هل سيفتح ترامب علبة ديدان الإخوان؟

هل سيفتح ترامب علبة ديدان الإخوان؟

بقلم د. ممدوح المنير

يسعى ترامب لتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية والإستخبارات الأمريكية رفضت سابقا وحاليا هذا المحاولات الترامبية .

فما السبب وراء هذا الرفض؟

موقف ترامب مفهوم ومعروف من خلال اتجاهه اليميني المتطرف أو تأثير السعودية والإمارات عليه من خلال كوشنر صهره و كبير مستشاريه.

هل تحب مثلا المخابرات الأمريكية الإخوان وتعتبرهم يمثلون الإسلام الوسطي الجميل أم ماذا؟

لكي نفهم القصة يجب أن ندرك خلفياتها جيدا، هناك مدرستين للوصول للسلطة في العالم العربي عبر كونك معارضا للنظم الحاكمة إما عن طريق السلاح والمواجهات العنيفة مع النظام أو عن طريق المعارضة السياسية التقليدية عبر الانتخابات والأحزاب.

إستراتيجية أمريكا والغرب في المنطقة العربية تقوم على أن تكون السلطة والحكم والسيادة لرجال تابعين لها مباشرة لضمان مصالحهم وأمن إسرائيل.

وبالتالي فلا سلطة لشخصيات مستقلة حتى لو كانت غير مؤدلجة، فاستقلال القرار في أي دولة عربية يعني احتمالية بل حتمية تضارب المصالح مع واشنطن وحلفائها.

الإخوان في تفكيرهم الجمعي أو منهجهم الفكري شخصيات مستقلة وليست تابعة وهذه نقطة خطر أولى، الثانية أنهم أصحاب مشروع حضاري إسلامي كذلك وهذا المشروع يعتبرونه خطر على حضارتهم وثقافتهم.

لأن الحضارة الإسلامية بطبيعتها حضارة استعلائية احتوائية بقيمها ومبادئها وبالتالي هي لا تقبل الذوبان في الحضارات الأخرى بينما الحضارات الأخرى تذوب وتنصهر معها والتاريخ ينطق بذلك وهم يعرفون ذلك جيدا.

وبالتالي لا يصبح أمام الغرب سوى منعهم من الوصول إلى السلطة في معناها الحقيقي التي تعني السيادة والتحكم والسيطرة ولكن ذلك يعني إغلاق المسار السياسي السلمي وفتح الطريق للمسار المسلح على مصراعيه وهو مسار لا تؤمن عواقبه على الأنظمة التابعة لهم في العالم العربي ولا يمكن التحكم فيه بشكل كامل.

لحل هذه المعضلة الأمريكية الغربية كان البديل الثالث لديهم وهو ما أسمّيه “سراب السلطة” وفيه يسمح للإخوان بممارسة العمل السياسي ودخول البرلمان والمشاركة في الحكومة وبعض مناصب الدولة ويتم جذب جميع الشباب الإسلامي الذي يريد تغيير السلطة إلى دولاب العمل هذا واستهلاكهم فيه بعيدا عن خيار تغيير الحكم بقوة السلاح.

وكان هذا الخيار هو أوفق الحلول للعقلية الغربية وأكثرها فائدة لهم من عدة جهات، فهم ضمنوا أن طاقات التغيير في الأمة قد تم تسكينها وتوظيفها داخل دولاب عمل مصمم بدقة وبمعالم واضحة وله خطوطه الحمراء، فلا يمكن لهم بحال الاقتراب من أدوات الحكم الحقيقية مثل الجيش أو الرئاسة أو الإعلام أو أجهزة المعلومات الأمنية وغير الأمنية ولا مؤسسات المال.

وفي نفس الوقت يشعر الإخوان أنهم يتقدمون في طريقهم للسلطة بحصولهم على منصب أو وزارة أو مقاعد في البرلمان.

وعلى الجانب الآخر تستفيد الأنظمة الوظيفية الحاكمة عندنا في العالم العربي من هذا الإطار في إضفاء المشروعية عليهم.

فقبول الإخوان الذين يحظون برضى شعبي كبير مشاركة السلطة مع النظام الحاكم هو صك للمشروعية والقبول به حتى وإن عارضوا بعض سياساته.

لذلك حرص السيسي بعد انقلابه في الثالث من يوليو على محاولة ضم وزراء من الإخوان لحكومته وخصوصا د. باسم عوده وزير التموين في حكومة د. مرسي لإضفاء المشروعية على انقلابه لكنهم رفضوا وتم التنكيل بهم بسبب ذلك.

عندما قامت حماس بكسر الخطوط الحمراء وشكلت الحكومة في فلسطين كان الحصار مباشرة وتفجير الأوضاع الداخلية وسحب الاعتراف بها.

وعندما نجح د. مرسي ووصل إلى مقعد السلطة وأصبح له كلمة على مؤسسات القوة والمال والإعلام كان الانقلاب ومذبحة الفض واستوعبت حركة النهضة الدرس سريعا ورضيت بأن تكون جزء من السلطة ولكن على هوامشها لنعود لإستراتيجية الدولاب.

وهذه المعضلة هي ما كتبت عنه مرارا سابقا، وهي أن الإخوان يسعون إلى السلطة دون امتلاك أدواتها الحقيقية ولا حتى السعي إلى ذلك وفي نفس الوقت يسمح لهم الغرب بالسعي خلف (سراب السلطة) الذي عادة ما ينتهي عند هوامشها وليس قلبها.

تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية سيفشل ما أسميته باستراتيجية البديل الثالث التي استخدمها الغرب لتطويع الحركة الإسلامية وسيفتح الطريق أمام الخيار المسلح بعد أن يغلق كل مجالات العمل السياسي السلمي.

ورغم أن الإخوان ترفض استخدام السلاح في مواجهة الدولة وتعتبره خروج عن منهجها إلى أنها ليس لها سلطان ضابط على أفرادها أو باقي شباب الوطن العربي، فهي سلطة أدبية أخلاقية وليس شيئا آخر.

وهو ما يجعل وزارة الخارجية ووزارة الدفاع والاستخبارات الأمريكية ترفض فكرة التصنيف لأنها ستفتح عليهم علبة “الديدان” كما يقول مركز الدراسات الإستراتيجية والأمنية الأمريكي “ستراتفور” والذي يعد الحديقة الخلفية للمخابرات الأمريكية.

الديدان هنا بحسب تعبير المركز هي أن التصنيف سيعني إشكاليات في التعامل مع فروعها المختلفة، لكن من وجهة نظري الأمر يتعدى ذلك فالتصنيف قد يؤدي إلى حل الجماعة في عدة دول وحل الجماعة سيعني تحولها إلى مئات وربما آلاف المجموعات المحلية الغير مرتبطة معا وبالتالي ستزداد التعقيدات الأمنية فبدل أن يتم التفاهم مع بضعة أشخاص يتحكمون في هذا الكيان الضخم سيكون عليهم التفاهم مع مجموعات صغيرة في القرى والمدن وربما الأحياء وهو ما يعني صعوبات هائلة أمنية في التحكم والسيطرة.

إدارة العلاقة مع كيان بحجم الإخوان من خلال مجموعة من الأفراد معروفين لديهم ودارسين لشخصياتهم جيدا مثل ردود أفعالهم وأنماط سلوكهم أفضل ألف مرة من إدارة العلاقات مع أفراد مجهولين في آلاف الأماكن لا يتوقع رد فعلهم ولا أنماط حركتهم.

فما هي خيارات الطرفين لإدارة المعركة بينهما؟

وهل سينجح ترامب في تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية أم ستنجح الأجهزة السيادية في واشنطن في كبح جماحه حفاظا على مصالحها؟

هذا ما سنفرد له مقالا آخر بإذن الله

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى