إصدارات دينية وشرعيةكتب وبحوث

أثر الجهاد في تحقيق السلام (نظرة مقاصدية)

[تم تقديم هذا البحث في المؤتمر الدولي السنوي الخامس لمركز دراسات التشريع الاسلامي والأخلاق، الذي عقد بالدوحة، قطر في 18- 19 مارس2017]

الشيخ الأستاذ ا لدكتور علي محمد الصوا

كلية الشريعة، الجامعة الأردنية

أستاذ دكتور في الفقه المقارن، خريج جامعة الأزهر الشريف سنة 1978، عمل أستاذا في الجامعة الأردنية وجامعة اليرموك الأردنية وجامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية وجامعة الكويت وجامعة الشارقة، وشغل منصب عميد كلية الشريعة في جامعة الزرقاء الأهلية، ونائبا لعميد كلية الشريعة في الجامعة الأردنية، ورئيسا لقسم الفقه وأصوله في الجامعة الأردنية، وهو عضو في جمعية الدراسات الإسلامية وزميلا في المعهد العالمي للفكر الإسلامي وعدد من الجمعيات الاجتماعية الأخرى. له عدد من البحوث والمقالات العلمية المنشورة، منها: الفعل النافع في القانون المدني الاردني وقواعد الاغتفار والصلح في الحقوق وزكاة الصكوك وصناديق الاستثمار وحكم تجنيد الاطفال والنساء ومنها الاحكام الشرعية الحامية للنساء والاطفال زمن الحرب، وقد زادت البحوث على اربعة وعشرين بحثا. من إنجازاته الإشراف على مشروع تيسير الفقه الإسلامي في دار المنهل للنشر وهو قيد الانجاز وقد بلغت مجلداته خمسة وعشرين كتابا استهدف الفئات الشابة من طلبة الثانوية والجامعات.

الملخص

        انفرد الإسلام بميزة العموم قال تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا )  سبأ: ٢٨ ، وقال سبحانه: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) الأعراف: ١٥٨ ، ويلزم من صلوحية الإسلام لكل زمان ومكان، أن تكون أحكامه كليّات ومعاني مشتملة على حكم ومصالح، صالحة لأن تتفرع عنها أحكام مختلفة الصور محددة المقاصد.

وإذ قد أراد الله بحكمته ان يكون الإسلام اخر الأديان التي أرسل الله بها الرسل وخاطب بها اقوامهم خاصة، تعين ان يكون أصله الذي ينبني عليه وصفا مشتركا بين سائر البشر، ومستقرا في نفوسهم، ومرتاضة عليه العقول السليمة، وهو وصف الفطرة، حتى تكون احكامه مقبولة عند اهل الآراء الراجحة من الناس الذين يستطيعون فهم مغزاها فيتقبلوا ما يأتيهم منها بنفوس مطمئنة فيتبعوها دون ترد.

كما اتصفت أحكامه وتعاليمه بالشمول لشعب الحياة الإنسانية جميعها، إن في النواحي التعبدية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو الدولية، وهذا فرع كمال الإسلام قال تعالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) المائدة: 3، وذلك حتى يتوفر للبشرية دستور شامل عادل محكم محقق لمصالح الناس الضرورية، والحاجية، والتحسينية، ومن صور شمول أحكامه تنظيمه للعلاقات الانسانية الداخلية والخارجية في حالتي السلم والحرب تنظيما يقوم على العدل والنصفة، تراعى فيه الجوانب الأخلاقية والإنسانية وتعلى شأن الرحمة والحرية الدينية، ووصولا إلى هذا الهدف شرع الإسلام الجهاد، وآثر هذا المفهوم لأداء مهمته وتبيين تفاصيل دعوته.

والجهاد كلمة جامعة تشتمل جميع أنواع السعي وبذل الجهد للتغير العقلي والفكري، بالدعوة والحوار، وباللسان والقلم، وبكل وسيلة سلمية، واعتبر ذلك من أنواع الجهاد، كما أن استخدام القوة متى وجدت دواعيها يعدّ من الجهاد، وكذا مكابدة الشدائد والصبر عليها.

والذي يتطلبه الإسلام أنه إذا قام فرد أو جماعة أو دولة ببذل وسعها وطاقتها لإعلاء شأن الإسلام ونصرة مبادئه وتكوين نظام جديد وفق الفكرة الإسلامية، فإن عليهم أن يتجردوا عن الأغراض، وأن تبرأ أفعالهم من الهوى والنزعات الشخصية في كل ما تبذل في سبيل غايتها من نفس أو نفيس، ليبقى الهدف الرئيس لكل مجاهد تأسيس نظام عادل يقوم بالقسط والحق بين الناس، ولا يخطر ببالهم، إلا ذلك قال تعالى: ( الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذي كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ) النساء: ٧٦ .

ويقرّر الباحث أن الجهاد وسيلة لا غاية وإن كان ذروة سنام الإسلام وانه وسيلة سواء كان في يد الفرد، أو الجماعة، أو الدولة، مرتبطة بغاية ملازمة له، هي شرط مشروعيته، أن يكون في سبيل الله ولإعلاء كلمته التي إن آمن بها البشر أو استظلوا تحت أحكامها حققت لهم نتائج عادلة إذا تجرد المنفذون لأحكامه عن الأغراض والنزعات الشخصية، سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن:” الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال عليه السلام: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله” وانه وسيلة سلمية ابتداء ولا يصار الى استخدام القتال الا عند الحاجة الملحة، لأنها أنجع في تحقيق مقصودة.

وعلى هذا فإن استخدم الجهاد وسيلة للأغراض الخاصة، أو للفساد في الأرض، او استعباد البشر او بقتل من لا يصح قتله، أو بتدمير العمران والحضارة، فإنه لا يكون جهاداً وإن سماه القائمون به جهاداً، اغترارا بأفعالهم، ما دام يؤدي إلى نتائج لا ترضي الله عز وجل، وتخالف شريعته، وإن أدخله من يزعم أنه مجاهد في مسمى الجهاد تعسفاً، وكل ذلك من الفساد في الأرض قال سبحانه: ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) الأعراف: ٥٦ ، وقال: ( والله لا يحب الفساد ) البقرة: ٢٠٥، وقال جل وعلا: ( إن الله لا يصلح عمل المفسدين ) يونس: ٨١ .

ويفترض الباحث أن النزاعات المسلحة من العسير أن تحقق سلاماً تسكن معه النفوس ويسعد في ظله الإنسان ويحقق مصالحه ويصون حقوقه، لأن العداوة نتجت عن إراقة الدماء وهتك حقوق الإنسان وكرامته، ولا تزول بالغلبة، وإن سكنت بدافع الخوف، لذلك نفهم معنى منع الإسلام أتباعه من استخدام العنف في المرحلة المكية، وطلب إليهم أن يكفّوا أيديهم ويصبروا، وأمرهم بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالى: ( ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية )  النساء: ٧٧ ، وكان ذلك سبباً في إقبال الناس على هذا الدين بالرغم من العنف الأذى الذي وقع عليهم من المشركين، وفي صلح الحديبية حين اختلط الناس (المسلمين، والمشركين) دخل في الإسلام خلق كثير أضعاف من دخلوا فيه إلى تاريخ الصلح، بسبب اطلاعهم على محاسن الإسلام والتصرفات السوية من أتباعه والمعاملة الطيبة، فالسلام الحقيقي ينبع من إيمان الناس، ومن عدالة المنهج، سواء آمنوا به، أو خضعوا له، ولو ظلوا على دينهم، قال تعالى: ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) الأنعام: ٨٢ .

إن نتائج النزاعات التي تحصل بين الدول، أو الجماعات والدول، او بين الجماعات نفسها، مخيفة ومدمرة، لا على المقاتلين فحسب، بل على الأطفال والنساء والمدنيين، وعلى الحضارة والعمران الذي بناه الإنسان، وهي من أكبر مصادر انتهاك حقوق الإنسان وتقود إلى الفوضى وانهيار الدول وغياب القانون، ولأحكام الشريعة دور بارز، وأثر كبير في ترميم آثار النزاعات المسلحة، واستخدام العنف تأتي مفصلة في البحث إن شاء الله.

وسيكون البحث في نطاق الأسئلة الآتية:

  1. هل يضمن ” الجهاد” نتائج عادلة وأخلاقية؟
  2. هل يمكن أن يؤدي النزاع العنيف إلى سلام حقيقي؟
  3. كيف تؤثر الحالات الإنسانية في النزاع والمقاومة التي ينتج عنها موجات النزوح واللجوء؟

تمهيد

لا يكاد يختلف العلماء في أن الحرب ظاهرة ملازمة للاجتماع البشري، وأنها سنة من سننه، ومظهر من مظاهر تنازع البقاء، وصراع المصالح، وتنازع الاهواء، لا سيما اهواء الزعماء والرؤساء.

وقد عجزت الحضارة المعاصرة رغم ما تملكه من أدوات ان تضع حلا لهذه المشكلة، والإسلام باعتباره دين الفطرة لم يسلك في معالجة هذه المشكلة مسلك المثالية، ولكنه عالجها معالجة واقعية فلم يفرض على اتباعه الذل والاستكانة والمسالمة المطلقة، تحت شعارات لا واقع لها، وانما وضع مبادئ وكليات عامة، وشرع احكاما جزئية وسائل لتحقيق الكليات، فإًقامة العدل مقصد كلي، والمساواة من شروط تحقيق العدل في التنفيذ، ولكنها لا تعني العدل نفسه، فقد تكون المساواة المطلقة مخالفة لمقتضى العدل، لان العدل يقتضي التسوية بين المتماثلين علة، والتفريق بين المختلقين، فاذا سويت بين المختلفين كان ذلك ظلما، فالعدل يقتضي المساواة عند ما يتحد مناط التسوية وعلتها، حتى اذا اختلفت الافراد في صفات معينة، او في صفة مؤثرة؛ وجب التفريق، والا كان مناقضا للعدل، ومن ذلك قول تعالى: ( قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث ) المائدة: ١٠٠، ونحوها كثير في القرآن الكريم من الآيات التي تعيب على من يسوي بين المختلفات، او المتضادات[1].

ومن الأمثلة على مسألتنا القتال لنصرة الحق، والدفاع عن الارض والعرض، لا يستوي مع القتال الذي يبغي صاحبه الفساد في الأرض، ونشر الظلم، وامتهان كرامة الانسان، مع ان كلا منهما قتال، لكنهما متضادان في الغاية، لذلك فالتسوية بينهما ظلم.

وقد وصف الله المؤمنين بانهم يقاتلون في سبيل الله، ووصف الكافرين بانهم يقاتلون في سبيل الطاغوت، فقال سبحانه: ( الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ) النساء: ٧٦ ، وسبيل الله كل طريق تحقق رضاه سبحانه وتعالى، وهي مجموع الاحكام التي تضمنتها رسالة الإسلام  التي ارسل بها نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم للعالمين، ومن مقاصدها إقامة العدل، اما الطاغوت فهو: اسم قد يطلق ويراد به الشيطان، وقد يراد به الظالم الجبار، الذي يطغيه التسليم بالظلم، وقد يراد به الذي يفرض الشر على الناس فيتقوا شره، وقد وتكررت[2] هذه المقابلة بين الفئتين في قوله تعالى ( قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين ) آل عمران: ١٣، فالأولى المؤمنة تقاتل في سبيل الله، والثانية الكافرة تقاتل في سبيل الطاغوت، لأجل ذلك جاء تحريض الله  للمؤمنين على القتال، بقوله تعالى ( فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا ) النساء: ٧٦ ، وللعلة نفسها طلب من رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ان يحرض المؤمنين على القتال، فقال: ( يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ) الأنفال: ٦٥ ، لانهم يقاتلون لإقامة شرع الله، واعمار الحياة بالخير لا بالشر، وبالعدل لا بالظلم، فالمساواة بين قتال الفئتين مع تضاد اهدافهما حيدة عن الحق وميل للجور.

ومع ان الشارع الحكيم حرض على القتال في سبيل الله، ورغب فيه بأساليب مختلفة، الا انه بين انه شرعه كضرورة اجتماعية لإحقاق الحق، وابطال الباطل، وردع  الظالم، دلنا على ذلك قوله تعالى: ( وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين، ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون ) الأنفال: ٧ – ٨ ، فقد أراد المسلمون الفوز بقافلة قريش تعويضا عن أموالهم التي استولى عليها الظلمة من قريش، واخرجوهم منها، ومن ديارهم بغير حق الان يقولوا ربنا الله، ولكن الله أراد لهم غير ما أرادوا لأنفسهم، أراد الله ان تكون ملحمة بين الحق والباطل، ليحق الحق ويثبته، ويبطل الباطل ويزهقه، ويقطع دابر الظالمين، ويذل كبرياءهم، وتعلو راية الإسلام، ويمكن للمسلمين دينهم الذي ارتضى لهم ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) الحج: ٤١ ، أراد للعصبة المسلمة ان تصبح امة لها دولة، وان يكون لأحكام الإسلام السيادة، فيعيشوا في ظل منهج الله، واراد الله ان يكون هذا التمكين عن استحقاق، وبالجهد والجهاد وتكاليف الجهاد، في عالم الواقع ومعاناته خاصة وانهم قد خبروا أعداءهم، وعانوا منهم اشد المعاناة.

وأحاطه بجملة من الاحكام والضوابط ابتداء من محاولة تجنب القتال بكل وسيلة ممكنة، ومرورا بتحديد نطاق القتال، بحيث يقتصر على قدر الضرورة والحاجة، وانتهاء بترميم اثاره، وتخفيف ويلاته، التي تقع على الانفس والأموال، والعمران والحضارة. فالقتال وان أدى الى ازهاق بعض الانفس، واتلاف بعض الاموال وهدم جوانب من العمران، يكون مقبولا، بل فضيلة، كالقصاص، على ما فيه من الألم جعله الله وسيلة للحياة الامنة في المجتمع، قال سبحانه: ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون ) البقرة: ١٧٩ ، وقد تكرر قول الفقهاء في مصنفاتهم في كتاب الجهاد ان الحرب في ذاتها قبيحة، لما فيها من قتل النفوس واتلاف الأموال، لكن الجهاد حسن لغيره، وهو اعلاء كلمة، وحماية الدين، ومنع الفتنة، ووسيلة لاستقرار الحياة.

وللوقوف على حقيقة الجهاد وبيان أثره في تحقيق السلام فقد بنيت هذا البحث على المطالب الاتية:

المطلب الأول: معنى الجهاد، وبيان مشروعيته، ومقاصده

المطلب الثاني: شروط الجهاد، وولاية اعلانه.

المطلب الثالث: الوسائل الشرعية في معالجة اثار الجهاد.

المطلب الأول: معنى الجهاد، وبيان مشروعيته، ومقاصده

الفرع الأول: معنى الجهاد، والفرق بينه وبين الحرب والقتال، والنزاعات المسلحة

الجهاد في اللغة: مصدر الفعل الرباعي جاهد، على وزن فعال بمعنى المفاعلة من طرفين، مثل: خصام بمعنى المخاصمة، ومصدرها خاصم، ومثله الفعل الثلاثي جهد، ومصدره الجهد بالفتح، الطاقة والوسع، وبالضم المشقة[3]، وفي اللسان، الجهد بالفتح المشقة، والجهد بالضم الطاقة، والجهاد استفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل[4].

  قال القسطلاني في شرحه على صحيح البخاري:” الجهاد بكسر الجيم، مصدر جاهدت العدو مجاهدة، وجهادا، وهو مشتق من الجهد بفتح الجيم، وهو التعب والمشقة، أو من الجهد، بالضم وهو الطاقة، لأن كل واحد منهما بذل طاقته في دفع صاحبه”[5].

    فالجهاد هو استفراغ الوسع في المدافعة بين طرفين ولو تقديرا[6]، لأنه قد يكون الوسع المبذول فعلا ماديا بسلاح، أو بغير سلاح، وبدفع مال أو بغير مال، وقد يكون قولا وقد يكون بالامتناع عن الفعل، والقول كمن يمتنع عن طاعة والديه في أمرهما له بالمعصية، وكمن يعف عن إشباع شهواته بالحرام، وقد نازعته نفسه إليها.

    وفي المفردات: والجهاد والمجاهدة استفراغ الوسع في مدافعة العدو.

    الجهاد في الاصطلاح الشرعي: دل الاستقراء على أن الجهاد استعمل عند أهل الشرع في معنيين يندرجان في المعنى اللغوي، وإن كانا أخص منه، وهما: المعنى العام، ويراد به كل جهد يبذله المسلم لإعلاء كلمة الله، سواء بإرشاد الكفار إلى الحق- أعني الاسلام- بالقول أو الفعل، أو بحمل النفس على أحكام الدين وتطهيرها من أوضار الشهوات والأهواء، أو بالأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر، أو بالدعوة إلى الله.

    قال ابن حجر:” ويطلق- أي الجهاد- على مجاهدة النفس والشيطان والفساق”[7]، فالجهاد بالمعنى العام يطلق على معان، منها:

الاول: جهاد النفس بمقاومة إغراءاتها مخافة أن يصبح الانسان فريسة لأهوائه وعبدا لشهواته، وبذل الوسع في حملها على طاعة مولاها، لتصبح نفسا زكية نزاعة للمجد، والرفعة، مؤهلة لحمل الأمانة، واعمار الكون، قال تعالى: ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) الشمس: ٩ – ١٠، وقال عز وجل: ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ) النازعات: ٤٠ – ٤١، وكما قال الشيخ أبو زهرة رحمه الله: “وكل جهاد بعد جهاد النفس هو ثمرة لهذا الجهاد، لأن الصبر في ميدان القتال، لا يكون إلا من نفس استولت على شهواتها، وغلبت مرضاة الله على أهوائها”[8].

المعنى الثاني: جهاد الشيطان، فهو عدو الانسان الاول لا يألوا جهدا ف فتنة الانسان واسقاطه في المهالك، قال تعالى: ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ) فاطر: ٦، وتكون مجاهدته بعزيمة الايمان ومواجهته بالصبر واليقين وتكذيب وعده ومعصية أمره.

المعنى الثالث: مجاهدة أرباب الظلم، وأصحاب البدع والمنكرات، والحكام الظلمة وأهل النفاق، ويكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي تظافرت النصوص على أهميته، قال تعالى: ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) التوبة: ٧١، وقال عليه السلام:” من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان”[9].

قال ابن القيم: “وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل، والقائمون به أفراد في العالم، والمشاركون فيه والمعاونون عليه وإن كانوا هم الأقلين عددا فهم الأعظمون عند الله قدرا”[10].

    ويعد الكفاح السياسي القائم على الاسلام، ضد الحكام الظلمة من أرقى أنواع هذا الجهاد، لقوله صلى الله عليه وسلم: “إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر[11].

الجهاد بالمعنى الخاص: يطلق على خصوص القتال في سبيل الله، وهو المراد عند الاطلاق في كلام الفقهاء جميعهم، فهو عندهم “بذل الوسع في القتال في سبيل الله، مباشرة، أو معاونة بمال أو رأي أو تكثير سواد، أو غير ذلك”[12].

    وهو يجمع بين القتال بالنفس وهو أعلى أنواعه، والجهاد بالمال، وقد يكون بالنفس والمال من الشخص الواحد، أو بأحدهما على حسب الوسع، وقد يكون بوسائل أخرى، وهذا يشمل ما كان بالرأي أو بالخبرة أو بالإسعاف والمعالجة الطبية أو الإعلام، والتعبئة المعنوية وغيرها.

    وقد استخدم القرآن الكريم لفظ الحرب بمعنى القتال، كقوله تعالى: ( فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ) الأنفال: ٥٧، ولفظ الغزو بمعنى القتال، كما في قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير ) آل عمران: ١٥٦.

    فالحرب والقتال والغزو كلمات مترادفات من قبيل الاشتراك اللفظي، والجهاد أعم من الحرب والغزو من حيث ما يشتمل عليه وأخص من جهة أنه لا يكون جهادا إلا إذا كان في سبيل الله.

    إن إطلاق لفظ المنازعات المسلحة على الجهاد تقزيم لمفهوم اشتمل على معان عظيمة، فالمسلمون لا ينازعون الناس أموالهم، ولا أراضيهم ولا ينازعونهم من أجل السيادة عليهم، وفرض أهوائهم، واستغلال ثرواتهم، ولكنهم يحملون للناس منهج الله الذي يشتمل ما فيه صلاحهم، وسلامتهم في الدنيا والآخرة، “جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان- وهي الشرائع التي يخضعون لها- إلى عدل الاسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.”

    كما أنه ليس حربا كبقية حروب الدول وأغراضها، بل لا تعد الحرب جهادا ما لم تكن وسيلة للغاية التي شرعها الله وهي إعلاء كلمته، وكلمته هي منهجه المسطور في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ووفق قيوده مشروطة.

تشويه مفهوم الجهاد:

    إن تشويه مفهوم الجهاد قد جاء من جهتين:

 جهة الغالين في دين الله من المسلمين، الذين انحرفوا فيه عن غايته، ولم يتقيدوا بقيوده وشروطه، بل تجاوزوا فيه كل الحدود الشرعية، فقتلوا المعصومين من مسلمين وغير مسلمين، وسموا عدوانهم جهادا، وقد جلبوا لأقوامهم وأمتهم الدول الطامعة من اعدائها، وأثاروا الفتن بين المسلمين.

والجهة الاخرى: جهة الجافين لشرع الله، المستكبرين على أمر الله، المنكرين لحق الله في أن يعبد وحده دون سواه، من الكافرين والمنافقين وجهلة المسلمين، بما يشوهون به صورة المسلمين، ويصورونهم على أنهم إرهابيون، ودينهم هو مصدر هذا الارهاب، وقد سخروا لذلك آلتهم الاعلامية الهائلة، وخدمهم في هذا الصورة السيئة التي قدمها الأغبياء ممن نسبوا عدوانهم للجهاد وتسموا بأسماء المسلمين، فما من حادث إرهابي يقع في أي مكان على الكرة الارضية إلا نسبتها الآلة الاعلامية من هذا الفريق للمسلمين، ويؤكد ذلك ما يصدر باسم الجهات التي تزعم الجهاد، وتتبنى فكره من تأكيدهم لما نشره أعداؤهم ، سواء فعلوه حقيقة أم لم يفعلوه.

ومن حق الله على العلماء والدعاة، أن يدفعوا عن مصطلحاته الشرعية، بإرجاعها إلى صورتها التي جاء بها الوحي كتابا وسنة، وان ينهضوا بتحرير مفاهيم هذا الدين، وإحقاق الحق فيه، وإبطال ما كان باطلا، مما ينسب اليه زورا وبهتانا، كما يلزم الدولة ان تمكن العلماء الربانيين والدعاة من منابر الدعوة المختلفة، كي يتمكنوا من النهوض بواجبهم في هذا المجال.

 ومما ينبغي التأكيد عليه أن أهم ما ينطبق عليه معنى الجهاد في عصرنا هذا هو العمل بكل ما أوتي المسلمون من وسيلة سلمية، أو عسكرية، على تحرير أرض الاسلام من حكم الكفار الذين استولوا عليها وأقاموا فيها حكمهم الظالم سواء أكانوا يهودا أم نصارى أم مجوسا أو وثنيين أو ملحدين لا يدينون بدين، وهؤلاء كلهم سواء في وجوب محاربتهم إذا احتلوا جزءا من ديار الاسلام[13]، فهذا النوع من الجهاد ليس موضوع هذه الدراسة، ولكن موضوعها الجهاد المطلق.

الفرع الثاني: مشروعية الجهاد

    من الثابت أن حكم الجهاد فريضة ، ولا خلاف بين العلماء على شرعيته وأنه فريضة محكمة، ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) البقرة: ٢١٦، قال الطبرسي في مجمع البيان: “أجمع المفسرون إلا عطاء أن هذه الآية دالة على وجوب الجهاد وفرضه”[14]، وقال سبحانه وتعالى: ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلك خير لكم إن كنتم تعملون ) الصف: ١٠ – ١١، طلب الله من المؤمنين معا الإيمان والجهاد، والإيمان فرض بالإجماع، فكذلك الجهاد، وأخبر أن النجاة من عذاب النار تكون بهما، والعذاب لا يستحق إلا بترك الواجبات[15].

    وهناك أدلة كثيرة من القرآن والسنة لا يعنيني استقراؤها، لأن فرضية الجهاد من المعلومات القطعية، تواترت بذلك الأخبار نصا ومعنى، بحيث لا يمكن إنكاره إلا ممن طمس الله على قلبه وأعمى بصيرته.

    إن فرض الجهاد من حيث الأصل حكم تبليغي لا يخضع للنسخ أو التبديل، غير أن جزئيات الصور التطبيقية المختلفة له، تخضع لظروف الزمان، والمكان وحال المسلمين، وحال أعدائهم، والميزان في ذلك هو بصيرة ولي الأمر المتدين العادل، وسياسة الحاكم المتبحر في أحكام الدين مع إخلاص له، وتجرد في القصد، إلى جانب اعتماد دائم على مشورة المسلمين والعلماء، والإفادة من خبراتهم وآرائهم المختلفة[16].

     هذا وللفقهاء في صفة الجهاد اختلاف، هل هو فرض كفاية؟ أو فرض عين؟، والذي ينعم النظر في أقاويلهم في المسألة إضافة إلى تدبر النصوص الشرعية يخلص إلى أن جنس الجهاد فرض عين على كل مكلف من المسلمين حسب طاقته ووسعه، إما بيده وإما بلسانه، وإما بماله وإما بقلبه، لعموم الأدلة ولقوله صلى الله عليه وسلم: “من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية”[17]، اما الحكم الأصلي للقتال في سبيل الله إذا لم يكن ثمة اعتداء واقع أو متوقع على المسلمين في أوطانهم، فهو فرض كفاية، إذا قام به من يكفي لحماية الثغور من أن يطأها عدو او يروع اهلها، ويكفي لكسر شوكة المعتدين الذين يحولون دون وصول دعوة الله لعباده، ليختاروا الايمان بها، أو الخضوع لأحكمها اختيارا، اومسالمة المسلمين.

وإذا لم يوجد إلا ما يكفي لحماية الثغور، فيقتصر عليه دون سواه، لأنه المقدور في حقهم، وهو مناط التكليف بالجهاد، والذي يقدر ذلك ولي الامر، ولا يملكه الافراد، لأن الدولة تملك الرؤية، والخبرة، وتحتكر كل عناصر القوة، وخبراؤها أقدر على تقدير المصلحة ووزن الأمور.

دلالة العقل على أن الجهاد بمعناه الشامل ضرورة عقلية:

   إذا أنعمنا النظر في حقيقة الاسلام وفي الرسالة التي جاء بها، وجدنا أنه ليس مجرد مجموعة من الاعتقادات أو المناسك العبادية أو القيم الأخلاقية الفاضلة فحسب، ولكنه يحمل فكرة واضحة وإجابة قاطعة عن الكون وحقيقته، وعن الانسان ووظيفته، وعن الحياة بدايتها ونهايتها، وعلاقة الانسان بكل ذلك، وهو نظام شامل ينتظم الحياة الانسانية كلها بمختلف قطاعاتها، التعبدية أو السياسية، والاجتماعية، والقضائية، وسائر الشؤون التي تتعلق بالفرد والدولة، وبعلاقات الأفراد مع الدولة وعلاقة الدولة بغيرها من الدول.

    وترمى رسالته إلى إحداث تغيير شامل، وتجديد جذري للسلوك الانساني، ليكون منضبطا بتعاليم رب العالمين، متحررا من أشكال العبودية لغير الله، ودين هذا شأنه سيجد في طريق طرح فكرته، وإظهار نظامه عقبات فكرية، واعتقادات فاسدة، وأنظمة استبدادية، لا تسمح للنور أن ينفذ إلى عقول الناس وقلوبهم، وتستخدم كل أساليب القوة لتمنع حملة هذه الدعوة من تبليغ الرسالة التي كلفوا بها، وتضع في طريقهم العقبات، قال سبحانه وتعالى ذاكرا حال الكافرين في استخدام القوة واستمرارية ذلك في كل عصورهم: ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا )  البقرة: ٢١٧، وفي حال استخدام المال يقول سبحانه وتعالى: ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ) الأنفال: ٣٦، وفي مجال استخدام الاعلام: ( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ) التوبة: ٣٢، وفي كل الحالات التي سبقت جاء النص القرآني بصيغة المضارع الدال على الحال الواقع منهم، وعلى ما يأتي في المستقبل، كما جزم القرآن الكريم في الحالات الثلاث المذكورة، بأن الله لن يحقق مقصودهم، فشكك بنتيجة قتالهم بقوله (إن استطاعوا)، وجزم أن انفاقهم المال للصد عن سبيل الله سيكون عليهم وبالا (فسينفقونها ثم  تكون عليهم حسرة ثم يغلبون)، وفي حقل الكلمة قال تعالى (ويأبي الله إلا أن يتم نوره)، إن المستقرئ لدعوة الأنبياء وموقف أقوامهم منهم أكبر شاهد على هذه الحقيقة، وإذا دققنا النظر في دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم جاءهم بالتوحيد وعرضه عليهم بالحكمة والكلمة الطيبة والحوار الهادئ، فرفضوه، ولم يكتفوا بذلك بل استخدموا كل وسائل العنف لمنعه من الدعوة وعذبوه، وعذبوا أتباعه، وشككوا في عقيدته بالأكاذيب والأباطيل لا بالحقائق.

    والاسلام إذ يواجه الواقع البشري بجدية وحركة واعية، يشرع من الوسائل المكافئة لما يواجهه من خصومة ومناوئيه، فيواجه الفكرة بالفكرة والحوار بالحوار، ويقرع الحجة بالحجة، ولكنه يتصدى للحواجز المادية التي تعترض دعوته بالقوة التي تناسبها، عندما لا تجدي الوسائل الأخرى حتى يزيلها، ولو كانت أنظمة سياسية، أو حواجز عسكرية، من هنا نفهم شرع الاسلام الجهاد بالدعوة إلى الله، والحكمة والموعظة الحسنة، وأمر بالجهاد الجهاد باستخدام القوة العسكرية، وكل وسيلة لها مجالها، وغاية الوسيلتين معا إظهار الدين وتدعيم الحق وتحقيق السلام الذي في ظله يختار الفرد الدين الذي يعتقده من غير إكراه ولا خوف، قال تعالى: ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ) البقرة: ١٩٣، فإذا أضفنا إلى هذا أن دعوة الاسلام غير خاصة بقطر دون قطر، ولا محصورة في قوم دون قوم بل الأرض كلها مجال دعوته، والانسانية في كل زمان ومكان هدف رسالته، أدركنا الحاجة إلى أن الجهاد بوسائله المختلفة ضرورة لابد منها لتحقيق هذا الهدف، وإقامة العدل في كل زمان ومكان ونشر الحق والحفاظ على كرامة الانسان وحريته في الاعتقاد هدف هذه الوسائل، قال تعالى: ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) الأعراف: ١٥٨، ومن هنا يتبين أن الاسلام لم يفرض الجهاد ليكسب أرضا جديدة، أو يغنم أموالا طائلة، أو يخرب عمرانا ويقتل الإنسان، بل جعله وسيلة لإسعاد الناس وإحياء عقولهم وقلوبهم، وينقذهم من براثن الشرك وانظمة الاستبداد.

المطلب الثاني: شروط الجهاد حتى يحقق مقصوده

    لا أعني بالشروط هنا شروط التكليف خاصة وإنما أعني الشروط التي يتوقف عليها تحقيق مقصد الجهاد وحكمة مشروعيته، ويمكن إجمالها بما يلي:

  1. الشرط الأول: رئيس الدولة صاحب الولاية في إعلان الجهاد.
  2. الشرط الثاني: أن يكون الجهاد في سبيل الله.
  3. الشرط الثالث: أن تتوفر في المجاهدين شروط التكليف.

الشرط الأول: رئيس الدولة صاحب الولاية في إعلان الجهاد

    شرع الله الجهاد بجميع أنواعه لإحداث تغيير في حياة البشر أفرادا وجماعات ودول، وهذا التغيير ينطوي على المصالح الحيوية للإنسانية، وهو مقتضى الرحمة التي أرسل بها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الأنبياء: ١٠٧، ولأن الجهاد هو القوة الواقعة لتعميم الخير الرباني على الناس، ويقتضي هذا إزالة الموانع من ظهوره، وانتفاع الناس به، ومن أنواعه القتال لإعلاء كلمة الله وإزالة الفتنة بحسب الإمكان، ومن المعلوم أن إمكانات الفرد أو الأفراد تعجز عن تحقيق ذلك، وإنما يحتاج إلى إمكانات الدولة المادية والمعنوية، لكي تنهض به، وإلى وسائلها المختلفة، خاصة وأنها تحمل مشروعا تغييريا سيقاتلها الناس عليه، فالجهاد وإن جاءت خطابات الشارع فيه متجهة إلى كل مكلف يتناوله كقوله تعالى: ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ) البقرة: ٢١٦، وقوله تعالى: ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) البقرة: ١٩٠، إلا إن عجز كل فرد بذاته عن تحقيق ذلك أتجه الخطاب إلى تكليف ولي أمر المسلمين به، نيابة عنهم.

    ومن هنا فإن الفقهاء قرروا بأن المختص بإعلان حالة الحرب أو القتال هو الخليفة، لأن الحرب من المصالح العظام التي تناط بنظر ولي الأمر، فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة قديما وحديثا، وهو الذي له سلطة تقدير إعلان حالة الحرب بعد الاستعانة بأهل الشورى والخبرة من عسكريين وسياسيين، وهذا ما تتطلبه السياسة الشرعية العادلة ومقاصد التشريع[18].

    ولا شك في أن الاضطلاع بهذه المسؤولية من أخص وظائف رئيس الدولة الذي عبر عنه فقهاء السياسة الشرعية بحماية البيضة، والذب عن المحرمات وتحصين الثغور بالقوة المانعة والقوة الدافعة[19].

    قال في الشرح الكبير: “وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده، ويلزم الرعية فيما يراه من ذلك”[20]، وفي البحر الزخار: “وغزو الكفار إلى ديارهم إلى الإمام فقط”[21]، وقد ذكر القرافي في فروقه أن من تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم ما هو بالإمامة ولا يخلفه فيها إلا الإمام أي رئيس الدولة، ومنها إعلان الجهاد وعقد المعاهدات، لما له من صلاحيات منها حق الطاعة.

     وعلى هذا فإن إعلان حالة الحرب من غير الإمام أو إذنه، يعد افتياتا على حقه، ويخضع لعقوبة تعزيرية، لأن ذلك قد يجر البلاد والعباد إلى ما لا تحمد عقباه، ويدخلها في حرب لا اعداد لها.

    ولا ينوب عن رئيس الدولة في هذا إلا من أنابه هو، فليس لأي جماعة اتخذت لنفسها زعيما أن تعلن الجهاد، فالحروب ليست لعبة يلعبها الأفراد والجماعات، بل هي نار إذا اشتعلت يصعب وقفها ويصعب تقدير نتائجها، ولان الجهاد يحتاج الى إمكانات الدولة، المادية والمعنوية، وولي الأمر هو الاقدر على توظيفها، لتحقيق الأهداف السامية للجهاد، فكانت الإذن به إليه دون آحاد الرعية.

الشرط الثاني: أن يكون الجهاد في سبيل الله.

القتال لا يكون جهادا إلا إذا كان في سبيل الله، ومع أن إعلان الجهاد من مسؤوليات الدولة متمثلة في شخص رئيسها، إلا أن ذلك مقيد بأن يكون في سبيل الله، أي أن مقصودة الأساسي إعلاء كلمة الله التي ذكرنا أنها تعني أحكام الاسلام باعتبارها تتضمن المصالح الحيوية للإنسانية وليس لجهة أو لقبيل من الناس.

    وسبيل الله له معنيان، عام يشمل كل عمل صالح خالص سلك فيه التقرب إلى الله فردية كانت أو جماعية، وخاص وهو الجهاد باعتباره عملا صالحا شرع للتمكين لهذا الدين وأتباعه وحماية المصالح الانسانية العليا[22].

    وقد ذكرت كلمة في سبيل الله في القرآن الكريم بضعا وستين مرة، تارة مقرونة بالإنفاق، وقد تأتي بالمعنى العام وقد تأتي بالمعنى الخاص، ويكون معناها حسب المعنى الخاص: نصرة دين الله ومحاربة أعدائه، وإعلاء كلمته، ومن ذلك قوله تعالى: ( وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا أن الله يحب المحسنين )حسنوا البقرة: ١٩٥، وقد تأتي مقرونة بالجهاد والقتال، ومعناها هنا: نصرة الاسلام بالقول والفعل والمال والسعي لإقامة أحكامه، فقد يكون الجهاد بالقلم واللسان كما يكون بالسيف والسنان، وقد يكون فكريا أو تربويا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو سياسيا كما يكون عسكريا[23]، وكل هذه الأنواع من الجهاد هدفها واحد وغايتها واحدة، إعلاء كلمة الله، ومتى كان كذلك كان في سبيل الله، قال الطبري رحمه الله: “في سبيل الله يعني وفي النفقة في نصرة دين الله وطريقته وشريعته التي شرعها لعباده بقتال أعدائه …”.

    فالنصرة لدين الله وطريقته وشريعته تتحقق بالغزو والقتال في بعض الأحوال بل قد يتعين هذا الطريق في بعض الأزمنة والأمكنة لنصرة دين الله، ولكن قد يأتي زمن يكون فيه الغزو الفكري والنفسي والثقافي أبعد خطرا وأعمق أثرا من الغزو المادي العسكري[24].

    مما ينبغي التنبيه عليه أن بعض المسلمين يحسبون أن كل من حمل السلاح ممن ينتسبون للإسلام يعتبر فعله جهادا في سبيل الله أيا كانت وجهته وغايته وشعاره ورايته، فالحرب لا تكون في سبيل الله إلا إذا كان دافعها الرغبة في إعلاء كلمة الله، ونصرة دينه والدفاع عن بلاد الاسلام وكرامة الاسلام، ولا يجوز أن يكون دافعها الرغبة في الانتقام، أو الشهرة وحب السيطرة أو نحو ذلك، فهذا لا يعد جهادا في سبيل الله بل هو من سبيل الطاغوت.

    إن الاسلام لا يقدس مطلق الجهاد والقتال، بل يقدس ما كان في سبيل الله، فالناس كلهم يقاتلون، ويبذلون الانفس والاموال دفاعا عن أنفسهم، وحرماتهم وأوطانهم، حتى الفجار ومن لا دين له يقدمون روائع من البطولات والتضحيات، ولا يعتد بشيء من ذلك عند الله.

    إنما يتميز المؤمنون المقاتلون والمجاهدون عن غيرهم بأنهم يقاتلون في سبيل الله وهذا شعارهم وغايتهم[25]، ومما ينبغي النبيه عليه، أن نية المجاهد وحدها لا تجعل جهاده أو قتاله في سبيل الله إلا إذا كان صوابا، بمعنى أن يقع قتالهم موافقا لشرع الله تعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات …”، فيها حصر وقصر أن قبول العمل جهادا أو غيره، لا يكون مقبولا عند الله، إلا إذا كان خالصا لوجهه، وأن يكون صوابا، ولا بد من الأمرين معا، فإذا قام نفر يعلنون جهادا في الأرض واعتدوا، وقطعوا السبل، وقتلوا من لا يجوز قتله من مسلمين وغير مسلمين، ولو متأولين، وخربوا العامر من الأرض، فإن فعلهم هذا لا يكون في سبيل الله، بل هو في سبيل الطاغوت، فكل قتال ينحرف به أصحابه عن نصرة الاسلام، والدفاع عن حرماته، ولا يتقيد المقاتلون فيه بشروطه الشرعية، لا يعد من سبيل الله، لأنه لا يحقق مقصود الشارع من شرع الجهاد، بل يحقق أغراضا خاصة، ويشبع أهواء أهله لا غير.

    إن وضع أحكام الجهاد وأهدافه وغاياته إنما هو لصالح العباد، وليس من صالح العباد أن يؤول الجهاد أو القتال إلى مفاسد عليهم، قال تعالى: ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) النحل: ٩٠، فكما أمرت الآية الكريمة بالعدل -ومن وسائله الجهاد في سبيل الله- فقد نهت عن ضده بالتصريح بالمفهوم المخالف للعدل المأمور به وهو النهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، وهذه الثلاثة هي جماع المفاسد المختلفة التي تعرقل تحقيق السعادة للناس، قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون ) الأنفال: ٢٤، فقد جعل الاستجابة إلى ما يدعو إليه الرسول سببا للحياة والمراد بها الحياة الحضارية التي من شأنها تحقيق السعادة للإنسان في الدنيا والآخرة، وأكد القرآن هذه الحقيقة بقوله: ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) النحل: ٩٧، بينما ذكر الله عز وجل نوعا آخر من الناس يكذبون فيما يدعون من التمسك بهدي الاسلام وتعاليمه في الوقت الذي هم فيه يقدمون على أعمال الفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل[26]، وهذا مناقض لقصد الشارع في خلقه وأمره، فالعبث بالحرث والنسل عبث بأهم ما تقوم عليه معايش الناس وحياتهم.

    فقد جعل الله تعالى ميزان الصدق والكذب في السير على تعاليم الاسلام مدى المحافظة على مقاصده من تشريع الأحكام، وما به قوام حياة الناس وسعادتهم[27]، فإذا انحرف فرد أوجماعة أو دولة بالجهاد فجعلته سبيلا لإهلاك هذه المقومات كان جهادا في سبيل الطاغوت وفسادا في الأرض، وهو باطل، لأن مناقضة مقصود الشارع باطلة بإطلاق، ومعلوم أن قصد الشارع من وضع الشريعة عموما -والجهاد منها- هو دخول المكلف تحت أحكامها ليخرج بذلك من داعية هواه حتى يكون عبدا لله اختيارا كما أنه عبد لله اضطرارا[28].

    وقد دلت التجارب القديمة والمعاصرة والعادات على أن اتباع الهوى والمشي مع الأغراض والجري وراء الشهوات بدون قيد يؤدي حتما إلى التهارج والتقاتل وإهلاك الحرث والنسل المضاد لمقاصد الشارع، ولذلك توارد النقل والعقل على ذم أتباع الأهواء، قال تعالى: ( ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون ) المؤمنون: ٧١.

    وإذا اتضح هذا وثبت فإن جعل الشارع إعلان الجهاد وحالة الحرب بيد الإمام مهم، من جهة حاجة المجاهدين إلى التربية على أخلاق الجهاد، وقيوده وضوابطه، ومن خلال التوجيه المعنوي ليبني عقيدة عسكرية متميزة بغاياتها وقيودها.

الشرط الثالث: أن تتوفر في المجاهدين شروط التكليف الشرعية وسأذكرها إجمالا بالقدر الذي يحقق مقصود البحث: بعد توفر العقل، اشترط الاسلام للتكليف بالجهاد الكفائي البلوغ والذكورة، حتى يجنب الأطفال آثار الحرب على أنفسهم، حيث دلت دراسة خاصة صادرة عن اليونيسف على أن أكثر الفئات تأثرا بالحرب ومعاناة لآثارها هم الأطفال[29]، مع أنهم أقل الفئات تأثيرا فيها وانتفاعا منها، كما تدل الاحصائيات على أن ضحايا الحروب من الأطفال في تزايد مطرد، ومن العوامل التي ساعدت على تزايد ضحايا الحروب من الأطفال تزايد المجندين منهم في الحروب، وتعد الحروب الأهلية أحد زيادة القتلى بين الأطفال، لأنها صراعات ساحتها شوارع القرى والمدن والمزارع.

موقف الشريعة من تجنيد الاطفال والنساء:

    اتفق الفقهاء على أنه لا تكليف بالجهاد على الأطفال، فالبلوغ شرط تكليفهم بالإجماع[30]، قال ابن حزم في مراتب الإجماع: “واتفقوا أن لا جهاد فرضا على امرأة ولا على من لم يبلغ”[31].

    والشارع أعفى الأطفال من القتال لأنهم ليسوا أهلا له من جهة كونه تكليفا شاقا مشقة لا تحتملها أجسامهم، والجهاد مشقة شديدة على الكبار البالغين فكيف على من دونهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الأطفال هم النسل الذي به استمرارية الحياة الإنسانية ومن وسائل حفظه من جهة العدم عدم تعريضه للهلاك، ولما كان شرع للضرورة، فالضرورة تقدر بقدرها، من هنا تم إعفاء الصغار من القتال ابتداء لحماية النسل.

    وما قيل في الأطفال يقال بالنسبة لتجنيد النساء حماية لهن باعتبارهن أصول النسل والقائمات عليه، في حال انشغال الرجال البالغين بالجهاد أو القتال في سبيل الله، وقد نقل ابن رشد الاجماع على ذلك فقال: “وأما على من يجب- يعني فرض الجهاد الكفائي –فهم الرجال الأحرار البالغون …”[32]، ونقل مثل ذلك ابن حزم في مراتب الاجماع[33].

    وقد تباينت عبارة الفقهاء في بيان الحكمة من عدم تكليف النساء بالجهاد، فذهب جمهورهم إلى القول: “بأنهن عاجزات عن القتال بنية”[34]، وقد صرح بهذه الحكمة الشيرازي من الشافعية[35]، وابن قدامة من الحنابلة[36] وهذا معقول، لأنهن لو كلفن به لكان من الشاق عليهن مشقة غير معتادة لأمثالهن، لما يتطلبه القتال من قدرات بدنية عالية، وما يعرض للمقاتل من الجراحات والآلام البدنية والنفسية، ولا تكليف بالشاق مشقة غير معتادة في عادة الشرع ومنهجه، وفي عدم التكليف به حماية للنسل والعرض، بحماية أصوله.

    ومن هنا فإن ما تقوم به بعض الدول والجماعات في بلاد المسلمين من تجنيد للأطفال والنساء وحملهم على خوض غمار الحروب مخالف لمنهج الله في شرع الجهاد، ومخالف لمقصوده في حفظ النسل من جهة العدم.

متى يكون الجهاد حراماً؟

ذكر الفقهاء عدة حالات يكون فيها الجهاد حراما، اذكر بعضها من غير تفصيل وافصل في بعضها لأهميته وحاجة الناس الى معرفة احكامه، وتذكير لمن تطوع للجهاد من أبناء له.

الحالة الأولى: اذا لم يأذن الوالدان، أو احدهما به، اتفقت كلمة الفقهاء على تحريم الجهاد إذ لم يكن فرض عين إذا منع الوالدان ولدهم منه، لانهم اشترطوا إذنهما إذا كانا حيين أو أحدهما، فإن حجبا عنه الإذن أو أحدهما، كان جهاده حراما، لأن برهما فرض عين، والجهاد فرض كفاية، فإن تعين الجهاد فلا إذن، لأنه تزاحم في هذه الصورة واجبان، احدهما فرض عين، والأخر فرض كفاية، الجهاد وبر الوالدين، فيقدم الأهم لعموم مصلحته[37].

ومثل هذه الحالة اذا كان المجاهد مدينا ولم يترك وفاء بالدين[38]،ولم يأذن له الدائن ما لم يكن فرض عين. جاء في الام (ولا يجوز له الجهاد وعليه دين إلا بإذن اهل الدين، لمسلم ، أو كافر)[39].فكل جهاد إذا لم يكن متعينا إذا كان في ظروف من شأنه معها ان يكون بالنسبة لبعض المجاهدين طريقا لتضييع حقوق العباد فإنه لا يجوز، لان تضييع الحقوق حرام وفادي الوقوع في الحرام أهم مما هو فرض كفاية[40].

الحالة الثانية: اذا كان الجهاد يؤدي الى ضرر يلحق بالمسلمين حالا، أو مآلا، فإنه يكون حراما.

ذكر الفقهاء تحت هذه الحالة صورتين: الأولى: إذا كان القتال ضد العدو حين يغلب على الظن غلبته على المسلمين، والثانية: حين يتخذ العدو المسلمين، أو أهل ذمتهم تروسا بشرية، فإنه يمنع عليهم شرعا مقاتلة عدوهم[41].

والقاعدة فيه : لا ضرر ولا ضرار، وترك الواجب إذا تعين طريقا لدفع الضرر، ودرء المضار مقدم على جلب المنافع.

هذا وقد ذكر محمد خير هيكل صورا أخرى تقع تحت هذه الحالة منها: القتال بغير إذن الأمير، وقتال من قَبِل الخضوع لحكم الإسلام، وقتال من سالم المسلمين، أو أمنهم أو أمنوه، وقتال من لم تبلغه الدعوة، والقتال قبل الدعوة، والقتال في الحرم، أو في الأشهر الحرم، والقتال للسمعة والرياء[42]، وهذا يحتاج الى دراسة مستفيضة لا يتسع المقام لذكرها.

المطلب الثالث: اثر الجهاد، او القتال المسلح على المدنيين

إن أكثر ضحايا النزاعات المسلحة هم الأطفال والنساء، وهؤلاء مستهدفون استهدافا متزايدا لاستخدامهم ادوات للنزاع، ولمعاناتهم في غمرة النزاع وبعده صور يندى لها جبين الانسانية، فهم يقتلون أو يشوهون او ييتمون او يخطفون ويحرمون من كل صنوف الرعاية التي تتاح لأمثالهم ممن لم تطاله نيران النزاعات المسلحة ثم يتركون ليعانوا آثار جروح نفسية عميقة.

ويجند الاطفال ويجبرون على خوض حروب لم يكونوا سببا فيها، ويتعرضون لأخطار يصعب عليهم التحايل فيها، او التخلص من اثارها، وتتعرض الفتيات لأخطار اضافية كالاغتصاب.

 وما من شك ان هذه الامور تتنافى مع ابسط القواعد الانسانية ولا تقرها شريعة سماوية ولا قانون انساني أو قاعدة أخلاقية.

 وممن يلحق بهم من حيث الحكم المدنيون الذين لا مشاركة لهم في الحروب والنزاعات، وفي مواجهة هذه الحالة قرر الإسلام المبادئ التالية لحماية غير المقاتلة في أثناء الحروب والنزاعات المسلحة:

المبدأ الأول: وجوب احترام الكرامة الإنسانية وهذا ثابت في كتاب الله تعالي بقوله: ( ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) الإسراء: ٧٠ ، ومعنى كرمنا[43]  أي جعلنا لهم كرماً أي شرفاً وفضلا، ومعنى الآية لقد شرفنا ذرية آدم على جميع المخلوقات بالعقل والعلم والنطق وتسخير جميع ما في الكون، يقول الرازي: “النفس الإنسانية أشرف النفوس الموجودة في هذا العالم والبدن الإنساني أشرف اجسام ما في العالم” [44]، ويقول الريسوني تفسيرا لقوله تعالى: ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك ) الانفطار: ٦ – ٨ ، في الآيات تنبيه قوي للإنسان على العناية الكريمة الفائقة التي اختُصّ في خلقه وتركيبه وتسويته على أحسن تقويم، وفي الآية الأولى تنصيص على صفة الكريم دون غيرها من صفات الله لأنها هي منبع التكريم، ومن هذا القبيل صفة الله الأكرم المنصوص عليها عند الامتنان بوجه آخر من وجوه تكريمه تعالى للإنسان وذلك في قوله: ( أقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ) العلق: ٣ – ٥ [45].

وفي الحديث إنه صلى لله عليه وسلم في وسط أيام التشريق:” يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا أحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى”[46]ووجه الدلالة أن النهي عن إنقاص شيء من كرامة الإنسان ذلك بتفضيل إنسان على آخر ممنوع شرعاً والمعيار الوحيد للتفاضل هو التقوى والعمل الصالح، فالواجب هو استواء جميع البشر في حق الكرامة لأن جميعهم خلق الله تعالى، كما منشأهم من أب واحد هو آدم عليه السلام.

ومما يتفرع عن هذا المبدأ أن الأصل عصمة الدم البشري والحكم بهدرها شيء استثنائي ويكون بارتكاب المرء ما يستحق عليه القتل بنصوص قطعية كقوله تعالى ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) الأنعام: ١٥١ ، وقوله التي حرم الله يفيد أن الأصل في النفس الإنسانية هو الحرمة والعصمة، وذلك مقتضى الشرائع السماوية جميعاً، وقوله تعالى: ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) المائدة: ٣٢ ، قوله من قتل نفسا عامة تشمل المسلم وغير المسلم وفي هذا اثبات لمعصومية النفس وأنها لا تستباح إلا في حالتين هما الاعتداء على حياة الغير ظلما وعدوانا، والإفساد في الأرض[47].

يقول ابن تيمية:” وقتل الآدمي من أكبر الكبائر بعد الكفر فلا يباح قتله إلا بمصلحة راجحة أن يدفع بقتله شر أعظم من قتله، وإذا لم يكن في وجود هذا الشر لم يجز قتله” [48]وقد أشار الزيلعي إلى أنه إذا اندفع شر الحرب ولم يتحقق منه الحراب فإنه يرجع إلى أصل العصمة[49]. فالعصمة تثبت للإنسان بالإنسانية وليس بالإسلام أو بالأمان فقط استناداً لمبدأ الكرامة الإنسانية ووفقا لهذه القاعدة فإن كل من لا يشارك في القتال معصوم الدم يحرم قتله احتراماً لكرامته الإنسانية أن تستباح بغير مسوغ، ومن أدلّ الدلائل على ذلك قوله تعالى: ” وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا الله لا يحب المعتدين” ويكون العدوان بقتل غير المقاتِلة أو من كان معصوما من النساء والأطفال والعجزة ونحوهم.

المبدأ الثاني: يجب حماية المقاتلين الذين أصبحوا خارج دائرة القتال

يعتبر كل مقاتل خرج عن القتال بالاستسلام أو الأسر أو الفرار من ساحة القتال ممن أصبح خارج دائرة القتال فإن هذا يمنع قتله وليس للأفراد أن يقتلوه، وللدولة أن تنظر في مصيره في ضوء المصلحة والأعراف الدولية السائدة والقوانين التي تنظم حالة الأسر التي تم الاتفاق عليها بين الدول، وتندرج هذه التطبيقات في مبدأ احترام الكرامة الإنسانية ومبدأ العدل والإحسان ومبدأ المعاملة بالمثل المقيد بالفضيلة قال تعالى: ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين ) البقرة: ١٩٤ ، والتقوى تجمع خصال الخير، وقال تعالى: ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) النحل: ١٢٦ ، وقال تعالى: ( وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ) الشورى: ٤٠ ، فالآيات تقرر أن مقابلة السيئة يكون بمثلها دونما زيادة إذ الزيادة ظلم كما أنها تتجاوز هذه المقابلة إلى العفو والإصلاح وهو ما يدخل في مفهوم الإحسان وهذا الأصل في الجزاء حتى لا يتبجّح الشر ويطغى حين لا يجد رادعا يكفه عن الافساد في الأرض فيمضي وهو آمن مطمئن، والآيات استحبت العفو ابتغاء الأجر وإصلاح النفس من الغيظ وإصلاح الجماعة من الأحقاد وهو استثناء من هذه القاعدة.

ومما يؤكد معنى الإحسان لمن كان يقاتل المسلمين ثم ألقى سلاحه مكرها أو مختاراً ما ذكره القرآن الكريم من وجوب الإحسان إلى الأسرى ولو كانوا حريصين على قتل المسلمين قبل الأسر وهو سبيل للأجر والثواب عند الله وهو ما تفتقده الحروب في وقتنا الحالي، قال تعالى:” ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا”  وكذلك كسوتهم وإيواؤهم وتزويدهم بكل ما من شأنه الحفاظ على حياتهم من رعاية طبية ونحوها لعوم قوله صلى لله عليه وسلم في وصيته :” استوصوا بالأسارى خيرا”.

ومن الإحسان إلى الأسير أن لا يكلّف من الأعمال ما لا يستطيع وأن لا يعرض للتعذيب والإهانة، لأن ذلك يتنافى مع احترام كرامة الإنسان ومما يؤكد ذلك قوله صلى لله عليه وسلم وقد طلب منه أحد الصحابة التمثيل بأسير هو سهيل ابن عمر وكان يخطب الناس يحرضهم على إيذاء رسول الله صلى لله عليه وسلم، فقال عليه السلام: “لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبياً”[50].

أما تحديد مصير الأسير فقد ذكر القرآن خيارين للدولة، “فإما مناً بد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها” واختلف الفقهاء فيما سوى ذلك من القتل والاسترقاق وقد كانت الدول والشعوب تقتل الاسارى وتسترقهم، ولا تجد في ذلك غضاضة جريا قاعدة المعاملة بالمثل، ولا مجال للتوسع في هذه المسألة.

والذي نرجحه هنا منع قتل الأسرى واسترقاقهم إذ ان أحكامهم من مسائل السياسة الشرعية المبنية على مراعاة الواقع وتحقيق المصلح الانسانية العليا، وقد تواطأت الدول على تقرير هذا الحكم، وتعاهدت على تنفيذه، بل توافقت على جعله مع قواعد أخرى قانونا إنسانيا عاما تخضع له، ونحن مأمورون بالوفاء بالعهود، خاصة وأنها تتوافق مع نزعة الإسلام إلى عصمة الدم البشري، وحرية الانسان، وهي من مكارم الأخلاق، والإسلام أولى بها، ولها صلة وثيقة بكرامة الانسان، ويمكننا أن نستأنس ببعض أقوال الفقهاء في هذه المسألة، فقال السرخسي:” فإن شرطوا على أنلا نقتل أسراهم على أن لا يقتلوا أسرانا وأسروا منا أسارى فلم يقتلوهم فلا بأس أن نأسر نحن أسراهم ولا نقتلهم، إلى أن يقول….. وإذا بقي العهد نعاملهم كما يعاملوننا جزاء وفاقا”[51]وفي قوله اشارة إلى استخدام مبدأ المعاملة بالمثل في هذا المقام.

المبدأ الثالث: الامتناع عن القتال حال تترس الاعداء بمن عصم الشرع دمهم

وهذا المبدأ متفرع عن المبدأ الثاني السابق انه يمنع القتال إذا تترس العدو بأفراد من المسلمين، او أهل ذمتهم، مالم تستدع ذلك ضرورة صيانة لهم عن القتل، ولعدم الحاجة الى القتال، ومثل ذلك يمنع القتال حال تترس العدو بمن لا يجوز قتله منهم، كالأطفال والنساء والمدنيين عموماً[52]، ومما يدل على ذلك أن الأصل عصمة الدم البشري فلا يجوز هدره إلا لضرورة، وقد سبق بيانه في المبدأ الثاني، وقد أخذ القانون الإنساني بهذا المبدأ، حيث جاء في المادة (51) منه في الفقرة السابعة ” على أنه لا يجوز التوسل بوجود السكان المدنيين أو الأشخاص المدنيين أو تحركاتهم في حماية نقاط أو مناطق معينة ضد العمليات العسكرية. كما نصت القاعدة رقم (97) من قواعد القانون الإنساني على انه يحظر استخدام الدروع البشرية[53].

المبدأ الرابع: الامتناع عن استخدام أسلحة الدمار الشامل

وهي:” تلك الأسلحة التي لا يمكن التحكم باستعمالها؛ لأن آثارها تمتد عبر المكان، وأحياناً عبر الزمان، أي أنها تؤثر في غير الأمكنة التي وجهت إليها، والأزمنة التي استخدمت فيها، كما أنها تقضي غالباً على مظاهر الحياة ضمن مساحة شاسعة، وتقود إلى الموت البطيء لمن لم تقتلهم مباشرة”[54] مالم تستدع ذلك ضرورة تقدرها الدولة في حينها حسب الظروف وفقاً للمعطيات الواقعية، وكل سلاح يفتك بالإنسان والحيوان والنبات ويدمر مظاهر العمران كالقنابل النيوترونية، والأسلحة الكيميائية، والجرثومية، ونحوها، يعد ممنوعا شرعاً لأنها وسيلة للقضاء على الحياة الانسانية، وبيئتها الحيوانية والنباتية، والله سبحانه وتعالى قد جعل ذلك من الفساد في الأرض بقوله: ( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ) البقرة: ٢٠٥ .

ومما ينبغي التذكير به، أن تنفيذ هذه المبادئ موكول أمر استخدامها إلى الدولة، ويمثلها في ذلك ولي الأمر، كما أن تنفيذ الأوامر العسكرية موكول الى المقاتلين، فإذا لم يؤمنوا بالقيم الانسانية ولم يكن لديهم وازع ذاتي فإن نتائج الحروب المدمرة، وآثارها المؤلمة على المتنازعين، ستبقى كارثية، والوازع الداخلي ينبع من إيمان المقاتل بالله، وشعوره برقابة الله عليه، وشعوره بالمسؤولية أمامه سبحانه وتعالى، وأنه محاسب عن نتائج أفعاله يوم القيامة ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) الزلزلة: ٧ – ٨ .

إن الدول تستخدم الأسلحة المدمرة اليوم بالرغم من وجود القانون الإنساني الذي يمنع استخدامها مع أن أغلبها صادق على الاتفاقات والبرتوكولات المتعلقة بالجانب الانساني، لفقدان الوازع، وقواعد الأخلاق، وذهاب معاني الفروسية النابعة من القيم الإنسانية، ويفتقر القانون الانساني الى قوة تنفيذية، تفرض أحكامه، ويهيمن على مجلس الامن السلطة التنفيذية لمنظمة الامم الدول الكبرى التي بيدها حق النقض، ولا تسمح إلا  بمرور القرارات التي تخدم مصلحها لا المصلحة الانسانية .

المبدأ الخامس: الاحكام الشرعية المتعلقة بإتلاف الممتلكات

يمكننا تقسيم ممتلكات الدولة المحاربة أثناء القتال الى ثلاثة أقسام:

 الأول: يجوز إتلاف ما تدعو الحاجة العسكرية الى إتلافه ويتقدر ذلك بقدر تلك الحاجة، ومن ذلك: كافة المعدات العسكرية المستخدمة، أو المعدة للاستعمال وذخائرها، وكذا وسائل النقل المختلفة المستخدمة من قبل الجنود، وكذلك طرق مواصلاته، وإتلاف المزارع والاشجار التي يستخدمها جيش العدو وينصب فيها كمائنه والمنازل والمباني والحصون التي يستخفي فيها، وفي الجملة يجوز إتلاف ما تقتضيه الحاجة العسكرية.

الثاني: لا يجوز إتلاف ممتلكات يتضرر المسلمون بإتلافها كالأشجار المثمرة التي ينتفع بها المسلمون والخزانات المائية الكبيرة التي يؤدي انفجارها إلى الإضرار بالمسلمين، وكذلك الممتلكات التي لم تجر عادة العدو بإتلاف ممتلكاتها من أمثالها كالمصانع والمزارع وآبار الزيت ونحوها مما لو أتلفه المسلمون عليهم لعاملنا العدو بالمثل، ولأدى إتلافه على المسلمين إلى إلحاق الضرر بهم، هذا القسم لا يجوز إتلافه باتفاق الفقهاء[55].

القسم الثالث: ممتلكات لا تدعو الحاجة الحربية إلى تدميرها أو الإبقاء عليها

اختلف العلماء في حكم إتلافها على مذهبين، الأول يرى جواز إتلافه وهو قول الجمهور من الشافعية والمالكية وأكثر الحنفية[56] ومن أدلتهم على ذلك قوله تعالى: ( ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ) التوبة: ١٢٠ ، وقوله: ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين ) الحشر: ٥ ، ونزلت الآية عندما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقطع نخيل بني النظير.

والقول الثاني لا يرى جواز إتلاف شيء مما لا تدعو إليه حاجة الحرب، وبه قال الأوزاعي وأبو ثور والليث ابن سعد والمحققون من الحنفية[57]، ومن أدلتهم على ذلك قوله تعالى: ( ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين ) القصص: ٧٧ ، وإتلاف الأموال في الأرض من غير حاجة إفساد في الأرض، يؤكد ذلك وصايا أبو بكر رضي الله عنه جيوش المسلمين عندما بعثهم إلى الشام ومما جاء فيها ” ولا تقطعنّ شجرا مثمرا ولا تخربنّ عامرا”.

 والراجح في هذه المسألة هو الرأي الثاني لظهور أدلتهم ولأنه لا تدعو إلى ذلك ضرورة قتالية، ولا مصلحة للمسلمين في إتلافه، وهو محض عبث وفساد، وقد نهى الله عن الفساد في أكثر من آية كقوله تعالى: ( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) البقرة: ٦٠ ، وقوله: ( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ) البقرة: ٢٠٥ ، والجهاد ضرورة في الأصل، يُلجأ إليه لإزالة الحواجز المادية التي تحول دون إعلاء كلمة الله والضرورة تقدر بقدرها، ولأنا لو فعلنا ذلك وأجزناه لفعلوا في أموالنا مثل فعلتنا بأموالهم، فكأننا أتلفنا أموالنا بأيدينا، وكل تصرف يعود على مقصوده بالنقض فهو باطل فالأمر يعود في النهاية لملاحظة المصلحة أو الحاجة وهو من اختصاص ولي الأمر أو نائبه ويدخل في باب السياسة الشرعية، ومما يلحق بذلك إتلاف حيوانات الأعداء في غير ما حاجة ولا مصلحة لأنها إتلاف للمال بلا ضرورة، فقد قال صلى لله عليه وسلم:” ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عز وجل عنها قيل يا رسول الله وما حقها؟ قال: يذبحها ويأكلها ولا يقطع رأسها يرمي به”[58]لأن قتل الحيوان لغير الأكل مُثلة، وقد نهى النبي عليها السلام عن المثلة ولو بالكلب العقور. ومما يؤكد ذلك ما جاء في وصية أبي بكر ليزيد بن أبي سفيان لا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة، فلا يصح قتلها من غير حاجة أو ضرورة.

هذا، وإذا كان النهي قد جاء عن قتل العصفور، والكلب العقور، فهو من باب أولى يشمل النهي عن قتل حيوانات العدو من غير حاجة ولا مصلحة.

وفي الختام فإن هذه القيم والمبادئ التي جاءت بها الشريعة السمحة، تؤكد أن غايتها تحقيق الأمن والسلام بين الناس، وأن القتال مقصور فقط فيها على حد الضرورة، والحاجة العسكرية لأن في قتل الإنسان إهلاكا لمن استخلفه الله لإعمار الارض، وفي إتلاف النبات والحيوان وهي بيئة الإنسان التي يعيش فيها تدميرا للعمران الذي بناه، فضلا عن كونها ضرورية لوجوده واستمراره.

(المصدر: مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى