تقارير وإضاءات

التطهير العرقي لمسلمي أفريقيا الوسطى: حرب هويةٍ لا حرب اقتصاد

إعداد صالح محمد محروس

ما قصة ما يحدث لمسلمي أفريقيا الوسطى؟ ، زاد وصول الرئيس ميشال جوتوديا (مسلم)إلى الحكم في مارس 2013 من قلق الأغلبية المسيحية وداعميها (فرنسا والغرب) رغم حرصه على طمأنة الجميع، حيث قال: “إن إفريقيا الوسطى دولة علمانية، يعيش فيها المسيحيون والمسلمون، صحيح أنني مسلم لكن من واجبي خدمة وطني وجميع مواطني إفريقيا الوسطى”، لكنه أقر بأن “بعض الأشخاص من أصحاب النيات السيئة أرادوا جر البلاد إلى نزاع ديني”، ثم استقال في يناير 2014 لعدم قدرته على منع أعمال العنف ضد المسلمين.

الحقيقة أن المسلمين في أفريقيا الوسطى أقلية. فهم يشكلون –حسب مصادر محايدة– ما بين 20 و25 بالمائة من سكان جمهورية أفريقيا الوسطى ما يجعل الإسلام ثاني أكبر دين في البلاد بعد المسيحيين الذين تقدر نسبتهم بحوالي 45-50%، وهم موزعون بين كاثوليك وبروتستانت، وباقي السكان يدينون بديانات محلية. يعيش معظم مسلمي أفريقيا الوسطى في الشمال بالقرب من الحدود مع تشاد المسلمة.

ما يجري في هذا البلد الإفريقي منذ ما يزيد على خمس سنوات من أحداث بلغت من العنف والدموية ما يمكن وصفه وفقا للمنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية بحرب إبادة جماعية؛ أو حرب تصفية عرقية بحق المسلمين؛ لم يعد على ما يبدو يستوقف أحدا من القوى العظمى الفاعلة أو الأمم المتحدة ممثلة بمجلس الأمن الدولي، مكتفيا بعضها بحماية مصالحه الخاصة، والبعض الآخر يقف موقف اللامبالاة.

تنامي وتفاقم مشاعر الحقد والكراهية بين مكونات هذا البلد الإفريقي آخذ في التهديد بوقوع ما يشبه الابادة الشاملة بحق مسلمي أفريقيا الوسطى. فقد حذرت مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة قبل أيام من خطر أن تتحول أزمة هروب ما يقرب من 900 ألف شخص قسرا من جمهورية أفريقيا الوسطى منذ اندلاع أعمال العنف في ديسمبر 2013 إلى أكبر أزمة إنسانية، وأفاد بيان صادر عن المفوضية أورده الموقع الإلكتروني لمركز أنباء الأمم المتحدة بأن هناك أكثر من 460 ألف لاجئ في الدول المجاورة بالإضافة إلى نحو 436 ألف شخص مشرد داخليا. وهذا بعد أن مارست الميليشيات المسيحية عمليات قتل وحشية ضد المدنيين المسلمين، تمثلت في حرق الجثث وبتر الأعضاء وتدمير المساجد وتهجير أعداد كبيرة من السكان المسلمين” ووفقا للمفوضية فهناك ما مجموعه 2.7 مليون شخص في حاجة إلى مساعدات إنسانية، مشيرة إلى مواجهة كل من برامج المساعدة الإنسانية لجمهورية إفريقيا الوسطى وخطة الاستجابة الإقليمية للاجئين نقصا شديدا في التمويل.

أدت أعمال العنف الطائفية إلى نزوح ربع سكان البلاد -البالغ عددهم 4.6 مليون نسمة- عن مناطقهم خوفا من الهجمات الانتقامية، ومنذ ديسمبر 2013 بلغ عدد الذين لجأوا إلى دول مجاورة لإفريقيا الوسطى ربع مليون. كما تفيد التقارير التي نشرها “مركز آدم الدولي للدفاع عن الحقوق والحريات في العالم” بأن أعمال العنف المتواصلة في أفريقيا الوسطى مازالت تهدد أرواح آلاف الأشخاص من مختلف الأعمار، لاسيما بعد انتشار مشاعر الكراهية بين المسلمين والمسيحيين، وظهر ذلك جليا في أساليب القتل التي تشهدها البلاد.

ومع كل ما تشهده هذه الجمهورية الأفريقية من فظاعات ما زالت الجرائم التي تقع فيها بعيدة عن الأنظار والاهتمام، فلا يسلط عليها الضوء في الإعلام إلا نادرا، كما لا ترد في تصريحات المسؤولين الأمميين المنشغلين على ما يبدو بمتابعة ملفات دولية أخرى، يرون أنها أكثر سخونة. وقالت منسقة شؤون الإغاثة الإنسانية في الأمم المتحدة فاليري آموس إن عدد المسلمين الباقين في بانجي عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى بعد حملة عنف شنتها ميليشيات مسيحية انخفض إلى أقل من ألف شخص من بين أكثر من 100 ألف كانوا يعيشون هناك، وأضافت أن “التركيبة السكانية لجمهورية إفريقيا الوسطى تتغير من وضع كان فيه ما يتراوح بين 130 ألفا و145 ألف مسلم يعيشون في بانجي إلى وضع تقلص فيه العدد إلى نحو عشرة آلاف قبل حوالي 4 أشهر”.

كما أكدت منظمة العفو الدولية أن “ميليشيات انتي- بالاكا (المسيحية) تشن هجمات عنيفة بهدف القيام بتطهير إثني بحق المسلمين في جمهورية إفريقيا الوسطى”. وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين انطونيو جوتيريس إن معظم المسلمين طردوا من النصف الغربي للبلاد، مشيرا إلى أن هناك نحو 15 ألف شخص محاصرين في 18 موقعا في غرب البلاد يحيط بهم عناصر ميليشيات ضد المسلمين، وهناك خطر بالغ لتعرضهم للتصفية”.

لم تعد الملاجئ وخطوط الفصل الافتراضية بين أحياء المسلمين والمسيحيين كافية لمنع عمليات القتل خصوصا وقد أصبح التعايش بينهما صعبا في ظل سيادة مشاعر الكراهية، ما أدى في النهاية إلى فرار آلاف الأشخاص باتجاه الحدود الدولية طلبا للسلامة، فكان الجوع يمثل وحشا آخر يفتك بالسكان الفارين من القتل، حيث حذرت الأمم المتحدة من أن الجوع يهدد سكان أفريقيا الوسطى الهاربين من المجازر في بلادهم إلى الكاميرون، وقالت إنهم “يصلون جوعى وبعضهم يموت جوعاً بعد السير على الأقدام لنحو شهرين دون طعام أو ماء” واعتبرت الوضع “مثيرا للقلق” فحسب.

برغم جسامة الأحداث في أفريقيا الوسطى إلا أنها لم تواجه بتحرك أممي يتناسب مع جسامة التحديات، فبعد عام تقريبا من العنف والاضطرابات الكارثية، قررت الأمم المتحدة تشكيل لجنة للتحقيق يفترض أنها باشرت عملها لكن بدون أية نتائج لحد الآن. و

إضافة إلى البعد الطائفي والعقائدي في الموضوع يبدو الصراع على السلطة والموارد أحد الأسباب الداخلية القوية لما حدث في أفريقيا الوسطى، أما على المستوى الخارجي فهناك أطراف دولية وإقليمية متورطة في الصراع من أجل مصالحها، ولضمان نفوذها في البلد الأفريقي الضعيف الذي يمتلك موارد ضخمة، وفي مقدمة القوى الدولية تبرز فرنسا، المستعمر القديم لأفريقيا الوسطى والوصي الحالي على البلاد المدعوم من القوى الغربية (أوروبا والولايات المتحدة)، وفي مواجهة الصين الغريم الشرقي.

وتجدد العنف في أكتوبرالماضي 2017 في إفريقيا الوسطى حين حاصرت جماعة مسيحية متشدّدة تُدعى “أنتي بالاكا” مسجداً للمسلمين في مدينة “دمبي” جنوب شرق أفريقيا الوسطى، وقتلت 26 مسلماً وأعدمت إمام المسجد ونائبه.

كما قامت الميليشيات نفسها بقتل ما لا يقل عن 150 مسلماً، وإصابة أكثر من 100 آخرين في بلدة “بومبولو”، الواقعة على بُعد 35 كلم من مدينة “ديمبي”، واستغرب ناشطون وإعلاميون عدم صدور أيّ بيان يندّد أو يستنكر هذه المذابح التي ترتكبها مليشيات مسيحية متطرّفة ضد مسلمي جمهورية أفريقيا الوسطى، وإن صدر بيان، فإنّه لا يوجّه إدانة صريحة للجهات الفاعلة، كما جاء في بيان نشرته البعثة الأممية المتكاملة والمتعددة الأبعاد لتحقيق “الاستقرار” في أفريقيا الوسطى (مينوسكا) على موقعها، كما لم توجّه البعثة الأممية في بيانها إدانة صريحة للمذبحة التي جرت في مسجد بإحدى قرى جمهورية إفريقيا الوسطى، والتي أكد وقوعها قادة من الأقلية المسلمة في بانغي على يد ميليشيات “مسيحية”.

وأشار الناشطون إلى أنَّ الحكومة في جمهورية إفريقيا الوسطى لم يصدر عنها أيّ رد فعل رسمي على المذابح والمجازر بحق المسلمين، كما لم يخرج صوت غربي واحد يندّد بالحادثة أو يصفها بوصفها الحقيقي “قتل على الهوية” بدوافع التعصب الديني المسيحي، فضلاً عن أن يحرّك ساكناً تجاهها بالتدخل الرّادع أو حتّى التلويح به، على حدّ وصفهم. ومنذ ديسمبر/كانون الأول 2013م بدأت الأحداث الطائفية التي عصفت بالبلاد وأسفرت عن مقتل المئات وتشريد الآلاف؛ حيث عُزلت الأقلية المسلمة خوفاً من هجمات مليشيات “أنتي بالاكا” المسيحية. وكشف تقرير للجنة الأمم المتحدة، في ديسمبر 2014، عن ارتكاب أنتي بالاكا تطهيراً إثنياً في المناطق التي يعيش فيها المسلمون، إذ قتلت الجماعة عن عمد مسلمين بسبب هويتهم، وخيروا بين الموت أو مغادرة البلاد. ونتيجة لذلك فإنَّ 99% من المسلمين المقيمين في العاصمة غادروها، و80% حول البلاد نزحوا إلى الكاميرون أو تشاد، كما تمَّ تدمير 417 مسجداً من أصل 436مسجدا، ودعمت فرنسا القوات المسلحة المسيحية في حربها ضد المسلمين.

كما أن واقع المسلمين الإقتصادى وما يعانونه من فقر يؤكد أن الحرب ضدهم حرب على الهوية .وعندما يتجدد العنف وقتل المسلمين من حين لآخر لا يتحرك المجتمع الدولى ولا الضمير الإنسانى، وعندما يجرح غير المسلمين تقوم الدنيا ولا تقعد، فمتى يصحو الضمير الإنسانى ويتعامل مع البشر على أنهم سواسية؟ ومتى يترك الكيل بمكيالين؟ أم أن السياسة تفسد الأخلاق والضمير.

(المصدر: موقع إسلام أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى