كتب وبحوث

الدعاة وعلم الأنساب بين الاستغلال والإهمال

إعداد : د. عبد العزيز الدغيثر

لا شك أن الأمر لا تدرك  أهميته إلا بمعرفة فوائده وفضائله ، ومن ذلك العلم بفروعه ففوائده لا تخفى ، ولكن قد يشكك البعض في أهمية بعض العلوم كعلم الأنساب فيقول قائلهم : هل في صرف الأوقات في معرفة الأنساب نفع ديني أو دنيوي ؟ فنقول : نعم ، لمعرفة الأنساب فوائد دينية ودنيوية تدخل في أبواب شتى من الفقه والمعاملة واختيار الأكفاء للقيادة وغيرها ،ونجد ابن عبدالبر يقول فيمن يرى عدم فائدة علم النسب : ( ولعمري ما أنصف من زعم أن علم النسب علم لا ينفع وجهل لا يضر ) [1]، ولذلك اهتم العرب به اهتماما بالغا ، قال الخفاجي : وأما مراعاة الأنساب وحفظها وذكر الأصول والبحث عنها فباب تفردت به العرب فلم يشاركها فيها مشارك ولا ماثلها فيه مماثل[2] . وقال النويري : ( ومعرفة أنساب الأمم مما افتخرت به العرب على العجم لأنها احترزت على معرفة نسبها وتمكنت بتمتين حسبها وعرفت جماهير قومها وشعوبها وأفصح عن قبائلها لسان شاعرها وخطيبها واتحدت برهطها وفصائلها وعشائرها ومالت إلى أفخاذها وعمائرها ونفت الدعيَّ فيها ونطقت بملء فيها )[3] ، وقال ابن فارس في معرض ذكر العلوم التي اختص بها العرب: وللعرب حفظ الأنساب وما يعلم أحد من الأمم عني بحفظ النسب عناية العرب، قال تعالى : يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) فهي آية ما عمل بمضمونها غيرهم ، ومما خص الله جل ثناؤه به العرب: طهارتهم ونزاهتهم من الأدناس التي استباحها غيرهم من مخالطة ذوات المحارم وهي منقبة تعلو بجمالها كل مأثرة والحمد لله[4] .

 وفي هذا البحث محاولة لجمع هذه الفوائد التي يحتاج إليها المربي والقائد على وجه الإجمال والاختصار.

أولا : أثره في معرفة أخلاق الآخرين

إن من أعظم المؤثرات في أخلاق الأجيال وصلاحيتها ومواهبها وطاقاتها نسب المرء وسلالته قال الشاعر:

من لم يكن أصله كريـــماً  — لم يعلُ في المكرمات فرعه

الناس كالأرض دون شك —  ما طاب منها يطيب زرعه

ويكون هذا التأثير بثلاثة طرق[5] :

الأول : القيم والمثل التي يؤمن بها أفراد الأسرة ويأخذونها أباً عن جد ، ويعتبرون من خالفها من أفراد الأسرة شاردًا غريبا ساقط الهمة عاقًّا للأسرة.

الثاني : حكايات الآباء وعظماء الأسرة المبرزة لجوانب أخلاقية سامية من شجاعة وصبر وكرم ونبل وشهامة تتناقلها الأجيال بفخر ومباهاة فتؤثر فيها وتنغرس في نفوس أبناء الأسرة .

الثالث : تأثير الدم الموروث في أعضاء الأسرة المحافظة على أصالتها وذلك ما أيده علم السلالات (Pedelogy) وهو من فروع علم التاريخ الذي يبحث ويتابع تواريخ السلالات والأسر وأعمالها وآثارها وسير أعلامها – وخاصة الأسر الحاكمة في المجتمعات الغربية[6] .

وفي هذا المعنى يقول الشاعر الحماسي ربيعة بن مقروم الضبي :

هجان الحي كالذهب المصفى  —  صبيحة ديمة  يجنيه جان

وقال الحطيئة :

مطاعين في الهيجا مكاشيف للدجى      — بنى لهم آباؤهم وبنى الجدُّ

ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا [7]. ومن أعجب ما ورد في ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن أعرابيًّا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بكرة فعوضه منها ست بكرات فتسخطها فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن فلانًا أهدى إلي ناقة فعوضته منها ست بكرات فظل ساخطًا . لقد هممت ألا أقبل هدية إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي [8]. وذلك لأن هذه القبائل الكريمة لا تمن بما تهدي لكرم نفوس أبنائها .

ثانيا : أثرة في التعامل مع الناس

وبيان ذلك أن الكريم إذا أكرمته ملكت قلبه وقد روى ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه [9].

وروى ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : تجافوا عن عقوبة ذوي الهيئات [10]. وعن عائشة رضي الله عنها قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود ) [11].

وقد كان الإمام أحمد رحمه الله لمعرفته بأنساب مجالسيه يطبق هذه الأحاديث أروع تطبيق ، فقد قال ابنه عبدالله : رأيت أبي إذا جاء الشيخ والحدث من قريش أو غيرهم من الأشراف لم يخرج من باب المسجد حتى يخرجهم فيكونوا هم يتقدمونه ثم يخرج هو من بعدهم . وقال المروذي : ورأيت أبا عبدالله وقد حضر غلام من بني هاشم ومعه إبراهيم سَبَلان  فرأيته قدم الغلام ، قال : ورأيت رجلًا من ولد الزبير في المسجد فرأيت  أبا عبدالله قدمه في الخروج من المسجد وكان حديث السن ، فجعل الفتى يمتنع وجعل أبو عبدالله يأبى حتى قدمه [12]. والإمام أحمد رحمه الله إنما فعل ذلك لظاهر الحديث الذي رواه سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : تعلموا من قريش ولا تعلموها وقدموا قريشا ولا تؤخروها فإن للقرشي قوة الرجلين من غير قريش [13].

وقد وضع للأشراف علامة تميزهم ليكون لهم الإكرام اللائق بهم لقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم . وقد كان الشرف هو صفاء النسب العربي ثم صار الشريف من كان من آل البيت سواء كان عباسيًّا أو عقيليًّا أو علويًّا كما في العجاجة الزرنبية في السلالة الزينبية للسيوطي[14] . ثم قصر الفاطميون لقب الشريف على من كان من نسل فاطمة واستمر بعدهم[15] ، وأحدثت لهم علامة خضراء سنة 773 هـ بأمر الملك الأشرف شعبان بن حسين (ت 778 هـ) وذلك ليمتاز الأشراف بعصائب خضر على العمائم[16] كما في إنباء الغمر لابن حجر في حوادث سنة 773 هـ [17].

ولما حصل من بعض اتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله إنكار لتميز الأشراف بتقبيل أيديهم ولبس العمائم الخضر كتب إليه منكرًا فعله ثم قال : وأما تقبيل اليد فلا يجوز أنكار مثله وهي مسألة خلافية وقد قبل زيد بن ثابت يد ابن عباس وقال : هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا . وعلى كل حال فلا يجوز لأحد إنكار كل مسألة لا يعرف حكم الله فيها . وأما لبس الأخضر فإنها أحدثت قديما تمييزا لأهل البيت لئلا يظلمهم أحد أو يقصر في حقهم من لا يعرفهم . وقد أوجب الله لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس حقوقا فلا يجوز لمسلم أن يسقط حقهم ويظن أنه من التوحيد بل هو من الغلو ونحن ما انكرنا إكرامهم إلا لأجل الألوهية أو إكرام المدعي لذلك … الخ [18]. وقد ذكر بعض من ألف في آداب الملوك والقادة أن على من تصدر لسياسة الناس وقيادتهم أن يعرف أنساب الناس ليكون تعامله معهم على حسب أنسابهم وشرفهم فمن ذلك ما قاله أردشير – ملك اصطخر- : الناس ثلاث طبقات تجب سياستهم في ثلاث سياسات :

*  منهم طبقة من الخواص الأعيان تسوسهم بمحض اللطف والإحسان

* وطبقة من العوام الأوساط تسوسهم من العنف واللطف ما بين الإفراط والاقتصاد

* وطبقة من العوام والأطراف تسوسهم بمحض الغلظة والاعتساف .[19]

وبالجملة فعموم الأحاديث تطلق مشروعية إعطاء من كان نسيبا زيادة اكرام واحترام ولا يعرف ذلك إلا بمعرفة الأنساب .

ثالثا : أثره في معرفة قدرات الآخرين وتخصصاتهم

وذلك لأن لكل قوم قدرات ومواهب تميزهم عن غيرهم ، وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم بعض هذه القدرات لتستفيد منها الدولة الإسلامية. فعن عتبة بن عبد رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :الخلافة في قريش والحكم في الأنصار والدعوة في الحبشة والجهاد والهجرة في المسلمين والمهاجرين بعد [20]. قال المناوي: وجعل الحكم في الأنصار لأن أكثر فقهاء الصحابة منهم ، والحكم: الفقه والقضاء. والدعوة: الأذان، وجعله في الحبشة تفضيلا لبلال، قاله الزمخشري [21]. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( …والأمانة في الأزد) [22]. ومما يذكره المؤلفون في آداب الملوك أن منها أن يولي أشراف الناس ، قال يحي بن خالد لبنيه : إنكم لا بد لكم من عمال وكتاب فاستعينوا بأشراف الناس وإياكم والسفلة فإن النعمة على الأشراف أزين والمعروف عندهم أثمن والشكر فيهم أحسن[23]. وقال عمر بن عبدالعزيز لرجل: أشر علي فيمن أستعمل؟ فقال: أما أرباب الدين فلا يريدونك وأما أرباب الدنيا فلا تريدهم، ولكن عليك بالأشراف فإنهم يصونون شرفهم عما لا يصلح[24]. ونقل عن أبي إسحاق قال: دعاني المعتصم يوما فأدخلني معه الحمام ثم خرج فخلا بي وقال: يا أبا إسحاق في نفسي شيء أريد أن أسألك عنه، إن أخي المأمون اصطنع رجالا فأنجبوا واصطنعت أنا مثلهم فلم ينجبوا. قلت:ومن هم؟ قال: اصطنع طاهرا وابنه وإسحاق وآل سهل، فقد رأيت كيف هم، واصطنعت أنا الأفشين فقد رأيت إلى ما آل أمره ، وأساس؛ فلم أجده شيئا، وكذلك انباح ووصيف، قلت: با أمير المؤمنين ههنا جواب علي أمان من الغضب، قال: لك ذلك، قلت: نظر أخوك إلى الأصول فاستعملها فأنجبت فروعها واستعملت فروعا لا أصول لها فلم تنجب. فقال: يا أبا إسحاق: مقاساة ما مر بي طول هذه المدة أهون علي من هذا الجواب[25].

وأما تفصيل ما ورد في هذا الباب من أحاديث فعلى النحو التالي :

1- ما ورد في ما تتميز به قريش

1-   أنهم بطبيعتهم قادة في الخير والإسلام أو في الشر والجاهلية ، ودليل ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم …) [26].  وفي حديث جابر رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الناس تبع لقريش في الخير والشر ) [27].

2-   أن الخلافة فيهم ودليل ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان ) [28].

3-   أنه لا يجوز منازعتهم في الخلافة ودليل ذلك حديث معاوية رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :(إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين ) [29].

4-   نبل آرائهم في الجملة ودليل ذلك ما رواه جبير بن مطعم رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن للرجل من قريش مثلي قوة الرجل من غير قريش ) [30]. ولذلك فإنهم يقدمون على غيرهم لحديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( تعلموا من قريش ولا تعلموها وقدموا قريشا ولا تؤخروها فإن للقرشي قوة الرجلين من غير قريش [31]. وفسر الزهري رحمه الله قوة القرشي بأنه في نبل الرأي [32].

5-   أن صالح نسائهم أفضل من صالح نساء غيرهم في التربية والتعامل ودليل ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده ) متفق عليه [33].

6-   كرم نفوسهم ولذلك عزم النبي صلى الله عليه وسلم ألا يقبل هدية إلا منهم كما تقدم .

ولا بد هنا من التنبيه على أن قيادتهم لأهل الإسلام مشروطة بشروط مذكورة في الأحاديث وهي :

1. الشرط الأول :أن يقيموا الدين لما تقدم من حديث معاوية رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين ) [34]. قال ابن حجر : وبه يقوى أن مفهوم حديث معاوية أنهم إذا لم يقيموا الدين خرج الأمر عنهم [35].

2. الشرط الثاني :أن يجتمع في الأمير منهم ثلاثة أمور هي : العدل والرحمة والوفاء لحديث أبي بردة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الأمراء من قريش ما فعلوا ثلاثا : حكموا فعدلوا واسترحموا فرحموا وعاهدوا فوفوا …) [36]. وفي حديث أنس رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الأئمة من قريش إذا حكموا فعدلوا وإذا عاهدوا أوفوا وإذا استرحموا رحموا فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يُقْبل منه صرف ولا عدل ) [37]. أي : توبة ولا فدية وقيل : نافلة ولا فريضة  [38].

3. الشرط الثالث : ألا يعصوا الله لما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أما بعد : يا معشر قريش فإنكم أهل هذا الأمر ما لم تعصوا الله فإذا عصيتموه بعث عليكم من يلحاكم كما يلحى هذا القضيب ) [39].

ولذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: انظروا قريشا فخذوا من قولهم وذروا فعلهم[40]. وقد أحسن الشاعر حين قال :

خذ من كلامي ولا تنظر إلى عملي —    ينفعك قولي ولا يضررك تقصيري

وأما أخطاؤهم فلا تضخم ولا تتتبع عثراته لحديث جابر رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن قريشا أهل أمانة لا يبغيهم العثرات أحد إلا كبه الله لمنخريه ) [41].

2- ما ورد في ما يتميز به الأنصار

1. علو هممهم وطلبهم الآخرة بعملهم لما ورد عن أنس رضي الله عنه قال : شق على الأنصار النواضح فاجتمعوا عند النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يكري لهم نهرا سيحا فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (مرحبا بالأنصار مرحبا بالأنصار والله لا تسألوني اليوم شيئا إلا أعطيتكموه ولا أسأل الله لكم شيئا إلا أعطانيه . فقال بعضهم لبعض : اغتنموها اسألوا المغفرة ، قالوا: يا رسول الله ادعُ الله لنا بالمغفرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار[42].

2. عفتهم وصبرهم لحديث أبي طلحة رضي الله عنه قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ( أقرئ قومك السلام فإنهم ما علمت أعفة صبر)[43].

3. صلتهم للجار لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما يضر امرأة نزلت بين بيتين من الأنصار أو نزلت بين أبويها ) [44].

4. أنهم لا يريدون جزاء على هداياهم وأُعطياتهم لكرم نفوسهم لحديث : (لقد هممت ألا أقبل هدية إلا من قرشي أو أنصاري…) وتقد تخريجه.

3- ما ورد في ما يتميز به أهل اليمن

1. أنهم أرق أفئدة وألين قلوبا وأنهم أهل حكمة وإيمان لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا . الإيمان يمان والحكمة يمانية …) متفق عليه , وفي رواية فيهما 🙁 أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا وأرق أفئدة ، الفقه يمان والحكمة يمانية) . ولحديث أنس رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الإيمان يمان هكذا إلى لخم وجذام) [45].

2. أنهم أسمع طاعة لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (أهل اليمن أرق قلوبا وألين أفئدة وأسمع طاعة ) [46].

3. أنهم أهل أمانة لما تقدم في الحديث : والأمانة في الأزد.

4. أن الأشعريين وهم من القبائل اليمنية الأزدية أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم أهل تكافل فيما بينهم وذلك فيما رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه في إناء واحد بالسوية , فهم مني وأنا منهم ) [47].

4- ما ورد في ما يتميز به بنو تميم

ورد في ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : لا أزال أحب تميم من ثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سمعت  رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أشد أمتي على الدجال . قال : وجاءت صدقاتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذه صدقات قومنا . قال :وكانت سبية منهم عند عائشة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل)[48].

 رابعا : استخدام علم النسب في الدعوة إلى الخير

معلوم أن الشخص يأنس بمن يعرفه ويعرف نسبه ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعين بنسابة قريش أبي بكر رضي الله عنه عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل . وأشهر ما ورد في ذلك قصته مع دغفل النسابة فيما رواه ابن عباس عن علي رضي الله عنهما قال : لما أمر الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر رضي الله عنه فدفعنا إلى مجلس من مجالس العرب ، فتقدم أبو بكر وكان مقدما في كل خير وكان رجلا نسابة  فسلم فردوا عليه السلام ، فقال أبو بكر: ممن القوم ؟  قالوا : من ربيعة ، قال : ومن أي ربيعة أنتم؟ أمن هامتها أم من لهازمها ؟ قالوا : بل من هامتها العظمى ، قال : ومن أيها ؟ قالوا : من ذهل الأكبر , قال أبو بكر : فمنكم عوف الذي يقال له : لا حر بوادي عوف ؟ قالوا : لا ،قال : فمنكم جساس بن مرة حامي الذمار ومانع الجار ؟ قالوا : لا ،  قال : فمنكم بسطام بن قيس ذو اللواء أبو العرى ومنتهى الأحياء ؟ قالوا : لا ، قال : فمنكم الحوفزان الحارث بن شريك قاتل الملوك وسالبها أنعمها وأنفسها ؟ قالوا : لا ، قال : أفمنكم المزدلف بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان الحر صاحب العمامة المفردة ؟ قالوا : لا ، قال : أفمنكم أخوال الملوك من كندة ؟ قالوا : لا ، قال : أفمنكم أصهار الملوك من لخم ؟ قالوا : لا ، قال : فلستم بذهل الأكبر بل ذهل الأصغر . فقام إليه غلام من شيبان يقال له دغفل وقد بقل وجهه فقال :

إن على سائلنا أن نسأله  —   والعبء لا نعرفه أو نجهله

يا هذا إنك قد سألتنا فأخبرناك ولم نكتمك شيئا من خبرنا فممن الرجل ؟ قال أبو بكر : أنا من قريش ، قال : بخ بخ أهل الشرف والرياسة فمن أي القرشيين أنت ؟ قال : من ولد تيم بن مرة ، قال الفتى: أمكنت والله الرامي من سواء الثغرة ، أفمنكم قصي بن كلاب الذي جمع القبائل من فهر وكان يدعى مجمعا ؟ قال : لا ، قال : أفمنكم هاشم الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف ؟ قال:لا، قال : أفمنكم شيبة الحمد عبدالمطلب مطعم طير السماء الذي كأن وجهه قمر يضيء في الليلة الظلماء ؟ قال : لا ، قال : أفمن المفيضين بالناس أنت ؟ قال :لا ، قال : أفمن أهل الندوة أنت ؟ قال : لا ، قال : أمن أهل السقاية أنت ؟ قال : لا ، قال : أفمن أهل الرفادة أنت ؟ قال :لا ، قال :أفمن أهل الحجابة أنت ؟ قال : لا ، واجتذب أبو بكر رضي الله عنه زمام ناقته فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الفتى :

صادف درء السيل درءا يدفعه    —   يهيضه حينا وحينا يصدعه

أما والله لو ثبت لأخبرتك أنك من زمعات قريش ولست من الذوائب . أوما أنا بدغفل ؟ قال : فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فتبسم . فقال علي رضي الله عنه : يا أبا بكر ، لقد وقعت من الغلام الأعرابي على باقعة ، قال : أجل يا أبا الحسن ، ما من طامة إلا وفوقها طامة وان البلاء موكل بالمنطق.

قال علي ثم دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار فتقدم أبو بكر فسلم ، فقال : ممن القوم ؟ قالوا : من شيبان بن ثعلبة، فالتفت أبو بكر رضي الله عنه إلى رسول  الله صلى الله عليه وسلم فقال : بأبي أنت وأمي هؤلاء غرر الناس فيهم مفروق بن عمرو وهاني بن قبيصة والمثنى بن حارثة والنعمان بن شريك ، وكان مفروق قد غلبهم جمالا ولسانا وكانت له غديرتان تسقطان على تريبته[49] وكان أدنى القوم مجلسا فقال أبو بكر رضي الله عنه : كيف العدد فيكم ؟ فقال مفروق : إنا لنزيد على ألف ولن يغلب ألف من قلة فقال أبو بكر : كيف الحرب فيكم ؟ فقال مفروق : إنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد والسلاح على اللقاح والنصر من عند الله يديلنا مرة ويديل علينا أخرى ، لعلك أخو قريش ؟ فقال أبو بكر : قد بلغكم أنه رسول الله ، ألا هو ذا ، فقال مفروق : بلغنا أنه يذكر ذاك ، فإلى ما تدعو يا أخا قريش ؟ فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وقام أبو بكر يظله بثوبه  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أدعوكم إلى شهادة ألا لا إله إلا الله لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وإلى أن تؤوني وتنصروني فإن قريشا قد ظاهرت على أمر الله وكذبت رسله واستغنت بالباطل عن الحق والله الغني الحميد ) فقال مفروق : وإلام تدعو يا أخا قريش فوالله ما سمعت كلاما أحسن من هذا ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم …) فقال مفروق : وإلام تدعونا يا أخا قريش فوالله ما هذا من كلام أهل الأرض ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى …) فقال مفروق : دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك ، وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال : وهذا هانئ شيخنا وصاحب ديننا ، فقال هانئ  : لقد سمعت مقالتك يا أخا قريش ، إني أرى أنَّ تركنا ديننا واتباعنا على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر أنه زلل في الرأي وقلة نظر في العاقبة ، وإنما تكون الزلة مع العجلة ومن ورائنا قوم نكره أن يعقد عليهم عقدا ولكن نرجع وترجع وننظر ، وكأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة فقال : وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا فقال المثنى : سمعت مقالتك يا أخا قريش ، والجواب في جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتك على دينك ، وإنما نزلنا بين صريين ؛ اليمامة والسمامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما هذان الصريان ؟ فقال المثنى : أنهار كسرى  ومياه العرب ، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول ، وإنما نزلنا على عهدٍ أخذه علينا ألا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا ، وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا قرشي مما يكره الملوك ، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق ، وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه ، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه ؟ فقال النعمان بن شريك : اللهم فلك ذلك ، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا )[50] ، ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم قابضا على يدي أبي بكر وهو يقول : يا أبا بكر أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها ، بها يدفع الله عز وجل بأس بعضهم عن بعض ، وبها يتحاجزون فيما بينهم ، فقال علي رضي الله عنه : فدفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج فما نهضنا حتى بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سر بما كان من أبي بكر ومعرفته بأنسابهم ) [51].

كما أن صاحب النسب الرفيع إذا وقعت منه مخالفة للشرع فإنها تكون أقبح من مخالفة غيره , ولذلك فإن على المصلح والداعي أن يذكٍّر المخالف بعلو نسبه لعله يرتدع بذلك . وقد قال ابن مفلح  رحمه الله : خمسة أشياء تقبح في خمسة أصناف : الحدة في السلطان وقلة الحياء في ذوي الأحساب والبخل في ذوي الأموال والفتوة في الشيوخ والحرص في العلماء والقراء [52].

 —————————

[1] الإنباه /43 .

[2] سر الفصاحة /52  ،

[3] نهاية الأرب في فنون الأدب 2/276 .

[4] الصاحبي /43 .

[5] الرتضى لأبي الحسن الندوي /15 , 16 .

[6] مقدمة الأستاذ سالم الآلوسي لموسوعة العشائر العراقية 4/6-9 .

[7]  رواه البخاري (3493 ، 3494) ومسلم (2526) و أحمد  2/539  بزيادة ( كمعادن الذهب والفضة ) .

[8] أخرجه أحمد (2/292 ) و الترمذي (3945 , 3949 ) وأبو داود (3537 ) وصححه الألباني في الصحيحة (1684 ) .

[9]  رواه ابن ماجه وله شواهد عن جرير وأبي هريرة وجابر وابن عباس رضي الله عنهم وحسنه الألباني في صحيح الجامع (269) والصحيحة (1205)  والأرناؤوط في تخريج الآداب الشرعية 1/442 .

[10]  رواه ابن الأعرابي في معجمه كما في الصحيحة 1/239 تحت الحديث رقم (638)وجود إسناده الألباني .

[11] أخرجه أبوداود (3475) وأحمد 6/186 ، والبخاري في الأدب المفرد (465) وابن حبان (1520) وحسنه الألباني في الصحيحة (638) .

[12]  الآداب الشرعية 1/442 .

[13] رواه ابن أبي شيبة وصححه الألباني في الإرواء رقم 519 .

[14] مطبوعة ضمن الحاوي 2/81 .

[15]  الحاوي 2/83.

[16] الحاوي 2/85 .

[17] مقدمة صلاح الدين المنجد لطرفة الأصحاب لابن رسول /12.

[18] تاريخ ابن غنام 2/175 .

[19]  تهذيب الرياسة للقلعي /121 ونهاية الإرب 6/44 . ولا يؤخذ كلامه على الإطلاق .

[20] رواه أحمد وصححه الألباني في الصحيحة /151 .

[21] فيض القدير 3/508 .

[22] رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني في الصحيحة (83) .

[23] تهذيب الرياسةللقلعي /140 ، والوزراء والكتاب /179 .

[24]  غذاء الألباب 2/406.

[25]  غذاء الألباب 2/407

[26] رواه البخاري (3495) ومسلم (1818) .

[27] رواه مسلم (1819) .

[28] رواه البخاري (3051) ومسلم (1813) .

[29] رواه البخاري (3500) (7139) .

[30] رواه أحمد 4/81، 83 وغيره وصححه الحاكم وابن حبان  الألباني كما في صحيح الجامع (2181) والصحيحة (1697 ) .

[31] رواه ابن أبي شيبة وصححه الألباني في الإرواء رقم 519 وتقدم .

[32] محجة القرب /215 .

[33]  الصحيحة للألباني (1052) .

[34] رواه البخاري (3500) (7139) .

[35] فتح الباري 13/125 عن محجة القرب هامش صفحة 167 .

[36] رواه أحمد 4/421 , 424 والطيالسي (968) بدون ذكر الثلاث .

[37] رواه  أحمد (12923) والحاكم (4/501) و الطيالسي (2247) وصححه محقق الطيالسي بمجموع طرقه .

[38] النهاية 3/24 .

[39]  رواه أحمد وصححه الألباني  كما في صحيح الجامع (1359 ) والصحيحة (1552).

[40] رواه أحمد وابن حبان وغيرهما عن عامر بن شهر رضي الله عنه وصححه الألباني في الصحيحة (1577) .

[41] رواه ابن عساكر  ورواهالطبراني عن رفاعة ابن رافع وحسنه الألباني في الصحيحة (1688) .

[42] رواه أحمد 3/193 وغيره وله شواهد ذكرها محقق محجة القرب صفحة 147 .

[43] أخرجه الترمذي (3903) وقال هذا حديث حسن غريب وأخرجه أحمد (12543) والطيالسي (2162) والحاكم 4/79  وفيه محمد بن ثابت البناني ضعفه البخاري وغيره. وله شاهد عن أسيد بن الحضير رضي الله عنه أنه قال: جزاك الله خيرا يا رسول الله.  فقال النبي صلى الله عليه وسلم 🙁 وأنتم فجزاكم الله خيرا فإنكم ما علمت أعفة صبر ) أخرجه أبو يعلى 1/446 ومن طريقه ابن حبان 9/197 وقال العراقي في محجة القرب صفحة 285 : هذا حديث حسن . وفيه عنعنة ابن إسحاق ويصلح شاهدا لحديث أبي طلحة .

[44] أخرجه أحمد 6/5 وقال الهيثمي في المجمع(10/43) : رواه أحمد والبزار ورجالهما رجال الصحيح. وقال العراقي في محجة القرب صفحة 290 :هذا حديث صحيح غريب ورجاله كلهم ثقات .

[45]  رواه أحمد 3/224 وقال الهيثمي في المجمع 10/58 : ورجاله رجال الصحيح غير عروة بن رويم وهو ثقة . وقال العراقي في المحجة صفحة 353 : حديث صحيح .

[46] رواه الطبراني وحسنه الألباني في الصحيحة (1775) .

[47]  رواه البخاري (2486) ومسلم (2500) .

[48] رواه مسلم بهذا اللفظ (2525) . وهو في البخاري (2543) ، (4366) ومسلم (1957) بلفظ : هم أشد قتالا في الملاحم .

 [49]  بمعنى : صدره .

[50] الاحزاب /46 .

[51] رواه البيهقي في الدلائل 2/ 422 والحلية لأبي نعيم 282 وحسنه ابن حجر في الفتح 15/ 71 والقسطلاني في المواهب .

[52] الآداب الشرعية 2/19 .

*المصدر : موقع صيد الفوائد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى