الشباب والاستبداد

الشباب والاستبداد

بقلم عز الدين حدو

كان عنصر الشباب -ولا يزال- يمثل المحورية في نهضة الأمم ورقي الحضارات وبعثتها، وماتزال صفحات التاريخ شاهدة تحمل في طياتها مشاهد أغلب الحركات التغييرية والانتفاضات التي قامت ضد الظلم والجور والتي كان في مقدمتها سواعد المجتمع، الفئة الشبابية.

لم يكن غائبا عن المستعمر الغربي حين جثم على الأوطان العربية الإسلامية لتطويعها وترويضها دور الشباب وأهميته في بناء المجتمع وترسيخ الثقافة والوعي السياسي ، لذا عمد إلى خيرة هذه الفئة الواعدة وأرسلهم في بعثات إلى أوروبا زاعمين أنها بعثات علمية لمواكبة التقدم والحضارة في الغرب لكن المقصود منها كان هو خلع لباس الشخصية الإسلامية واستبداله بلباس الثقافة الغربية ليسهل بذلك هدم بنيان الأمة الاسلامية من خلال استهداف أساسها المتمثل في الشباب.

والنظام المغربي المعروف بعقليته الاستبدادية يسير على خطى المستعمر ، فينهج اليوم نفس النهج ويعتمد ذات السلاح مصوبا سهامه ( سهام الحگرة) تجاه الشباب لعلمه بدور هذه الفئة في حركة تغيير المجتمعات وإصلاح الأوطان. فنراه يعمل جاهدا على زرع اليأس في نفوس الشباب وغرس الإحساس بالهزيمة والاحباط واستحالة التغيير. زد على ذلك خلق كم من البرامج والمخططات بغية التدجين والتجهيل و التهميش، فالإحصائيات الرسمية البعيدة عن الموضوعية (في محاولة لتقزيم الأرقام تارة وتضخيمها تارة أخرى لتغطية مخلفات الاستبداد ونتائجه) في كثير من الأحيان ، تكشف أن قرابة شاب من بين أربعة، متراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة على المستوى الوطني، لا يعملون ولا يدرسون، بل إنهم لا يتابعون أيّ تكوين. كما كشفت مندوبية التخطيط أن معدل البطالة على المستوى الوطني يصل إلى (10,7 %) سنة 2017. ناهيك عن قمع أصوات الشباب الحرة المغردة بأشجان الحرية والكرامة والعدالة ، وخير مثال على هذا ما تعرض له شباب الحسيمة وإمزورن وشباب جرادة وغيرهم من شباب المدن المغربية من اعتقال وتعذيب وتهشيم للعظام.

وماتزال الانتهاكات الجسيمة في حق شباب المغرب أيام سنوات الرصاص فزاعة تحول بين الشباب والمشاركة السياسية، كما أن احتكار رجال المخزن لكل مؤسسات الدولة، ومرافقها يغيب انخراط الشباب في العمل المدني، لشعورهم بالغربة في أوطانهم، واضمحلال ثقافة الانتماء والمسؤولية. وفي هذا الصدد يقول أرسطو : إن الغاية النهائية للطاغية المستبد كي يحتفظ بعرشه هي تدمير روح المواطنين، وجعلهم عاجزين عن فعل أي شيء إجابي، وفي سبيل تحقيق ذلك فهو يلجأ إلى القضاء على الطبقة المثقفة التي قد تشكل خطرا على حكمه، كما أنه يلجأ إلى منع الاجتماعات و… كل من يساهم في تعليم الناس وتعزيز ثقتهم بأنفسهم. فكيف يمكن لمثل دولة تقتل كل شيء جميل في أرواح شبابها ووعيهم أن تتقدم وتنعم بالنماء والاستقرار ، وقد جعل قادتها الشريحة العريضة والمخزون الاستراتيجي من الشباب في مؤخرة الركب وأكثر القطاعات ضررا؟! هذا محال.

وقانون الطبيعة التي خلقها الله يقضي أن “الضغط أن يولد الانفجار” فسياسة التهميش والاقصاء والقمع التي مارسها النظام على الشعب ولا يزال ولّدت في صفوف الشباب خاصة احتقانا يطفو إلى السطح في صور احتجاجات وتحركات شعبية تزداد حدة وعنفوانا في كل سنة، لذا وجب عليه أن يرفع عصاه عن زبدة المجتمع، ويمكنها من كل حقوقها العادلة والمشروعة، كأولوية ملحة وحاسمة، قبل أن تسير الأمور إلى ما لا يحمد عقباه. ومن جهة أخرى على العاملين في حقل المجتمع المدني احتواء هذه النبتة والاعتناء بها حتى تكون صالحة للغرس وتوجيهها التوجيه الصحيح المؤسس على الوعي بضرورة المطالبة بالحقوق المشروعة كاملة دون الرضى بأنصاف الحلول أو أرباعها مع الحذر كل الحذر من الوقوع في مغبة العنف والعنف المضاد ، حتى تتمكن الأمة من قطف ثمار التحرر والنماء والتغيير المنشود.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى