن نعرض هذه القضية في ثوب عقلاني مصلحي أيضاً بما يؤكد ذلك من دراسات علمية. فالمؤسسات الغربية تحاول تفريغ موضوع الحلال من معناه الديني، ثم وضع مقايسس خاصة بهم وتلزم المسلمين في أوروبا بل في العالم جميعا بها.

ثانياً: من الأفضل أن يسلك المسلمون عند مطالبتهم بحقوقهم الدينية، المسالك المعتمدة في أوروبا والغرب، وهي اللجوء للقوانين ومحاولة مخاطبة صناع القرار، والحضور الإعلامي المتميز للدفاع عن آرائهم .

ثالثاً: علينا أن نطالب دولنا الإسلامية وحكوماتها بهذه المطالب، ونتواصل مع منظمة التعاون الإسلامي، فهذه الأمور أعظم تأثيراً، وأيسر وصولاً، وقد سمعت أن هناك ورشة عمل نظمتها هيئة التقييس لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالتعاون مع CEN ، في الرياض يوم 7 أبريل 2015 م. وكان هدف الورشة تعزيز المشاركة بين هذه المؤسسات، و تعريف المشاركين بنظام التقييس الاوروبي. فمثل هذه اللقاءات مهمة جداً.

رابعاً: يجب تجديد الخطاب الديني في أوروبا والغرب، ومعرفة مداخل العقل الأوروبي الذي أصبح سابحاً في العلمانية واللادينية والبراجماتية، كأن يتم – مثلا – إبراز بعض الحقائق للرأي العام، وهي أن إهمال الذبح الحلال كان بدافع جشع اقتصادي وإهمال لدين الناس وعقائدهم وثقافتهم، حيث يوفر الصعق ستة أضعاف المكاسب المادية للذبح الحلال، وكذلك بيان الأوجه العلمية المنطقية والرد على الشبهات التي تحيط بموضوع الذبح، كالتفريق بين عدم الوعي وبين عدم الإحساس بالألم في موضوع تعذيب الحيوان، وبين إضرار الدماء المتبقية على الصحة العامة، وكذلك بيان خطورة ازدراء عبادات المسلمين على السلم الإجتماعي وقيم الإندماج والتعاون والعيش المشترك، وتنامي الكراهية والعنصرية.

خامساً: إن ما تقوم به المؤسسات هي شهادة عظيمة، فيجب عليها أولاً أن لا يخون الشهادة، وبخاصة في أمر يتعلق بدين الناس وبصحتهم وأموالهم، (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثمٌ قلبه) وعليها أن لا تقع فيما وقعت فيه العلمانية الغربية التي قدمت الربح على كل شيء .

سادساً: تأسيس هيئة عالمية تعني بالمقاييس الإسلامية للأطعمة، بحيث تضم علماء من مذاهب مختلفة ومن متخصصين في القانون والطب وعلوم الحيوان، … ولعل هذا اللقاء المبارك يكون هو نواة لهذه المؤسسة العالمية ويمكن أن نشكل لجنة تتكلم مع الحكومة التركية بهذا الصدد.

المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى