كتابات

استنارة فكرية حول المرجعية الإسلامية لدى الأحزاب الإسلامية

بقلم الشيخ سالم الشيخي.. رئيس منتدى العلماء

سألني بعض الإخوة والأخوات عن مفهوم المرجعية الإسلامية الذي هو دعامة أساسية من دعائم الأحزاب الإسلامية التي اتسمت بأنها مدنية بمرجعية إسلامية .والجواب فصلته في كتابي عن الهوية وهذا مجمل ما جاء في ذلك الكتاب مختصرا .

الدولة وأركانها الثلاثة في ظل المرجعية الإسلامية:

المعروف اليوم في الفقه الدستوري أنَّ الدولة الحديثة لها ثلاثةُ أركان، أو تحكُمُها ثلاثُ مؤسساتٍ رئيسةٍ هي :

أ‌- المؤسسة التشريعية : وهي الجهاز المتخصص في وضع التشريعات والقوانين التي تحكم البلاد والعباد ، وهو الذي يقوم كذلك بوظيفة المراقبة والمحاسبة للحكومة.

ب‌- المؤسسة القضائية : وهي الجهاز القضائي الذي يَحكُم بين الناس ، وفقاً للقوانين والتشريعات التي توافق عليها السلطة التشريعية .

ت‌- المؤسسة التنفيذية : وهي الجهاز المكلف بإدارة شؤون البلاد ، ويقوده حاكم البلاد ويتحمل المسؤولية أمام ممثلي الشعب في البرلمان. فعندما نطالب بالمرجعية الإسلامية ، أو بتطبيق الشريعة في بلادنا فإنّنا نقصد بها أن تكون هذه المؤسسات الثلاثة منضبطة بأحكام الشريعة الإسلامية ، أمّا أن يزعم أحد أنّ المرجعية الإسلامية أو تطبيق الشريعة هو عبارة عن نص دستوري واحد ينص على أنّ الشريعة هي مصدر التشريع ، ثم نغفل بعد ذلك عن أثر الشريعة في المؤسسة القضائية ، والمؤسسة التنفيذية ، فهذا نوع من الحيدة والانحراف عن المسار ، وكم سمعت لمن ينتمون للتيار العلماني في ليبيا ، وهم يقولون : نحن سنضع نصاً في الدستور ينص على أنّ الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع ، ولكن عندما يتحدثون عن بقايا جوانب الدولة وعن برامجهم الانتخابية تجد أنّ الشريعة الإسلامية التي يتحدثون عنها لا وجود لها فيما ذُكر ، بل المطروح هو قناعات وتصورات الفلسفة العلمانية بتفاصيلها ، خاصة في قضايا الحريات العامة ، وقضايا الأسرة والمرأة والطفولة ، وقضايا الإعلام ، والتعليم وغير ذلك من مجالات الدولة التنفيذية والذي نؤكده في هذا الموضع ما يلي:

1- الحكم بما أنزل الله ومؤسسات الدولة الثلاث . أن الآيات القرآنية التي تحدثت عن الحكم بما أنزل الله جاءت في سياقات ثلاثة ، كل واحدة منها محمولة على نوع من الانحراف في مؤسسات الدولة الثلاث ، فقوله – تعالى – : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } [ المائدة : 44 ] ، محمول على الانحراف في السلطة التشريعية للدولة ، لأنّ الإجماع قد انعقد بين العلماء أنّ من شرع من دون الله ، وحادّ الله في تشريعه فإنّه يكفر ، متى ما توفرت الشروط ، وانتفت الموانع في الحكم عليه قضائيا بالكفر .

وأمّا قوله – تعالى-في الآية التي بعدها: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [المائدة 45] ، فهو محمول على السلطة القضائية فهي مكان وقوع الظلم عند الانحراف عن شرع الله ، والقاضي لا يكفر بحكمه بالأهواء إلا إذا اعتقد تشريعها ، أو جعلها شريعة دون شرع الله – تعالى – . وأمّا قوله تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [ المائدة : 47 ].

فمحمول على الانحراف عن شريعة الله في باب التنفيذ والعمل ، فأعمال الحكام والموظفين إن كانت لم تبن على عقيدة تُنكر شرع الله ، وتقوم على مبدأ استباحة المحرمات كالغش والخيانة والفساد الإداري ونحوها ، وكان الحاكم يؤمن بشريعة الله ، ولكنه واقع تحت مضلة الأهواء والشهوات فهذا لا يكفر ، وإنّما هو فاسق ، وعلى هذا تُحمل الانحرافات التي وقعت على أيدي حكام الجور والظلم عبر التاريخ الإسلامي ، وذلك عندما كان الجميع يُقرون قاعدة التحاكم إلى شريعة الله ، ولكنهم يقعون في انحرافات في الممارسة ، وخاصة فيما يتعلق بحقوق الرعية ، فهذا لا ينقلهم لساحة الكفر، وإنّما هو الفسق بدرجات مختلفة بحسب نوع الانحراف عن منهج الله وشرعه.

2- حصر المرجعية الإسلامية في باب السلطة التشريعية وفي مادة واحدة : إنّ هذا الالتفاف حول معنى المرجعية الإسلامية بحيث يُمكن لأي علماني أن يقول للناس عامة ، وحتى لبعض العلماء ، وشباب الصحوة الإسلامية : أنا مع الإسلام ، ومع النص على أنّ الإسلام دين الدولة ، ثم بعد ذلك لا يُتابع في مصداق ما يقول فيما يتعلق بمؤسسات الدولة الثلاث ! فهذا ما لا يقبله المسلم بحال ! ولعل الطريق المختصرة لكشف حقيقة الدعوى بالمطالبة بالمرجعية والشريعة الإسلامية عند هذه التيارات هو سؤال هؤلاء عن موقفهم بوضوح وبأسئلة بينة واضحة عن مصداق هذه الدعوى ، ومن هذه الأسئلة سبيل المثال لا الحصر :

  • كيف سيكون التعليم موافقا لديكم لهوية الأمة والمرجعية الإسلامية ؟
  • كيف سيكون الإعلام موافقا لديكم لهوية الأمة والمرجعية الإسلامية ؟
  • كيف سيكون الاقتصاد موافقا لديكم لهوية الأمة والمرجعية الإسلامية ؟
  • كيف ستكون السياسة الداخلية والخارجية موافقة لديكم لهوية الأمة والمرجعية الإسلامية ؟
  • كيف ستكون قضايا المجتمع والأسرة وحقوق المرأة والطفولة موافقة لديكم لهوية الأمة والمرجعية الإسلامية ؟
  • كيف ستكون قضايا الحريات موافقة لديكم لهوية الأمة والمرجعية الإسلامية ؟ وهكذا أسئلة حول البرامج والمشاريع التي يؤمن بها هؤلاء في سائر تفاصيل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونحوها ، وعندها سيتبين الفارق بين من يؤمن بمرجعية الشريعة عن يقين وصدق اعتقاد ، وبين من يستثمر هذا المطلب لمكاسب انتخابية سياسية لا غير . إنّني أحذر علماء المسلمين وشباب الإسلام من خطر الوقوع في الخداع العلماني ، ويكفينا أنّ المجتمعات الإسلامية خُدعت طيلة عقود من حكام لا يعرفون الإسلام إلا عند حديثهم أمام العلماء ، أو لحظة ظهورهم على الشاشات في صلاة الجمعة ، ثم بعد ذلك كانوا أشدّ مراساً من العلمانيين في الغرب فيما يتعلق بأركان السلطة الثلاث : التشريعية والقضائية والتنفيذية.

3- واجب الأحزاب الإسلامية تجاه المرجعية الإسلامية : إنّ الأحزاب الإسلامية التي تعاهدت على نُصرة شريعة الله عبر بوابة العمل السياسي والسياق الانتخابي ، قد رفعت صوتها ، وقالت للجميع بشكل واضح جلي : إنها تدعو إلى التمسك بالمرجعية الإسلامية ، وضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية . هذه الأحزاب عليها أنّ تنتبه إلى أنّ حقيقة المرجعية الإسلامية – كما تذكر في شعاراتها على الدوام – ليست نصا واحدا ، كما يزعم العلمانيون ، وإنّما انعكاس لهذه المرجعية على مؤسسات الدولة الثلاث ، ولذا فإنّهم مطالبون – لكي يتحلوا بالصدق والمصداقية – أن يلتزموا في برامجهم الانتخابية ، ومشاريعهم السياسية بهيمنة الشريعة على كل هذه المؤسسات ، وعليهم أن يبينوا أثر التزامهم بهذه المرجعية خاصة في قضايا المجتمع اليومية والمتعلقة بالأجهزة التنفيذية ، ولنا أن نسألهم كما سألنا من قبلهم – وبشكل واضح – عن هذا الالتزام عبر الأسئلة التالية :

  • أين هي آثار الهداية الإلهية ، والمرجعية الإسلامية في المشروع السياسي الذي تطرحونه ؟
  • أين هي آثار الهداية الإلهية ، والمرجعية الإسلامية في المشروع الاقتصادي الذي تطرحونه ؟
  • أين هي آثار الهداية الإلهية ، والمرجعية الإسلامية في المشروع الاجتماعي الذي تطرحونه ؟
  • أين هي آثار الهداية الإلهية ، والمرجعية الإسلامية في المشروع الإعلامي الذي تطرحونه ؟ وهكذا يمكننا أن نسأل عن تجليات الهوية والمرجعية الإسلامية في جميع مجالات الحياة اليومية التي تتعلق مباشرة بحياة الناس ، وتنعكس آثارها على تعميق قناعتهم بأنّ أصحاب مشروع المرجعية الإسلامية قوم صادقون في دعواهم ، ملتزمون بوعودهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى