تقارير وإضاءات

وأصبح للجزائر “أزهرها” .. ثالث أكبر مسجد بعد الحرمين الشريفين وأطول مئذنة في العالم

على طول منحنى لطيف من خليج الجزائر العاصمة، يرتفع ببطء مجمع مبان مترامي الأطراف ،يظهر في نهايته مبنى ضخم هو “جامع الجزائر الأعظم”، والذي سيضم أطول مئذنة مسجد في العالم يفوق ارتفاعها 265 مترا، كما يضم مدرسة لتعليم القرآن ومكتبة ومتحف ومدرجات وحدائق عامة. تحفة معمارية وحضارية فريدة من نوعها ،لكنها أفرزت جدلا عقيما بين رافض ومهلل لتشييد هذا الصرح الذي أوشك على الاكتمال ،والذي سيكون ثالث أكبر مسجد في العالم بعد الحرمين الشريفين، من حيث المساحة، والأكبر على الإطلاق في أفريقيا.

يتسع الجامع لأكثر من 120 ألف مصل، ويمكن للمصلين الوصول إليه من عدة طرق، سواء بالسيارات أو “الترام واي” أو حتى بالقوارب لقربه من البحر،حيث يتصل بمرسى على ساحل البحر المتوسط من خلال ممرين. قبة الجامع بقطر 40 مترا وعلو 70 مترا تشارف هياكلها على الانتهاء محمولة على أعمدة تصل إلى 680 عمود، باحة الجامع هي امتداد لقاعة الصلاة بمساحة 20 ألف متر مربع بها قاعة للمطالعة وأخرى متعددة الاستخدامات، ويعد الجامع صرحا إسلاميا وثقافيا يتوسط منطقة “المحمدية”،

يتسع الجامع لأكثر من 120 ألف مصل ويقول وزير الشؤون الدينية أنه سيكون القفل الأخير الذي سيربط المرجعية الدينية الوطنية ويحميها

وتحرص الجزائر على انجازه كمعلم يجمع بين الأصالة والحداثة ليساهم في إبراز الهوية الوطنية والثقافة الإسلامية للبلد. ويقول وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري محمد عيسى بأن الجامع الأعظم “هو القفل الأخير الذي سيربط المرجعية الدينية الوطنية ويحميها، فالجزائر هي البلد الوحيد الذي لا يملك هيئة دينية عليا مثل الزيتونة في تونس، القرويون في المغرب، والأزهر في مصر”، مؤكدا أن “مسجد الجزائر الأعظم سيصبح أزهر الجزائر”. وهي الفكرة التي طالما راودت الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين ،لكن الأجل لم يمنحه فرصة تحقيقها.

13 بناية ومئذنة هي الأطول في العالم

مسجد الجزائر الأعظم يمتد على مساحة تفوق الـ200,000 متر مربع (25 هكتار) وبه أطول مئذنة في العالم هي منارة في نفس الوقت حيث تهتدي بها السفن، كون الجامع يطل على خليج الجزائر في حي “المحمدية” بشرق العاصمة الجزائر.كما أن هذه المئذنة “ستؤرخ لتاريخ البلاد من خلال 14 طابقا، يرمز كل طابق إلى حقبة من حقب الجزائر التاريخية” على حد تعبير وزير الأوقاف الجزائري.

قام بتصميم هذا الجامع مجموعة “KSP Juergen Engel”المعمارية الألمانية وهو يحتوي على قاعة صلاة رئيسية تتسع لـ 120,000 شخص، كما يحتوي مكتبة تتسع لـ2,000 شخص. أما عن المشروع بأكمله فيضم مدرسة لتعليم القرآن الكريم وعلومه، بجانب قاعات مؤتمرات ومراكز ثقافية وإعلامية، وحدائق بها أشجار فاكهة. كما يضم الجامع كذلك ثلاثة طوابق تحت الأرض، تتسع لـ6,000 سيارة.

ويقول مدير الوكالة الوطنية لإنجاز وتسيير جامع الجزائر محمد علوي ،أن المشروع يخضع لمتابعة أدق التفاصيل من طرف مجلس إدارة يتكون من 24 إطارا، يمثلون 14 وزارة، والبقية شخصيات وطنية ذات تخصصات متعددة، إضافة إلى وجود هيئة علمية مكونة من 10 خبراء ومجلس وزاري مشترك دائم. كما أشار محمد علوي إلى أن المشروع الذي يشمل 13 بناية انطلق بعد إتمام كل مراحل الدراسات لمدة 42 شهرا.

أما تكلفة المشروع فتبلغ ما يقارب 1.4 مليار دولار. ويقول الخبير الاقتصادي، فارس مسدور،إن هذه التكلفة “خيالية”،ملمحا إلى اتهامات بالفساد تحوم حول مراحل بناء الجامع، مشيرا إلى أن “برج خليفة” الأطول في العالم لم تتجاوز تكلفته 800 مليون دولار.

ميزانية المسجد ليست مرتفعة وهي تمثل 0.28 % فقط من الميزانية العامة المرصودة للمخطط الخماسي المقدرة بـ286 مليار دولار

لكن المؤسسات الجزائرية القائمة على إنجاز ومتابعة تطور بناء الجامع تقول أن ميزانيته ليست مرتفعة بالنظر إلى ضخامة المشروع وقيمته المادية والمعنوية، وأن هناك ملاعب لكرة القدم يتم إنجازها بأكثر من هذه التكلفة. مؤكدة أن ميزانية المسجد تمثل 0.28 % فقط من الميزانية العامة المرصودة للمخطط الخماسي المقدرة بـ286 مليار دولار، وليست الأموال المرصودة للمسجد هي ما سيوقف بناء المدارس والمستشفيات.

وفي هذا الشأن يؤكد رئيس المجلس الإسلامي الأعلى أبو عبد الله غلام الله إن “المبالغ المخصصة لبناء المستشفيات لم تستنفد بعد ،وأن كل مشروع له ميزانيته الخاصة، والميزانية المخصصة لجامع الجزائر كانت على حدى ولم تكن على حساب المشاريع الأخرى كما ادعت بعض الأوساط الفرنسية والجزائرية”.

حملة إعلامية أم حرب صليبية

يظهر جليا أن مشروع الجامع الأعظم أراد له أصحابه أن يكون معلم الجزائر الأول وأحد أهم المعالم الإسلامية في العالم ،وهو ما جعله يتعرض لسلسلة من الانتقادات والمؤامرات لإسقاط مشروعه أو على الأقل تعطيله ،وهو بذلك يواجه هجمة شرسة من لوبي فرنسي صهيوني غربي، اتضح جليا من خلال حملات إعلامية وسياسية كشفت بصراحة عن الأهداف الحقيقية وراء رفض إنجاز مثل هذا المشروع وعلى أرض مثل أرض الجزائر،فقد ذكرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية اليمينية أن الجامع سيطفئ وهج كنيسة السيدة الإفريقية (وهي كاتدرائية كاثوليكية تأسست عام 1872 أثناء الاحتلال الفرنسي ،تقع فوق سفح جبل مطل على البحر المتوسط على ساحل مدينة الجزائر العاصمة).

نسبة إنجاز جامع الجزائر بلغت 90% وتسليمه نهاية 2017

ويبدو لأغلبية الجزائريين أن الموقف من المشروع يعتبر مقبولا ومستساغا  لو بقي النقاش جزائريا خالصا ،أما عندما يصبح “الجامع الأعظم” منفذا لمهاجمة الجزائر من الخارج، ومن أين؟ من مستعمِرة الأمس فرنسا التي حاولت مسخ الجزائريين وسلخهم من هويتهم طوال 132 سنة من احتلال استيطاني بغيض، فهذا موقف قد لا يغفره لهم الجزائريون الذين يدركون أيضا أن من يحاربون مسجد الجزائر الأعظم اليوم، هم جزائريون يحجّون سنويا لـ “برج إيفل” ويولون وجوههم شطر قوس النصر، وهم من يهرولون عادة إلى حمل مظلاتهم عندما تمطر السماء في باريس، وهم من يحاربون العربية والإنجليزية ويسعون إلى فرض اللغة الفرنسية التي تجاوزتها الأحداث في عقر دارها.

“المحمدية” وليس “لافيجري”

رئيس مجلس أئمة فرنسا الشيخ حسين درويش صنف الحملة في خانة “الحقد التاريخي الفرنسي على الجزائر” وقال بالحرف “أقيمُ منذ سنوات في فرنسا، وأعرف ما يحدث هنا، في فرنسا حقد تاريخي دفين، هم لا يحبون أي مشروع أو صرح يعيد الجزائر إلى أصلها الإسلامي”، مؤكدا أن “الجامع ليس قاعة صلاة ،بل هو منارة إسلامية، وسيكون قبلة مغاربية للأمن والأمان والسلم”.

تشييد الجامع على منطقة كانت معقلا من معاقل التبشير المسيحي أثناء الاحتلال يحمل رمزية ورسالة واضحة أزعجت عدة جهات في الداخل والخارج

أما الأمين العام لتنسيقية الأئمة الجزائريين جلول حجيم فيقول أن المساجد شعيرة من شعائر الله وهي عظيمة لقوله تعالى: “ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب” مشيرا إلى أن الهجمات الفرنسية على الجامع سببها المنطقة التي شيد عليها وما تعنيه بالنسبة لهم، المنطقة كانت تابعة لواحد من المبشرين الفرنسيين (الكاردينال لافيجري) الذي شيد فيها مدرسة للآباء البيض وحولها إلى معقل من معاقل التبشير المسيحي، ليأتي مشروع الجامع فيزيل التركة الاستعمارية ويحولها لمعقل من معاقل الإسلام على منطقة يصر الجزائريون بعد الاستقلال أن اسمها “المحمدية” تيمنا بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام وليس “لافيجري”.

وعلى حد قول وزير الشؤون الدينية محمد عيسى، فإن “إقامة الجامع الأعظم في منطقة المحمدية لم يكن اعتباطيا ولا صدفة، بل يحمل رمزية ورسالة ،وقد تم تلقيها كما ينبغي، لهذا هي تزعج المتكالبين”، مضيفا بقوله :”الجزائر إذا جئتها عن طريق البحر تستقبلك من الضفة الغربية بسانتاكلوز، في ضفتها الشرقية بسانت أوغيستان، وفي الوسط تستقبلك بكنيسة السيدة الافريقية، أصبح لها الآن جامع يُرى من مرسيليا، طبعا هذا يقلق الفرنسيين”.

من جهته استغرب عبد القادر قسوم، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، تحول مشروع الجامع الكبير إلى قضية إسلاموفوبيا ،وقال إن الجامع الأعظم الواقع بالمحمدية لم يعد يتعرض إلى انتقادات، بل إلى حملة تشويه من طرف الأعداء التقليديين للجزائر الذين يزعجهم تشييد مشاريع بهذا الخصوص في الجزائر، وفي مكان كان قلعة للصليبيين”.

وخلف صمت الأحزاب والهيئات المحسوبة على التيار الإسلامي والقطاع الديني عموما، إزاء الحملة التي يتعرض لها الجامع من قبل أوساط فرنسية وأطراف داخلية، جملة من التساؤلات حول خلفيات هذا الموقف الموصوف بـ “المتخاذل”. فبعض الأحزاب (الإسلامية) تعتبر المشروع، مشروع الرئيس بوتفليقة، ومن ثم تتنصل من أية مسؤولية تجاهه، في حين يرى البعض ممن لا يشاطرون هذه القراءة، أن المشروع هو مشروع الجزائر ورمزها، ومن ثم فالدفاع عنه في وجه الحملة المسعورة التي تستهدفه، واجبا وطنيا.

الذين يعترضون على بناء الجامع هم “أولئك الذي يحاربون في السرّ والعلن هوية الأمة، وتزعجهم حتى الأشكال والرموز

وقد قلل رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزّاق مقري من أهمية الجامع وإن كان قد رحّب من حيث المبدأ بتشييده معتبرا أن “اللغط الدائر حوله قضية سياسية بالأساس والاعتراض أيضا مبني على خلفية أيديولوجية”، موضحا أنّ الذين يعترضون على بناء الجامع هم “أولئك الذي يحاربون في السرّ والعلن هوية الأمة، وتزعجهم حتى الأشكال والرموز”.

أما محمد ذويبي الأمين العام لحركة “النهضة” فقد دافع بقوة عن المشروع معتبرا أنه “رغبة شعبية وضرورة لعاصمة البلاد، وقد انتظره الجميع لمدة طويلة، فهو معلم يعطي للجزائر العاصمة رمزيتها الإسلامية كبوابة لإفريقيا”.

“مقام الشهيد” يحتضن “الجامع الأعظم”

وبين أوساط عموم الجزائريين، واجه تشييد هذا الجامع الضخم ردود أفعال متباينة ومتضاربة ،فهناك من لا يزال يتساءل ما الدافع وراء مثل هذا المشروع الكبير وبهذه الميزانية الضخمة؟ هل الجزائر بحاجة ماسة لمسجد كهذا أم هي بحاجة إلى مستشفيات وجامعات وطرق؟ وذهب البعض إلى اتهام الحكومة بالفساد وهدر المال العام وسوء التسيير والتدبير ،خاصة وأن الجزائر تعاني من مشاكل كثيرة مثل البطالة وأزمة السكن ،كما أنها ليست في حاجة إلى هذا الجامع، في ظل وجود عدد كاف من المساجد يبلغ 15 ألفا، وعليه كان من الأفضل أن يتم تحويل المبلغ المالي لمشاريع أكثر أهمية، فمليار أورو – في تقديرهم – كفيلة ببناء 100 ألف وحدة سكنية، أو 10 مستشفيات جامعية بمواصفات عالمية.

وربط آخرون بناء الجامع بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي أصر على بناءه ليخلد اسمه في التاريخ .وبحكم العلاقة التنافسية الخاصة بين الجزائر والمغرب يعتقد بعض من الجزائريين أن الجامع رد غير مباشر على مسجد الحسن الثاني في مدينة الدار البيضاء المغربية حيث سيتفوق عليه سواء في مساحته الكلية أوطول مئذنته.

فيما يصنف البعض الجامع كإضافة كبيرة للجزائر وللعالم الإسلامي ،باعتباره رمزا ومعلما حضاريا للشعب وللدولة الجزائرية من شأنه أن يساهم دون شك في إنعاش السياحة الدينية بالبلد، فكل مسلم يزور إندونيسا أو ماليزيا أو تركيا أو غيرها..لا يفوت فرصة زيارة مساجدها والتعرف على عظمة بنائها ومعمارها. فلم لا يكون للجزائر معلمها الديني والحضاري بجانب معلمها الثوري والتاريخي ممثلا في “مقام الشهيد” وهو نصب تذكاري لضحايا حرب التحرير الجزائرية شيد سنة 1982 بأعالي الجزائر العاصمة.

معلم إسلامي للسيطرة على التطرف

وتقول وردة يوسف خوجة، مسؤولة بوزارة الاسكان والتخطيط الحضري أثناء زيارة للموقع :”إنه أحد مشروعات القرن في الجزائر.”وأن الرئيس الجزائري يريد لهذا الجامع أن يكون “نصبا تذكاريا للإسلام وشهداء ثورة الجزائر”.

في حين يرى آخرون أن الدافع الأكبر وراء بناء الجامع قد يكمن في محاولة الحكومة تشكيل الهوية الدينية الوطنية وتسخير الإسلام، من خلال تأكيد سيطرتها على المساجد والدعاة الذين يعملون بها. هذا الجهد بدأ منذ حصول الجزائر على الاستقلال عام 1962، ثم ازداد الضرورة الملحة له بعد دخول البلاد في مرحلة الصراع مع القوى المدنية والمتمردين الإسلاميين خلال فترة التسعينات، حيث فقدت الدولة السيطرة على بعض المساجد لصالح أئمة ومتطرفون يعارضون النظام.

الفكرة في بناء الجامع هي إقامة إسلام وطني بعد أن أعطت فترة إرهاب التسعينيات صورة مشوشة للإسلام، وجعلها لإسلام أقرب إلى الدولة ومكافحة الأصولية.

ويقول كامل شاشوا، خبير الشؤون الدينية في معهد أبحاث ودراسات العالم العربي والإسلامي في مارسيليا، بفرنسا أن “قرار تشييد مسجد بهذه الصفة هو الأمر الذي كان ينقص الجزائر حتى الأن ،فهو وسيلة لسحب البساط من تحت أقدام الإسلاميين” مضيفا أن “الفكرة هي إقامة إسلام وطني بعد أن أعطت فترة إرهاب التسعينيات صورة مشوشة للإسلام، وجعلها لإسلام أقرب إلى الدولة ومكافحة الأصولية”.

وفي هذا الشأن يقول وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى أن “استراتيجية الحكومة الجزائرية هي تنظيم المساجد تنظيما هرميا يكون الجامع الأعظم قمة الهرم”.

وفيما يعتقد فوزي أوصديق ،وهو مستشار قانوني جزائري، “إن مستوى التدين لا يقاس بعدد المساجد واتساع مساحتها، بل بالرسائل التي تؤديها والدور الذي تلعبه في تربية الأجيال، لكن للأسف رسائل المساجد في الجزائر إلى حد الآن مشوشة ومستوى الأئمة ضعيف وتكوينهم هش”. نجد أن المشروع نال إعجاب الكثيرين، من بينهم المختص في الشؤون الإسلامية مالك شبال الذي يعتقد أن الجزائر في حاجة إلى مشاريع ضخمة مثل هذا الجامع الكبير ،مشيرا أن “الأهم ليست كلفة المشروع حتى ولو بلغت 10 مليارات دولار، لكن قدرة المشروع على تعزيز مكانة الإسلام في الجزائر وتحسين صورة البلاد في الخارج، فضلا عن خفض حدة التطرف الديني الذي للأسف قادنا إلى العنف لمدة سنوات”.

(المصدر: إسلام أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى