كتابات مختارة

الاعتداء على الشيخ القرني.. وحصار علماء السنة

بقلم أمير سعيد

إذا كان أول ما يتبادر إلى الأذهان في محاولة اغتيال الشيخ البارز عائض القرني هو أن إيران ربما تكون ضالعة في هذا العمل الإجرامي؛ فإن التوقف طويلاً عند الفاعل أو حتى الأداة لا ينبغي أن يلفت عن المغزى الأساسي لاستراتيجية وضعت منذ فترة ويتم تنفيذها بهدوء وتدرج من أجل “حصار علماء ودعاة أهل السنة والجماعة في العالم وإلجائهم إلى تضييق دائرة انتشارهم وتحركهم في العالم”.

لا بأس من عبور سريع على ملابسات الجريمة واحتمالاتها؛ فالمناخ معروف، اصطفاف إقليمي بين حلف دول الخليج – أو بعضها – مع تركيا في مقابل حلف الشر الإيراني.. طرد سفراء وإجراءات ممتدة ومتبادلة بين الطرفين من إيران حتى لبنان، ويواكبه رغبة جموح في الانتقام – غير المبرر – من إعدام السعودية للإرهابي الصفوي نمر النمر القريب من إيران، وتهديدات صريحة صادرة من تنظيم الدولة (داعش) ضد علماء ودعاة سعوديين من بينهم القرني نفسه.. والمكان ملائم؛ فهو أنسب لوجيستياً ولا يحرج أحداً من الغربيين في تحمل تبعة ملاحقة المجرمين ومن يقف خلفهم، ويخرج من دائرة المساومة والتأثير.. الفلبين.

إيران، أو داعش، أو “مسيحي” متعصب مناوئ لاستقلال مورو الإسلامية أو تمتعها بحكم ذاتي في الفلبين، لا فرق كبيراً إلا في مستوى التأثير والاحتياطات التي سيتخذها الموقعون عن رب العالمين وهم يبلغون عن نبيهم صلى الله عليه وسلم دعوته للعالم. فالنتيجة متشابهة إلى حد بعيد.

لدينا محاولة اغتيال لداعية بحجم الشيخ عائض القرني يتابعه اثنا عشر مليونا في موقع تويتر ومثلهم في موقع فيس بوك بخلاف وسائل التواصل الأخرى، وهو حجم يمثل شعب دولة متوسطة السكان، ومع هذا؛ فسوف لن نجد حجم الإدانات حول العالم على مستوى قيمة الرجل، اللهم إلا من محبي الشيخ من المسلمين، هذا له مؤشره المهم الذي يتعين أن يؤخذ بالاعتبار كثيراً، والتوقف عنده طويلاً.

ستصلنا الرسالة التالية حالئذ: “لا قيمة لدينا لعلمائكم ودعاتكم – ولا إدانة موازية أو مقاربة – كممثلي الملل والنحل الأخرى.. وسنغض الطرف لو نجحت مثل تلك المحاولات، وسوف لن نصعد ضد الجناة بأي حال”..

وستتلوها تلك الرسالة: “لا فرق لدينا بين داعية وسطي معتدل للحد الذي أعلن بنفسه أنه نأى بها عن تفاصيل السياسة ومتاعبها، وأوضح مراراً أنه ليس متخصصاً فيها وأنه معني بغيرها، وبين داعية منخرط في الشأن السياسي ولديه حضوره وتأثيره في دروبها.. لا فرق –  في حسهم – بين حمائم وصقور، أو بين “معتدل” و”متشدد”، كما يصفون”.

أما الأخطر هو تلك الرسالة التي يريد الفاعلون أن تصل لكل شيخ وداعية: “إياك أن تسيح في الأرض تدعو وتعظ وتعلم”.

هذا الأخير يعيدنا إلى الحديث عن الاستراتيجية العدائية التي أشير إليها في مستهل بها هذه الورقات، “حصار العلماء والدعاة والشيوخ”، وقبل أن تدمغ هذه السطور بالمبالغة؛ فدعونا نتذكر من قريب حين كان الدعاة الخليجيون والمصريون وغيرهم يجوبون بلدان أوروبا يدعون إلى الله ويحاضرون في مراكزها الكبرى.. أترون أن الحال قد بقي على ما كان عليه؟ لا، لقد كان دون ذلك ملاحقات متعددة ومنعاً لبعض الدعاة ورفعاً للقضايا ضدهم قبل أن يطؤوا أرض أوروبا، حتى غدا من العسير شيئاً فشيئاً السفر لهؤلاء يدعون إلى الله ويشدون على أيدي المؤمنين في أوروبا وأمريكا.

دون هذا كان التضييق واضحاً على المراكز الإسلامية ذاتها، ووضعها تحت دائرة المراقبة والتدقيق الشديدين حتى أصبح من العسير مثلاً أن تشهد عواصم أوروبا أنشطة غير اعتيادية كالمهرجانات والمحاضرات والحملات والمظاهرات ونحوها.

إنه الحلف الرخيص الذي تتضافر جهوده من شرق وغرب حتى يأرز العلماء والدعاة إلى أماكنهم لا يبرحوها، وهو فيها أيضاً يعانون من حملات تقودها قوى تغريبية إعلامية ضدهم ليل نهار حتى يتلاشى تأثيرهم في الداخل مثلما حوصر في الخارج.

في المرحلة الوسيطة، لاحظنا أن الدعاة استمروا في النفاذ من كل ثغرة يرونها أمامهم فتثاقلت أقدامهم عن أوروبا لكنهم نشطوا في آسيا وإفريقيا، لكن في المرحلة الأخيرة تلك يريدون للعلماء أن يغادروا تلك القارتين أيضاً.

الآن، اللعبة تتضح أكثر، بغض النظر عن الفاعلين، فلدينا ناتج واضح: حصار يُضرب شيئاً فشيئاً على الدعاة المسلمين السنة؛ فيما يجوب القساوسة ودعاة الطائفية من الفرق الضالة أصقاع الأرض بكل ترحاب وأمان.. الآن، يبدو الصوت زاعقاً “لقد ضقنا ذرعاً بمعدل انتشار الإسلام في العالم، لاسيما في أوروبا، وسوف لن نقف مكتوفين حيال هذا”، ولو كان حضور الشيخ القرني اليوم بضعة عشرات لما استهدفه الرصاص، ولكن لأنه وجد تجاوبا بالآلاف فكان الغضب على حجم النجاح.

مرة أخرى، دعونا من الفاعلين هذه المرة أو تلك، ولننظر بعيداً حيث يراد لنا مزيد من الانكماش والانكفاء. قولوا ما شئتم عن باع دولة إيران وطائفييها الطويل والتاريخي منذ أن نفذ أجدادهم عملية اغتيال أمير المؤمنين خليفة المسلمين الثاني عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، مروراً بالحشاشين، وانتهاء بفرق الكوماندوز الإيرانية والسورية والعراقية واللبنانية والأفغانية والخليجية – الطائفية جميعاً – المدربة على التفخيخ والتفجير والاغتيال.

لا تتوقفوا طويلاً؛ فحلف الشر قد كشف عن حقارته وتسانده، فالجميع سواكم معشر أهل السنة، يتربصون بكم الدوائر، ينفذ هذا، يتأخر هذا، يتواطؤ ذاك.. في النهاية المحصلة واحدة: انتقام وحقد وعدوان.

ستلحظون خلال الأيام التالية أن الإدانات خجولة جداً، وليست بحجم عملية لها مردودها الديني الوعظي أو السياسي التأثيري، سيدين البعض ويبطئ الكثير، وبإبطائهم ستتضح أكثر ملامح الجريمة وشركاؤها حتى بين أظهرنا، وسيتضح حجم جريمة هؤلاء بسكوتهم لتشجيع تكرار مثل هذه الجرائم ضد علماء المسلمين ودعاتهم.

لكن، لا جزع ولا إحباط؛ فكل خبطاتهم إنما تنم عن مستوى القلق.. قلقهم من دين ينتشر رغم كل تضييق ورغم كل مجازرهم في بلداننا ورغم كل مؤامراتهم؛ فهو دين الله محفوظ، والقائمون على دعوته مسددون.. في دربهم سائرون لا يخيفهم رصاص ولا تجزعهم شهادة.. يوقعون عن رب العالمين، دعوة تدخل كل يوم بيتاً جديداً.. “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون”

المصدر: موقع المسلم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى