كتب وبحوث

الاتجاه العلماني المعاصر في دراسة السنة النبوية (دراسة نقدية)

إن السنة الشـريفة هي المصدر الثاني من مصادر الشـريعة الإسـلامية قال الله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾[النحل: 44].
وفي طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، والعمل بسنته، طاعة لله تعالى، لقوله تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﭗ﴾[النساء: 80].
وفي هذه الطاعـة صلاح الأمـة في الدنيا، وفلاحها في الآخـرة، كيف لا! والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الزلل ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾[النجم: 3 ـ 4]، ارتضاه الله سبحانه قدوةً لعباده، فقال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾[الأحزاب: 21].
ولقد كان فضل الله تعالى عليَّ عظيماً، أن سَلكْتُ طريقاً ألتمسُ فيه علماً، وأن تخصَّصْتُ في الحديث الشريف.
ومِنْ هـذا الفضـل العظيم أن يسَّـرَ لي القَبول في الدراسـات العليا (مرحلة الماجستير).
وبعـد تجـاوز المرحلـة التمهيدية ـ ولله الحمـد ـ ورغبة في مواصلة طلب العلـم؛ بدأتُ البحـثَ عن موضـوع يصلح ليكـون رسـالة نافعـة أقدمها في هذه المرحلة.
وكان من عـادة طلاب هـذه المرحلة، أن غالبهم يبحـث عن مخطوطـات يحققونها، فبحثتُ عن مخطوط فلم يتيسّر لي ذلك، فجال فكري في التأليف، إلى أن وَقَعْتُ على رسالة لأحد إخواني كان يُحضـِّرها لمرحلة الدكتوراه، بعنوان: ’الاتجاه العلماني المعاصر في علوم القرآن الكريم‘، فاطلعتُ على بعض مصادر هذه الرسالة، فوجدتُ أن العلمانيين قد تناولوا السنة وعلومها بالطعن أيضاً، كما تناولوا علوم القرآن، بل أكثر، فأدركت أهمية هذا الموضوع، فاتجـه الخاطر إلى أن يكون عنوان رسالتي هو: ’الاتجاه العلماني المعاصر في دراسة السنة النبوية‘، فاسـتخرت الله سبحانه وتعالى، فانشرح صدري، ورأيت في ذلك رؤيا طيّبةً تدل على تكامل الرسالتين الشقيقتين، فانشرح صدري، وعزمت النيّة، وتوكلت على الله تعالى.
وأما أهمية هذا البحث، فقد تجلَّت في أربعة أمور:
الأول: لقد مُني المسلمون بمن يتجرَّأ على سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم بالطعن والتكذيب والتشكيك، لكن الله عز وجل قيَّض من يقومون بالذبِّ عنها، ينفون تحـريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ومطاعن الطاعنين، وتشكيك المشككين.
ومع وجود دراسات سابقة قيـِّمة ـ فيما أعلم ـ ناقشت مثل هذه الاتجاهات والانحرافات، إلاَّ أنَّه لم يكن للاتجاه ’العلماني‘ فيها كبيرُ نصيبٍ، فأردتُ أن أُفرد هذه الدراسة لمناقشة هذا الاتجاه مناقشة شاملة.
الثاني: تعالي أصوات العلمانيين في هذه المرحلة، وتجرُّؤهم أكثر من قبل على الطعن بالسنة المطهرة، وكتبها، وأئمتها، ورواتها بدءاً من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فكان لا بد من مواجهة هذه الحملة المسعورة في حينها.
الثالث: إنَّهم لا يفتـؤون يكررون المطاعن القديمة، وينفثون سمومهم من خلالها، لكنهم ألبسوها أثواباً جديدة، بألقاب شتى مثل: البحث العلمي، والمعاصرة، والموضوعية، والعقلانية، والحسّ النقديّ الحُرّ، والفكر النيـِّر ـ حسب تعبيرهم ـ، فلا بد من كشف هذه الأثواب التي تخفي تحتها سَوْءة هذه الألقاب، وبيانَ زيفها وعَوارها.
الرابع: إنَّ الاتجاهات المنحرفة التي تناولت السنة بالطعن كثيرة، كالقرآنيين، والعقلانيين عقلانية بحتة، والمستشـرقين، والمُتغَرِّبين، وما يـدور على الألسـنة الخبيثـة، وغيرهم من أعـداء الديـن، ولأنَّ العلمانيين أخـذوا أفكارهم عن هـذه الاتجاهات كلها، فالرّد على العلمانيين يكون ردّاً عليهم جميعاً في آنٍ واحد.
وقد تناولت في هذا البحث عدداً من العلمانيين، يشمل الوطن العربي إجمالاً إلى تركيا شمالاً.
فمن المشرق: محمَّد شحرور، وطيـِّب تيزيني.
ومن مصر: محمَّد سعيد العشماوي، ونصر حامد أبو زيد، وحسن حنفي.
ومن المغرب العربـي: محمَّد حمزة، وحمادي ذويـب، وهشـام جعيط، ومحمَّد أركون، والصادق النيهوم.
بالإضافة إلى غيرهم ممن سيرد في البحث.
* منهج البحث:
أما منهج البحث فكان استقرائياً، تحليلياً، نقدياً.
حيث تتبعتُ أقـوال العلمانيين في أكثـر كتبهم وجمعْتُها، ثم عـرضْتها في البحث فِكرةً فكرة، وشُبْهة شبهة، وأرجعتها إلى مصادرها التي نقلوا عنها، ثم قمتُ بتحليلها، ونقدها، والردّ عليها.
* الصعوبات التي رافقت البحث:
إن القراءة في كتب العلمانيين تختلف عن قـراءة غيرها من الكتب، فلا بد للباحث في كتبهـم من مواجهة بعض المصـاعب والمتاعـب، تتعلق بأفكارهم ذاتها، وبطريقة عرضـها، فهي مُتعبةٌ في الشـكل والمضمون لعدة أسـباب، أذكر منها:
أولاً ـ إن أفكارهم تصادم الفطرة السليمة والعقل السليم، وتعارض النقل، ومسلّمات الإيمان، وبديهيات الإسـلام، فيشعر القارئ بانقباض كبير في القلب والروح، لكنها الضرورة، والتحلِّي بالصبر، والاحتساب عند الله تعالى!.
ثانياً ـ إنَّ القارئ في كتبهم لا يَرْكُنُ إلى صدقهم البتّة، فيما يقولون، وفيما ـ عن غيرهم ـ ينقلون، فهم يُعْمِلون أقلامهم في النصوص حذفاً، وتحريفاً، وتقديماً، وتأخيراً، وإدراجاً، حتى في نصوص الحديث؛ فضلاً عن أقوال العلماء! فلا يشعر القارئ أنه أمام كاتب نزيه بعد أن يكتشف مثل هذا التلاعب بالنصوص، مما يفقدهم المصداقية، وبالتالي لا يجد طمأنينة لما يقولون، فهو في حالة شك دائم من أقوالهم، مما يضطرُّ الباحث إلى مراجعة ما يحتاجه من كلامهم حرفياً في مصادره الأصلية التي نقلوا عنها، ليجد الطامَّات!.
ثالثاً ـ إنهم يكررون الفكرة الواحدة مرات ومرات لدرجـة الملل، بدءاً من المقدمة وانتهاءً إلى ظهر الغلاف، مروراً بالخاتمة، ظناً منهم أنَّهم تثبت أكثـر في ذهن القارئ، فضلاً عن تداخلها وتشابكها في كل موضع.
رابعاً ـ عدم وجود منهج واضح يسيرون عليه في تسلسل أفكارهم، بل هو أشبه بسهام طائشة باتجاهات شتى.
خامساً ـ إن طريقة عزوهـم إلى المصـادر متعبة، خاصـة تلك الكتب التي لا تـذكر المصادر المعزوَّ إليها إلاّ في نهاية كل فصل، فيضطر القارئ إلى تقليب صفحات الكتاب مرات عديـدة، ويجـد ـ أحياناً ـ أن العزو لم يكن صحيحاً، بل وهمياً، فيُداخِلُه الرَّيبُ أكثر!.
سادساً ـ التناقض في أفكارهم، حتى على مسـتوى الكاتب الواحد منهم، فيضطر الباحث إلى جمع شتات الفكرة الواحدة، وملاحقتها في جميع كتابه، وكثيراً ما نجده يناقض نفسه.
* موضوع البحث:
أما موضوع البحث فكان عبارة عن ستة فصول، جعلتُ كل فصل في أربعة مباحث، عدا الأخير منها فكان في ثلاثة، هذا بيانها:
* الفصل الأول ـ العلمانية:
وهو بمثابة فصلٍ تمهيدي لصلب الرسالة، لذا جعلته موجزاً.
ـ المبحث الأول: تعريف العلمانية عند الغرب، وعند المسلمين، وعند العلمانيين العرب.
ـ المبحث الثاني: نشأة العلمانية في الغرب ومُسوِّغاتها عند أهله.
ـ المبحث الثالث: أسباب انتقال العلمانية للعالم الإسلامي.
ـ المبحث الرابع: أهداف العلمانيين ووسائلهم وأساليبهم.
* الفصل الثاني ـ مفهوم السنَّة النبوية في الفكر العلماني:
ـ المبحث الأول: تعريف السنة في الفكر العلماني.
ـ المبحث الثاني: دعوى مرحلية أحكام السنة.
ـ المبحث الثالث: التقسيم المبتدع للسنة.
ـ المبحث الرابع: دعوى أن السنة عادات وتقاليد.
* الفصل الثالث ـ دعاوى عدم تدوين السنَّة:
ـ المبحث الأول: دعوى عدم كتابة السنة.
ـ المبحث الثاني: دعوى محاربة الخلفاء الراشدين لكتابة السنة.
ـ المبحث الثالث: دعوى تأخر تدوين السنة.
ـ المبحث الرابع: دعوى كثرة الوضع في الحديث.
* الفصل الرابع ـ مشروعية السنة في الفكر العلماني:
ـ المبحث الأول: تأسيس مشروعية السنة.
ـ المبحث الثاني: مكانة السنة من القرآن الكريم.
ـ المبحث الثالث: وحي السنة.
ـ المبحث الرابع: عصمة النبي صلى الله عليه وسلم.
* الفصل الخامس ـ حجيّة السنة القولية في الفكر العلماني:
ـ المبحث الأول: تعريف حديث الآحاد عند العلمانيين.
ـ المبحث الثاني: حجية حديث الآحاد.
ـ المبحث الثالث: حجية الحديث المتواتر ووجوده.
ـ المبحث الرابع: الاحتجاج بالحديث في اللغة والنحو.
* الفصل السادس ـ نقد الحديث بين صناعة المحدثين ومطاعن العلمانيين:
ـ المبحث الأول: نقد الحديث سنداً ومتناً.
ـ المبحث الثاني: طعن العلمانيين في كتب السنة.
ـ المبحث الثالث: طعن العلمانيين في رواة السنة.
وختمت البحث بأهم النتائج التي تم التوصل إليها، وذكرت بعض التوصيات، ثم ألحقتُ بالخاتمة الفهارسَ اللازمة.
وقد اقتصرت في تخريج الحديث على العزو إلى الصحيحين، فإن لم يكن فيهما فإلى الأربعة وغيرها، بحسـب ما تقتضـيه ضـرورة البحث. واعتمدت في العزو إلى الكتب الستة على طبعة دار السلام (مجلد واحد) وترقيمها أيضاً، فبعد ذكر الكتاب والباب؛ أذكـر رقم الحديث، ثم رقم الصفحة أيضاً. أما في تخريج الآيات فأذكر اسم السورة ورقم الآية بين معقوفتين [ ]، بعد ذكر الآية مباشرة في النص.
وأما ترجمة الأعلام، فكانت بحسب ما تقتضيه ضرورة البحث؛ لكي لا تُثْقَل الحواشي، ولم أترجم للعلمانيين؛ فهم معاصرون، والبحث معاصر.
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يجعل هذه الرسالة ذوداً عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعن صحابته الكرام رضوان الله عليهم، وأن يتقبلها بقبول حسن، ويجعلها خالصةً لوجهه الكريم، وقُرْبة إليه سبحانه، وأن يجنِّبني الزلل في القول والعمل، ويُحسن خاتمتي وخاتمة المسلمين أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 

معلومات عن الكتاب

  المجموعة مكتبة الرسائل الجامعية العالمية
   الناشر دار النوادر
   عنوان الناشر دمشق
   سنة النشر (هجري) 1433
   سنة النشر (ميلادي) 2012
   رقم الطبعة 1
   نوع الورق أبيض
   غراماج الورق 70
   قياس الورق 17×24
   عدد المجلدات 1

 

(المصدر: دار النوادر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى