أثر الأصول الاجتهادية عند المالكية في استفادة الأحكام الشرعية وتنزيلها مراعاة مقاصد المكلفين نموذجا

أثر الأصول الاجتهادية عند المالكية في استفادة الأحكام الشرعية وتنزيلها مراعاة مقاصد المكلفين نموذجا

إعداد د. البشير القنديلي

توطئة: مراعاة مقاصد المكلفين في استنباط الأحكام وتنزيلها أمر تقرر العمل به في المذاهب الفقهية المشهورة، إما تصريحا وتقعيدا وتطبيقا كما الشأن عند المالكية والحنابلة، أو إعمالا وتنزيلا مع الإهمال والاستبعاد تصريحا كما الشأن عند الحنفية والشافعية والظاهرية.

والناظر في أمهات مصادر الفقه المالكي لا يتردد في نسبة الريادة في مراعاة مقاصد المكلفين للمالكية، حتى إنهم جعلوا ذلك من أصولهم الاستدلالية، وسيتبين من خلال ما سأورده من أمثلة لاعتبار مالك ومن حذا حذوه من مجددي مذهبه لمقاصد المكلفين؛ أن لما قاله الدكتور أحمد الريسوني وغيره عن هذا الأصل حظ معتبر من النظر. قال: (رغم أن قاعدة “الأمور بمقاصدها” تعتبر في كل المذاهب الفقهية إحدى أمهات القواعد، وقد افتتحت مجلة “الأحكام العدلية” قواعدها التسعة والتسعين بهذه القاعدة، ثم أتبعتها ببنتها وهي:” العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني”.

أقول: رغم هذا وذاك، فإن المذهب المالكي يظل رائد المذاهب في مراعاة مقاصد المكلفين وبناء الأحكام عليها)[1].وفي ذات السياق يقول الدكتور عبد الكريم زيدان: (مذهب المالكية يُعتبر مقابلا لمذهب الشافعية في مسألة القصود، فهو يَعتبرها خلافا للشافعية. ولا يكتفي بالنظر إلى ظاهر التصرف والعقد ليقول بصحتها أو بطلانها، بل ينظر إلى القصد والباعث والغرض المستتر وراء إنشاء التصرف والعقد، وهذا واضح في الأحكام المقررة في الفقه المالكي)[2].

إن هذه التقريرات يشهد لها ما تضمنته مصادر الفقه المالكي من نصوص صريحة دالة على اعتبار المالكية لقصد المكلف، وبنائهم الأحكام على مراعاة التهم المعتبرة، وممن حكى اتفاق الفقهاء على إعمال هذا الأصل الاجتهادي – أعني التهم القوية، ومقاصد المكلفين المُعتبرة -: ابن رشد الحفيد، قال رحمه الله: (إن فقهاء الأمصار اتفقوا في مواضع على إعمال التهمة، وفي مواضع على إسقاطها)[3].

ولعل ما يقصده بمواضع الاتفاق: هي الحالات التي يغلب على الظن فيها – بوجود القرائن و الأمارات الدالة – القصد الفاسد من وراء التصرف، و ههنا الاتفاق على مراعاة قصد المكلف.

وهذا الأمر أكده الدكتور الخشلان بقوله: (منهج إعمال الباعث (…) يعتمد النظر إلى البواعث، وإعمالها متى ما أمكن الكشف عنها، والعلم بها من خلال القرائن والدلائل، وهو الغالب في التطبيقات الفقهية في المذهبين المالكي والحنبلي)[4]. أما الدكتور منصف العسري فقد قال: (فالنظر في مقاصد المكلفين يُعتبر جزءا مهما من مراعاة المقاصد في عملية الاجتهاد الفقهي بصفة عامة، وهو بالتالي جزء هام من الفكر المقاصدي عند الإمام مالك؛ ذلك أن هذا القسم المتعلق بمقاصد المكلف هو الذي يُخرج مقاصد الشارع ويَنزل بها إلى مجال الممارسة الفعلية في حياة المكلف (…) وبهذا يتبين أن مراعاة مقاصد المكلف؛ تعني اعتبار تلك المقاصد في عقوده وتصرفاته عامة؛ دون الاكتفاء بظواهرها، وينبني على ذلك ويتفرع عنه مطالبة المكلف بأن يكون قصده في العمل موافقا لقصد المشرع في التشريع، ومن ثم إبطال عمله إذا قصد وابتغى في التكاليف ما لم تُشرع له، ومعاملته بالتالي بنقيض مقصوده الفاسد؛ عقابا له، وجزاء وفاقا لسعيه)[5]. وهو ذات ما أشار إليه الدكتور مصطفى القصاب؛ فبعد أن ساق أقوال المذاهب الفقهية في اعتبار التهمة وبناء الأحكام عليها قال:( وفي مذهب المالكية نص ابن رشد الجد على اعتبار التهمة أصلا من الأصول التي تبنى عليها الأحكام الشرعية(…)[مما] يفيد توسع المالكية في التفريع على هذا الأصل؛ لأنه امتداد لتوسعهم في الأخذ بسد الذرائع والاحتياط والحزم والتحرز مما عسى أن يكون طريقا إلى المفسدة)[6].

ومن القواعد التي لها صلة مباشرة بمقاصد المكلفين والتي اشتهرت عند المالكية أكثر من غيرهم!:

–  قواعد الذرائع ومنها المعاملة بنقيض القصد الفاسد كحرمان القاتل من الميراث وتوريث المبتوتة في المرض المخوف.
– وقاعدة: كل ما خرج على قصد المبالغة أو الكناية فالمعتبر معناه لا لفظه.
– وقاعدة: لسان الحال يتنزل منزلة لسان المقال عند المالكية خلافا للأئمة[7].

بعد هذه النقول – وهي نزر يسير مما قيل عن ريادة المالكية في الاعتداد بمقاصد المكلفين – يحق لنا التساؤل عن المرتكزات التي انبنت عليها هذه التقريرات؟

مراعاة مقاصد المكلفين من تصرفاتهم في مصنفات المالكية:

بالرجوع إلى مظانّ المالكية، واستفادة مما بسطوه في أمهات كتبهم؛ أستطيع القول بأن إمام المجتهدين المطْلَقين؛ مالك بن أنس ومن سلك طريقه من المجتهدين المجددين المنتسبين لمذهبه، اعتمدوا أصل، أو قل إن شئت الدقة: قاعدة: مراعاة مقاصد المكلفين في استنباط الأحكام وتنزيلها؛ تأصيلا وتقعيدا، وتطبيقا وإعمالا. ( وهذه دعوى لا بد من إقامة الدليل عليها)[8]

إن الناظر في كتب القواعد والفروع عندهم لا يحتاج إلى كبير عناء لاستخلاص هذه النتيجة. ولذلك ففضلا عما سأبسطه من وسائل إثبات لهذه الدعوى في هذا  البحث من فروع فقهية، وجزئيات تشريعية، فإن هذا لا يغني عن الرجوع لتقعيدات المجدد الفريد: الإمام الشاطبي؛ فقد بسط في موافقاته من القواعد ما يجمع شتات هذه الجزئيات وينظم هذه الفروع، وهو ما يزيد من إبراز حقيقة النزعة التجديدية عنده؛ لأن تقعيد القواعد المتعلقة بهذا الأصل الاجتهادي؛ أعني مراعاة مقاصد المكلفين من تصرفاتهم؛ من أهم سمات التجديد الأصولي، والتقسيم المنهجي في التأليف المقاصدي الذي تميز به أبو إسحاق الشاطبي.

مراعاة مقاصد المكلفين في فقه إمام دار الهجرة من خلال الموطإ

ولْنبدأْ بما ورد في الموطإ:

1- جاء في كتاب الحدود (أن رجلين استبّا في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال أحدهما للآخر: والله ما أبي بزان، ولا أمي بزانية. فاستشار في ذلك عمرُ بن الخطاب، فقال قائل: مدح أباه وأمه! وقال آخرون: قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا، نرى أن تجلده الحد، فجلده عمر الحد ثمانين. قال مالك:” لا حد عندنا إلا في نفي، أو قذف، أو تعريض يُرى أن قائله إنما أراد بذلك نفيا أو قذفا، فعلى من قال ذلك: الحد تامّا”)[9].

الملاحظ أن مالكا هنا راعى مقصد المُعَرّض، فكلامه- بدلالة العرف القولي- مُنبئ عن سوء القصد، وقد بين “الباجي” أن أحد الرجلين اللذيْن استبّا عندما قال للآخر: (والله ما أمي بزانية، يقتضي أنه قال له ذلك على وجه المشاتمة، والمفهوم في لسان العرب من هذا إضافة مثل هذا إلى أم المسبوب وفخره عليه بسلامة أمه بذلك، مع شاهد الحال من  المشاتمة الذي يقتضي أن أم المسبوب معيبة بذلك، ولو استويا في السلامة لم يكن هذا وقت ذكرها؛ لأنه لا يتضمن ذلك مزية للسابّ على المسبوب. ولما كان اللفظ فيه بعض احتمال، استشار فيه عمر علماء الصحابة، فتعلق بعضهم بظاهر اللفظ،ونظر بعضهم إلى المفهوم منه مع شاهد الحال؛ لأنه ليس ذلك مما يَقصد به الانسان مدح أمه، وإنما يمدحها بالصفات المحمودة في الغالب، وإنما يقصد إلى وصفها بهذا البر في فضلها على من يوجد فيها هذه المعايب، لا سيما مع ما يشهد لذلك من حال المشاتمة، وقصد كل واحد منهما إلى ذم الآخر وذم أبويه، وذلك يقتضي ذكر ما به من الفضائل بما يوجد في أب من شاتمه ضد ذلك من المثالب)[10].

من خلال ما ورد في الموطإ، وتوجيه أبي الوليد الباجي؛ يظهر أنّ في الحكم الذي استنبطه مالك، مراعاة واضحة لمقصد من مقاصد الشارع الحكيم، وكلّي من ضرورياته الكبرى؛ وهو حفظ العِرض. وهذا ينم عن النظرة التكاملية في إعمال الاجتهاد المقاصدي، لأن تحقيق المقصد على كماله لا يتم إلا بالمطابقة بين مراعاة قصد الشارع وقصد المكلف.

2 – وقبل أن نغادر كتاب الحدود من الموطإ لابد من التمثيل بما يُظهر قوة اعتبار مالك رحمه الله لقصد المكلف في استنباط الحكم وتنزيله.

(قال يحيى: وسمعت مالكا يقول: الأمر عندنا في الذي يسرق أمتعة الناس التي تكون موضوعة بالأسواق مُحْرزة، قد أحرزها أهلها في أوعيتهم، وضموا بعضها إلى بعض: إنه من سرق من ذلك شيئا من حِرزه، فبلغ قيمتُه ما يجب فيه القطع؛ فإن عليه القطعَ. كان صاحبُ المتاع عند متاعه أو لم يكن، ليلا ذلك أو نهارا.

قال مالك: في الذي يسرق ما يجب عليه فيه القطع، ثم يوجد معه ماسرَقَ فيُرد إلى صاحبه: إنه تُقطع يده)[11].

وفي تعليل مالك لهذا الحكم ما يدل على الحس المرهف تجاه المقاصد والنوايا الحاملة على التصرفات، ولذلك نجده يبالغ في الاعتداد بالبواعث، قال معللا: (فإن قال قائل: كيف تُقطع يده وقد أُخذ المتاع منه، ودُفع إلى صاحبه؟ فإنما هو بمنزلة الشارب يوجد منه ريح الشراب المسكر وليس به سُكر؛ فيُجلد الحدَّ.

قال: وإنما يُجلد الحدَّ في المسكر إذا شربه ولم يُسكره، وذلك أنه إنما شربه ليُسكره، فكذلك تُقطع يد السارق في السرقة التي أُخذت منه؛ ولو لم ينتفع بها ورجعتْ إلى صاحبها؛ وإنما سرقها حين سرقها ليذهب بها)[12].

قال الباجي معلقا: (فحاصل جوابه أنه لا يُشترط في قطع السرقة الانتفاع بالمسروق بالفعل، بل إن مجرد إخراجه من الحرز مع القصد إلى امتلاكه والانتفاع به كافٍ لإقامة الحد عليه إذا بلغ السلطان، كما أنه لا يشترط في حد الشرب: السكر بالفعل! بل يكفي تعاطيه وإن لم يسكر)[13].

 3- جاء في باب القصاص في القتل: (قال مالك في الرجل يُمسك الرجل للرجل فيضربه فيموت مكانه: أنه إن أمسكه وهو يرى أنه يريد قتله؛ قُتلا به جميعا. وإن أمسكه وهو يرى أنه إنما يريد الضرب مما يضرب به الناس، لا يرى أنه عمد لقتله، فإنه يُقتل القاتل، ويُعاقب الممسك أشد العقوبة، ويُسجن سنة! لأنه أمسكه. ولا يكون عليه القتل)[14].

فانظر كيف تغير الحكم على الذي أمسك في نظر مالك، وانتقل من القتل إلى العقوبة والحبس سنة، مع أن الفعل واحد وهو المساعدة في إمساك الضحية الهالك لمن باشر القتل ونفّذه، وسبب تغيّر الحكم هو – بالتأكيد – مراعاة قصد المكلف، وهو هنا الممسك، فترتيب العقوبة متناسب مع القصد من الفعل والباعث عليه؛ وإنما يُعرف ذلك بالأمارات والقرائن القوية الدالة، فإذا قويت التهمة وتأكد الحاكم( القاضي) من أن الممسك كان عالما بنيّة الرجل قتلَ خصمه، لا مجرد ضربه قتلا به جميعا بحسب رأي مالك؛ معاملة للممسك بحسب قصده، وهو النية المبيتة في المساعدة على القتل.

وههنا يظهر أيضا وبوضوح تام حرص مالك رحمه الله على أن يتطابق قصد الشارع مع قصد المكلف؛ لكي تتحقق مقاصد الشريعة على كمالها؛ لأن المقرر عند علماء المقاصد أن حفظ النفس من المصالح الكبرى التي جاءت الشريعة بحفظها. ومما يُفضي إلى هذا الحفظ ويساعد عليه أن يُحتاط للدماء فلا يُتساهل في قتل النفوس بغير حق، ولذلك شُرع القصاص. قال تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب لعلكم تتقون)[15].

ولا بد من التنبيه هنا إلى أنه من الاحتياط للدماء – وهو مقصد كلي للشريعة – عدم التسرع في الحكم على المساعد على القتل بمجرد الإزكان والتخمين، وتحميله مسؤولية القتل الذي باشره غيره، بناء على رأي مالك الجزئي، أو تأسيسا على قاعدته الكلية القائمة على مراعاة مقاصد المكلفين وبواعثهم.

فلا مناص من التحري والتثبت في التنزيل، وإنما الأمارات والقرائن وشواهد الحال، وحال الزمان وأهله؛ أمور مساعدة، وهي جزء من فقه التنزيل الذي ينبغي على المفتي والحاكم أن يكون منه على بصيرة.

4 – ومن الأمثلة الواردة في الموطإ أيضا قول مالك في الرجل يقول لامرأته: (أنتِ خليّة أو بريّة أو بائنة: إنها ثلاث تطليقات للمرأة التي قد دخل بها. ويُديَّن في التي لم يدخل بها، أوَاحدة أراد أم ثلاثا؟ فإن قال واحدة أُحلف على ذلك. وكان خاطبا من الخطاب. لأنه لا يُخلي المرأة التي قد دخل بها زوجها ولا يُبينها ولا يُبريها إلا ثلاث تطليقات، والتي لم يدخل بها تُخليها وتُبريها وتُبينها الواحدة. قال مالك وهذا أحسن ما سمعت في ذلك)[16].

        فقول مالك: (ويُديّن في التي لم يدخل بها، أوَاحدة أراد أم ثلاثا)، معناه أن الأمر يراعى فيه قصد القائل، في علاقته بربه، فإذا تعلق الأمر بغير المدخول بها يُنظر ماذا قصد بقوله؟ هل قصد تطليقة واحدة أم ثلاثا؟ لأن الحكم سيتأثر بالمقصود من القول، فإن كان قصَد تطليقة واحدة فقوله: أنتِ خلية أو برية أو بائنه سيُبينها منه بينونة صغرى، وبذلك يجوز له إرجاع مطلقته، لكن بعقد جديد ومهر جديد. وإن كان قصد ثلاث تطليقات فإنها تبين منه بينونة كبرى، وعندئذ فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، لقوله تعالى: (فإن طلقها فلا تحل له من بعدُ حتى تنكح زوجا غيره)[17].

فانظر كيف تأثر الحكم المستنْبط بالنية والباعث، وما تُكنه النفس وتُضمره.

5 – ومن الأمثلة التي راعى فيها مالك- رحمه الله – قصد المكلف، وبنى الحكم  على مراعاته والاعتداد به:

        أكل المُحْرم من الصيد الذي صِيدَ من أجله. جاء في الموطإ: (قال مالك: في الرجل المُحرم يُصاد من أجله صيد، فيُصنع له ذلك الصيد؛ فيأكل منه وهو يعلم أنه من أجله صِيدَ. فإن عليه جزاء ذلك الصيد كله)[18]. فأكْلُ المحرم من الصيد الذي يعلم أنه صيد من أجله صيّره فاعلا حقيقيا؛ أي منتهكا لحُرمة الإحرام، رغم أنه لم يُباشر الصيد بنفسه! وهنا يظهر بجلاء أثر مراعاة قصود المكلفين وبواعثهم في استنباط الأحكام وتنزيلها عند مالك- مؤسس المذهب!– وعند مجددي مذهبه كما سيتبين من خلال النقول عنهم، وكما سيظهر عند ممثلهم في هذا البحث؛ وهو أبو إسحاق الشاطبي.

ففي توجيه أبي الوليد الباجي لكلام مالك المتقدم قال: (ووجوب الجزاء على مَن أكل من لحم صيد صِيد من أجله عالما بذلك؛ استحسان على غير قياس، والقياس أن لا جزاء عليه، وهو قول أبي حنيفة، ووجه وجوب الجزاء؛ أن الاصطياد لأجل المُحرمين ممنوع، فإذا صيد من أجله ولم يأكل منه لم يلزمه بذلك جزاء[19]؛ لأنه لم يُباشر الاصطياد ولا أمر به من تَلزمه طاعته، ولا وُجد منه مقصود الاصطياد الذي هو الأكل، والذي يدعو الصائد إلى الاصطياد، فإذا أكله فقد أتى بمقصود الاصطياد له، فلزمه الجزاء؛ لأن ما وُجد من فعله فيه ينضاف إلى الاصطياد الذي كان من أجله فيجب به الجزاء، وهذا القول مبني على أن للأكل [الدالّ على القصد] تأثيرا في وجوب الجزاء على المُحرم)[20].

وإذا كان مالك رحمه الله ينظر إلى المقاصد والبواعث الحاملة على التصرفات في باب المعاملات – كما تبين من الأمثلة – فإنه استصحب هذا الأصل الاجتهادي وطَرَدَ إعماله في باب العبادات أيضا، وسأقتصر على ثلاث أمثلة تجنبا للإطناب.

6 – جاء في الموطإ قول مالك: (إذا أدرك الرجل الركعة، فكبر تكبيرة واحدة، أجزأت عنه تلك التكبيرة[21].

قال مالك: وذلك إذا نوى بتلك التكبيرة افتتاح الصلاة.

وسئل مالك عن رجل دخل مع الإمام، فنسي تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع حتى صلى ركعة، ثم ذكر أنه لم يكن كبر تكبيرة الافتتاح، ولا عند الركوع، وكبر في الركعة الثانية؟

قال: يبتدئ صلاته أحبُّ إليّ. ولو سها مع الإمام عن تكبيرة الافتتاح، وكبر في الركوع الأول، رأيتُ ذلك مجزيا عنه؛إذا نوى بها تكبيرة الافتتاح)[22].

وفي شرح ابن عبد البر لكلام مالك ما يدل على التأييد، فقد اعتبر أن الداخل المُدرك للإمام راكعا إذا كبر تكبيرة واحدة ينوي بها افتتاح الصلاة، وركع بها أغنته عن تكبيرة الركوع، لأن التكبير فيها عدا الإحرام سنة، فدل ذلك على أن من قال من العلماء: يُكبر الداخل تكبيرتين: إحداهما للافتتاح والأخرى للركوع؛ أراد الكمال والإتيان بالفرض والسنة، ومن اقتصر على تكبيرة الافتتاح فقد اقتصر على ما يُجزئه[23].

من هنا يظهر أن الإجزاء أو عدمه ارتبط أساسا بمراعاة القصد، إذ لو نوى المسبوق بالتكبيرة الواحدة التي افتتح بها الصلاة مع الإمام أنها للركوع لا للإحرام لما كان ذلك مُجزءا له؛ لأن التكبيرة التي أعقبها الركوع لا تقوم مقام تكبيرة الإحرام إلا بالنية والقصد.

7- أما في كتاب الزكاة من الموطإ، فقد وقفتُ على مثال يصلح شاهدا قويا لاعتداد مالكٍ بمراعاة مقاصد المكلفين وبنائه الأحكام عليها. قال رحمه الله في زكاة الحلي والتِّبْر[24]: (من كان عنده تبر أو حلي من ذهب أو فضة، لا ينتفع به للبس؛ فإن عليه فيه الزكاة في كل عام، يوزن فيُؤخذ ربع عشره. إلاّ أن يَنقص من وزن عشرين دينارا عينا، أو مائتي درهم، فإن نقص من ذلك فليس فيه زكاة، وإنما تكون فيه الزكاة إذا كان يُمسكه لغير اللبس. فأما التبر والحلي المكسور؛ الذي يريد أهله إصلاحَه ولبسَه، فإنما هو بمنزلة المتاع الذي يكون عند أهله، فليس على أهله فيه زكاة)[25].

فنصُّ كلام مالك فيه تفريق بين الذهب المُتخذ للزينة، والمتخذ لغير ذلك؛ أي لغير اللبس؛ فربما اتُّخذ للاستثمار وانتظار غلاء السوق ونحو ذلك، وأَلحق مالك بالمُتخذ للزينة التبر والحلي المكسور بشرط أن يكون القصد من تملكه إرادة إصلاحه لللّبس لا لغير ذلك.

فالمدار في وجوب الزكاة أو عدمه هو على القصد من التملك، والباعث عليه، ولذلك قال ابن عبد البر رحمه الله شارحا كلام مالك في التبر والحلي المكسور المراد إصلاحه للزينة: (يريد مالك أنه معد للإصلاح للبس النساء، فكأنه حلي صحيح متخذ للنساء، وإذا كان كذلك فلا زكاة فيه لأحد ممن يُسقط الزكاة عن الحلي. والشافعي يرى فيه الزكاة إذا كان مكسورا لأنه بمنزلة التبر عنده، فلا تسقط الزكاة عنده في الذهب والفضة إلا أن يكون حليا يصلح للزينة، ويُمكن للنساء استعماله)[26].

وللإمام الباجي كلام ينسجم مع اختيار مالك القائم على إعمال البواعث والقصود، خلافا لاختيار الشافعي القائم على إهمالها واستبعادها، يقول رحمه الله: (من كان عنده تبر أو حلي لا يريده للبسٍ فإن الزكاة عليه فيه، لأن الذهب والفضة من الأموال المعدة للتنمية، ولذلك يجب فيها الزكاة، ولا يخرج عن ذلك [أي عن وجوب الزكاة فيه] إلا بالعمل وهو الصياغة ونية اللبس)[27].

إن إلحاق الحلي المكسور بالنوع المُتملَّك لغير الزينة والذي تجب فيه الزكاة- وإن كان في الأصل متخذا للزينة- وعدم الالتفات إلى الغرض من الإبقاء على تملكه؛ وهو نية إصلاحه لللّبس؛ ليس له من تفسير إلا الجمود على الظاهر وإهدار الأغراض والقصود، وهذا مُبايِِن لرأي اتجاه إعمال ومراعاة مقاصد المكلفين، ومنهم – بل أبرزهم – مالك ومجددو مذهبه.

وانسجاما مع ما مال إليه مالك والمنتسبون لمذهبه من ضرورة إعمال مقاصد المكلفين، ومراعاة البواعث الحاملة على التصرف؛ يمكن القول بأن من اشترت ذهبا لا تقصد من تملكه إلا الزينة واللبس؛ فلا زكاة فيه وإن بلغ النصاب؛ لأنه داخل في ممتلكات وأغراض البيت التي لا تُزكى حتى وإن أٌلجأت إلى بيعه تحت ضغط ظرف من الظروف، فبيعه ليس يعني بالضرورة أنه اقتُني ابتداء لتنميته وللتجارة فيه، وإنما كان الدافع إلى بيعه طروء مستجد سيُنفق من أجله هذا المال المُتأتي من البيع، فإذا لم يُنفق أو أنفق بعضه وبقي منه مقدار النصاب أو ما يربو عنه، ففيه زكاة المال ومقدارها ربع العشر (%2.5).

فإن قيل كيف تُخرج من هذا المال الزكاة، وهو إنما تأتى من بيع ذهب الزينة الذي لا زكاة فيه أصلا؟

قلنا إنما وجبت فيه لأنه صار مالا ولم يعد متاعا من أمتعة البيت المُحتاج إليها، إذ لو احتيج إليه لاستُهلك قبل أن يحول عليه الحول، فلما لم يُستهلكْ صار مالا زائدا عن لوازم البيت، ولذلك وجبت فيه الزكاة. والله أعلم.

فالمدار إذن هو على القصد من تملك الذهب والباعث عليه، وإذا امتزج في هذا التملك القصدان: قصد الزينة واللبس، وقصد البيع عند غلاء السوق؛ فالمغلّب – في تقديري – ينبغي أن يكون هو قصد التجارة، و الرغبة في تنمية المال. ومن ثم تجب فيه الزكاة.

8– أختم أمثلة العبادات واستنادا إلى الموطإ، بموقف مالك من تبييت النية في الصيام محاولا تعليله.

(عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر؛ أنه كان يقول: لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر)[28].

وقد حمل ابن عبد البر كلام مالك على أنه لا يصوم إلا مَن بيّت النية من الليل. ومن أصبح لا يريد الصيام ولم يُصب شيئا من الطعام حتى تعالى النهار، ثم بدا له أن يصوم لم يَجُزْ له صيام ذلك اليوم، ومن بيّت الصيام أول ليلة من رمضان أجزأه ذلك عن سائر الشهر)[29].

ولم يَفت الإمام ابن عبد البر أن يورد آراء أئمة آخرين جريا على عادة الفقهاء الكبار في دراساتهم المقارنة. قال رحمه الله: (وقال الشافعي: لا يُجزئ كل صوم واجب من رمضان أو نذر أو غيره إلا بنية قبل الفجر، ويُجزئ التطوع أن ينويه قبل الزوال. وقال أبو حنيفة: لا يجوز صيام رمضان إلا بنية كل يوم محدودة، ويجوز أن ينويه قبل الزوال وإن لم ينوه من الليل)[30].

فسبب الاختلاف بين مالك وغيره من الأئمة إنما مرده إلى قوة استصحابه رحمه الله لأصل مراعاة مقاصد المكلفين من تصرفاتهم في الاستنباط، ظهر ذلك جليا من خلال:

– عدم تفريقه بين الفرض والنفل، فكل صيام مفتقر إلى النية، يقول الدكتور السدلان: (الأصل عموم حديث التبييت، وعدم الفرق بين الفرض والنفل، والقضاء والنذْر، ولم يقُم ما يدفع هذا الأصل فتعيَّن البقاء)[31].

– اعتباره نية أول ليلة من رمضان مُجزءة عن باقي أيام الشهر؛ بمعنى أن عزم المكلف على الصيام طيلة شهر رمضان ونيته ذلك في أول ليلة من لياليه كافية، فلا يلزمه تجديدها كل ليلة، كما ذهب إلى ذلك أبوحنيفة.

– قوله بعدم جواز الصيام المفتقر إلى النية والقصد، لأن المكلف لما لم يُبيِّت نية الصيام من الليل (قبل الفجر)، فإن الباعث على الصيام لم يكن بالقصد الأول هو ابتغاء مرضاة الله تعالى الذي يستلزم نية وإرادة، بل قد يكون بسبب فقد الطعام، أو اتباع حِمْية، أو مجاراة الناس الذين لم يُرد التخلف عن ركبهم في التسابق إلى الخيرات، خشية نعته بضعف التدين، أو نحو ذلك من المقاصد والأغراض. فمن أصبح ولم تكن له نية في الصيام، فلما لم يجد طعاما قرر الصيام؛ فإن الباعث له على الصيام لم يكن لحظ الأجر والثواب ابتداء وإنما انعدام الطعام، ولذلك لم يُجز مالك هذا الصيام![32]

يقول الشيخ أبو زهرة: (ومما يدل على صحة مذهب مالك ومن وافقه في الأخذ بالمقاصد والبناء عليها؛ أن الألفاظ ما كانت لها قوة إنشاء العقود إلا لأنها إخبارات عن النفس وما يجول بها من معانٍ ورغبات، وما يختفي في ثناياها من نيات؛ فلابد لصحتها من مطابقة خبرها للحقيقة، فإذا لم تكن الأخبار مطابقة للنيات والأغراض؛ كانت أخبارا كاذبة، فتفقد ما نِيط بها من تكوين العقد؛ ومن ثم ينبغي أن لا ينشأ منها عقد ولا يُناط بها حكم. والنيات تتلمس ويُبحث عنها إذا وُجدت أمارات لها)[33].

ولا بد من التنبيه على أن مراعاة مقاصد المكلفين هو فرع عن أصل كبير هو الاعتداد بالمقاصد وسلوك سبيلها الذي من توجه إليه أصاب الحق-على حد تعبير الإمام الغزالي- ولذلك لم يقتصر نظر مالك على إعمال مقاصد الشارع وحدها؛ بل ضم إليها في تركيب منهجي مُحكم اعتبار مقاصد المكلفين من تصرفاتهم كلها، وليس فقط أثناء إبرام عقودهم.

يقول الدكتور نصيف العسري: (ومن شدة اهتمام مالك بالنيات والمقاصد؛ أنه اعتبرها ونظر إليها، سواء في إنشاء العقود [أم] في غيرها من التصرفات الصادرة عن المكلف)[34].

مراعاة مقاصد المكلفين في الفقه المالكي من خلال المدونة:

وقبل أن أطوي صفحة الأمثلة الدالة على شدة عناية مالك رحمه الله بمقاصد المكلفين؛ أنتقل إلى مصدر آخر من أمهات مصادر الفقه المالكي، ولا يسع باحثا في فروع هذا المذهب الاستغناء عنه وهو: المدونة، وأبدأ بما ورد في كتاب النذور:

1 – سُئل مالك: (أرأيتَ إن قال عليَّ الهدي إن فعلت كذا وكذا، فحنث.

قال مالك: عليه الهدي، قلت: أمن الإبل أم من البقر أم من الغنم؟ قال: قال لي مالك: إن نوى شيئا فهو ما نوى، وإلاّ فبدنة، فإن لم يجد بدنة فبقرة، فإن لم يجد وقصرت نفقته، فأرجو أن يجزئه شاة)[35].

فمالك راعى قصد المكلف وما انطوت عليه نفسه حين نذر، فوجب عليه من الهدي مانواه، فإن لم يكن نوى شيئا وقت النذر فالأحوط لدينه أن يُقدم الأحسن، وإن قصرت به النفقة وقلت ذات يده فيجب عليه- مراعاة لحاله- ما يُجزئ وتبرأ به ذمته؛ وهو الشاة.

وفيما يتعلق بالأيْمان جاء في المدونة أن مالكا سُئل:

2 – (أرأيت إن حلف ألا يسكن هذه الدار، وهو فيها ساكن، متى يُؤمر بالخروج في قول مالك؟

قال: قال مالك: يخرج ساعة يحلف، فإن كانت يمينه في جوف الليل قال: قال مالك: فأرى أن يخرج تلك الساعة.

فراجعه ابن كنانة[36] فيها، فقال له: ألا ترى له أن يمكث حتى يُصبح؟ قال مالك: إن كان نوى ذلك وإلا انتقل تلك الساعة)[37].

من خلال هذا النقل يتبين أن استنباط الحكم مرتبط أشد الارتباط بمراعاة قصد المكلف؛ بُغية تحقيق قصد الشارع من الأيمان، فقبل مراجعة ابن كنانة، يبدو أن مالكا بنى على أن الحالف قصد الخروج لتوّه؛ أي وقت الحلف، لكن لما روجع بافتراض أن يكون للحالف نية في الخروج في وقتٍ ما؛ ربط الحكم بالقصد والنية، ولذلك قال: (إن كان نوى ذلك).

3 – سُئل مالك: (أرأيت الرجل يحلف ألا يُساكن فلانا، فسكنا في دار فيها مقاصير[38]، فسكن هذا في مقصورة ، وهذا في مقصورة أيحنث أم لا؟ قال: إن كانا في دار واحدة، وكل واحد منهما في منزله [يقصد غرفته] والدار  تجمعهما فأراه حانثا في مسألتك. وكذلك سمعت مالكا يقول: وإن كانا في بيت واحد رفيقين فحلف ألا يُساكنه، فانتقل عنه إلى منزل في الدار [شُقة بالعرف السائد عندنا] يكون مدخله ومخرجه ومرافقه في حوائجه ومنافعه على حدة فلا حنث عليه، إلا أن يكون نوى الخروج من الدار؛ لأني سمعت مالكا يقول: وسأله رجل عن امرأة وأخت له كانتا ساكنتين في منزل واحد، وحجرة واحدة، فوقع بينهما ما يقع بين النساء من الشر، فحلف الرجل بطلاق امرأته أن لا يُساكن إحداهما صاحبتها، فتكارى منزلا سفلا وعلوا، وكل منزل منهما مرفقه على حدة: مرحاضه، ومغتسله، ومطبخه، ومدخله ومخرجه على حدة، إلا أن سلم العلوي في الدار يجمعهما باب الدار يدخلان منه ويخرجان منه، قال مالك: لا أرى عليه حنثا إذا كان كذا معتزلين هكذا) [39].

وقبل التعليق على هذا المثال أضيف أمثلة أخرى متعلقة بالأيْمان:

جاء في المدونة أن مالكا سُئل عن رجل قال:

4 – (والله لا آكل لحما، ولا نية له، فأكل حيتانا. قال: بلغني عن مالك أنه قال هو حانث؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: (وهو الذي سخر البحر لتاكلوا منه لحما طريا)[40]. قال مالك: إلا أن يكون له نية فله ما نوى)[41].

وهذ المثال كثير التداول في كتب الأصول المدرسية يُستدل به على أصل من أصول التشريع التبعية التي لم يغفلها المالكية؛ وهو العرف. فالحنث هنا أو عدمه إنما يرتبط بالمراد من اللحم؛ هل هو المعنى المتداول في الاستعمال العرفي أم المراد به في النص الشرعي، وهذا العرف لا ينفك البتة عن مراعاة قصد الحالف. فالأصل أن يكون الحالف يقصد المعنى المتداول عرفا؛ لكن إن كان يقصد المعنى الشرعي الذي ورد به اللفظ في النص؛ فهو وما نوى. وإنما الأعمال بالنيات.

5- وشبيه بهذا المثال ما جاء في المدونة أيضا أن مالكا سُئل:( أرأيت إن حلف ألا يأكل لحما فأكل شحما، أيحنث أم لا في قول مالك؟

قال: بلغني عن مالك أنه قال: من حلف أن لا يأكل لحما فأكل شحما فإنه يحنث. قلت:

فشحم الثروب[42]وغيرها من الشحوم سواء في هذا؟ قال: الشحم كله عند مالك من اللحم، إلا أن يكون له نية أن يقول إنما أردت اللحم بعينه)[43].

فمالك رحمه الله ربط الحكم؛ وهو ترتُّب الحنث أو عدم ترتبه على قصد المتكلم ومراده من لفظ اللحم، وإنما كان الحكم – في الأصل – هو الحنث لأن المعروف عرفا أن لفظ اللحم يشمل الشحم أيضا، لكن المكلف إن كان يقصد اللحم بعينه دون الشحم، فهو موكول إلى نيته، وله ما نوى؛ أي أنه لا يحنث إن أكل شحما.

فالمدار إذن على قصد المتكلم من كلامه.

وعلى هذا المنوال نسج مالك رحمه الله في فتاوى كثيرة، فقد طرد [من الاطّراد] إعمال قصود المكلفين وبواعثهم في ما لا يكاد ينحصر من الأقضية.

من ذلك مثلا أنه سُئل:

6 – (أرأيت لو أن رجلا حلف أن لا يُكلم فلانا، فأرسل إليه رسولا أو كتب إليه كتابا؟ قال مالك: إن كتب إليه كتابا حنث، وإن أرسل إليه رسولا حنث، إلا أن يكون له نية على مشافهته)[44].

فههنا أيضا تظهر مراعاة واضحة لقصد المكلف من حلفه بعدم تكليم صاحبه؛ هل هو مجرد المشافهة والحديث، أم هو التواصل بأية وسيلة تحقق؟ فالعبرة هي بما تنطوي عليه نفس الحالف أثناء الحلف لا باللفظ.

 وانسجاما مع هذا المنحى الاجتهادي القائم على مراعاة قصود المكلفين؛ لم يعتدّ مالك بحلف المكره، واعتبر يمينه غير منعقدة.

7 – سئل رحمه الله: (أرأيت إن حلف ألا يأكل هذا الرغيف فأكره عليه فأكله، قال: لايحنث في رأيي، قلتُ: فإن أُكره فحلف ألا يأكل كذا وكذا، فأكله، أيحنث أم لا؟ قال: لا يحنث عند مالك، والمكره على اليمين ليس يمينه بيمين).[45]

ويؤيد هذا المنحى الاجتهادي من الكتاب العزيز قول الله عز وجل: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه)[46]وقوله سبحانه: (إلا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان)[47]، إضافة إلى طائفة من القواعد الشرعية.

وإنما لم يُؤاخذ المكره؛ لانتفاء القصد والباعث عن تصرفه، فصار مسلوب الإرادة، والمقرر أن الله لا يكلف نفسا إلا وُسعها، وأن لا تكليف إلا بمقدور.

ومبالغة في إعمال هذا الأصل الاجتهادي – أعني مراعاة مقاصد المكلفين – نجد مالكا في كثير من فتاويه يسد الذرائع لئلا يُتوسل بالمشروع إلى غير المشروع؛ فيراعي قصود المكلفين لكي تتطابق مع مقاصد الشارع، وكل ذلك بُغية تحقيق مقاصد الشريعة على كمالها.

8- جاء في المدونة أن مالكا سُئل: (أرأيت إن حلف رجل ألا يهب لفلان هبة، فتصدق عليه بصدقة أيحنث أم لا؟ قال: قال مالك: في كل ما ينفع به الحالف المحلوف عليه إنه يحنث؛ كذلك قال مالك، وكل هبة كانت لغير الثواب فهي على وجه الصدقة. قلتُ: أرأيت إن حلفتُ أن لا أهب رجلا هبة، فأعرتُه دابة، أأحنث في قول مالك أم لا؟

قال: نعم في رأيي، إلا أن تكون تلك نيتك؛ لأن أصل يمينك هنا على المنفعة)[48].

ويلحق بهذا المثال جواب مالك عن سؤال: (لو حلف [رجل] ألا يهب لامرأته دينارا، فكساها. قال مالك: كنتُ أُنَوّيه، فإن قال:

 أردت الدنانير بأعيانها، رأيتُ ذلك له[49]، وإن لم يكن له نية حنث)[50].

فتأملْ كيف ربط مالك استنباط الأحكام بمراعاة قصود المكلفين من كلامهم وما يُحمّلونه من معانٍ، ومن عقودهم، لا بما تدل عليه ظواهر الألفاظ، وصُوَر التصرفات؛ ولذالك أبطل نكاح الشغار وحكم بفسخه قبل الدخول وبعده، ونكاح التحليل[51].

وقد بين الإمامان ابن عبد البر وأبو الوليد الباجي رحمهما الله موقف المالكية من هذا النكاح.

9- جاء في “الكافي”: (ونكاح المحلل فاسد مفسوخ: وهو أن يتزوج امرأة طلقها غيرُه ثلاثا ليُحلها لزوجها، وأنه متى أصابها طلقها، فهذا المحلل الذي ورد الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بلعنه.

وكل من نكح امرأة ليُحلها لزوجها، فلا تحل لزوجها وإن وطِئها بذلك النكاح، وسواء علما أو لم يعلما إذا قصدا النكاح لذلك، ولا يُقَرّ على نكاحها، ويُفسخ قبل الدخول وبعده.

وإنما يُحللها نكاح رغبة لا قصد فيه للتحليل، وشرطُ مالك وأكثر أصحابه أن يكون وطؤه إياها مباحا تاما غير محظور (…) ومدار نكاح المحلل على الزوج الناكح، وسواء شرط ذلك أو نواه. ومتى كان شيء من ذلك فسد نكاحه، ولم ير عليه ولم يُحلل وطؤه المرأةَ لزوجها، وعِلْم المطلق وجهله بذلك سواء! لأن المدار على الزوج الناكح)[52].

فالواضح من خلال كلام ابن عبد البر أن حِلّ زواج كل من المحلل، والمطلق الراغب في إعادة العقد على مطلَّقته بعدما بانت منه بينونة كبرى؛ يرتبط بالقصد والباعث؛ فإذا كان القصد هو الوطء ثم التطليق بغرض التحليل للأول؛ فهو زواج باطل من جهتين، جهة المُحلِّل وجهة المُحلَّل له إن كان يعلم. أما إذا كان قصد الناكح الثاني هو دوام العشرة والعقد على الزوجة – المطلقة من الأول – على وجه الدوام، لكن وقع بينه وبين زوجه ما كان سببا في انفصام عقد الزوجية؛ فرجوعها للأول بعقد جديد ومهر جديد يجوز ولا غبار عليه. فالمدار إذن هو على سلامة القصد أو فساده. ولذلك نقل الباجي عن مالك قوله: (لا يجوز أن يتزوجها علمت هي وزوجها الأول أو لم يعلما، فإذا لم ينو الزوج الثاني التحليل فهو جائز لا يضر الزوج ما نوت الزوجة لأن الطلاق بيده دونها[53]. والنية المصححة للعقد أن يتزوجها لحاجته إليها فإن تزوجها وأعجبته أمسكها، وإلا كان قد احتسب في تحليلها للآخر لم يجز؛ لما خالط نكاحه من نية التحليل، ولا تحل بذلك للأول)[54].

        وقد أشاد ابن تيمية رحمه الله بهذا المنحى الاجتهادي فقال: (وأما المناكح فلا ريب أن مذهب أهل المدينة في بُطلان نكاح المحلل، ونكاح الشغار أَتْبَع للسنة ممن لا يُبطل ذلك من أهل العراق، فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن المحلل والمحلَّل له[55]، وثبت عن أصحابه كعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس أنهم نهوا عن التحليل، ولم يُعرف عن أحد منهم الرخصة في ذلك، وهذا موافق لأصول أهل المدينة؛ فإن من أصولهم أن القصود في العقود معتبرة، ولأجل هذه الأصول أبطلوا نكاح المحلل (…) وأبطلوا الحيل التي يُستحل بها الربا وأمثال ذلك.

ومن نازعهم في ذلك من الكوفيين، ومن وافقهم؛ ألغى النيات في هذه الأعمال، وجعل القصد الحسن كالقصد السيئ، وسوغ إظهار أعمال لا حقيقة لها ولا قصد، بل هي من النفاق والمكر، فهم يُخادعون الله كما يخادعون الصبيان، ولو أتَوا الأمر على وجهه لكان أهون عليهم…)[56]، وقال في سياق آخر: (من تدبر أصول الإسلام وقواعد الشريعة وجد أصول مالك وأهل المدينة أصح الأصول والقواعد)[57].

وأحسب أن هذه الشهادة أبلغ من شهادة القاضي عياض؛ لانتسابه إلى المذهب المالكي، فقد جعل من بين الاعتبارات المرجحة لمذهب مالك، اعتبارٌ: (يحتاج إلى تأمل شديد، وقلب سليم من التعصب شهيد، وهو الالتفات إلى قواعد الشريعة ومجامعها، وفهم الحكمة المقصودة بها من شارعها)[58].

ولم أجد ما أجمع به شتات الأمثلة المتوزعة على أبواب الفقه الكثيرة، وجزئياته المتناثرة أبلغ من قواعد للإمام الشاطبي؛ مختصرة الألفاظ غزيرة المعاني، محكمة الصياغة. أذكر منها:

(إن الأعمال بالنيات والمقاصد معتبرة في التصرفات من العبادات والعادات)[59].

ويتفرع عن هذا الأصل قواعد مقاصدية كثيرة منها:

– قاعدة: (قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده في العمل موافقا لقصده في التشريع)[60].

– وقاعدة: (إذا قصَد المكلف عين ما قصده الشارع بالإذن؛ فقد قصد وجه المصلحة على أتم وجوهه(…) وإن كان قصَد غير ما قصده الشارع (…) فقد جعل ما قصَد الشارع مُهمل الاعتبار، وما أهمل الشارع مقصوداً معتبرا، وذلك مضادة للشريعة ظاهرة)[61].

– وقاعدة: (من ابتغى في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له، فقد ناقض الشريعة، وكل من ناقضها فعمله في المناقضة باطل، فمن ابتغى في التكاليف ما لم تشرع له، فعمله باطل)[62].

فمن خلال هذه القواعد يتضح أن الشاطبي قد اغترف من فقه مالك وتشبع بأصوله! ولذالك كانت منافحته عن المذهب تأصيلا وتقعيدا أبلغ وأرسخ من منافحة المتعصبين الأدعياء! يقول الدكتور الريسوني موضحا هذا المعنى: ([إن] مما ساعد الشاطبي على حسن الاستفادة من هذه اللمحات والومضات التي جادت بها قرائح بعض الأصوليين حول مقاصد الشريعة وحِكمها، وساعده أيضا على تطويرها والبناء عليها، حتى أخرج لنا نظرية متكاملة الأطراف متشعبة الامتدادات في مختلف جوانب الشريعة الإسلامية. أقول: مما ساعده على ذلك كله تشبعه بأصول المذهب المالكي وقواعده…فإن المذهب المالكي هو مذهب المصلحة والاستصلاح، والاستحسان المصلحي، والتفسير المصلحي للنصوص، وهو المذهب الحازم في درء المفاسد وسد ذرائعها، واستئصال أسبابها، وهو المذهب الذي يعتني عناية فائقة بمقاصد المكلفين ونياتهم ولا يقف عند مظاهرهم وألفاظهم، وهو من أكثر المذاهب – إن لم يكن أكثرها – تعليلا للأحكام الشرعية المتعلقة بمجال العبادات والمعاملات. والتعليل هو الكشف عن مقاصد الشارع والبناء عليها.

فهذه الأصول التي تصب كلها في نظرية المقاصد، هي التي هيّأت الفكر المقاصدي عند الشاطبي أن يترعرع)[63].

وحتى لا تتشعب بنا السبل، ونتيه في عالم المقاصد ومدى عناية المالكية بها؛ أحصر الكلام في بيان تميّز المالكية في مراعاتهم لمقاصد المكلف تحديدا، وبنائهم الأحكام على التّهم القوية. وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمود شعبان: (الأصل في المذهب المالكي أنه يأخذ بالإرادة الباطنة، فلا يقتصر في الاعتداد بالسبب الباعث على صيغة العقد، وإنما يبحث عن السبب الباعث من خلال القرائن والظروف والملابسات التي نشأ في ظلها العقد وأحاطت به، فإذا أمكن التعرف على السبب الباعث من خلال القرائن والظروف والملابسات؛ فإن هذا السبب الباعث يؤثر تأثيرا مباشرا على حكم العقد ليقضي فيه بالصحة أو البطلان، أو بالحل والحرمة، وفقا لمشروعية السبب الباعث أو عدم مشروعيته، وذلك بشرط علم الطرف الآخر في العقد بهذا السبب الباعث)[64].

خاتمة

أخلص إلى القول بأن فقه المالكية فقه عملي؛ ولذلك عني بملابسات التنزيل. والأصول المعتمدة في هذا الفقه؛ ومنها اعتبار أصل المآل وما يتفرع عنه من سد للذرائع، ومراعاة للخلاف، واستحسان، واعتداد بمقاصد المكلفين وبواعثهم من تصرفاتهم، وعرف…إنما هي فرع عن أصل كبير مستوعب وجامع، ودائرةٌ في فلكه؛ أعني الاجتهاد المقاصدي الذي أمّه الراسخون في العلم، وأناخوا عيرهم وحطوا رحالهم عنده؛ فأداروا النصوص على مقتضياته، وحاموا حول مراعاة أغراض الشارع الحكيم من أحكامه، ولذلك كان لاجتهاد المالكية حظ معتبر من النظر.

                                                      والله من وراء القصد.

لائحة المصادر والمراجع

– القرآن الكريم.

 – أثر القصود في التصرفات والعقود: د.عبد الكريم زيدان، مؤسسة الرسالة، ط2، 1408هـ-1988م.

 – الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار بما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار، للحافظ أبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر  ( ت463هـ)، تحقيق: الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، دار قتيبة للطباعة والنشر، دمشق، ودار الوعي حلب، ط:1414هـ ، 1992م.

– البعد المقاصدي لمراعاة التهمة في الأحكام الشرعية- قضايا ونماذج- د: مصطفى القصاب، بحث غير منشور. مرقون بكلية الآداب والعلوم الإنسانية- مكناس- المغرب.

– السبب الباعث على التعاقد في الفقه الإسلامي (دراسة مقارنة)، د.محمود محمد شعبان، مطبعة الإخلاص مصر، بدون تاريخ الطبع.

 الفكر المقاصدي عند الإمام مالك وعلاقته بالمناظرات الأصولية والفقهية  في القرن الثاني الهجري، للدكتور محمد نصيف العسري، نشر دار الحديث بالقاهرة، ومركز التراث الثقافي المغربي، الدار البيضاء- المغرب، سنة الطبع: 1429هـ-2008م.

– المدونة الكبرى، للإمام مالك بن أنس(ت 179هـ)، رواها عنه الإمام سحنون عن الإمام عبد الرحمن بن القاسم عن إمام دار الهجرة، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ الطبع.

– المنتقى شرح الموطأ:للقاضي أبي الوليد سليمان بن خلف المعروف بالباجي (ت474هـ) ،دار الكتاب العربي، بدون تاريخ الطبع.

– الموافقات، لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي الغرناطي(ت 790هـ). شرحه وخرج أحاديثه: الشيخ عبد الله دراز، وضع تراجمه محمد عبد الله دراز، خرج أحاديثه، وفهرس موضوعاته: عبد السلام عبد الشافي محمد. دار الكتب العلمية، بيروت ، لبنان. بدون (ت- ط).

 النية وأثرها في الأحكام الشرعية، للدكتور صالح بن غانم السدلان، مكتبة الخريجي، ط:1، 1404هـ/1984م.

– بداية المجتهد ونهاية المقتصد، للقاضي أبي الوليد بن رشد الحفيد، القرطبي الأندلسي(595هـ)،

– ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مالك، للقاضي عياض بن موسى السبتي(ت 544هـ)، تحقيق الدكتور علي عمر، نشر مكتبة الثقافة الدينية،  القاهرة، مصر، ط:1، 1430هـ- 2009م.

– سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (275هـ) مراجعة وتعليق محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت، بدون تاريخ الطبع.

– لسان العرب، لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور المصري، قدم له الشيخ عبد الله العلايلي، مراجعة يوسف خياط، دار الجيل/بيروت- دار لسان العرب /بيروت.ت- ط: 1408هـ/1988م.

– مجلة جامعة محمد بن سعود الإسلامية، ع: 52.

– مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (ت728هـ)، جمع وترتيب :عبد الرحمان بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي، وساعده محمد ابنه، دار عالم الكتب للطباعة والنشر. الرياض، المملكة العربية السعودية : 1412هـ/1991.

– نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، للدكتور أحمد الريسوني. دار الأمان، الرباط،  المغرب، ط 2: 1424هـ/2003م.

تحقيق علي محمد معوض، وعادل أحمد عبد الموجود.دار الكتب العلمية، ط1: 1422هـ/2002م.


[1]– نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، ص: 97.

[2]– أثر القصود في التصرفات والعقود، ص: 14.

[3] – بداية المجتهد، 2/387.

[4]– مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عدد: 52، بحث الدكتور خالد الخشلان: مناهج الفقهاء في إعمال الباعث وإهماله، ص: 189.

[5]– الفكر المقاصدي عند الإمام مالك وعلاقته بالمناظرات الأصولية والفقهية  في القرن الثاني الهجري، ص: 98- 99. ومضمون الفقرة الثانية من كلام المؤلف مقتبس من كلام الشاطبي في الموافقات.

[6]– البعد المقاصدي لمراعاة التهمة في الأحكام الشرعية – قضايا ونماذج – ص: 31.

[7]– أنظر للتوسع: كتب القواعد عند المالكية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: قواعد المقري، والفروق للقرافي.

[8]– العبارة بين قوسين مقتبسة من موافقات الشاطبي، وهي من أساليب الحجاج والتناظر.

[9]– الموطأ، ص: 462، باب الحد في القذف والنفي والتعريض. والمقصود بالنفي والتعريض في سياق قول مالك، كأن يقول أحد للآخر: والله ما أبي بزان، ولا أمي بزانية، وهو يقصد – بمفهوم المخالفة – قذف والديْ مخاطَبه أو أحدهما، ورميهما واتهامهما في أعراضهما. قال مالك:” الأمر عندنا أنه إذا نفى رجل رجلا من أبيه؛ فإن عليه الحد”، الموطأ، ص: 464.

[10]– المنتقى، 7/ 150.

[11]– الموطأ، ص: 467.

[12]– الموطأ، ص: 467- 468.

[13]– شرح الزرقاني على الموطإ، 4/196.

[14]– الموطأ، ص: 488.

[15]– سورة البقرة، الآية: 178.

[16]– الموطأ، كتاب الطلاق، باب ما جاء في الخلية والبرية وأشباه ذلك، ص: 311.

[17]– سورة البقرة، الآية: 230.

[18]– الموطأ، كتاب الحج، باب مالا يحل للمحرم أكله من الصيد، ص: 210.

[19]– لأنه غير عالم بأنه صِيد من أجله، إذ لو كان عالما لما امتنع عن الأكل. ولذلك لم يلزمه الجزاء.

[20]– المنتقى، 2/ 249.

[21]– يقصد تكبيرة الركوع التي أدرك بها الركعة مع الإمام؛ أي أنه لم يُكبر تكبيرة الإحرام أوّلا ليدخل بها الصلاة ثم يُتبعها بتكبيرة الركوع، فيخرج من الإشكال! إذ لو فعل ذلك لأدرك (الكمال والإتيان بالفرض والسنة) كما قال ابن عبد البر في الاستذكار، 4/134.

[22]– الموطأ، 49- 50.

[23]– الاستذكار، 4/134.

[24]– التِّبر: الفتات من الذهب والفضة قبل أن يُصاغا، فإذا صيغا؛ فهما ذهب وفضة. لسان العرب، مادة: (تبب)، 2/ 210.

[25]– الموطأ، كتاب الزكاة، باب ما لا زكاة فيه من الحلي والتبر والعنبر، ص: 150.

[26] – الاستذكار، 9/75.

[27] – المنتقى، 2/109.

[28]– الموطأ، ص: 171.

[29]– الاستذكار،10/ 34 وما بعدها.

[30]– الاستذكار،10/ 34 .

[31]– النية وأثرها في الأحكام الشرعية، 2/13 وما بعدها.

[32]– للاطلاع على مزيد من الأمثلة، التي يبرز من خلالها بناء مالك للأحكام على مراعاة مقاصد المكلفين وبواعثهم؛ يحسن الرجوع إلى المدونة، والنوادر والزيادات وغيرها من مصادر الفقه المالكي.

[33]– الملكية ونظرية العقد، ص: 219- 220.

[34]– الفكر المقاصدي عند الإمام مالك وعلاقته بالمناظرات الأصولية والفقهية في القرن الثاني الهجري، ص: 100.

[35]– المدونة، 2/ 20.

[36]– توفي سنة 186هـ  وقيل: 185هـ، من فقهاء المدينة تلقّى عن مالك، وغلب عليه الرأي. أنظر تفاصيل ترجمته عند عياض في ترتيب المدارك، (1/292- 293).

[37]– المدونة، 2/ 51.

[38]– من خلال سياق الكلام يبدو أن مالكا يفرق بين الدار التي تضم مرافق مشتركة، وكل ساكن مستقل بغرفته، على غرار بيوت طلبة العلم الآفاقيين، وبين المقاصير التي هي أشبه ما تكون بالشقق المستقلة بمرافقها الخاصة داخل العمارة ذات المدخل الواحد، وربما السطح الواحد.

[39]– المدونة، 2/51.

[40]– سورة النحل، الآية: 14.

[41]– المدونة، 2/50.

[42]– جمع ثَرْب، وهو قطعة من الشحم كلما كانت كبيرة دلت على سِمن الذبيحة، وتكسو الأمعاء وما حولها من الأعضاء. ومن العادات المغربية في الأكل أن هذا الغشاء الشحمي يُقطع على شكل لفائف رقيقة، ويتم حشوه بقطع الكبد أو الرئة، ويُشوى على النار.

[43]– المدونة، 2/50.

 [44]– المدونة، 2/50.

 [45]– المدونة 2/54.

 [46]– سورة البقرة، الآية: 173.

 [47]– سورة النحل، الآية: 106.

[48]– المدونة، 2/61- 62.

[49]– أي لا يحنث بكسوتها، لأنه لم يقصد الحلف على الكسوة، إنما على المنح المالية العينية .

[50]– المدونة، 2/62.

[51]– بداية المجتهد ونهاية المقتصد، 3/97- 98.

[52]– الكافي في فقه أهل المدينة، لابن عبد البر، 1/ 320.

[53]– قلتُ: لابد من اعتبار نيتها أيضا في حالة طلاق الخلع  وطلاق التمليك، كما لا بد من الانتباه إلى الشروط التي قد تكون مُتضمّنة في العقد، كما لابد من مراعاة التغيرات التي تلحق المدونات المتعلقة بالأسرة والأحوال الشخصية، فيما إذا أبقت على الطلاق بيد الرجل، أم جُعل بيد المرأة أيضا! أم وُكل إلى القاضي. فجميع هذه الحيثيات لا بد من مراعاتها؛ حتى يتم التكييف الفقهي المناسب بما يحفظ للشريعة مقاصدها، وتتحقق معه للناس مصالحهم. وإنما يتجدد الفقه ويتطور بالإعمال والتطبيق لا بالهجر أو الاجترار!

[54] – المنتقى، 3/299.

[55] – رواه أبو داود، كتاب النكاح، باب في التحليل، وصححه الشيخ الألباني في الإرواء.

[56] – مجموع الفتاوى، 20/377-378.

[57] – نفسه، 20/328.

[58]– ترتيب المدارك، 1/40.

[59]– الموافقات، 2/246.

[60]– نفسه، 2/251.

[61]– نفسه، 2/253.

[62]– الموافقات، 2/252. لمزيد من التوسع تراجع “الثروة” الهائلة من القواعد المقصدية المبثوثة في ثنايا موافقات الشاطبي.

[63]– نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، ص: 323- 324.

[64]– السبب الباعث على العقد في الفقه الإسلامي “دراسة مقارنة”، ص: 149.

(المصدر: مركز المقاصد للدراسات والبحوث)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى